Sebab sebab Memudahkan al Taysir dalam B

Jurnal Fiqh, No. 8 (2011) 133-152

Journal of Fiqh, No. 8 (2011) 133-152

‫أسباب التيسير في الفتوى وتطبيقاتها المعاصرة‬
Causes of Facilitation in Islamic Legal Rulings
(Fatwas) and Its Contemporary Applications

*

‫نشوان عبده خالد المخافي‬
** ‫أمين أحمد النهاري‬
AbstRACt

This article found on the causes that call for facilitation in
Islamic legal rulings (fatwas) and the application of the theory
to practical examples, particularly in contemporary fatwas
delivered in response to pressing need and unprecedented
contemporary circumstances. The research aims to
provide a clear picture of the facility of Syariah, the ease it
provides for dealing with unprecedented circumstances and

contemporary issues, and it’s capacity for constant renewal
and accommodation of new issues that continually crop up
in life. In order to achieved the objective, this study tries to
apply a descriptive methodology in delineating the concepts
of the research and then an analytic methodology in analysing
the texts and evidence that provide the basis for facilitation in
delivering fatwas. The inding shows the most important being
that facilitation is one of the objectives of Syariah and that it
varies with variations of circumstance, time and place.
Keywords: Fatwas, Contemporary, Islamic Syariah, Methodology

* Postgraduate Student, International Islamic University Malaysia.
** Visiting Lecturer, Department of Fiqh & Usul, Academy of Islamic
Studies, University of Malaya.

‫‪Jurnal Fiqh, No. 8 (2011) 133-152‬‬

‫المقدمة‬
‫إن الناظر ي الواقع اليوم جد أن مت أحواا تستدعي مراعاة مستجدات احياة‪،‬‬
‫وتتناسب مع معامات العصر وتتماشى مع جديد اأعراف‪ ،‬وهو أمر يدعو إى‬

‫التعامل مع الواقع امعاصر بنظرة عميقة تراعي اجديد حسب اأصول والقواعد الي‬
‫جاءت ها الشريعة السمحة‪ .‬ومن هنا فإن موضوع الفتوى واأسباب الداعية إى‬
‫التيسر فيها من التحديات الي تواجه جتهدي اأمة وفقهاء الشريعة ي كل عصر‪،‬‬
‫ومن اأمور الداعية إى الفقه العميق هذه امستجدات‪ ،‬واأحداث اآنية‪.‬‬
‫وإن من اإشكاليات القائمة اليوم اافراط أو التفريط ي التيسر ي الفتوى‪،‬‬
‫خصوصا ي ظل امستجدات واأحداث امعاصرة‪ ،‬وعدم فهم حقيقة التيسر ي‬
‫اأحكام الشرعية‪ ،‬وكذا عدم تقيد الناس ي اأخذ الكامل بالفتوى‪ ،‬أو اخلط الواقع‬
‫لدى البعض ي الفرق بن احكم والفتوى امختصة حالة معينة أو شخص‪ .‬وهذا ما‬
‫سيحاول هذا البحث كشفه وبيانه‪.‬‬
‫مفهوم التيسير في الفتوى‬
‫إن التيسر ختلف باختاف احالة والزمان وامكان‪ ،‬فليس احكم للقوي مثل احكم‬
‫للضعيف‪ ،‬وا لآمن مثل اخائف‪ ،‬ويظهر هذا جلياً من تتبع اهدي النبوي على‬
‫صاحبه أفضل السام‪ ،‬من هنا فإن التيسر الذي دعت إليه الشريعة هو السماحة‪،‬‬
‫والسهولة‪ ،‬ورفع احرج عن امكلف‪ ،‬ما ا يصادم نصا شرعيا‪.‬‬
‫وليس معى التيسر أن جنح امفي بالفتوى حسب رغبة امستفي‪ ،‬فيفتيه من‬
‫اأقوال ‪-‬إن كانت خافية‪ -‬ما يناسب رغبته‪ ،‬وإن كانت حجته داحضة تيسراً‬
‫عليه‪ ،‬فإن التيسر ي الشريعة ا يعي اجري وراء رغبات الناس وأهوائهم أيّا كانت‪،‬‬
‫بل أُنزلت الشريعة لتجمع هذه الرغبات‪ ،‬وتصبها ي قالبها الشرعي‪ ،‬وتصبغها‬
‫‪1‬‬
‫بصبغتها‪.‬‬

‫وليس معى التيسر اللجوء إليه مطلقا دون معرفة مقاصد النصوص الواردة‬
‫وأبعادها وغاياها‪ ،‬بل ا بد أن يكون فيه حقيق مقصود الشارع من التيسر‪ ،‬ودون‬
‫إخال مقاصده وأهدافه‪ ،‬أو يتعارض مع نصوصه احكمة‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫حمد مبارك ميل (‪ ،)1988‬نظرية الضرورة الشرعية‪ .‬دار الوفاء امنصورة‪ ،‬ص ‪.298-297‬‬
‫‪134‬‬

‫أسباب التيسر ي الفتوى وتطبيقاها امعاصرة‬

‫كما أن التيسر ا خضع للضغوطات الي يفرضها الواقع‪ ،‬وينتجها الزمن‪،‬‬
‫فيتسبب ذلك ي ضعف الفتوى‪ ،‬وهزاها‪ ،‬قال القرضاوي‪ :‬وليس معى التيسر‬
‫اخضوع لضغط الواقع‪ ،‬فقد أصيب فئام من امتصدرين للفتوى هزمة روحية ونفسية‬
‫أمام الضغط العنيف وامتتابع على اأمة‪ ،‬فجاءت فتواهم تريراً للواقع امنحرف‬
‫وتسويغاً أباطيله بأقاويل ما أنزل اه ها من سلطان‪ ،‬ولذا رأينا بعضهم يفي بعدم‬
‫تعدد شرعية الزوجات حياء من الغرب‪ ،‬ومنهم من برّر الفوائد الربوية‪ ،‬وي فرة‬
‫السطوة ااشراكية وجدت الفتاوى الي ترر تأميم أماك الناس بغر حق‪ ،‬وقد ركب‬
‫أقوام الصعب والذلول لتطويع النصوص للواقع‪ ،‬والواجب تطويع الواقع للنصوص‪،‬‬
‫ول‬
‫أن اميزان امعصوم الذي حتكم إليه ﴿ فَإِن َتفنَا َزْعتُ ْم ِي َش ْي ٍء َفف ُردُوُه إ َِى اللّ ِه وَالر َُس ِ‬

‫‪2‬‬
‫ا ﴾ [النساء‪.]59:‬‬
‫َح َس ُن تَْأوِي ً‬
‫ِك َخْيف ٌر َوأ ْ‬
‫اآخ ِر َذل َ‬
‫إِن ُكنتُ ْم ُتف ْؤِمنُو َن بِاللّ ِه وَالَْيف ْوِم ِ‬
‫والذي خلص إليه أن امرجع ي التيسر ي الفتوى يكون بالنظر إى ما فيه‬
‫امصلحة للمسلمن‪ ،‬وا بد أن تكون امصلحة معترة شرعا‪ ،‬والي ا خالف مقصداً‬
‫شرعيا ثابتا‪ ،‬حسب قاعدة‪« :‬إذا ضاق اأمر اتسع» إضافة إى اعتبار حياة الناس‬
‫وأعرافهم‪ ،‬وما عمت به البلوى ي حيطهم دون هتك لأصول‪ ،‬وعندئذ نلوذ ما يسر‬
‫‪3‬‬
‫اه وما خفف عنا ما تشمله قاعدة‪« :‬ما عمت بليته خفت قضيته»‪.‬‬
‫التيسير في الفتوى بين المتشددين والمتساهلين‬
‫هج فريق من أهل العلم بالناس منهج التشديد‪ ،‬فكلفوهم ما ا يطيقون‪ ،‬وذلك إما‬
‫لقلة إحاطتهم‪ ،‬أو لتقليدهم من سبقهم‪ ،‬غر معترين باأحوال والظروف الي كان‬
‫يعيشها من سبقهم‪ ،‬لو عاش أهلها ظروفا أخرى لتغرت فتاواهم‪ ،‬كما فعل اإمام‬
‫الشافعي ي اجديد بعد انتقاله من العراق إى مصر‪.‬‬
‫وما ا شك فيه أن التضييق والتشديد منهج مذموم‪ ،‬خالف مقتضى النصوص‬
‫الدالة على التيسر‪ ،‬واحث عليه‪ ،‬ولن يشاد أحد الدين أحد إا غلبه‪ ،‬ويرجع هذ‬
‫‪4‬‬

‫السلوك إى أسباب أمها‪:‬‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪4‬‬

‫يوسف القرضاوي (‪ ،)1992‬الفتوى بن اانضباط والتسيب‪ .‬ط ‪ ،3‬القاهرة‪ :‬دار الصحوة للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬ص ‪.83‬‬
‫سامة‪ ،‬الطيب‪ ،‬حث اأخذ بالرخص وحكمه‪ ،‬جلة اجمع الفقهي‪ ،‬العدد ‪ ،8‬ج ‪ ،1‬ص ‪.526‬‬
‫عبد الرزاق عبداه صاح الكندي (‪ ،)2008‬التيسر ي الفتوى أسبابه وضوابطه‪ .‬بروت‪ :‬مؤسسة‬
‫الرسالة ناشرون‪ ،‬ص ‪.87‬‬
‫‪135‬‬

‫‪Jurnal Fiqh, No. 8 (2011) 133-152‬‬

‫‪ .1‬الطبيعة النفسية للشخص‪ ،‬لتأثره أو نشوئة ي بيئة ميل للتشدد ي كل اأمور‪،‬‬
‫ما ينعكس على شخصية امفي‪.‬‬
‫‪ .2‬الورع الزائد وااحتياط للدين من وجهة غر سليمة‪.‬‬
‫‪ .3‬البيئة‪ ،‬فاإنسان يتأثر بالبيئة واحيط الذي يعيش فيه‪ .‬والبيئات ختلفة‪ ،‬فبعضها‬
‫منغلقة على نفسها ا تدري ما يدور حوها‪ ،‬وا تتفاعل مع عصرها إا من زاوية‬

‫ضيِقة‪ 5.‬فيتأثر امفي ببيئته‪ ،‬ويرفض الكثر من اجديد سدا للذريعة‪.‬‬
‫‪ .4‬التعصب للمذاهب واأشخاص‪ ،‬والتمسك بظاهر النصوص‪ ،‬وغرها من‬
‫اأسباب الي جعل امفي يسلك مسلك التشدد‪ ،‬الذي ا شك أنه يناي‬
‫مقاصد الشريعة وروحها‪.‬‬
‫وفرّط ي امسألة فريق آخر وضيع‪ ،‬فجعل من التيسر مدخا للتاعب‪ ،‬متتبعا‬
‫بذلك رخص العلماء‪ ،‬مشتغا ها‪ ،‬وهذا الصنف ذمه العلماء أيضا بقوهم‪ :‬من‬
‫تتبع رخصة كل عام فقد تزندق‪ ،‬وقد نقل ابن عبد الر اإماع على امنع من تتبع‬
‫الرخص‪ 6،‬قال سليمان التيمي‪« :‬لو أخذت برخصة كل عام اجتمع فيك الش ُر‬
‫‪7‬‬
‫كلُه»‪.‬‬
‫قال اإمام النووي‪« :‬لو جاز اتباع أي مذهب شاء أفضى إى أن يلتقط رخص‬
‫امذاهب متبعا هواه‪ ،‬وبتخر بن التحليل والتحرم والوجوب من اجواز‪ ،‬وذلك قد‬
‫‪8‬‬
‫يؤدي على ااحال من ربقة التكليف»‪.‬‬
‫كما سلك بعضهم مسلك التيسر رغبة ي تأليف الناس على اإسام وحبيبهم‬
‫ا على التيسر‪ ،‬قال اإمام الشاطي‪ « :‬وقد زاد هذا‬
‫فيه‪ ،‬فجعلوا من ااختاف دلي ً‬
‫اأمر‪ ،‬أمر تتبع الرخص وعدم اانضباط ي الفتوى ف على قدر الكفاية‪ ،‬حى صار‬
‫اخاف ي امسائل معدودا ي حجج اإباحة‪ ،‬فرما وقع اإفتاء ي مسألة‪ ،‬فيقال‪ِ :‬م‬
‫منع وامسألة ختلف فيها؟ فيجعل اخاف حجة ي اجواز جرد كوها ختلف فيها‪ ،‬ا‬

‫‪5‬‬
‫‪6‬‬

‫‪7‬‬
‫‪8‬‬

‫سلمان بن فهد العودة (د ت)‪ ،‬امسلمون بن التشديد والتيسر‪ .‬معية الر اخرية بريدة‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫يوسف ابن عبد الر النمري القرطي (‪ ،)1978‬جامع بيان العلم وفضله‪ .‬بروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫ج ‪ ،2‬ص ‪.92‬‬
‫القرطي (‪ ،)1978‬امرجع السابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.112‬‬
‫حي الدين النووي (د ت)‪ ،‬اجموع شرح امهذب‪ .‬حقيق‪ :‬حمود مطرحي‪ ،‬بروت‪ :‬دار الفكر‪ ،‬ج ‪،1‬‬
‫ص ‪.5‬‬
‫‪136‬‬

‫أسباب التيسر ي الفتوى وتطبيقاها امعاصرة‬

‫لدليل يدل على صحة اجواز‪ ،‬وا لتقليد من هو أوى بالتقليد‪ ،‬وهو عن اخطأ على‬
‫ٍ‬
‫‪9‬‬
‫الشريعة حيث جعل ما ا ليس معتم ٍد معتمداً‪ ،‬وما ليس حج ٍة حجةً» ‪.‬‬

‫كما أنه هناك فريق آخر جعل من التيسر مطية للتحلل من الدين‪ ،‬حجة أن من‬
‫مقاصد الشريعة جلب امصاح للمكلفن‪ ،‬وأن احكم يدور معها‪ ،‬متجاهلن أن ما‬
‫شرعه اه فهو امصلحة بعينها‪ ،‬فجعلوا امصلحة والزمان وامكان والتجديد والتطور‬
‫حاكمة على شرع اه تعاى ا الشرع حاكماً عليها‪.‬‬
‫ولعل من اأسباب الظاهرة لإفراط ي التيسر ما يأي‪:‬‬

‫‪10‬‬

‫‪ .1‬التعقيد الذي يصاحب كثراً من القضايا الي يفي ها للضرورة‪.‬‬
‫‪ .2‬الوهن والضعف اللذان يصيبان بعض امفتن‪ ،‬إضافة إى قلة العلم الشرعي‪،‬‬
‫والقدرة على اإحاطة بامسالة من ميع جوانبها‪.‬‬
‫‪ .3‬حاولة حبيب الناس ي الدين وإعادهم إى حظرة الشرع‪ ،‬وكذا اإفراط بالعمل‬
‫بامصلحة‪ ،‬ولو خالفت النصوص‪.‬‬
‫وتوسط فريق ثالث وهم أهل احق والعدل والقسط فكانوا بن اإفراط والتفريط‪،‬‬
‫وسلكوا مسلك التيسر امنضبط‪ ،‬الذي ا خالف نصوص الشريعة وا مقاصدها‪.‬‬
‫وهذه الطائفة وافقت الصواب‪ ،‬أها سلكت الوسط الذي هو معظم الشريعة‪ ،‬وأم‬
‫الكتاب‪.‬‬
‫يقول اإمام الشاطي‪« :‬واخروج إى اأطراف خارج عن العدل‪ ،‬وا تقوم به‬
‫مصلحة اخلق‪ ،‬أما ي طرف التشديد فإنه مهلكة‪ ،‬وأما ي طرف ااحال فكذلك‬
‫أيضاً‪ ،‬أن امستفي إذا ذهب به مذهب العنت واحرج بُغض إليه الدين‪ ،‬وأدى إى‬

‫‪11‬‬
‫اانقطاع عن سلوك طريق اآخرة‪ ،‬وهم ومشاهدٌ»‪.‬‬
‫وما ا شك فيه أن هذا امسلك هو مسلك أهل العلم والورع‪ ،‬والتقوى والزهد‪،‬‬
‫وهي صفات ازمة من يتصدر لإفتاء‪ ،‬وقد سار على هذا امنوال اأئمة‪ ،‬وقد‬
‫نقل عنهم ما ا حصى من امسائل‪ ،‬يقول اإمام النووي‪« :‬ومن التساهل أن‬
‫‪9‬‬

‫‪10‬‬
‫‪11‬‬

‫أبو إسحاق إبراهيم ابن موسى الشاطي (‪ ،)1996‬اموافقات ي أصول الشريعة‪ .‬بروت‪ :‬دار امعرفة‪،‬‬
‫ط ‪ ،2‬ج ‪ ،2‬ص ‪.78‬‬
‫الكندي (‪ ،)2008‬امرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 92-91‬بتصرف‪.‬‬
‫الشاطي (‪ ،)1996‬امرجع السابق‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.259‬‬
‫‪137‬‬

‫‪Jurnal Fiqh, No. 8 (2011) 133-152‬‬

‫بالشبه‬
‫حمله اأغراض الفاسدة على تتبع احيل احرمة أو امكروهة‪ ،‬والتمسك ُ‬

‫صح قصده‬
‫طلباً للرخيص من يروم نفعه‪ ،‬أو التغليظ على من يريد ضره‪ ،‬وأما من ّ‬
‫لتخليص من ورطة من وحوها‪ ،‬فذلك حس ٌن‬
‫ٍ‬
‫فاحتسب ي طلب حيلة ا شبهة فيها‬
‫ميل‪ ،‬وعليه حمل ما جاء عن بعض السلف من حو هذا‪ ،‬كقول سفيان‪ :‬إما العلم‬
‫‪12‬‬
‫كل أحد»‪.‬‬
‫عندنا الرخصة من ثقة فأما التشديد فيحسنه ُ‬
‫مواطن التيسير‬
‫إن الشريعة اإسامية شريعة محة‪ ،‬صاحة لكل زمان ومكان‪ ،‬ثابتة وراسخة رسوخ‬
‫اجبال الرواسي‪ ،‬وا شك أن من عوامل ثباها ما ميزت به من السعة وامرونة‪ ،‬حيث‬
‫اشتملت على أحكام امعامات معلّلة‪ ،‬كما أها راعت اأعراف‪ ،‬ما جعلها تتناسب‬
‫لكل زمان ومكان‪.‬‬
‫بتغر الزمان وامكان واأحوال‪ ،‬وأن‬
‫وكما هو متقرر عند اأئمة أن الفتوى تتغر ُ‬
‫بتغر موجباها‪ .‬وهناك ي الشريعة ما يسمى بالثابت وامتغر‪ ،‬فالثابت‬
‫الفتوى تتغر ُ‬
‫هو الذي ا يدخله التغير ي اأحكام وينقسم إى ثاثة أقسام‪:‬‬
‫‪.1‬اأحكام التعبدية‪ :‬كالشهادتن وأحكام الصاة وإيتاء الزكاة‪ ،‬والصوم واحج‬

‫واجهاد ي سبيل اه‪ ،‬ومقومات اإمان الباطنة الستة وحوه‪.‬‬
‫‪ .2‬اأحكام اأخاقية‪ :‬اأمر بالفضائل كالصدق واأمانة واإيثار والوفاء بالعهد‪،‬‬
‫واجتناب الرذائل كالكذب واخيانة وخلف الوعد‪.‬‬
‫‪ .3‬اأحكام الشرعية امعللة بعلل ثابتة‪ :‬كتحرم الزنا‪ ،‬والقتل‪ ،‬ضرورة االتزام بن‬
‫الناس عن طريق البيع‪ ،‬وشرط العقد ي النكاح وغرها‪.‬‬
‫حا لاجتهاد‪ ،‬وا يطرأ عليها التغر أو‬
‫فهذه الثاثة اأقسام ثابتة‪ ،‬وليست ًّ‬
‫التبديل‪.‬‬
‫وأما امتغر ي الشريعة والذي م يقم دليل قاطع عليه فيعتر هو حل ااجتهاد‬
‫والفتوى والتيسر‪ .‬وأما ما عداها من اجاات أو امواطن امتغرة‪ ،‬والي م يرد فيها‬
‫نص وا إماع أو كانت دالته ظنية‪ ،‬أو مبنية على مصلحة أو ضرورة معترة‪ ،‬فإنه‬
‫جوز فيها ااجتهاد والتيسر حسب ما تقتضيه كل مسألة وتتوافر أسبابه‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫حي الدين النووي (د ت)‪ ،‬الطبعة امنرية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.80‬‬
‫‪138‬‬

‫أسباب التيسر ي الفتوى وتطبيقاها امعاصرة‬

‫ضوابط التيسير في الفتوى‬
‫التيسر ي الفتوى ا بد أن يكون منضبطاً بقواعد حددة‪ ،‬صادرة من ملك اأهلية‬
‫ا للتساهل‬
‫لإفتاء‪ ،‬وإا فإن الفتوى سيتخذها الناس مطية لتلبية رغباهم‪ ،‬وسبي ً‬
‫والكسل عن تطبيق اأحكام‪ ،‬وإن رفع شعار التيسر قد مل البعض على فعل‬
‫احظورات أحياناً‪ ،‬ولترير الواقع الفاسد الذي يهدف إى اانفكاك عن التكليف‬
‫الشرعي‪ ،‬لذا كان ا بد من بيان الضوابط الشرعية الضابطة للتيسر ي الفتوى‪ ،‬وهي‬
‫كاآي‪:‬‬
‫‪ .1‬أن يكون سبب التيسر واقعاً بالفعل أو متوقعاً بغلبة الظن‪ 13،‬وا جوز التيسر‬
‫جرد ورود أقوال ي امسألة‪ ،‬وإذا كان ي احرم لذاته فا حله إا الضرورة‪.‬‬
‫‪ .2‬أن ا يغيب بسبب التيسر أحد معام الدين‪ ،‬أو أن يكون ي امشقة مصاح‬
‫أعظم كمشقة اجهاد‪ ،‬فالعمل بالعزمة أوى‪ ،‬وحمل امشقة هنا اموافق أحكام‬
‫‪15‬‬
‫الشريعة‪ 14.‬وإن أفضت إى تلف النفس أو العضو وامال‪.‬‬
‫‪ .3‬أن التيسر إذا كان لرفع مشقة زائدة فإنه يكون بقدر ما يرفع تلك امشقة ا‬
‫يتجاوز فيه إى غره‪ ،‬سوا ًء كانت امشقة لضرورة أو حاجة‪ ،‬وأن تكون امشقة‬
‫اموجبة للتيسر ما ينفك عنه التكليف‪ .‬فمشقة اجهاد كبرة ولكنها غر داعية‬
‫‪16‬‬
‫للتيسر‪.‬‬
‫‪ .4‬التيسر الذي يكون خاف حكم اأصل ا يكون شريعة عامة‪ .‬وإما يقتصر‬
‫احكم على من حقق فيهم مناط حكم التيسر‪ .‬فينظر لكل حادثة على‬
‫‪17‬‬
‫حدة‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫‪14‬‬
‫‪15‬‬

‫‪16‬‬

‫‪17‬‬

‫ابن قدامة (‪ ،)1405‬امغفي ي فقه اإمام مالك‪ .‬ج ‪ ،9‬بروت‪ :‬دار الفكر‪ ،‬ص ‪.331‬‬
‫الكندي (‪ ،)2008‬امرجع السابق‪ ،‬ص ‪.108‬‬
‫حمد مبارك ميل (‪ ،)1988‬امرجع السابق‪ ،‬ص ‪61‬؛ أسامة بن حمد الصاي (‪ ،)2003‬الرخصة‬
‫الشرعية‪ .‬الشارقة‪ :‬مكتبة الصحابة‪ ،‬ص ‪.160‬‬
‫الباحسن‪ ،‬يعقوب (د ت)‪ ،‬رفع احرج ي الشريعة اإسامية‪ .‬الرياض‪ :‬مكتبة الرشد‪ ،‬ص ‪424‬؛‬
‫الشاطي‪ ،)1996( ،‬امرجع السابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.82‬‬
‫الكندي (‪ ،)2008‬امرجع السابق‪ ،‬ص ‪.108‬‬
‫‪139‬‬

‫‪Jurnal Fiqh, No. 8 (2011) 133-152‬‬

‫‪ .5‬التيسر الذي جلبه امصلحة امرسلة ينبغي أا يصادم نصا‪ ،‬أن امصلحة ي‬
‫‪18‬‬
‫النص ولو م يظهر لنا ذلك ‪.‬‬
‫‪ .6‬أن ا يكون سبب التيسر اهوى والتشهي وترير الواقع باسم امرونة والتطور‬
‫وإعطاء الواقع الفاسد سندا شرعيا بااعتساف وسوء التأويل‪ ،‬فالشريعة هي‬
‫‪19‬‬
‫اميزان وهي احكم العدل‪.‬‬
‫‪ .7‬أن ا يشمل التيسر ااعتداء على حقوق اآخرين‪ ،‬إذ ذلك ما ا جيزه الضرورة‬
‫‪20‬‬
‫فما دوها من أسباب أوى‪ ،‬وذلك كالقتل والزنا والغصب‪.‬‬
‫هذه هي الضوابط الي ا بد من االتزام ها‪ ،‬وا خرج التيسر عن دائرها وإا‬
‫فإن اأمر يصبح فوضى‪ ،‬ومدعاة للهروب من التكاليف‪ .‬أسباب التيسر ي الفتوى‬
‫مع تطبيقات معاصرة‬
‫حاول الباحث ذكر اأسباب الي حمل امفي على التيسر‪ ،‬آخذا منهج‬
‫ااستقراء هذه اأسباب ‪ ،‬مقتصرا على ذكر مثال قدم لاستئناس‪ ،‬م ذكر أمثلة‬
‫تطبيقية معاصرة على سبيل التمثيل ا احصر‪ ،‬ومن بن هذه اأسباب‪ :‬تغر الزمان‬
‫وامكان‪ ،‬والتطور‪ ،‬وامصلحة وغرنا من اأسباب الي سنعرض ها‪.‬‬
‫أوا‪ :‬تغير الزمان‬
‫وامراد به التغرات احاصلة ي حياة الناس‪ ،‬وي اجتمع ي فرة زمنية معينة‪ ،‬وهو‬
‫أمر ظاهر ومنه اإبراد‪ 21‬ي الصاة ي زمن احر‪ ،‬ففي احديث‪ :‬عن أي ذر رضي‬
‫اه عنه قال‪ :‬أذن مؤذ ُن رسول اه الظهر‪ ،‬فقال‪« :‬أبرد أبرد»‪ ،‬أو قال‪« :‬انتظر‬
‫‪22‬‬
‫انتظر»‪ .‬وقال‪« :‬شدة احر من فيح جهنم‪ ،‬فإذا اشتد احر فأبردوا عن الصاة»‪،‬‬
‫قال الراوي‪ :‬حى رأينا يء التلول‪ 23.‬ووجه الدالة من احديث‪ :‬أن الني صلى اه‬
‫‪18‬‬
‫‪19‬‬

‫‪20‬‬
‫‪21‬‬

‫‪22‬‬
‫‪23‬‬

‫ابن جيم (‪ ،)1990‬اأشباه والنظائر‪ .‬بروت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫يوسف القرضاوي (‪ ،)1993‬شريعة اإسام خلودها وصاحها للتطبييق‪ .‬الزرقاء‪ :‬امكتب اإسامي‪،‬‬
‫ص ‪.155‬‬
‫وهبة الزحيلي (د ت)‪ ،‬نظرية الضرورة الشرعية‪ .‬بروت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ص ‪.69‬‬
‫ومعى اإبراد‪ :‬أن يؤخروا الصاة حى خف الشدة اموجودة ي احر‪ ،‬ولو إى آخر وقتها‪ ،‬ا إى‬
‫خروجه‪ ،‬والرخصة هنا لشدة احر ا مطلق احر‪ ،‬واه أعلم‪.‬‬
‫البخاري‪ ،535 :‬ومسلم‪ ،1400 :‬وأمد‪.21533 :‬‬
‫يء التلول‪ :‬أي ظلها‪.‬‬
‫‪140‬‬

‫أسباب التيسر ي الفتوى وتطبيقاها امعاصرة‬

‫عليه وسلم انتقل عن اأصل الذي هو استحباب التبكر إى الصاة ي أول وقتها‬
‫إى استحبابه ي آخره لتغر الظرف الزمي لرفع امشقة الي ازمته‪ ،‬اأمر الذي دل‬
‫‪24‬‬
‫على أن عامل الزمان قد يكون سببا ي التيسر‪.‬‬
‫ومنها امتناع عمر رضي اه عنه عن قطع يد السارق عام الرمادة‪:‬‬

‫‪25‬‬

‫وذلك أنه عندما حلت بامسلمن جاعة الفقر ي زمن عمر رضي اه عنه م‬
‫يقم حد السرقة‪ ،‬حيث أنه جعل هذا الظرف استثنائيا‪ ،‬وشبهة يدراً ها حد السرقة‪.‬‬
‫وجانب التيسر ي اجتهاد عمر رضي اه عنه ظاهر‪ ،‬وهو‪ :‬مراعاته للظرف الزمي‬
‫الطارئ‪ ،‬حيث جعله شبهة يدرأ ها احد‪ ،‬وا يعتر تغيراً للحكم الشرعي‪.‬وغرها‬
‫‪26‬‬
‫كثر‪.‬‬
‫ومن اأمثلة امعاصرة‪ :‬جواز سفر امرأة بدون حرم ي وقتنا احاضر‪:‬‬
‫حيث يرى الشيخ القرضاوي أن للمرأة أن تسافر با حرم ي زماننا هذا‪ ،‬بناء على‬
‫أن النص بي على ظروف زمنية خاصة فالعلة وراء هذا النهي هو اخوف على امرأة‬
‫من سفرها وحدها با زوج أو حرم ي زمن كان السفر فيه على اجمال أو البغال أو‬
‫احمر‪ ،‬وجتاز فيه غالبا صحارى ومفاوز تكاد تكون خالية من العمران واأحياء‪،‬‬
‫فإذا م يصب امرأة ‪-‬ي مثل هذا السفر‪ -‬شر ي نفسها أصاها ي معتها‪.‬‬
‫ولكن إذا تغر احال ‪-‬كما ي عصرنا‪ -‬وأصبح السفر ي طائرة تقل مائة راكب‬
‫وأكثر‪ ،‬أو ي قطار حمل مئات امسافرين‪ ،‬وم يعد هناك جال للخوف على امرأة إذا‬
‫سافرت وحدها‪ ،‬فا حرج عليها شرعا ي ذلك‪ ،‬وا يعد هذا خالفة للحديث‪ ،‬بل‬
‫قد يؤيد هذا حديث عدي بن حام مرفوعا عند البخاري‪( :‬يوشك أن خرج الظعينة‬
‫من احرة تقدم البيت (أي الكعبة) ا زوج معها)‪ .‬وقد سيق احديث ي معرض‬
‫‪24‬‬

‫‪25‬‬

‫‪26‬‬

‫ومن ذلك‪ :‬التخلف عن اجماعة زمن الرد وامطر والريح‪ ،‬والنهي عن إقامة اح ّد زمن احرب‪ ،‬وإباحة‬
‫اخياء ي احرب مع حرمته ي السلم‪ ،‬الكندي (‪ ،)2008‬امرجع السابق‪ ،‬ص ‪،119-114‬‬
‫وغرها‪.‬‬
‫وهو العام الذي أصاب الناس فيه جاعة ي عهد أمر امؤمنن عمر رضي اه عنه‪ ،‬وكان عام مان‬
‫عشرة‪ ،‬ودام تسعة أشهر‪ .‬ابن حجر العسقاي (‪ ،)1986‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪.‬القاهرة‪:‬‬
‫دار الريان‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.497‬‬
‫ومن اأمثلة على ذلك أيضاً وامثبة ي كتب الفقه‪ :‬جواز لبس احرير والذهب ي حال احرب‪ ،‬وتغير‬
‫الزي ي احرب‪ ،‬وحرم بيع الساح ي زمن الفتنة‪ ،‬وحوه‪.‬‬
‫‪141‬‬

‫‪Jurnal Fiqh, No. 8 (2011) 133-152‬‬

‫امدح بظهور اإسام‪ ،‬وارتفاع منارة ي العامن وانتشار اأمان ي اأرض‪ ،‬فيدل على‬
‫‪27‬‬
‫اجواز‪ ،‬وهو ما أخذ به ابن حزم برغم ظاهريته‪.‬‬
‫ومن أمثلته جواز أخذ البنك اأجرة على الكفالة (خطاب الضمان)‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء على عدم جواز أخذ اأجرة على الكفالة‪ ،‬أها من باب رفع‬
‫الضيق على الصديق‪ ،‬إا أن اتساع النشاط التجاري قد اقتضى أن تقام هيئات‬
‫ا للتبادل التجاري‪ ،‬ومن باب التوفر للوقت‬
‫متخصصة للقيام هذا الغرض تسهي ً‬
‫واجهد‪ ،‬فهل مكن اآن القول باجواز؟‬
‫لقد عرض هذا السؤال على هيئات الرقابة ي البنوك فأفتت بعضها باجواز‬
‫وبعضها بعدمه‪ 28،‬فمن اهيئات الي أفتت باجواز‪ :‬هيئة الرقابة الشرعية ببنك فيصل‬
‫اإسامي السوداي‪ ،‬حيث ذهبت إى جواز أخذ اأجر على إصدار خطابات‬
‫الضمان‪ ،‬شريطة أن يكون هذا اأجر نظر ما يقوم به البنك من خدمة لعمائه‬
‫بسبب إصدار هذه اخطابات‪ ،‬وا جوز للبنك أن يأخذ أجراً جرد كونه ضامناً‬
‫‪29‬‬
‫للعميل‪.‬‬
‫والتيسر ي هذه الفتوى ظاهر‪ ،‬حيث نظرت جان الفتوى إى التعقيد ااقتصادي‬
‫احاي والذي تغرت فيه صورة الكفالة والضمان‪ ،‬حيث أصبحت له تبعات مادية‬
‫تتضمن اموظفن وامبان‪ ،‬وغره‪ ،‬فناسب إفراده بالفتوى مراعاة للزمان واحتياجاته‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬تغير المكان‬
‫حا للتيسر‪ ،‬وإما ما يطرأ على‬
‫ما ينبغي التنبه له أن امكان حد ذاته ا يعتر ًّ‬
‫امكان من مؤثرات وأحكام ختلف باختاف امكان‪ ،‬ومن ذلك ااختاف ي طول‬
‫الليل والنهار‪ ،‬والتقسيمات امتبعة ي حديد دار الكفر ودار اإسام‪ ،‬وااختاف‬
‫اخارج عن امعتاد من حيث احرارة والرودة‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫‪28‬‬

‫‪29‬‬

‫يوسف القرضاوي (‪ ،)1993‬امرجع السابق‪ ،‬ص ‪.140 - 139‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬هيئة الرقابة الشرعية ببنك فيصل اإسامي امصري‪ ،‬ومستشار بيت التمويل الكويي؛‬
‫الكندي (‪ ،)2008‬امرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 130-129‬بتصرف‪.‬‬
‫ا عن الكندي (‪ ،)2008‬امرجع السابق‪ ،‬ص‬
‫الصاوي‪ ،‬صاح‪ ،‬مشكلة ااستعمار‪ ،‬ص ‪( 486‬نق ً‬
‫‪.)130‬‬
‫‪142‬‬

‫أسباب التيسر ي الفتوى وتطبيقاها امعاصرة‬

‫وهذا ا يعي إطاق اأمر إفتاء من كانت هذه ظروفهم حجة التيسر‪ ،‬بل ا‬
‫بد من دراسة كل بلد على حده‪ ،‬ودراسة اأوضاع دراسة دقيقة‪ ،‬حى ا يكون هناك‬
‫‪30‬‬
‫مابسات أو إشكاات‪ ،‬كما حصل ي البلدان الي فيها أقلّيات مستضعفة‪.‬‬
‫داا على التيسر ي الفتوى‪،‬‬
‫لقد توافرت اأدلة على اعتبار ااختاف ي امكان ّ‬
‫ومن تلك اأدلة‪ :‬حديث عائشة رضي اه عنها قالت‪ :‬قلنا يا رسول اه‪ ،‬أا نبي‬
‫‪31‬‬
‫ى بيتا أو بناء يظلك من الشمس؟ فقال‪« :‬ا‪ .‬إما هو مناخ من سبق إليه»‪،‬‬
‫لك م ً‬
‫ووجه الدالة من هذا احديث أن الني صلى اه عليه وسلم راعى بعض اأمكنة‬
‫بأحكام خاصة ها تيسراً على الناس‪ .‬والتيسر ي هذا احديث إتاحة الفرصة لكل‬
‫الناس أن يؤدوا مناسكهم فيه‪ ،‬إذ جاز التحجر والتملك فيه‪ ،‬لكان مشقة على‬
‫‪32‬‬
‫الناس‪.‬‬
‫من اأمثلة التطبيقية ي الواقع امعاصر‪ :‬الصوم ي الباد الي يضيق فيها وقت الليل‬
‫جداً‪ :‬إن الباد القطبية الي يستمر فيها الليل والنهار حو ستة أشهر حكم أهلها أهم‬
‫يقدرون وقت الصيام على حسب أقرب الباد امعتدلة هم‪ ،‬أو على حسب توقيت‬
‫مكة امكرمة‪ ،‬على خاف بن العلماء ي أي التقديرين أصح‪ 33.‬ويرى اجمع الفقهي‬
‫التابع لرابطة العام اإسامي ي قراره الصادر بتاريخ ‪1982/4/10‬م أن أصحاب‬
‫بوقت‬
‫تلك الباد يقدرون ليلهم بأقرب فرة كان يتمايز ها الليل عندهم من النهار‪ٍ ،‬‬
‫مكنهم من اأكل والشرب واجماع‪ 34،‬ولعل هذا القول هو الذي تشهد له قواعد‬
‫الشريعة‪ ،‬واه أعلم‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬اجمع بن صاي امغرب والعشاء لتأخر وقت العشاء أو انعدام عامته‬
‫الشرعية ي بعض الباد‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫‪31‬‬
‫‪32‬‬
‫‪33‬‬

‫‪34‬‬

‫علي عباس احكمي (‪ ،)2001‬أصول الفتوى‪ .‬بروت‪ :‬مؤسسة الريان‪ ،‬الطبعة امكية‪ ،‬ص ‪.83‬‬
‫احديث رواه أبو داود‪ ،2019 :‬والرمذي‪ ،881:‬وقد ضعفه األباي‪.‬‬
‫الكندي (‪ ،)2008‬امرجع السابق‪ ،‬ص ‪.137‬‬
‫فتوى اللجنة الدائمة ي امملكة العربية السعودية‪ ،‬جلة البحوث اإسامية‪ ،‬العدد ‪ ،25‬ص ‪31‬؛‬
‫حمد رشيد رضا (‪ ،)2005‬فتاوى اإمام حمد رشيد رضا‪ .‬حقيق‪ :‬صاح اجن امنجد‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص‬
‫‪.2578-2577‬‬
‫القرة داغي‪ ،‬علي حيي الدين‪ ،‬امشكات الفقهية ي امناطق القطبية‪ ،‬امؤمر اإسامي العام الرابع‪،‬‬
‫ص ‪.29‬‬
‫‪143‬‬

‫‪Jurnal Fiqh, No. 8 (2011) 133-152‬‬

‫فقد انتهى اجلس إى جواز اجمع بن هاتن الصاتن ي اوروبا ي فرة الصيف‬
‫حن يتأخر وقت العشاء إى منتصف الليل أو تنعدم عامته كلياً‪ ،‬دفعاً للحرج امرفوع‬
‫عن اأمة بنص القرآن‪ ،‬وما ثبت من حديث ابن عباس ي صحيح مسلم‪« :‬أن الني‬
‫صلى اه عليه وسلم مع بن الظهر والعصر‪ ،‬وبن امغرب والعشاء من غر خوف‬
‫وا مطر‪ .‬قيل ابن عباس‪ :‬ما أراد إى ذلك؟ قال‪ :‬أراد أا حرج أمته»‪ .‬كما جوز‬
‫اجمع ي تلك الباد ي فصل الشتاء أيضاً بن الظهر والعصر لقصر النهار وصعوبة‬
‫أداء كل صاة ي وقتها للعاملن ي مؤسساهم إا مشقة وحرج‪ .‬وينبه اجلس على‬
‫‪35‬‬
‫أن ا يلجأ امسلم إى اجمع من غر حاجة‪ ،‬وعلى أن ا يتخذه له عادة‪.‬‬
‫من هنا فإن اختاف الزمان ومكان اعتبار ي التيسر ي الفتوى يقدرما اجتهد‬
‫وامفي حسب الظروف واأحوال ووفقا للضوابط ي التيسر‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬التطور وأثره على التيسير في الفتوى‬
‫إن العام اليوم أصبح كقرية صغرة‪ ،‬عام يزخر باجديد بن الفينة والفينة حى‬
‫مل كل مناحي احياة من مواصات واتصاات وغرها‪ ،‬فطرأت مسائل أوجدت‬
‫واقعاً جديداً‪ ،‬ومن هنا أدرك الفقهاء امعاصرون حجم هذا التطور فلم يقفوا موقف‬
‫تبن عظم اإسام وسعته‪ ،‬وأن الدين صاح لكل زما ٍن‬
‫امتفرج‪ ،‬بل جاءت فتاواهم ّ‬
‫ومكان‪ ،‬وما ا شك فيه أن الفتوى بقبول امستجدات وااستفادة منها باب تيسر‬
‫عظيم على الناس‪.‬‬
‫ومن اأمثلة بسبب التطور‪ :‬جواز إجراء العقود عن طريق اهاتف‪ ،‬والتلكس‪،‬‬
‫واإنرنت‪ :‬وهذا اأمر ما جد على الناس مع تطور وسائل ااتصال‪ ،‬وأصبح الناس‬
‫يتعاملون به ويرى بعضهم البعض مع بعد امسافات‪ ،‬واختاف القارات‪ ،‬فما احكم‬
‫الشرعي هذه العقود؟ لقد جاء قرار اجمع الفقهي امنعقد ي شعبان ‪1410‬هف‪/‬مارس‬
‫‪1990‬م يفيد بأن هذا النوع من العقود جائز بشروط وضوابط واستثناءات ذكرها‬

‫‪35‬‬

‫فتاوى اجلس ااوروي لافتاء‪ ،‬البيان اختامي للدورة العادية الثانية للمجلس اأوروي لإفتاء والبحوث‬
‫امنعقدة ي الفرة من ‪98/10/9‬م إى ‪98/10/11‬م بامركز الثقاي اإسامي أيرلندا‪-‬دبلن‪ :‬ص‬
‫‪.6‬‬
‫‪144‬‬

‫أسباب التيسر ي الفتوى وتطبيقاها امعاصرة‬

‫القرار الذي اشتمل على مسة بنود‪ ،36‬وهذه الفتوى تدل على استيعاب الشريعة‬
‫لتطور الزمان‪ ،‬وفيها باب عظيم من التيسر‪ ،‬ورفع امشقة واحرج على الناس‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬جواز إثبات رؤية اهال بامنظار الفلكي‪:‬‬
‫إن الطريق الشرعي إثبات الصوم والفطر ي شهر رمضان هو الرؤية لقول‬
‫امصطفى صلى اه عليه وسلم‪« :‬صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته»‪ 37،‬لقد كانت‬
‫الرؤية إى زمن قريب مقصورة على الرؤية بالعن اجردة‪ ،‬حى ظهر امنظار الفلكي‬
‫(التلسكوب) والذي أجاز امعاصرون من الفقهاء إثبات الرؤية به‪ ،‬وقالوا بأن إثبات‬
‫الرؤية ليس حصورة على العن فحسب‪ 38.‬واه تعاى أعلم‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬المصلحة والعرف‬
‫إن ما جاءت به الشريعة وا تكاد خلو منه اأحكام حقيق امصاح أو دفع‬
‫امفاسد‪« ،‬فإن الشريعة مبناها وأساسها على احِكم ومصاح العباد‪ ،‬ي امعاش‬
‫‪39‬‬
‫وامعاد‪ ،‬وهي عدل كلها‪ ،‬ورمة كلها‪ ،‬ومصاح كلها‪ ،‬وحكمة كلها»‪.‬‬
‫امصلحة وأثرها على التيسر ي الفتوى‪:‬‬
‫تنقسم امصلحة من حيث مراتبها وقوها إى ضروريات وحاجيات وحسينات‪،‬‬
‫وتقسم من حيث اعتبار احكم الشرعي إى امصاح امعترة شرعاً وامصاح املغاة‬
‫شرعاً‪ ،‬وامصاح امرسلة‪ ،‬وما يهمنا هنا هو بيان امصلحة امرسلة باعتبارها سبب من‬
‫أسباب التيسر ي الفتوى‪ ،‬وامصلحة كدليل شرعي مسلم به من مهور العلماء‪،‬‬
‫‪40‬‬
‫واأدلة على ذلك متوافرة‪.‬‬
‫ومن ذلك أخذ الضرائب من اأغنياء إذا فرغت خزانة الدولة‪:‬‬
‫‪36‬‬

‫‪37‬‬
‫‪38‬‬
‫‪39‬‬

‫‪40‬‬

‫لاستزادة والنظر إى نص الفتوى‪ ،‬انظر‪ :‬جلة اجمع الفقهي‪ ،‬العدد ‪ ،6‬ج ‪ ،2‬ص ‪-1267‬‬
‫‪.1268‬‬
‫احديث رواه البخاري‪ ،1909 :‬ومسلم‪ ،2514 :‬وأمد‪.7516 :‬‬
‫ومن اعتر ذلك اجمع الفقهي‪ ،‬جلة اجمع العدد ‪ ،3‬ج ‪.2‬‬
‫ابن القيم اجوزية (‪ ،)2000‬إعام امفوقعن‪ .‬حقيق‪ :‬بشر حمد عيون‪ ،‬دمشق‪ :‬دار البيان‪ ،‬ج ‪،1‬‬
‫ص ‪.14‬‬
‫منها‪ :‬مع القرآن الكرم ي عهد أي بكر‪ ،‬ومع القرآن على حرف واحد ي عهد عثمان‪ ،‬ووضع‬
‫عمر للدواوين‪ ،‬وبناء السجون‪ ،‬وإيقاف اأرض اخراجية وغرها‪.‬‬
‫‪145‬‬

‫‪Jurnal Fiqh, No. 8 (2011) 133-152‬‬

‫فقد أجاز مع من الفقهاء امتقدمن احققن للحاكم العادل اأخذ من أموال‬
‫اأغنياء زيادة على الزكاة إذا دهم امسلمن خطر‪ ،‬وهذه امسألة نص عليها الغزاي‬
‫ي مواضع من كتبه‪ ،‬وتاه ي القول ها ابن العري ي أحكام القرآن‪ ،‬وشرط جواز‬
‫ذلك كله عندهم عدالة اإمام‪ ،‬وإيقاع التصرف ي أخذ امال‪ ،‬وإعطائه على الوجه‬
‫امشروع‪ 41،‬ووجه التيسر ي هذه الصورة أن ذلك حفظاً جموع اأمة‪ ،‬وإن كان‬
‫فيه ضرر على أحدهم‪ ،‬فالتيسر حاصل لأغلب‪ ،‬وهذا اأمر دال على أن العمل‬
‫بامصلحة امرسلة من أسباب التيسر عند امتقدمن‪ .‬ومن اأمثلة امعاصرة‪ 42:‬اإلزام‬
‫باأنظمة امرورية والتأثيم والتغرم الشرعي مخالفتها‪:‬‬
‫وذلك حى حفظ اأرواح واأموال من التلف‪ ،‬وهذا أمر ا غبار عليه‪ ،‬بل تقره‬
‫ميع اجامع الفقهية ودور اإفتاء‪ ،‬مستندين بذلك على امصلحة امرسلة حيث م‬
‫يأت دليل صريح عليها‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬تأسيس اجماعات واجمعيات اإسامية‪:‬‬
‫وذلك للمحافظة على اجتمعات من ااحراف الفكري‪ ،‬واأفكار اهدامة‪ ،‬والغزو‬
‫امتاحق الذي أراد أمة اإسام اهوان والذلة‪ ،‬فنشأت فكرة اجماعات اإسامية‪،‬‬
‫والي تعتمد ي دليلها على امصلحة امرسلة‪ ،‬ذلك أن حفظ الدين ا يقوم إا‬
‫‪43‬‬
‫بإنشائها والتزام فئة من اأمة ها‪.‬‬
‫العرف وأثره على التيسر ي الفتوى‪:‬‬
‫لقد اعتر الشارع العرف ي اأحكام الشرعية‪ ،‬وجعل مرجع جزء منها إى‬
‫العرف‪ ،‬بل إن كل ما طلبه الشارع وم حدده فمرجعه إى العرف‪ ،‬ودلت على ذلك‬

‫‪41‬‬
‫‪42‬‬

‫‪43‬‬

‫أي إسحاق الشاطي (‪ ،)1998‬ااعتصام‪ .‬بروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.380‬‬
‫واأمثلة كثرة ومنها كذلك‪ :‬إنشاء امصارف اإسامية واإفتاء بالتعامل معها دون غرها من البنوك‬
‫الربوية‪ ،‬ووجوب إنشاء امستشفيات‪ ،‬ومرافق التعليم والتعلم‪ ،‬وغرها‪.‬‬
‫من الذين أفى بشرعية اجماعات اإسامية امعاصرة‪ :‬الشيخ ابن باز (ابن باز‪ ،‬جموع فتاوى ابن‬
‫باز‪ ،‬أشرف على معه وطبعه‪ :‬حمد بن سعد الشويعر‪ ،‬موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية واإفتاء‪،‬‬
‫‪ ،http://www.alifta.com‬ج ‪ ،)2‬والدكتور عبد الكرم زيدان‪ ،‬والشيخ صاح الصاوي‪( ،‬انظر‪:‬‬
‫مشروعية اانتماء للجماعات اإسامية)‪ ،‬والشيخ عبد اه عزام‪ ،‬وغرهم‪.‬‬
‫‪146‬‬

‫أسباب التيسر ي الفتوى وتطبيقاها امعاصرة‬

‫اأدلة الصرحة ي الكتاب والسنة‪ 44،‬ولقد وضع العلماء شروطاً للعمل بالعرف‪،‬‬
‫ولعل فيما سأورد من أمثلة توضيح لذلك‪.‬‬

‫‪45‬‬

‫ومن اأمثلة التطبيقية للفقهاء‪ :‬جواز دخول احمامات وركوب السيارات بدون‬
‫حديد مقدار اأجرة‪ ،‬فاأصل ي عقود اإجارة أن تكون معلومة امدة ومعلوما‬
‫فيها مقدار امنفعة امعقود عليها‪ ،‬إا أن من الصور الي أجازها الفقهاء دون حديد‬
‫مدة العقد أو مقدار دون حديد مدة العقد أو مقدار امنفعة امعقود عليها دخول‬
‫احمامات والركوب مع امكاري (سائق اأجرة)‪ ،‬وفتوى اأئمة بذلك يعد من أعظم‬
‫التيسر‪ ،‬إذ لو ألزم الناس بعقود دخول احمامات وركوب السيارات لكان ذلك من‬
‫أعظم احرج وامشقة‪ ،‬وهذا دليل واضح على جعل اأئمة العرف سببا للتيسر‪.‬‬
‫ومن اأمثلة التطبيقية امعاصرة‪ :‬اعتبار التقابض فورياً ولو تأخر يومن‪:‬‬
‫القبض الفوري ي العرف ااقتصادي أصبح ي البنوك اإسامية‪ ،‬وحسب‬
‫اأعراف الدولية يتم بعد ساعة أو ساعتن‪ ،‬وقد يتم بعد مانية وأربعن ساعة‪ ،‬ومن‬
‫امعروف أن اأصل ي بيع النقود وشرائها أن تكون يدا بيد‪ ،‬وقد سأل هذا السؤال‬
‫الشيخ القرضاوي فأجاب بأن التقابض هنا خضع للعرف‪ 46،‬فما دام القبض الفوري‬
‫عرفاً ا يتم إا بالطريقة امذكورة ويفرق عن البيع اآجل‪ ،‬فإن امعى الشرعي للقبض‬
‫يصبح متحققاً وجري عليه اأحكام امرتبة على القبض شرعاً‪ .‬وهذه الفتوى فيها‬
‫تيسر على الناس‪ ،‬من حيث اعتبار التقابض فورياً حى ولو صار بعد اافراق بن‬
‫امتعاقدين‪.‬‬
‫ومن أمثلته أيضا أن السنة ي الزي لبُس ما تعارف عليه الناس‪ :‬حيث يرى‬
‫الشيخ ابن عثيمن وغره أن مسألة الزي مرجعها إى العرف‪ ،‬وأن السنة موافقة الناس‬

‫‪44‬‬

‫‪45‬‬

‫‪46‬‬

‫ن } [اأعراف‪ ،]199 :‬ومن أدلة‬
‫َن اجَْا ِهلِ َ‬
‫ِض ع ِ‬
‫ْف َوأَ ْعر ْ‬
‫فمن أدلة القرآن‪ُ { :‬خ ِذ الْ َع ْف َو وأ ُم ْر بِالْ ُعر ِ‬
‫السنة‪ :‬قوله صلى اه عليه وسلم هند‪“ :‬خذي ما يكفيك وولدك بامعروف” (البخاري‪،5364 :‬‬
‫ومسلم‪.)4477 :‬‬
‫من هذه الشروط‪ :‬أن ا يتعارض العرف مع نص أو إماع‪ ،‬وأن ا يوجد قول أو عمل ي�