ƒΘáÑ⌐ ƒΘΩÑ∩ß σ∩ Ü¡φΘ ƒΘστ∞ 003
تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة
)اضغط هنا للنتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على النترنت(
الكتاب :البحر المحيط في أصول الفقه
المؤلف :بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي
)المتوفى 794 :هـ(
المحقق :محمد محمد تامر
الناشر :دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان
الطبعة :الطبعة الولى1421 ،هـ 2000 /م
مصدر الكتاب :موقع مكتبة المدينة الرقمية
http://www.raqamiya.org
]ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي[
آخر ،وهو ضد المتروك
والثالث :أنه ليس هو ولكن يتضمنه من طريق المعنى ،وبه جزم القاضي أبو
الطيب ،ونصره الشيخ أبو إسحاق في "التبصرة" وابن الصباغ في "العدة"
ونقله الشيخ أبو حامد السفراييني وسليم عن أكثر أصحابنا قال :وهو قول أكثر
الفقهاء كافة وقال ابن السمعاني :هو مذهب عامة الفقهاء ونقله عبد الوهاب
عن أكثر أصحاب الشافعي قال :وهو الذي يقتضيه مذهب أصحابنا ،وإن لم
يصرحوا به ،وقال الباجي :عليه عامة الفقهاء واختاره المدي والمام فخر
الدين ،وقال أبو زيد الدبوسي في "التقويم" :إنه المختار وبه جزم أبو منصور
الماتريدي ،فقال :إنه نهي عن ضده بدللة اللتزام وكذا ا قال البزدوي
والسرخسي منهم ،وقال إمام الحرمين وابن القشيري والمازري:إن القاضي
مال إليه في آخر مصنفاته .وقال صاحب "الواضح" :وقصد الفقهاء من هذه
المسألة أن المر للوجوب فلهذا قالوا :إنه نهي عن ضده ثم رد المام على من
قال :هو عينه بأنه جحد للضرورة فإن القول المعبر عنه "ب افعل" مغاير
للمعبر عنه ب "ل تفعل" قيل :وهذا منه غلط أو مغالطة; إذ ليس الكلم في
"افعل" و "ل تفعل" بل في "افعل" و "ل تترك" وليس بطلن اتحاد مدلولهما
ضروريا ،وأبطل مذهب التضمن بأن المر قد ل يخطر له الضد ،ولو خطر له فل
قصد له في تركه إل على معنى أن ذلك وسيلة إلى المأمور به ،واعترف بأنه
يرى استلزام الوجوب الوعيد على الترك فكيف ل يخطر له الضد من الترك ول
بد أن يكون متوعدا عليه؟ ثم هذا الخلف في الكلم النفسي بالنسبة إلى
المخلوق; لنه الذي يغفل عن الضد ،وأما الله -تعالى -فكلمه واحد ل يتطرق
إليه ذهول كما صرح به الغزالي وابن القشيري.
واحترزنا بقولنا :معين عن الواجب المخير والموسع ،فإن المر بهما ليس نهيا
عن الضد .والمسألة مقصورة على الواجب المعين صرح به الشيخ أبو حامد
السفراييني والقاضي في "التقريب".
واحترزنا بالوجودي عن الترك فإن المر بالشيء نهي عن تركه بطريق التضمن
قطعا كما قاله الهندي وغيره ،وإنما الخلف في أنه هل هو نهي عن ضده
الوجودي؟
المقام الثاني بالنسب إلى الكلم اللساني عند من رأى أن للمر صيغة ،وفيه
مذهبان:
أحدهما :أن المر يتضمن النهي عن الضد ،وهو رأي المعتزلة منهم عبد الجبار،
وأبو الحسين.
قال ابن النباري :وإنما ذهبوا إلى ذلك لنكارهم كلم النفس ،والكلم عندهم
) (2/146
ليس إل العبارات ،فلم يمكنهم أن يقولوا :المر بالشيء نهي عن ضده،
لختلف اللفاظ قطعا ،فقالوا :إنه يقتضيه ويتضمنه ،وليس يعنون بذلك إشعارا
لغويا أو أمرا لفظيا فقط ،ولكنهم يقولون :المر قول القائل لمن دونه" :افعل"
مع إرادات ،ومريد الشيء ل بد وأن يكون كارها لضده ،فيلزم أن يكون المر
بالشيء نهيا عن ضده .وفرق إمام الحرمين بين هذا القول وقول القاضي آخرا
بأن المعتزلة يقولون :صيغه المر تقتضي النهي ،وذلك القتضاء راجع إلى فهم
معنى من لفظ من يشعر به ،والقاضي يقول بالكلم النفسي ،وما يقوم
بالنفس ل إشعار له بغيره ،ولكنه يقول :إذا قام بالنفس المر الحقيقي فمن
ضروراته أن يقوم بالنفس معه قول آخر هو نهي عن أضداد المأمور به ،كما
يقتضي قيام العلم بالمحل قيام الحياة به .والثاني :أنه ل يدل عليه أصل .وجزم
به النووي في "الروضة" في كتاب الطلق ،ول يمكن أحد هنا أن يقول :إنه هو،
فإن صيغة "تحرك" غير صيغة "ل تسكن" قطعا.
ولبعض المعتزلة مذهب ثالث ،وهو أن أمر اليجاب يكون نهيا عن أضداده
ومقبحا لها ،لكونها مانعة من فعل الواجب المندوب فإن أضداده مباحة غير
منهي عنها ،ول تنزيه غالبا،
واختار المدي أن يقال :إن جوزنا تكليف ما ل يطاق فالمر بالفعل ليس نهيا
عن الضد ،ول مستلزما للنهي عنه ،بل يجوز أن يؤمر بالفعل وبضده في الحالة
الواحدة ،وإن منع فالمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده.
واختاره الهندي أنه نهي عن ضده بطريق الستلزام ،ل أنه وضده يستلزم ذلك
بل مع مقدمة أخرى ،وهي أن ما ل يتم الواجب إل به فهو واجب ،لو قيل:
باستحالة تكليف ما ل يطاق وقال أبو الحسين في "المعتمد" ليس الخلف في
تسمية المر حقيقة لبطلنه ،ول في أن صيغة "ل تفعل" موجودة في المر; لن
الحس يدفعه ،بل في أنه نهي عن ضده في المعنى.
واعلم أن الذي دلنا على الفصل بين المقامين وتنزيل خلف كل قوم على حالة
أن الشيخ والقاضي لم يتكلما إل في النفسي ،ويدل لذلك قولهما :إن اتصافه
بالمر والنهي على ما سبق والمام في "المحصول" اختار أن المر يتضمن
النهي عن ضده ،والظاهر أن كلمه في اللساني; لنه عبر بالصيغة ،وخلف
المعتزلة أنما يتصور فيه لنهم ينكرون النفسي ،ول أمر عندهم إل بالعبارة.
إذا علمت ذلك فقد استشكل تصوير المسألة بأنه إن كان الكلم في النفساني
) (2/147
بالنسبة إلى الله -تعالى ،فالله -تعالى -بكل شيء عليم ،وكلمه واحد ،وهو
أمر ونهي وخبر واحد بالذات متعدد بالمتعلقات ،وحينئذ فأمر الله عين نهيه،
فكيف يتجه فيه خلف؟ وإن كان الخلف بالنسبة إلى المخلوق فقط كما صرح
به الغزالي وابن القشيري فكيف يقال :هو أو يتضمنه مع احتمال ذهوله عن
الضد مطلقا؟ وهذا هو عمدة إمام الحرمين كما سبق.
وجوابه :أن القائل بأنه أجراه مجرى العلم المتعلق بمتلزمين كيمين وشمال
وفوق وتحت ،فإن من المستحيل علم الفوق وجهل التحت وعكسه ،وكذلك
يستحيل أن يتعلق المر بالنفسي باقتضاء فعل ،ول يتعلق النهي عن تركه ،وإنما
الشكال على القول بتضمنه النهي.
وجوابها ما ذكره إمام الحرمين أن هؤلء ل يعنون بالقتضاء ما يريده المعتزلة،
وإنما هؤلء يعتقدون أن المر النفسي مقارنة نهي نفسي أيضا يجري ذلك
مجرى الحياة في العلم ،فإن العلم إذا وجد اقتضى وجود الحياة.
وممن جزم أن الخلف في هذه المسألة إنما هو بالنسبة إلى الكلم اللساني ل
النفساني القرافي ،وتبعه عليه التبريزي في "التنقيح" ،فقال :ل يتحقق هذا
الخلف في كلم الله -تعالى; لن مثبتي كلم النفس مطبقون على اتحاد كلم
الله من أمر ونهي ووعد ووعيد واستفهام إلى جميع القسام الواقعة في
الكلم ،فهو -تعالى -آمر بعين ما هو ناه عنه ،ول شك أن قول القائل" :تحرك"
غير قوله" :ل تسكن" وإنما النظر في قوله" :افعل" إنما يتضمن ذلك -على
خلف فيه -طلب الفعل فهو طالب ترك ضده أم ل؟ وكذا قال الصفي الهندي:
هذا النزاع غير متصور في كلم الله -تعالى -على رأي من يرى اتحاده ،بل في
كلم المخلوقين وفي كلم الله -تعالى -على رأي من يرى تعدده.
وقال ابن القشيري :الكلم في هذه المسألة مع مثبتي كلم النفس أما من
نفاه فل يمكنه أن يقول :المر عين النهي فإن صيغة "افعل" غير صيغة "ل
تفعل" لكنهم قالوا :يقتضيه من طريق المعنى قال :وصار إلى هذا ضعفة
الفقهاء ،ومن لم يتحقق عنده كلم النفس .ثم قال :الخلف في أمر المخلوق،
أما كلم الله فهو قديم ،وهو صفة واحدة يكون أمرا بكل مأمور ،ونهيا عن كل
نهي ،خبرا عن كل مخبر ،ثم قال في آخر المسألة :والقول بأن المر بالشيء
نهي عن جميع أضداده يلزم المصير إلى مذهب الكعبي; لن من ضرورة
ارتكاب المباح أن يترك محظورات ،فوجه النظر إلى مقصود
) (2/148
المر والناهي والمبيح ل فيما يقع من ضرورة الجبلة ،وهذا نهاية المسألة.
) (2/149
]النهي عن الشيء إن كان له أضداد[
أما النهي عن الشيء فأمر بضده إن كان له ضد واحد بالتفاق كالنهي عن
الحركة يكون أمرا بالسكون ،وإن كان له أضداد ،فاختلفوا فيه ،فقيل :نفس
المر بضده كما في جانب المر قاله القاضي ،ثم مال آخرا إلى أنه يتضمنه،
وقيل :بل ذلك في جانب المر ل النهي ،فل يجري الخلف.
وقال إمام الحرمين في "البرهان" :الذي ذهب إليه جماهير الصحاب أن النهي
عن الشيء أمر بأحد أضداد المنهي عنه ،والمر بالشيء نهي عن جميع أضداد
المأمور به ،وجرى عليه القاضي عبد الوهاب في "الملخص" وابن السمعاني
في "القواطع" وسليم الرازي في التقريب" فقالوا :إن كال له ضد واحد فهو
أمر بذلك الضد أي :تضمنا ،كما قاله سليم كالصوم في العيدين ،وكقوله :ل
تكفر فإنه أمر باليمان.
وإن كان له أضداد كثيرة فهو أمر بضد واحد; لنه ل يتوصل إلى ترك المنهي
عنه إل به ،فأما إثبات المر بسائر الضداد فل معنى له ،وحكاه ابن برهان في
"الوسط" عن العلماء قاطبة.
وقال صاحب "اللباب" من الحنفية :النهي يقتضي المر بضده إن كان ذا ضد
واحد ،فإن كان له أضداد ،فقال أبو عبد الله الجرجاني :ل يقتضي أمرا بها.
وقال الشافعي :يقتضي أمرا بالواحد ،وهو قول عامة أصحابنا .انتهى.
وحكى إمام الحرمين قول ثالثا :أنه ليس بأمر بشيء مطلقا ،وشنع على من
قال بأن النهي عن ذي أضداد أمر بأحد أضداده ،فقال :من قال :إن النهي عن
الشيء أمر بأحد أضداده فقد اقتحم أمرا عظيما ،وباح بالتزام مذهب الكعبي
في نفي الباحة ،فإنه إنما صار إلى ذلك من حيث قال :المر بالشيء نهي عن
الضداد ،ويتضمن لذلك من حيث تفطن لغائلة المعنى فقد ناقض كلمه فإنه
كما يستحيل القدام على المأمور به دون النكفاف عن أضداده فيستحيل
النكفاف عن المنهي ]عنه[ دون التصاف بأحد أضداده.
والتحقيق في هذه المسألة :ما أشار إليه ابن القشيري أن هاهنا شيئين:
أحدهما :كون المر بالشيء هل هو نهي عن ضده أم ل؟
الثاني :المأمور بشيء منهي عن جميع أضداده ،وأن المر به ناه عن جميع
) (2/149
الضداد .فأما الثاني فقد نقل القاضي فيه الجماع ،وقال أبو نصر بن القشيري:
أنا ل أشك أن هذا ممنوع ،ثم ذكر أن القاضي قال :إن منع ذلك مانع قيل له:
هذا خرق ما عليه الكافة مع أنا نلجئه إلى ما قيل له به ،فنقول :إذا ورد المر
على الجزم بشيء وهو مقيد بالفور وانتفى عنه سمة التخيير ،فتحريم ضد
المتثال ل شك فيه; إذ لو لم يحرم فما معنى وجوب المتثال؟ انتهى.
وأما الول فل سبيل إلى القول به مع تجويز عدم خطوره بالبال ،وعلى تقدير
الخطور فليس الضد مقصودا بالذات ،وإنما هو ضروري دعا إليه تحقق المأمور
به ،وليس كل ضروري للشيء يقال له :إنه مدلوله أو يتضمنه.
قال :وهذا التحقيق تحرير في أن المر بالشيء ليس ناهيا عن أضداده; لن
المر للقيام طالب له ،وقد يخطر له ضده ،فكيف يطلب؟
واعلم أنهم اتفقوا على أن عين المر ل يكون نهيا عن ضد المأمور به ،وكذا
النهي عن الشيء ل يكون أمرا بضد المنهي عنه ،لكنهم اختلفوا في أن كل
واحد منهما هل يوجب حكما في ضد ما أضيف إليه؟ فذهب أبو هاشم وغيره
من متأخري المعتزلة إلى أنه ل حكم له في ضده أصل بل هو مسكوت عنه،
وإليه ذهب إمام الحرمين والغزالي ،وذهب بعض المعتزلة كعبد الجبار وأبي
الحسين إلى أن المر يوجب حرمة ضده ،وذهب جماعة من محققي الحنفية
إلى أنه يدل على كراهة ضده.
وفائدة الخلف :أن من قال :ل يقتضي تحريم الضد ،قال :إذا أدى الشتغال به
إلى فوات المأمور به حرم; لن تفويت المأمور به حرام ،فلما نهى المحرم عن
لبس المخيط دل على أن من السنة لبس الزار والرداء.
تنبيهات
الول
أطلقوا المر ،وهو يشمل الواجب والمندوب ،وبه صرح القاضي في مختصر
"التقريب" وجعلها نهيا عن الضد تحريما وتنزيها ،ونقل تخصيصه بالواجب عن
بعض أهل الحق ،وهو الذي حكاه القاضي عبد الوهاب في "الملخص" عن
الشيخ ،فقال :ذهب الشيخ إلى أن المر بالشيء نهي عن ضده إن كان له ضد
واحد ،وأضداده إن كان ذا أضداد .وحكى القاضي أنه -يعني الشيخ -شرط في
ذلك أن يكون واجبا ل ندبا.
قال :وقد حكي عن الشيخ أنه قال في بعض كتبه :إن الندب حسن وليس
) (2/150
مأمورا به ،وعلى هذا القول ل يحتاج إلى اشتراط الوجوب في المر; إذ هو
حينئذ ل يكون إل واجبا ،ثم قال القاضي :والصحيح عندي أن المر بالشيء نهي
عن ضده من وجوب وندب.
قال :ول بد أن يشترط الشيخ في ذلك شرطين:
أحدهما :أن يكون مع وجوبه مضيقا ،مستحق العين لجل أن الواجب الموسع
ليس بنهي عن ضده.
والثاني :أن يكون نهيا عن ضده ،وضد البدل منه الذي هو بدل ل ما إذا كان أمر
على غير وجه التخيير .انتهى.
وهذا الشرط الثاني قد سبق تصوير المسألة به ،وقد ذكرهما الشيخ أبو حامد
السفراييني في كتابه ،فقال :إذا كان شيء واحد مضيق معين ل بدل له،
وذكره ابن القشيري أيضا ،فقال :هذا في المر بالشيء على التنصيص ل على
التخيير ،فإن المر على التخيير قد يتعلق بالشيء وضده ،فيكون الواجب
أحدهما ل بعينه.
وذكر عبد القاهر البغدادي أن المر بالشيء إنما يكون عن ضده إذا كان
المأمور به مضيق الوجوب بل بدل ول تخيير ،كالصوم ،فأما إذا لم يكن كذلك فل
يكون نهيا عن ضده ،كالكفارات واحدة منها واجبة مأمور بها غير منهي عن
تركها ،لجواز ردها إلى غيرها ،كما في المر.
وقد احترز القاضي عن هذا فقال :المر بالشيء نهي عن أضداد المأمور به
وبدله القائم مقامه إن كان له بدل ،فيخرج بذلك المر المشتمل على التخيير.
انتهى.
وذكر صاحب "القواطع" أن المسألة مصورة بما إذا كان المر يوجب تحصيل
المأمور به على الفور فل بد من ترك ضده عقب المر كما ل بد من فعله عقب
المر ،فأما إذا كان المر على التراخي فل ،وهكذا ذكره بعض الحنفية كشمس
الئمة وغيره أنه إنما يقتضي النهي عن ضده إذا اقتضى التحصيل على الفور.
وأما الول فاستشكل وجهه الموسع إن لم يصدق عليه أنه واجب فأين المر
حتى يستثنى منه قولهم :المر بالشيء نهي عن ضده؟ وإن صدق عليه واجب
بمعنى أنه ل يجوز إخلء الوقت عنه فضده الذي يلزم من فعله ،تفويته منهي
عنه.
وحاصله :أنه إن صدق المر عليه انقدح كونه نهيا عن ضده وإل فل وجه
لستثنائه كما قلنا في المخير.
) (2/151
الثاني :ذكر بعضهم أن الخلف إنما هو في الضد الذي هو المر الوجودي الذي
هو من لوازم نقيض الشيء المأمور به ،فالمر بالحركة هل هو نهي عن نفس
السكون الذي هو ضد أم ل؟ هذا هو موضع الخلف أما النقيض فل خلف أن
المر بالشيء هو عين النهي عن نقيضه ،فإن الحركة نقيض الل حركة فالل
حركة نقيض ،وليس بضد بل ضد الحركة هو السكون وهذا أمر وجودي إل أنه
لزم مساو لنقيض الحركة ،فإذا وجد المر بالحركة فهذا بعينه نهي عن نقيضها;
لن النهي عن نقيضها هو سلب لسلبها ،وهو في نفسه عبارة عن سلب الحركة
وسلب سلب الحركة هو نفس الحركة; لن سلب السلب إثبات ،وطلب سلب
الحركة هو طلب سلب نفس الحركة فيكون المر بالحركة هو بعينه نهيا عن
نقيضها ،وهو سلب الحركة.
الثالث :ذكر بعضهم أن موضع الخلف إذا لم يقصد "الضد" بالنهي فإن قصد
ن{َّ ]البقرة [222:فإن
ض تول ت ت ع
م ز
كقوله تعالى} :تفاع عت تززللوا الن ن ت
ساتء زفي ال ع ت
قترلبوهل ن
حي ز
الضد مثل هذه الصورة حرام بل خلف.
) (2/152
النهي
مدخل
...
النهي
هو اقتضاء كف عن فعل فالقتضاء جنس ،و "كف" مخرج للمر لقتضائه غير
الكف .وشرط ابن الحاجب هنا على جهة الستعلء كما شرطه في المر ،وقال
القرافي :لم يذكروا الخلف السابق في المر في اشتراط العلو أو الستعلء
هنا ،ويلزمهم التسوية بين البابين.
قلت :قد أجراها ابن السمعاني في "القواطع" وليس من شرط النهي كراهة
المنهي عنه كما ليس من شرط المر إرادة المأمور به خلفا للمعتزلة حيث
اعتبروا إرادة الترك كما في المر وللنهي صيغة مبينة له تدل بتجريدها عليه،
وهي قول القائل ل تفعل ،وفيه الخلف السابق في المر.
وقال الشعري :ومن تبعه :ليس له صيغة ،والصحيح :الول
وإذا قلنا له صيغة ففيه مذاهب:
أحدها :ونسب للشعري أنه موقوف ل يقتضي التحريم ،وغيره إل بدليل.
والثاني :أنه للتنزيه حقيقة ل للتحريم; لنها يقين فحمل عليه ولم يحمل على
التحريم إل بدليل ،وحكاه بعض أصحابنا وجها ،وعزاه أبو الخطاب الحنبلي
لقوم.
والثالث :أنه للتحريم حقيقة كما أن مطلق المر للوجوب; لن الصحابة رجعوا
ه تفان عت تلهوا{َّ ]الحشر:
م ع تن ع ل
ما ن تتهاك ل ع
في التحريم إلى مجرد النهي ،ولقوله تعالى }:وت ت
[7وهذا هو الذي عليه الجمهور ،وتظاهرت نصوص الشافعي عليه ،فقال في
"الرسالة :"1في باب العلل في الحاديث :وما نهى عنه رسول الله صلى الله
عليه وسلم فهو على التحريم حتى يأتي دللة على أنها إنما أراد به غير التحريم،
وقال في "الم" في كتاب صفة المر والنهي :النهي من رسول الله صلى الله
عليه وسلم إن كان ما نهى عنه فهو محرم حتى تأتي دللة أنه بمعنى غير
التحريم ،ونص عليه في "أحكام القرآن" أيضا.
قال الشيخ أبو حامد :قطع الشافعي قوله :إن النهي للتحريم بخلف المر ،فإنه
في بعض المواضع لين القول فيه ،وهذا الذي قاله الشيخ أبو حامد هو الذي دل
عليه كلم الشافعي كما سبق.
فنقول :إن النهي للتحريم قول واحدا حتى يرد ما يصرفه ،وله في المر
ـــــــ
1انظر الرسالة ص ""211
) (2/153
قولن ،وعلى هذا فهل يقتضي التحريم من جهة اللغة أم من جهة الشرع؟ فيه
وجهان .كالوجهين في المر ،ثم المراد صيغة "ل تفعل" فأما لفظ "ن هـ ى"
فإنه للقول الطالب للترك أعم من أن يكون حراما أو مكروها.
وقال ابن فورك :صيغته عندنا "ل تفعل" و "انته" و "اكفف" ونحوه.
) (2/154
]ورود صيغة النهي لمعان[
وترد صيغه النهي لمعان:
قترلبوا النزتنى{َّ ]السراء:ة [32
أحدها :للتحريم ،كقوله تعالى} :تول ت ت ع
ع
ت
ن
ت
ل
ه{َّ
م اللهز ع تلي ع ز
الثاني :الكراهة ،كقوله تعالى} :تول ت تأك للوا ز
م ي لذ عك ترز ا ع
س ل
ما ل ع
م ن
قد تة ت الن ن ت
كازح{َّ ]البقرة[235:
موا ع ل ع
]النعام [121:ومثله الهندي بقوله} :تول ت تععزز ل
ع
ه
موا ال ت
خزبي ت
ث ز
من ع ل
م ل
أي على عقدة النكاح ،وقد يدل عليه السياق كقوله} :تول ت تي ت ن
ن{َّ ]البقرة :من الية [267قال الصيرفي :لنه حثهم على إنفاق أطيب
ف ل
ت لن ع ز
قو ت
أموالهم ،ل أنه يحرم عليهم إنفاق الخبيث من التمر أو الشعير من القوت ،وإن
كانوا يقتاتون ما فوقه ،وهذا إنما نزل في القناء التي كانت تعلق في المسجد
فكانوا يعلقون ،الحشف.
ت
م
قال:فالمراد بالخبيث هنا الردأ ،وقد يقع على الحرام،كقوله} :وتي ل ت
حنر ل
م ع تلي عهز ل
ث{َّ ]العراف [157:وقد يعلل بالتوهم ،لقوله صلى الله عليه وسلم "إذا
ال ع ت
ختبائ ز ت
استيقظ أحدكم من نومه فل يغمس يده في الناء حتى يغسلها فإنه ل يدري أين
باتت يده "1وكذلك حديث عدي في العبد":إني أخشى أن يكون قد أمسك
على نفسه" فنبهه على مظنة الشبهة احتياطا.
ض ت
م{َّ ]البقرة.[237:
وا ال ع ت
ف ع
الثالث :الدب ،كقوله} :تول ت تن ع ت
ل ب تي عن تك ل ع
س ل
ت
ن ع تي عن تي ع ت
مت نععتنا
مد ن ت
ما ت
ك إ زلى ت
الرابع :التحقير لشأن المنهي عنه ،كقوله تعالى} :تول ت ت ل
ه{َّ ]طه.[131:
بز ز
ت
ن
ن{َّ ]آل عمران:
مو ت
م ع
سل ز ل
م ل
ن إ زل وتأن عت ل ع
الخامس :التحذير ،كقوله تعالى} :تول ت ت ل
موت ل ن
.[102
ل اللهزن
ل
ن
ن ال ز
السادس :بيان العاقبة ،كقوله تعالى} :تول ت ت ع
ن قلت زلوا زفي ت
ح ت
سزبي ز
ذي ت
سب ت ن
ت
واتاا{َّ ]آل عمران.[169:
أ ع
م ت
السابع :اليأس ،كقوله تعالى} :ل ت تععت تذ زلروا{َّ ]التوبة.[66:
ت
ت
ع
ن أشتياتء{َّ
الثامن :للرشاد إلى الحوط بالترك ،كقوله تعالى} :ل ت ت ع
سألوا ع ت ع
ـــــــ
رواه مسلم في صحيحه "" "1/233كتاب الطهارة ،باب كراهة غمس
المتوضء وغيره يده المشكوك في نجاستها ،برقم "1 ."278
) (2/155
]المائدة[101:ومنه قوله صلى الله عليه وسلم" :ل تعمروا ول ترقبوا" قال
الرافعي في باب الهبة :قال الئمة :هذا إرشاد معناه :ل تعمروا طمعا في أن
يعود إليكم ،واعلموا أن سبيله سبيل الميراث.
ف إ زن ن ت
ن{َّ ]القصص:
التاسع :اتباع المر من الخوف كقوله} :تول ت ت ت
خ ع
ن اعل ز
ك ز
مزني ت
م ت
.[31
العاشر :الدعاء ،كقوله":ل تكلنا إلى أنفسنا".
الحادي عشر :اللتماس ،كقولك لنظيرك :ل تفعل هذا.
الثاني عشر :التهديد ،كقولك لمن ل يمتثل أمرك :ل تمتثل أمري.
الثالث عشر :الباحة وذلك في النهي بعد اليجاب فإنه إباحة للترك.
ت
ع
ف ل
ن{َّ
الرابع عشر :الخبر ،ومثله الصيرفي بقوله تعالى} :ل ت تن ع ل
ذو ت
ن إ زنل ب ز ل
سلطا ن
]الرحمن [33:فالنون في "تنفذون" جعل خبرا ل نهيا يدل على عجزهم عن
قدرتهم ولول النون لكان نهيا ،وأن لهم قدرة كفهم عنها النهي ،وعكسه قوله:
ه{َّ ]البقرة [2:أي :ل ترتابوا فيه على أحد القولين ،كقوله تعالى:
ب زفي ز
}ل تري ع ت
ت
ن
ن{َّ ]آل عمران[102:لم ينههم عن الموت في
مو ت
م ع
سل ز ل
م ل
ن إ زل وتأن عت ل ع
}تول ت ت ل
موت ل ن
ت
ن
ت
ع
ة{َّ
مشرزك ا
ح إ زل تزان زي ت ا
وقت; لن ذلك ليس إليهم وقوله تعالى} :النزازني ل ي تن عك ز ل
ة أوع ل
]النور [3:لفظه الخبر ،ومعناه النهي أي :ل تنكحوا .وليست حقيقة في الكل
اتفاقا بل في البعض ،وهو إما تحريم فقط ،وإما الكراهة فقط ،وإما هو مشترك
بينهما أو هي مشتركة بينهما أقوال :والول معنوي ،والثاني لفظي ،أو ل يدرى
حال هذه القسام مع أنه غير خارج عنها ،أو الوقف على ما سبق في المر.
وحكى الغزالي القول بالباحة هنا ،ورأيت من ينكره عليه ،وإنما قال الغزالي
في "المنخول" :إن من حمل المر على الباحة ورفع الحرج حمل هذا على رفع
الحرج في ترك الفعل .وقال أبو زيد في "التقويم":لم أقف على الخلف في
حكم النهي كما في المر ،فيحتمل أن تكون أقوالهم في النهي حسب اختلفهم
في المر ،فمن قال بالوقف ثم يقول به هنا ،ومن قال بالباحة ثم يقول بالباحة
هنا ،وهو إباحة النتهاء ،ومن قال بالندب هناك يندب النتهاء هنا ،ومن قال
بالوجوب ثم يقول به هاهنا.
وقال البزدوي :إن المعتزلة قالوا بالندب في باب المر ،وفي النهي قالوا
بالوجوب; لن المر يقتضي حسن المأمور به ،والمندوب والواجب في اقتضاء
الحسن سواء بخلف النهي ،فإنه يقتضي قبح المنهي عنه ،والنتهاء عن القبيح
واجب ،فأما
) (2/156
إتيان الحسن فليس بواجب ،ولهذا فرقوا.
]يجيء النفي في معنى النهي[
وقد يجيء النفي في معنى النهي ،ويختلف حاله بحسب المعاني:
ت
ت
ما ت
ن
م ز
م ز
ن ت
كا ت
حوعلهل ع
دين تةز وت ت
ل ال ع ت
منها أن يكون نهيا وزجرا ،كقوله تعالى } :ت
م ت
م ع
ن زلهع ز
ت
ت
ما
خل ن ل
ن ي تت ت ت
بأ ع
فوا{َّ ]التوبة [120:ومنها :أن يكون تعجيزا ،كقوله تعالى } :ت
اعلع عترا ز
كان ل تك ل ت
ن ت لن عب زلتوا ت
ها{َّ ]النمل.[60:
جتر ت
ش ت
مأ ع
ت ت
ع
ت
ما ت
د{َّ ]مريم[35:
ن ي تت ن ز
ن وتل ت ن
خذ ت ز
ن ل زل نهز أ ع
كا ت
ومنها أن يكون تنزيها ،كقوله تعالى } :ت
م ع
ذكره ابن عطية في سورة مريم.
) (2/157
مسألة] :مفارقة المر للنهي في الدوام والتكرار[
النهي يفارق المر في الدوام والتكرار فإن في اقتضاء المر التكرار خلفا
مشهورا ،وها هنا قطع جماعة منهم الصيرفي والشيخ أبو إسحاق بأن النهي
المطلق يقتضي التكرار والدوام ،ونقل الجماع فيه الشيخ أبو حامد
السفراييني وابن برهان ،وكذا قاله أبو زيد في "التقويم".
وأما الخلف في أن المر هل يقتضي التكرار أم ل؟ فل يتصور مجيئه في النهي;
لن النتهاء عن النهي مما يستغرق العمر إن كان مطلقا; لنه ل انتهاء إل بعدم
المنهي عنه من قبله ،ول يتم النعدام من قبله إل بالثبوت عليه قبل الفعل فل
يتصور تكراره بخلف المر بالفعل; لن الفعل المستمر له حد يعرف وجوده
بحده ثم يتصور التكرار بعده .وقال المازري :حكى غير واحد التفاق على أن
النهي يقتضي الستيعاب للزمنة بخلف المر ،لكن القاضي عبد الوهاب حكى
قول أنه كالمر في اقتضائه المرة الواحدة ،ولم يسم من ذهب إليه ،والقاضي
وغيره أجروه مجرى المر في أنه ل يقتضي الستيعاب .وقال أبو الحسين
السهيلي في كتاب أدب "الجدل" :النهي المطلق يقتضي التكرار في قول
الجمهور ،وسمعت فيه وجها آخر أنه يقتضي الجتناب عن الفعل في الزمن
الول وحده ،وهذا مما ل يجوز حكايته لضعفه وسقوطه .انتهى.
وقال ابن عقيل في "الواضح" :النهي يقتضي التكرار ،وقال القاضي أبو بكر
الباقلني :ل يقتضيه ،وهذا النقل عن القاضي يخالفه نقل المازري ،وهو
الصواب.
) (2/157
وممن نقل الخلف في المسألة المدي وابن الحاجب ،واختار المام في
"المحصول" أنه ل يقتضي التكرار كما ل يقتضيه في المر .وقال سليم الرازي:
النهي يقتضي التكرار ،وعن بعض الشعرية أنه يقتضي الكف عقب لفظ النهي.
فتحصلنا فيه على مذاهب :يقتضيه مطلقا .يقتضيه مرة واحدة .ل يقتضيه بل
يوقف إلى الدليل من خارج ،وهو المنقول عن القاضي أبي بكر ،واختاره في
"المحصول" ،ويجيء مما سبق في المر مذهب آخر بالتفصيل من أن يرجع
إلى قطع الواقع فللمرة ،كقولك للمتحرك :ل تتحرك ،وإن رجع إلى اتصال
الواقع واستدامته فللدوام ،كقولك للمتحرك :ل تسكن.
أما النهي المقيد بشرط أو صفة فالخلف السابق في المر في اقتضائه التكرار
يأتي هنا ،فمن قال :النهي ل يقتضي بمجرده التكرار والدوام قال به هاهنا.
قال القاضي عبد الوهاب والشيخ أبو إسحاق :والصحيح أنه يتكرر وهو آكد من
مطلقه بخلف المر; لن مطلق النهي التكرار فالمعلق على الشرط أولى.
وقال إلكيا الهراسي :النهي المقيد بشرط أو صفة ل يقتضي التكرار بخلف
النهي المطلق; لنه إذا قيده بوصف صار مغلوبا على العتماد مختصا به ،فلو
اقتضى التكرار مع فهم تعدده كان كالمر.
وحكى صاحب "الواضح" عن أبي عبد الله البصري أنه فرق بين النهي المعلق
بشرط ،وبين النهي المطلق ،فحمل المطلق على التأبيد ،وفصل بينه وبين
المر ،وحمل النهي المعلق بشرط على أنه ل يقتضي التكرار سوى بينه وبين
المر ،ومثله بالسيد إذا قال لعبده :ل تسقني الماء إذا دخل زيد الدار ،فدخل
زيد دفعة واحدة كفى ،ول يجب أن يمنع من سقيه كل دفعة يدخل زيد الدار.
مسألة
إذا قلنا :النهي للتحريم فتقدم صيغة المر هل يغيره؟ فيه طريقان:
أحدهما :القطع بأنها ل تغيره ،وإن جرى الخلف في المر ،وبه قال الستاذ أبو
إسحاق والغزالي في "المنخول" وحكيا الجماع على ذلك.
والثاني :طرد خلف المر ،وقد حكى الطريقين ابن فورك ،وقال :الشبه
التسوية ،ومنع إمام الحرمين الجماع ،وطرد الوقف هنا بناء على اعتقاده أن ل
فرق بينهما ،ويمكن الفرق بأن الباحة أحد محامل "افعل" بخلف "ل تفعل".
) (2/158
مسألة
النهي يقتضي الكف على الفور على المشهور ،قالوا :ول يتصور مجيء خلف
المر هنا .قال الشيخ أبو حامد :إنه يقتضي الفور بل خلف على المذهب.
وحكى ابن عقيل الحنبلي عن القاضي أبي بكر أنه يقتضيه ،وقال ابن فورك:
يجيء الخلف إن قلنا :المر يقتضي التكرار بظاهره ،وإن قلنا :ل يتكرر
بظاهره إل بدليل فالقول فيه كالقول في المر وقال المام الرازي :إن قلنا:
النهي يقتضي التكرار فهو يقتضي الفور وإل فل ،ونازعه النقشواني
والصفهاني ،وقال :بناء الفور على وجوب التكرار ظاهر ،وأما بناء عدم وجوب
الفور على عدم اقتضاء التكرار فمشكل ،لجواز أن ل يقتضي التكرار ويقتضي
الفور.
) (2/159
مسألة] :النهي عن واحد ل بعينه[
سبق أن المر بالشيء نهي عن ضده على الصح ،وأن النهي عن الشيء أمر
بضده إن كان له ضد واحد كالصوم في العيدين والفطر ،وإن كان له أضداد فهو
أمر بواحد منها ،وسبق في الواجب المخير أن الواجب أحدها ل بعينه ،وأما في
النهي عن واحد ل بعينه نحو ل تكلم زيدا أو عمرا ،فإن النهي متعلق بواحد منهما
ل بعينه فيحرم الجمع بينهما ،ويجوز له فعل كل منهما منفردا.
وقالت المعتزلة :يقتضي النهي عنهما ول يجوز به فعل أحدهما بناء على أن
"أو" في النهي تقتضي الجمع دون التخيير ،فإذا قال :ل تكلم زيدا أو عمرا،
فعلى مذهبنا يجوز أن يكلم أيهما شاء على النفراد ،وعلى قول المعتزلة ل
يجوز.
) (2/159
مسألة] :الختلف في معنى ل تقم[
اختلفوا في معنى قولك":ل تقم" فذهب كثير من المعتزلة إلى أن المعنى ل
يوجد منك قيام ف "ل" حرف نهي ،والمراد نفي المصدر بواسطة إشعار الفعل
به ،واختاره القاضي.
) (2/159
مسألة] :المكلف به في النهي[
ل خلف في أن المكلف به في المر الفعل.
واختلف في المكلف به في النهي هل المكلف به ضد المنهي عنه ،أو عدم
الفعل؟ والول قول أصحابنا ،ومعنى "ل تزن" عندهم تلبس ضد من أضداد
الزنى أي :افعل فعل غيره مباحا أي فعل كان.
وقال أبو هاشم :معناه ل تفعل الزنى من غير تعرض للضد حتى لو خل عن
المأمور وعن كل ترك له استحق الذم على أنه لم يفعل.
قال القاضي :ولما باح بهذا خالفه أصحابنا من المعتزلة وقالوا :ما زلت منكرا
على الجبرية إثبات الثواب والعقاب على ما ليس بخلق لهم وليس بفعل لهم
على التحقيق ،ثم صرت إلى ثبوت الذم من غير إقدام على فعل .وسمي بهذه
المسألة أبو هاشم الذمي حيث إنه علق بالذم المعدوم ،وهذا يهدم جملة
قواعده في التعديل والتجويز.
ومنشأ الخلف في هذه المسألة أن النظر هل هو إلى صورة اللفظ فليس فيه
إل العدم؟ فإذا قال :ل تتحرك ،فعدم الحركة هو متعلق النهي ،أو يلحظ أن
الطلب إنما وضع لما هو مقدور مما ليس بمقدور ،ول يطلب عدمه ،والعدم
نفي صرف ،فل يكون مقدورا ،فل يتعلق به طلب ،فتعين تعلق الطلب بالضد.
فالجمهور لحظوا المعنى وأبو هاشم لحظ اللفظ ،والمعنى أتم في العتبار من
صورة اللفظ .ونقل التبريزي عن الغزالي موافقة أبي هاشم ،وهو معذور في
ذلك ،فإنه قال في "المنخول" قبيل باب العموم :وأما التروك فعبارة عن
أضداد الواجبات ،كالقعود عند المر بالقيام ،ثم بعض ترك القيام ل بالقعود،
ووافقنا عليه أبو هاشم الذمي من حيث إنه علق الذم بالمعدوم .انتهى.
وهذا النقل عن أبي هاشم مردود ،فإن من أمر بالقيام فلم يمتثل ،عصى عنده
لكونه لم يفعل القيام ل لكونه فعل الترك ،وكونه لم يفعل نفي ل حقيقة له،
وعليه
) (2/160
يذم ،ولهذا سمي الذمي.
وظاهر كلمه في "المستصفى" في هذه المسألة التفصيل بين الترك المجرد
المقصود لنفسه من غير أن يقصد معه ضده بالمكلف فيه بالفعل كالصوم،
فالكف منه مقصود ،ولهذا وجب فيه النية وبين الترك المقصود من جهة إيقاع
ضده كالزنا والشرب فالمكلف فيه بالضد.وتبعه العبدري في شرحه .قال:
ومنشأ الخلف هل الترك مقدور للعبد فيصح التكليف كالفعل أم ل؟ قال :وهي
حينئذ كلمية فكان ينبغي تقديم البحث في أنه مقدو
)اضغط هنا للنتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على النترنت(
الكتاب :البحر المحيط في أصول الفقه
المؤلف :بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي
)المتوفى 794 :هـ(
المحقق :محمد محمد تامر
الناشر :دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان
الطبعة :الطبعة الولى1421 ،هـ 2000 /م
مصدر الكتاب :موقع مكتبة المدينة الرقمية
http://www.raqamiya.org
]ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي[
آخر ،وهو ضد المتروك
والثالث :أنه ليس هو ولكن يتضمنه من طريق المعنى ،وبه جزم القاضي أبو
الطيب ،ونصره الشيخ أبو إسحاق في "التبصرة" وابن الصباغ في "العدة"
ونقله الشيخ أبو حامد السفراييني وسليم عن أكثر أصحابنا قال :وهو قول أكثر
الفقهاء كافة وقال ابن السمعاني :هو مذهب عامة الفقهاء ونقله عبد الوهاب
عن أكثر أصحاب الشافعي قال :وهو الذي يقتضيه مذهب أصحابنا ،وإن لم
يصرحوا به ،وقال الباجي :عليه عامة الفقهاء واختاره المدي والمام فخر
الدين ،وقال أبو زيد الدبوسي في "التقويم" :إنه المختار وبه جزم أبو منصور
الماتريدي ،فقال :إنه نهي عن ضده بدللة اللتزام وكذا ا قال البزدوي
والسرخسي منهم ،وقال إمام الحرمين وابن القشيري والمازري:إن القاضي
مال إليه في آخر مصنفاته .وقال صاحب "الواضح" :وقصد الفقهاء من هذه
المسألة أن المر للوجوب فلهذا قالوا :إنه نهي عن ضده ثم رد المام على من
قال :هو عينه بأنه جحد للضرورة فإن القول المعبر عنه "ب افعل" مغاير
للمعبر عنه ب "ل تفعل" قيل :وهذا منه غلط أو مغالطة; إذ ليس الكلم في
"افعل" و "ل تفعل" بل في "افعل" و "ل تترك" وليس بطلن اتحاد مدلولهما
ضروريا ،وأبطل مذهب التضمن بأن المر قد ل يخطر له الضد ،ولو خطر له فل
قصد له في تركه إل على معنى أن ذلك وسيلة إلى المأمور به ،واعترف بأنه
يرى استلزام الوجوب الوعيد على الترك فكيف ل يخطر له الضد من الترك ول
بد أن يكون متوعدا عليه؟ ثم هذا الخلف في الكلم النفسي بالنسبة إلى
المخلوق; لنه الذي يغفل عن الضد ،وأما الله -تعالى -فكلمه واحد ل يتطرق
إليه ذهول كما صرح به الغزالي وابن القشيري.
واحترزنا بقولنا :معين عن الواجب المخير والموسع ،فإن المر بهما ليس نهيا
عن الضد .والمسألة مقصورة على الواجب المعين صرح به الشيخ أبو حامد
السفراييني والقاضي في "التقريب".
واحترزنا بالوجودي عن الترك فإن المر بالشيء نهي عن تركه بطريق التضمن
قطعا كما قاله الهندي وغيره ،وإنما الخلف في أنه هل هو نهي عن ضده
الوجودي؟
المقام الثاني بالنسب إلى الكلم اللساني عند من رأى أن للمر صيغة ،وفيه
مذهبان:
أحدهما :أن المر يتضمن النهي عن الضد ،وهو رأي المعتزلة منهم عبد الجبار،
وأبو الحسين.
قال ابن النباري :وإنما ذهبوا إلى ذلك لنكارهم كلم النفس ،والكلم عندهم
) (2/146
ليس إل العبارات ،فلم يمكنهم أن يقولوا :المر بالشيء نهي عن ضده،
لختلف اللفاظ قطعا ،فقالوا :إنه يقتضيه ويتضمنه ،وليس يعنون بذلك إشعارا
لغويا أو أمرا لفظيا فقط ،ولكنهم يقولون :المر قول القائل لمن دونه" :افعل"
مع إرادات ،ومريد الشيء ل بد وأن يكون كارها لضده ،فيلزم أن يكون المر
بالشيء نهيا عن ضده .وفرق إمام الحرمين بين هذا القول وقول القاضي آخرا
بأن المعتزلة يقولون :صيغه المر تقتضي النهي ،وذلك القتضاء راجع إلى فهم
معنى من لفظ من يشعر به ،والقاضي يقول بالكلم النفسي ،وما يقوم
بالنفس ل إشعار له بغيره ،ولكنه يقول :إذا قام بالنفس المر الحقيقي فمن
ضروراته أن يقوم بالنفس معه قول آخر هو نهي عن أضداد المأمور به ،كما
يقتضي قيام العلم بالمحل قيام الحياة به .والثاني :أنه ل يدل عليه أصل .وجزم
به النووي في "الروضة" في كتاب الطلق ،ول يمكن أحد هنا أن يقول :إنه هو،
فإن صيغة "تحرك" غير صيغة "ل تسكن" قطعا.
ولبعض المعتزلة مذهب ثالث ،وهو أن أمر اليجاب يكون نهيا عن أضداده
ومقبحا لها ،لكونها مانعة من فعل الواجب المندوب فإن أضداده مباحة غير
منهي عنها ،ول تنزيه غالبا،
واختار المدي أن يقال :إن جوزنا تكليف ما ل يطاق فالمر بالفعل ليس نهيا
عن الضد ،ول مستلزما للنهي عنه ،بل يجوز أن يؤمر بالفعل وبضده في الحالة
الواحدة ،وإن منع فالمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده.
واختاره الهندي أنه نهي عن ضده بطريق الستلزام ،ل أنه وضده يستلزم ذلك
بل مع مقدمة أخرى ،وهي أن ما ل يتم الواجب إل به فهو واجب ،لو قيل:
باستحالة تكليف ما ل يطاق وقال أبو الحسين في "المعتمد" ليس الخلف في
تسمية المر حقيقة لبطلنه ،ول في أن صيغة "ل تفعل" موجودة في المر; لن
الحس يدفعه ،بل في أنه نهي عن ضده في المعنى.
واعلم أن الذي دلنا على الفصل بين المقامين وتنزيل خلف كل قوم على حالة
أن الشيخ والقاضي لم يتكلما إل في النفسي ،ويدل لذلك قولهما :إن اتصافه
بالمر والنهي على ما سبق والمام في "المحصول" اختار أن المر يتضمن
النهي عن ضده ،والظاهر أن كلمه في اللساني; لنه عبر بالصيغة ،وخلف
المعتزلة أنما يتصور فيه لنهم ينكرون النفسي ،ول أمر عندهم إل بالعبارة.
إذا علمت ذلك فقد استشكل تصوير المسألة بأنه إن كان الكلم في النفساني
) (2/147
بالنسبة إلى الله -تعالى ،فالله -تعالى -بكل شيء عليم ،وكلمه واحد ،وهو
أمر ونهي وخبر واحد بالذات متعدد بالمتعلقات ،وحينئذ فأمر الله عين نهيه،
فكيف يتجه فيه خلف؟ وإن كان الخلف بالنسبة إلى المخلوق فقط كما صرح
به الغزالي وابن القشيري فكيف يقال :هو أو يتضمنه مع احتمال ذهوله عن
الضد مطلقا؟ وهذا هو عمدة إمام الحرمين كما سبق.
وجوابه :أن القائل بأنه أجراه مجرى العلم المتعلق بمتلزمين كيمين وشمال
وفوق وتحت ،فإن من المستحيل علم الفوق وجهل التحت وعكسه ،وكذلك
يستحيل أن يتعلق المر بالنفسي باقتضاء فعل ،ول يتعلق النهي عن تركه ،وإنما
الشكال على القول بتضمنه النهي.
وجوابها ما ذكره إمام الحرمين أن هؤلء ل يعنون بالقتضاء ما يريده المعتزلة،
وإنما هؤلء يعتقدون أن المر النفسي مقارنة نهي نفسي أيضا يجري ذلك
مجرى الحياة في العلم ،فإن العلم إذا وجد اقتضى وجود الحياة.
وممن جزم أن الخلف في هذه المسألة إنما هو بالنسبة إلى الكلم اللساني ل
النفساني القرافي ،وتبعه عليه التبريزي في "التنقيح" ،فقال :ل يتحقق هذا
الخلف في كلم الله -تعالى; لن مثبتي كلم النفس مطبقون على اتحاد كلم
الله من أمر ونهي ووعد ووعيد واستفهام إلى جميع القسام الواقعة في
الكلم ،فهو -تعالى -آمر بعين ما هو ناه عنه ،ول شك أن قول القائل" :تحرك"
غير قوله" :ل تسكن" وإنما النظر في قوله" :افعل" إنما يتضمن ذلك -على
خلف فيه -طلب الفعل فهو طالب ترك ضده أم ل؟ وكذا قال الصفي الهندي:
هذا النزاع غير متصور في كلم الله -تعالى -على رأي من يرى اتحاده ،بل في
كلم المخلوقين وفي كلم الله -تعالى -على رأي من يرى تعدده.
وقال ابن القشيري :الكلم في هذه المسألة مع مثبتي كلم النفس أما من
نفاه فل يمكنه أن يقول :المر عين النهي فإن صيغة "افعل" غير صيغة "ل
تفعل" لكنهم قالوا :يقتضيه من طريق المعنى قال :وصار إلى هذا ضعفة
الفقهاء ،ومن لم يتحقق عنده كلم النفس .ثم قال :الخلف في أمر المخلوق،
أما كلم الله فهو قديم ،وهو صفة واحدة يكون أمرا بكل مأمور ،ونهيا عن كل
نهي ،خبرا عن كل مخبر ،ثم قال في آخر المسألة :والقول بأن المر بالشيء
نهي عن جميع أضداده يلزم المصير إلى مذهب الكعبي; لن من ضرورة
ارتكاب المباح أن يترك محظورات ،فوجه النظر إلى مقصود
) (2/148
المر والناهي والمبيح ل فيما يقع من ضرورة الجبلة ،وهذا نهاية المسألة.
) (2/149
]النهي عن الشيء إن كان له أضداد[
أما النهي عن الشيء فأمر بضده إن كان له ضد واحد بالتفاق كالنهي عن
الحركة يكون أمرا بالسكون ،وإن كان له أضداد ،فاختلفوا فيه ،فقيل :نفس
المر بضده كما في جانب المر قاله القاضي ،ثم مال آخرا إلى أنه يتضمنه،
وقيل :بل ذلك في جانب المر ل النهي ،فل يجري الخلف.
وقال إمام الحرمين في "البرهان" :الذي ذهب إليه جماهير الصحاب أن النهي
عن الشيء أمر بأحد أضداد المنهي عنه ،والمر بالشيء نهي عن جميع أضداد
المأمور به ،وجرى عليه القاضي عبد الوهاب في "الملخص" وابن السمعاني
في "القواطع" وسليم الرازي في التقريب" فقالوا :إن كال له ضد واحد فهو
أمر بذلك الضد أي :تضمنا ،كما قاله سليم كالصوم في العيدين ،وكقوله :ل
تكفر فإنه أمر باليمان.
وإن كان له أضداد كثيرة فهو أمر بضد واحد; لنه ل يتوصل إلى ترك المنهي
عنه إل به ،فأما إثبات المر بسائر الضداد فل معنى له ،وحكاه ابن برهان في
"الوسط" عن العلماء قاطبة.
وقال صاحب "اللباب" من الحنفية :النهي يقتضي المر بضده إن كان ذا ضد
واحد ،فإن كان له أضداد ،فقال أبو عبد الله الجرجاني :ل يقتضي أمرا بها.
وقال الشافعي :يقتضي أمرا بالواحد ،وهو قول عامة أصحابنا .انتهى.
وحكى إمام الحرمين قول ثالثا :أنه ليس بأمر بشيء مطلقا ،وشنع على من
قال بأن النهي عن ذي أضداد أمر بأحد أضداده ،فقال :من قال :إن النهي عن
الشيء أمر بأحد أضداده فقد اقتحم أمرا عظيما ،وباح بالتزام مذهب الكعبي
في نفي الباحة ،فإنه إنما صار إلى ذلك من حيث قال :المر بالشيء نهي عن
الضداد ،ويتضمن لذلك من حيث تفطن لغائلة المعنى فقد ناقض كلمه فإنه
كما يستحيل القدام على المأمور به دون النكفاف عن أضداده فيستحيل
النكفاف عن المنهي ]عنه[ دون التصاف بأحد أضداده.
والتحقيق في هذه المسألة :ما أشار إليه ابن القشيري أن هاهنا شيئين:
أحدهما :كون المر بالشيء هل هو نهي عن ضده أم ل؟
الثاني :المأمور بشيء منهي عن جميع أضداده ،وأن المر به ناه عن جميع
) (2/149
الضداد .فأما الثاني فقد نقل القاضي فيه الجماع ،وقال أبو نصر بن القشيري:
أنا ل أشك أن هذا ممنوع ،ثم ذكر أن القاضي قال :إن منع ذلك مانع قيل له:
هذا خرق ما عليه الكافة مع أنا نلجئه إلى ما قيل له به ،فنقول :إذا ورد المر
على الجزم بشيء وهو مقيد بالفور وانتفى عنه سمة التخيير ،فتحريم ضد
المتثال ل شك فيه; إذ لو لم يحرم فما معنى وجوب المتثال؟ انتهى.
وأما الول فل سبيل إلى القول به مع تجويز عدم خطوره بالبال ،وعلى تقدير
الخطور فليس الضد مقصودا بالذات ،وإنما هو ضروري دعا إليه تحقق المأمور
به ،وليس كل ضروري للشيء يقال له :إنه مدلوله أو يتضمنه.
قال :وهذا التحقيق تحرير في أن المر بالشيء ليس ناهيا عن أضداده; لن
المر للقيام طالب له ،وقد يخطر له ضده ،فكيف يطلب؟
واعلم أنهم اتفقوا على أن عين المر ل يكون نهيا عن ضد المأمور به ،وكذا
النهي عن الشيء ل يكون أمرا بضد المنهي عنه ،لكنهم اختلفوا في أن كل
واحد منهما هل يوجب حكما في ضد ما أضيف إليه؟ فذهب أبو هاشم وغيره
من متأخري المعتزلة إلى أنه ل حكم له في ضده أصل بل هو مسكوت عنه،
وإليه ذهب إمام الحرمين والغزالي ،وذهب بعض المعتزلة كعبد الجبار وأبي
الحسين إلى أن المر يوجب حرمة ضده ،وذهب جماعة من محققي الحنفية
إلى أنه يدل على كراهة ضده.
وفائدة الخلف :أن من قال :ل يقتضي تحريم الضد ،قال :إذا أدى الشتغال به
إلى فوات المأمور به حرم; لن تفويت المأمور به حرام ،فلما نهى المحرم عن
لبس المخيط دل على أن من السنة لبس الزار والرداء.
تنبيهات
الول
أطلقوا المر ،وهو يشمل الواجب والمندوب ،وبه صرح القاضي في مختصر
"التقريب" وجعلها نهيا عن الضد تحريما وتنزيها ،ونقل تخصيصه بالواجب عن
بعض أهل الحق ،وهو الذي حكاه القاضي عبد الوهاب في "الملخص" عن
الشيخ ،فقال :ذهب الشيخ إلى أن المر بالشيء نهي عن ضده إن كان له ضد
واحد ،وأضداده إن كان ذا أضداد .وحكى القاضي أنه -يعني الشيخ -شرط في
ذلك أن يكون واجبا ل ندبا.
قال :وقد حكي عن الشيخ أنه قال في بعض كتبه :إن الندب حسن وليس
) (2/150
مأمورا به ،وعلى هذا القول ل يحتاج إلى اشتراط الوجوب في المر; إذ هو
حينئذ ل يكون إل واجبا ،ثم قال القاضي :والصحيح عندي أن المر بالشيء نهي
عن ضده من وجوب وندب.
قال :ول بد أن يشترط الشيخ في ذلك شرطين:
أحدهما :أن يكون مع وجوبه مضيقا ،مستحق العين لجل أن الواجب الموسع
ليس بنهي عن ضده.
والثاني :أن يكون نهيا عن ضده ،وضد البدل منه الذي هو بدل ل ما إذا كان أمر
على غير وجه التخيير .انتهى.
وهذا الشرط الثاني قد سبق تصوير المسألة به ،وقد ذكرهما الشيخ أبو حامد
السفراييني في كتابه ،فقال :إذا كان شيء واحد مضيق معين ل بدل له،
وذكره ابن القشيري أيضا ،فقال :هذا في المر بالشيء على التنصيص ل على
التخيير ،فإن المر على التخيير قد يتعلق بالشيء وضده ،فيكون الواجب
أحدهما ل بعينه.
وذكر عبد القاهر البغدادي أن المر بالشيء إنما يكون عن ضده إذا كان
المأمور به مضيق الوجوب بل بدل ول تخيير ،كالصوم ،فأما إذا لم يكن كذلك فل
يكون نهيا عن ضده ،كالكفارات واحدة منها واجبة مأمور بها غير منهي عن
تركها ،لجواز ردها إلى غيرها ،كما في المر.
وقد احترز القاضي عن هذا فقال :المر بالشيء نهي عن أضداد المأمور به
وبدله القائم مقامه إن كان له بدل ،فيخرج بذلك المر المشتمل على التخيير.
انتهى.
وذكر صاحب "القواطع" أن المسألة مصورة بما إذا كان المر يوجب تحصيل
المأمور به على الفور فل بد من ترك ضده عقب المر كما ل بد من فعله عقب
المر ،فأما إذا كان المر على التراخي فل ،وهكذا ذكره بعض الحنفية كشمس
الئمة وغيره أنه إنما يقتضي النهي عن ضده إذا اقتضى التحصيل على الفور.
وأما الول فاستشكل وجهه الموسع إن لم يصدق عليه أنه واجب فأين المر
حتى يستثنى منه قولهم :المر بالشيء نهي عن ضده؟ وإن صدق عليه واجب
بمعنى أنه ل يجوز إخلء الوقت عنه فضده الذي يلزم من فعله ،تفويته منهي
عنه.
وحاصله :أنه إن صدق المر عليه انقدح كونه نهيا عن ضده وإل فل وجه
لستثنائه كما قلنا في المخير.
) (2/151
الثاني :ذكر بعضهم أن الخلف إنما هو في الضد الذي هو المر الوجودي الذي
هو من لوازم نقيض الشيء المأمور به ،فالمر بالحركة هل هو نهي عن نفس
السكون الذي هو ضد أم ل؟ هذا هو موضع الخلف أما النقيض فل خلف أن
المر بالشيء هو عين النهي عن نقيضه ،فإن الحركة نقيض الل حركة فالل
حركة نقيض ،وليس بضد بل ضد الحركة هو السكون وهذا أمر وجودي إل أنه
لزم مساو لنقيض الحركة ،فإذا وجد المر بالحركة فهذا بعينه نهي عن نقيضها;
لن النهي عن نقيضها هو سلب لسلبها ،وهو في نفسه عبارة عن سلب الحركة
وسلب سلب الحركة هو نفس الحركة; لن سلب السلب إثبات ،وطلب سلب
الحركة هو طلب سلب نفس الحركة فيكون المر بالحركة هو بعينه نهيا عن
نقيضها ،وهو سلب الحركة.
الثالث :ذكر بعضهم أن موضع الخلف إذا لم يقصد "الضد" بالنهي فإن قصد
ن{َّ ]البقرة [222:فإن
ض تول ت ت ع
م ز
كقوله تعالى} :تفاع عت تززللوا الن ن ت
ساتء زفي ال ع ت
قترلبوهل ن
حي ز
الضد مثل هذه الصورة حرام بل خلف.
) (2/152
النهي
مدخل
...
النهي
هو اقتضاء كف عن فعل فالقتضاء جنس ،و "كف" مخرج للمر لقتضائه غير
الكف .وشرط ابن الحاجب هنا على جهة الستعلء كما شرطه في المر ،وقال
القرافي :لم يذكروا الخلف السابق في المر في اشتراط العلو أو الستعلء
هنا ،ويلزمهم التسوية بين البابين.
قلت :قد أجراها ابن السمعاني في "القواطع" وليس من شرط النهي كراهة
المنهي عنه كما ليس من شرط المر إرادة المأمور به خلفا للمعتزلة حيث
اعتبروا إرادة الترك كما في المر وللنهي صيغة مبينة له تدل بتجريدها عليه،
وهي قول القائل ل تفعل ،وفيه الخلف السابق في المر.
وقال الشعري :ومن تبعه :ليس له صيغة ،والصحيح :الول
وإذا قلنا له صيغة ففيه مذاهب:
أحدها :ونسب للشعري أنه موقوف ل يقتضي التحريم ،وغيره إل بدليل.
والثاني :أنه للتنزيه حقيقة ل للتحريم; لنها يقين فحمل عليه ولم يحمل على
التحريم إل بدليل ،وحكاه بعض أصحابنا وجها ،وعزاه أبو الخطاب الحنبلي
لقوم.
والثالث :أنه للتحريم حقيقة كما أن مطلق المر للوجوب; لن الصحابة رجعوا
ه تفان عت تلهوا{َّ ]الحشر:
م ع تن ع ل
ما ن تتهاك ل ع
في التحريم إلى مجرد النهي ،ولقوله تعالى }:وت ت
[7وهذا هو الذي عليه الجمهور ،وتظاهرت نصوص الشافعي عليه ،فقال في
"الرسالة :"1في باب العلل في الحاديث :وما نهى عنه رسول الله صلى الله
عليه وسلم فهو على التحريم حتى يأتي دللة على أنها إنما أراد به غير التحريم،
وقال في "الم" في كتاب صفة المر والنهي :النهي من رسول الله صلى الله
عليه وسلم إن كان ما نهى عنه فهو محرم حتى تأتي دللة أنه بمعنى غير
التحريم ،ونص عليه في "أحكام القرآن" أيضا.
قال الشيخ أبو حامد :قطع الشافعي قوله :إن النهي للتحريم بخلف المر ،فإنه
في بعض المواضع لين القول فيه ،وهذا الذي قاله الشيخ أبو حامد هو الذي دل
عليه كلم الشافعي كما سبق.
فنقول :إن النهي للتحريم قول واحدا حتى يرد ما يصرفه ،وله في المر
ـــــــ
1انظر الرسالة ص ""211
) (2/153
قولن ،وعلى هذا فهل يقتضي التحريم من جهة اللغة أم من جهة الشرع؟ فيه
وجهان .كالوجهين في المر ،ثم المراد صيغة "ل تفعل" فأما لفظ "ن هـ ى"
فإنه للقول الطالب للترك أعم من أن يكون حراما أو مكروها.
وقال ابن فورك :صيغته عندنا "ل تفعل" و "انته" و "اكفف" ونحوه.
) (2/154
]ورود صيغة النهي لمعان[
وترد صيغه النهي لمعان:
قترلبوا النزتنى{َّ ]السراء:ة [32
أحدها :للتحريم ،كقوله تعالى} :تول ت ت ع
ع
ت
ن
ت
ل
ه{َّ
م اللهز ع تلي ع ز
الثاني :الكراهة ،كقوله تعالى} :تول ت تأك للوا ز
م ي لذ عك ترز ا ع
س ل
ما ل ع
م ن
قد تة ت الن ن ت
كازح{َّ ]البقرة[235:
موا ع ل ع
]النعام [121:ومثله الهندي بقوله} :تول ت تععزز ل
ع
ه
موا ال ت
خزبي ت
ث ز
من ع ل
م ل
أي على عقدة النكاح ،وقد يدل عليه السياق كقوله} :تول ت تي ت ن
ن{َّ ]البقرة :من الية [267قال الصيرفي :لنه حثهم على إنفاق أطيب
ف ل
ت لن ع ز
قو ت
أموالهم ،ل أنه يحرم عليهم إنفاق الخبيث من التمر أو الشعير من القوت ،وإن
كانوا يقتاتون ما فوقه ،وهذا إنما نزل في القناء التي كانت تعلق في المسجد
فكانوا يعلقون ،الحشف.
ت
م
قال:فالمراد بالخبيث هنا الردأ ،وقد يقع على الحرام،كقوله} :وتي ل ت
حنر ل
م ع تلي عهز ل
ث{َّ ]العراف [157:وقد يعلل بالتوهم ،لقوله صلى الله عليه وسلم "إذا
ال ع ت
ختبائ ز ت
استيقظ أحدكم من نومه فل يغمس يده في الناء حتى يغسلها فإنه ل يدري أين
باتت يده "1وكذلك حديث عدي في العبد":إني أخشى أن يكون قد أمسك
على نفسه" فنبهه على مظنة الشبهة احتياطا.
ض ت
م{َّ ]البقرة.[237:
وا ال ع ت
ف ع
الثالث :الدب ،كقوله} :تول ت تن ع ت
ل ب تي عن تك ل ع
س ل
ت
ن ع تي عن تي ع ت
مت نععتنا
مد ن ت
ما ت
ك إ زلى ت
الرابع :التحقير لشأن المنهي عنه ،كقوله تعالى} :تول ت ت ل
ه{َّ ]طه.[131:
بز ز
ت
ن
ن{َّ ]آل عمران:
مو ت
م ع
سل ز ل
م ل
ن إ زل وتأن عت ل ع
الخامس :التحذير ،كقوله تعالى} :تول ت ت ل
موت ل ن
.[102
ل اللهزن
ل
ن
ن ال ز
السادس :بيان العاقبة ،كقوله تعالى} :تول ت ت ع
ن قلت زلوا زفي ت
ح ت
سزبي ز
ذي ت
سب ت ن
ت
واتاا{َّ ]آل عمران.[169:
أ ع
م ت
السابع :اليأس ،كقوله تعالى} :ل ت تععت تذ زلروا{َّ ]التوبة.[66:
ت
ت
ع
ن أشتياتء{َّ
الثامن :للرشاد إلى الحوط بالترك ،كقوله تعالى} :ل ت ت ع
سألوا ع ت ع
ـــــــ
رواه مسلم في صحيحه "" "1/233كتاب الطهارة ،باب كراهة غمس
المتوضء وغيره يده المشكوك في نجاستها ،برقم "1 ."278
) (2/155
]المائدة[101:ومنه قوله صلى الله عليه وسلم" :ل تعمروا ول ترقبوا" قال
الرافعي في باب الهبة :قال الئمة :هذا إرشاد معناه :ل تعمروا طمعا في أن
يعود إليكم ،واعلموا أن سبيله سبيل الميراث.
ف إ زن ن ت
ن{َّ ]القصص:
التاسع :اتباع المر من الخوف كقوله} :تول ت ت ت
خ ع
ن اعل ز
ك ز
مزني ت
م ت
.[31
العاشر :الدعاء ،كقوله":ل تكلنا إلى أنفسنا".
الحادي عشر :اللتماس ،كقولك لنظيرك :ل تفعل هذا.
الثاني عشر :التهديد ،كقولك لمن ل يمتثل أمرك :ل تمتثل أمري.
الثالث عشر :الباحة وذلك في النهي بعد اليجاب فإنه إباحة للترك.
ت
ع
ف ل
ن{َّ
الرابع عشر :الخبر ،ومثله الصيرفي بقوله تعالى} :ل ت تن ع ل
ذو ت
ن إ زنل ب ز ل
سلطا ن
]الرحمن [33:فالنون في "تنفذون" جعل خبرا ل نهيا يدل على عجزهم عن
قدرتهم ولول النون لكان نهيا ،وأن لهم قدرة كفهم عنها النهي ،وعكسه قوله:
ه{َّ ]البقرة [2:أي :ل ترتابوا فيه على أحد القولين ،كقوله تعالى:
ب زفي ز
}ل تري ع ت
ت
ن
ن{َّ ]آل عمران[102:لم ينههم عن الموت في
مو ت
م ع
سل ز ل
م ل
ن إ زل وتأن عت ل ع
}تول ت ت ل
موت ل ن
ت
ن
ت
ع
ة{َّ
مشرزك ا
ح إ زل تزان زي ت ا
وقت; لن ذلك ليس إليهم وقوله تعالى} :النزازني ل ي تن عك ز ل
ة أوع ل
]النور [3:لفظه الخبر ،ومعناه النهي أي :ل تنكحوا .وليست حقيقة في الكل
اتفاقا بل في البعض ،وهو إما تحريم فقط ،وإما الكراهة فقط ،وإما هو مشترك
بينهما أو هي مشتركة بينهما أقوال :والول معنوي ،والثاني لفظي ،أو ل يدرى
حال هذه القسام مع أنه غير خارج عنها ،أو الوقف على ما سبق في المر.
وحكى الغزالي القول بالباحة هنا ،ورأيت من ينكره عليه ،وإنما قال الغزالي
في "المنخول" :إن من حمل المر على الباحة ورفع الحرج حمل هذا على رفع
الحرج في ترك الفعل .وقال أبو زيد في "التقويم":لم أقف على الخلف في
حكم النهي كما في المر ،فيحتمل أن تكون أقوالهم في النهي حسب اختلفهم
في المر ،فمن قال بالوقف ثم يقول به هنا ،ومن قال بالباحة ثم يقول بالباحة
هنا ،وهو إباحة النتهاء ،ومن قال بالندب هناك يندب النتهاء هنا ،ومن قال
بالوجوب ثم يقول به هاهنا.
وقال البزدوي :إن المعتزلة قالوا بالندب في باب المر ،وفي النهي قالوا
بالوجوب; لن المر يقتضي حسن المأمور به ،والمندوب والواجب في اقتضاء
الحسن سواء بخلف النهي ،فإنه يقتضي قبح المنهي عنه ،والنتهاء عن القبيح
واجب ،فأما
) (2/156
إتيان الحسن فليس بواجب ،ولهذا فرقوا.
]يجيء النفي في معنى النهي[
وقد يجيء النفي في معنى النهي ،ويختلف حاله بحسب المعاني:
ت
ت
ما ت
ن
م ز
م ز
ن ت
كا ت
حوعلهل ع
دين تةز وت ت
ل ال ع ت
منها أن يكون نهيا وزجرا ،كقوله تعالى } :ت
م ت
م ع
ن زلهع ز
ت
ت
ما
خل ن ل
ن ي تت ت ت
بأ ع
فوا{َّ ]التوبة [120:ومنها :أن يكون تعجيزا ،كقوله تعالى } :ت
اعلع عترا ز
كان ل تك ل ت
ن ت لن عب زلتوا ت
ها{َّ ]النمل.[60:
جتر ت
ش ت
مأ ع
ت ت
ع
ت
ما ت
د{َّ ]مريم[35:
ن ي تت ن ز
ن وتل ت ن
خذ ت ز
ن ل زل نهز أ ع
كا ت
ومنها أن يكون تنزيها ،كقوله تعالى } :ت
م ع
ذكره ابن عطية في سورة مريم.
) (2/157
مسألة] :مفارقة المر للنهي في الدوام والتكرار[
النهي يفارق المر في الدوام والتكرار فإن في اقتضاء المر التكرار خلفا
مشهورا ،وها هنا قطع جماعة منهم الصيرفي والشيخ أبو إسحاق بأن النهي
المطلق يقتضي التكرار والدوام ،ونقل الجماع فيه الشيخ أبو حامد
السفراييني وابن برهان ،وكذا قاله أبو زيد في "التقويم".
وأما الخلف في أن المر هل يقتضي التكرار أم ل؟ فل يتصور مجيئه في النهي;
لن النتهاء عن النهي مما يستغرق العمر إن كان مطلقا; لنه ل انتهاء إل بعدم
المنهي عنه من قبله ،ول يتم النعدام من قبله إل بالثبوت عليه قبل الفعل فل
يتصور تكراره بخلف المر بالفعل; لن الفعل المستمر له حد يعرف وجوده
بحده ثم يتصور التكرار بعده .وقال المازري :حكى غير واحد التفاق على أن
النهي يقتضي الستيعاب للزمنة بخلف المر ،لكن القاضي عبد الوهاب حكى
قول أنه كالمر في اقتضائه المرة الواحدة ،ولم يسم من ذهب إليه ،والقاضي
وغيره أجروه مجرى المر في أنه ل يقتضي الستيعاب .وقال أبو الحسين
السهيلي في كتاب أدب "الجدل" :النهي المطلق يقتضي التكرار في قول
الجمهور ،وسمعت فيه وجها آخر أنه يقتضي الجتناب عن الفعل في الزمن
الول وحده ،وهذا مما ل يجوز حكايته لضعفه وسقوطه .انتهى.
وقال ابن عقيل في "الواضح" :النهي يقتضي التكرار ،وقال القاضي أبو بكر
الباقلني :ل يقتضيه ،وهذا النقل عن القاضي يخالفه نقل المازري ،وهو
الصواب.
) (2/157
وممن نقل الخلف في المسألة المدي وابن الحاجب ،واختار المام في
"المحصول" أنه ل يقتضي التكرار كما ل يقتضيه في المر .وقال سليم الرازي:
النهي يقتضي التكرار ،وعن بعض الشعرية أنه يقتضي الكف عقب لفظ النهي.
فتحصلنا فيه على مذاهب :يقتضيه مطلقا .يقتضيه مرة واحدة .ل يقتضيه بل
يوقف إلى الدليل من خارج ،وهو المنقول عن القاضي أبي بكر ،واختاره في
"المحصول" ،ويجيء مما سبق في المر مذهب آخر بالتفصيل من أن يرجع
إلى قطع الواقع فللمرة ،كقولك للمتحرك :ل تتحرك ،وإن رجع إلى اتصال
الواقع واستدامته فللدوام ،كقولك للمتحرك :ل تسكن.
أما النهي المقيد بشرط أو صفة فالخلف السابق في المر في اقتضائه التكرار
يأتي هنا ،فمن قال :النهي ل يقتضي بمجرده التكرار والدوام قال به هاهنا.
قال القاضي عبد الوهاب والشيخ أبو إسحاق :والصحيح أنه يتكرر وهو آكد من
مطلقه بخلف المر; لن مطلق النهي التكرار فالمعلق على الشرط أولى.
وقال إلكيا الهراسي :النهي المقيد بشرط أو صفة ل يقتضي التكرار بخلف
النهي المطلق; لنه إذا قيده بوصف صار مغلوبا على العتماد مختصا به ،فلو
اقتضى التكرار مع فهم تعدده كان كالمر.
وحكى صاحب "الواضح" عن أبي عبد الله البصري أنه فرق بين النهي المعلق
بشرط ،وبين النهي المطلق ،فحمل المطلق على التأبيد ،وفصل بينه وبين
المر ،وحمل النهي المعلق بشرط على أنه ل يقتضي التكرار سوى بينه وبين
المر ،ومثله بالسيد إذا قال لعبده :ل تسقني الماء إذا دخل زيد الدار ،فدخل
زيد دفعة واحدة كفى ،ول يجب أن يمنع من سقيه كل دفعة يدخل زيد الدار.
مسألة
إذا قلنا :النهي للتحريم فتقدم صيغة المر هل يغيره؟ فيه طريقان:
أحدهما :القطع بأنها ل تغيره ،وإن جرى الخلف في المر ،وبه قال الستاذ أبو
إسحاق والغزالي في "المنخول" وحكيا الجماع على ذلك.
والثاني :طرد خلف المر ،وقد حكى الطريقين ابن فورك ،وقال :الشبه
التسوية ،ومنع إمام الحرمين الجماع ،وطرد الوقف هنا بناء على اعتقاده أن ل
فرق بينهما ،ويمكن الفرق بأن الباحة أحد محامل "افعل" بخلف "ل تفعل".
) (2/158
مسألة
النهي يقتضي الكف على الفور على المشهور ،قالوا :ول يتصور مجيء خلف
المر هنا .قال الشيخ أبو حامد :إنه يقتضي الفور بل خلف على المذهب.
وحكى ابن عقيل الحنبلي عن القاضي أبي بكر أنه يقتضيه ،وقال ابن فورك:
يجيء الخلف إن قلنا :المر يقتضي التكرار بظاهره ،وإن قلنا :ل يتكرر
بظاهره إل بدليل فالقول فيه كالقول في المر وقال المام الرازي :إن قلنا:
النهي يقتضي التكرار فهو يقتضي الفور وإل فل ،ونازعه النقشواني
والصفهاني ،وقال :بناء الفور على وجوب التكرار ظاهر ،وأما بناء عدم وجوب
الفور على عدم اقتضاء التكرار فمشكل ،لجواز أن ل يقتضي التكرار ويقتضي
الفور.
) (2/159
مسألة] :النهي عن واحد ل بعينه[
سبق أن المر بالشيء نهي عن ضده على الصح ،وأن النهي عن الشيء أمر
بضده إن كان له ضد واحد كالصوم في العيدين والفطر ،وإن كان له أضداد فهو
أمر بواحد منها ،وسبق في الواجب المخير أن الواجب أحدها ل بعينه ،وأما في
النهي عن واحد ل بعينه نحو ل تكلم زيدا أو عمرا ،فإن النهي متعلق بواحد منهما
ل بعينه فيحرم الجمع بينهما ،ويجوز له فعل كل منهما منفردا.
وقالت المعتزلة :يقتضي النهي عنهما ول يجوز به فعل أحدهما بناء على أن
"أو" في النهي تقتضي الجمع دون التخيير ،فإذا قال :ل تكلم زيدا أو عمرا،
فعلى مذهبنا يجوز أن يكلم أيهما شاء على النفراد ،وعلى قول المعتزلة ل
يجوز.
) (2/159
مسألة] :الختلف في معنى ل تقم[
اختلفوا في معنى قولك":ل تقم" فذهب كثير من المعتزلة إلى أن المعنى ل
يوجد منك قيام ف "ل" حرف نهي ،والمراد نفي المصدر بواسطة إشعار الفعل
به ،واختاره القاضي.
) (2/159
مسألة] :المكلف به في النهي[
ل خلف في أن المكلف به في المر الفعل.
واختلف في المكلف به في النهي هل المكلف به ضد المنهي عنه ،أو عدم
الفعل؟ والول قول أصحابنا ،ومعنى "ل تزن" عندهم تلبس ضد من أضداد
الزنى أي :افعل فعل غيره مباحا أي فعل كان.
وقال أبو هاشم :معناه ل تفعل الزنى من غير تعرض للضد حتى لو خل عن
المأمور وعن كل ترك له استحق الذم على أنه لم يفعل.
قال القاضي :ولما باح بهذا خالفه أصحابنا من المعتزلة وقالوا :ما زلت منكرا
على الجبرية إثبات الثواب والعقاب على ما ليس بخلق لهم وليس بفعل لهم
على التحقيق ،ثم صرت إلى ثبوت الذم من غير إقدام على فعل .وسمي بهذه
المسألة أبو هاشم الذمي حيث إنه علق بالذم المعدوم ،وهذا يهدم جملة
قواعده في التعديل والتجويز.
ومنشأ الخلف في هذه المسألة أن النظر هل هو إلى صورة اللفظ فليس فيه
إل العدم؟ فإذا قال :ل تتحرك ،فعدم الحركة هو متعلق النهي ،أو يلحظ أن
الطلب إنما وضع لما هو مقدور مما ليس بمقدور ،ول يطلب عدمه ،والعدم
نفي صرف ،فل يكون مقدورا ،فل يتعلق به طلب ،فتعين تعلق الطلب بالضد.
فالجمهور لحظوا المعنى وأبو هاشم لحظ اللفظ ،والمعنى أتم في العتبار من
صورة اللفظ .ونقل التبريزي عن الغزالي موافقة أبي هاشم ،وهو معذور في
ذلك ،فإنه قال في "المنخول" قبيل باب العموم :وأما التروك فعبارة عن
أضداد الواجبات ،كالقعود عند المر بالقيام ،ثم بعض ترك القيام ل بالقعود،
ووافقنا عليه أبو هاشم الذمي من حيث إنه علق الذم بالمعدوم .انتهى.
وهذا النقل عن أبي هاشم مردود ،فإن من أمر بالقيام فلم يمتثل ،عصى عنده
لكونه لم يفعل القيام ل لكونه فعل الترك ،وكونه لم يفعل نفي ل حقيقة له،
وعليه
) (2/160
يذم ،ولهذا سمي الذمي.
وظاهر كلمه في "المستصفى" في هذه المسألة التفصيل بين الترك المجرد
المقصود لنفسه من غير أن يقصد معه ضده بالمكلف فيه بالفعل كالصوم،
فالكف منه مقصود ،ولهذا وجب فيه النية وبين الترك المقصود من جهة إيقاع
ضده كالزنا والشرب فالمكلف فيه بالضد.وتبعه العبدري في شرحه .قال:
ومنشأ الخلف هل الترك مقدور للعبد فيصح التكليف كالفعل أم ل؟ قال :وهي
حينئذ كلمية فكان ينبغي تقديم البحث في أنه مقدو