ƒΘáÑ⌐ ƒΘΩÑ∩ß σ∩ Ü¡φΘ ƒΘστ∞ 005
تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة
)اضغط هنا للنتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على النترنت(
الكتاب :البحر المحيط في أصول الفقه
المؤلف :بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي
)المتوفى 794 :هـ(
المحقق :محمد محمد تامر
الناشر :دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان
الطبعة :الطبعة الولى1421 ،هـ 2000 /م
مصدر الكتاب :موقع مكتبة المدينة الرقمية
http://www.raqamiya.org
]ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي[
]إذا احتمل إجماعهم أن يكون عن قياس أو توقيف فعلى أيهما يحمل؟[
الثالث :إذا احتمل ]أن يكون[ إجماعهم عن قياس لمكانه في الحادثة ،أو عن
دليل ،فهل الولى حمله على أن يكون صادرا عن القياس أو عن التوقيف؟ ل
أعلم فيه كلما للصوليين.
ويخرج من كلم أصحابنا في الفروع فيه وجهان ،فإنهم قالوا فيمن قتل الحمام
بمكة :إن فيها شاة؛ لجماع الصحابة ،واختلفوا في بناء ذلك على وجهين.
أحدهما :أن إيجابها لما بينهما من الشبه ،فإن كل واحد منهما يألف البيوت.
ويأنس بالناس ،وأصحهما أن مستنده توقيف بلغهم فيه.
قلت :لكن ل يجوز أن يضاف إليهم أنهم أخذوه توقيفا مع قيام الحتمال بكونه
استنباطا ،وعلى هذا نص الشافعي في "الرسالة" 1فقال :أما ما أجمعوا عليه،
فذكروا أنه حكاية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .قالوا :وأما ما لم
يحكوه ،فاحتمل أن يكونوا قالوه
ـــــــ
1انظر الرسالة ص.472 :
) (3/503
]الجماع الواقع على وفق خبر ،هل يدل على صحة ذلك الخبر؟[ .
قال :وينبني على هذا مسألة ،وهي أن الجماع الواقع على وفق خبر من
الخبار ،هل يكون دليل على صحته؟ منهم من قال :يدل على ذلك إذا علم أنهم
أجمعوا لجله ،ومنهم من قال :إن إجماعهم يدل على صحة الحكم ،ول يدل
على صحة الخبر.
قال :وهو أولى القولين؛ لنه ل يجوز أن يكون اتفقوا على العمل به؛ لن التعبد
ثابت بخبر الواحد ،وهذا التعبد ثبت في حق الكافة ،فلجل التعبد الثابت أجمعوا
على موجب الخبر ،وصار الحكم مقطوعا به؛ لجل إجماعهم .فإن كان الجماع،
ول دليل غيره ،كان انعقاده دليل على أنه انعقد عن دليل موجب له؛ لنهم
استغنوا بالجماع عن نقل الدليل ،واكتفوا به عنه.
وقال ابن برهان في "الوجيز" :إذا انعقد الجماع ،وكان دليله مجهول عند أهل
العصر الثاني ،ووجدنا خبر واحد فهل يجب أن يكون الخبر مستنده أم ل؟ نقل
الشافعي أنه قال :ل بد أن يكون ذلك الخبر مستندا للجماع ،وخالف في ذلك
الصوليون .ا هـ.
وإنما قيد المسألة بخبر الواحد؛ لنه إذا كان الخبر متواترا فهو مستندهم بل
خلف ،كما قال القاضي عبد الوهاب ،كما يجب عليهم العمل بموجب النص.
قال :وإنما الخلف في خبر الحاد ،وهو ثلثة أقسام :أن يعلم ظهوره بينهم
والعمل بموجبه لجله ،أو يعلم ظهوره بينهم والعمل بموجبه ول يعلم أنهم
عملوا لجله،
) (3/504
أو ل يكون ظاهرا ،بل عملوا بما تضمنه.
ففي القسم الثاني ثلثة مذاهب ،ثالثها :إن كان على خلف القياس فهو
مستندهم ،وأما الثالث فل يدل على أنهم عملوا من أجله ،وهل يدل إجماعهم
على موجبه على صحته؟ فيه خلف .انتهى.
وقال إلكيا :إذا ظهر أن مستند الجماع نص ،كان هو مستند الحكم ،ونحن إنما
نتلقى الحكم من الجماع إذا لم نر مستندا مقطوعا به ،فأما إذا أجمعت المة
على موجب الخبر المروي من خبر الواحد ،فهل يدل القطعي على أن
إجماعهم كان لجله أم ل؟
قال :فيه تفصيل ،وهو إن عملوا بما عملوا ،وحكموا مستندين إلى الخبر
مصرحين بالمستند ،فل شك ،وإن لم يظهر ذلك ،فالشافعي "رحمه الله" يقول
في مواضع من كتبه :إن إجماعهم يصرف إلى الخبر ،وبه قال أبو هاشم ،وزاد
عليه فقال :أجمعت الصحابة على القراض ،ول خبر فيه ،فالظاهر أنهم أجمعوا
عليه بخبر المساقاة ،ولكن اشتهر الجماع في القراض؛ لعموم البلوى به ،دون
المساقاة.
وذهب غيرهما إلى أنه يجوز أن يكون إجماعهم لجل الجتهاد ،أو لجل خبر آخر
لم ينقل ،ويبعد كل ذلك ليس خرقا للعادة ،وهذا ل دافع له إل أن يقال :ل يجوز
أن يجمعوا لجل خبر ،ثم ل ينقل ما أجمعوا عليه ،وهذا ل يمشي إذ يمكن أن
يقال :إجماعهم أعني نقل ما له أجمعوا .ا هـ.
وما نقله عن الشافعي ،نقله في "المحصول" عن أبي عبد الله البصري،
وخالفه ،والظاهر أن المراد أن ذلك على سبيل الظن الغالب ،ل أنه عنه حقيقة.
وقال ابن برهان في "الوسط" :الخلف لفظي ل فائدة له؛ لن الجماع ينعقد
عن الدليل القطعي والظني.
قلت :ولها نظائر .
منها أن عمل العالم أو فتياه على وفق حديث ل يكون حكما منه بصحة ذلك
الحديث؛ لمكان أن يكون ذلك منه احتياطا أو لدليل آخر وافق ذلك الخبر،
وكذلك مخالفته للحديث ليست قدحا منه في صحته ،وقد سبق الخلف فيها.
ومنها الجماع على وفق خبر ل يدل على صدقه ،وقد سبقت في باب الخبار.
) (3/505
ومنها أن المجتهد إذا علل حكم الصل بعلة مناسبة ،وألحق به الفرع ،فمنع
الخصم كون العلة في الصل هذه ،وقال :العلة غيرها ،لم يسمع منه؛ لن
الحكام ل بد لها من علة ،وقد وجدت علة مناسبة ،فليضف الحكم إليها ،إذ
الصل عدم ما سواها ،وهذا بخلف المسألتين السابقتين.
وقد يفرق بينهما بأن المسألة التي قام فيها الجماع قد قامت الحجة على
العمل بها ،والضافة إلى الحديث من باب تكثير الدلئل لم يوجب أن يكون
الجماع عن ذلك الحديث ،إذ ل ضرورة تدعو إليه ،ولحتمال أن يكون غيره،
بخلف مسألة القياس ،فإنه ل ينتهض اللحاق ما لم تثبت العلة ،فلهذا قلنا :إن
الصل كون الحكم مضافا إلى هذه العلة.
) (3/506
مسألة ]في وجود خبر أو دليل ل تعارض فيه تشترك المة في عدم العلم به[
هل يمكن وجود خبر أو دليل بل معارض ،اشتركت المة في عدم العلم به؟ فيه
خلف .واختار المدي وابن الحاجب والهندي الجواز ،إن كان عمل المة موافقا
لمقتضاه ،وعدمه إن خالف .1
وأما الرازي فترجمها في "المحصول" بأنه هل يجوز اشتراك المة في الجهل
بما لم يكلفوا به؟ وكذلك ترجمها القاضي عبد الوهاب في "الملخص" .وفي
ظني أن الصفهاني ظنهما مسألة واحدة ،وليس كذلك ،بل هما مسألتان.
إحداهما :هل يجوز أن تشترك المة في عدم العلم بما لم يكلفوا به؟ قولن.
الثانية :هل يمكن وجود خبر أو دليل ل تعارض فيه ،وتشترك المة في عدم
العلم به؟
والخلف في هذه مرتب على التي قبلها ،فمن منعه هناك لم يجوز هذا بطريق
الولى ،ومن جوز هناك ،اختلفوا على ثلثة مذاهب :المنع مطلقا ،والجواز
مطلقا ،والتفصيل بين أن يكون عملهم موافقا لمقتضاه فيجوز ،وإل فل؛ لنه ل
يجوز ذهولهم عما كلفوا به ،وإل لزم اجتماعهم على الخطأ ،وهو ممتنع.
ـــــــ
1انظر الحكام للمدي ،1/279ومختصر ابن الحاجب .2/43
) (3/506
مسألة ]إذا أجمعوا على خلف الخبر[
إذا ذكر واحد من المجمعين خبرا عن الرسول عليه السلم ،يشهد بضد الحكم
الذي انعقد عليه الجماع ،قال ابن برهان في الوجيز" :يجب عليه ترك العمل
بالحديث ،والصرار على الجماع ،وقال قوم من الصوليين :بل يجب عليه
الرجوع إلى موجب الحديث .وقال قوم :إن ذلك يستحيل ،وهو الصح من
المذاهب .فإن الله تعالى عصم المة عن نسيان حديث في الحادثة ،ولول ذلك
خرج الجماع عن أن يكون قطعيا.
وبناه في "الوسط" على الخلف في انقراض العصر ،فمن قال :ليس بشرط
منع الرجوع ،ومن اشترط جوزه.
والجمهور على الول؛ لنه يتطرق إلى الحديث احتمالت من النسخ والتخصيص
ما ل يتطرق إلى الجماع ،بل لو قطعنا بالجماع في صورة ،ثم وجدنا على
خلفه نصا قاطعا من كتاب أو سنة متواترة ،لكان الجماع أولى؛ لنه ل يقبل
النسخ بخلف النص ،فإنه يقبله .وفي مثل هذه الصورة يستدل بالجماع على
ناسخ بلغهم أو موجب لتركه ،ولهذا قدم الشافعي الجماع على النص لما رتب
الدلة .قلت :وقال في موضع آخر :الجماع أكثر من الخبر المنفرد ،وعلى هذا،
فيجب على الراوي للخبر أن يترك العمل بمقتضى خبره ،ويتمسك بالجماع،
وكذا قال المام في باب التراجيح من البرهان" :إذا أجمعوا على خلف الخبر
تطرق الوهن إلى رواية الخبر؛ لنه إن كان آحادا فذاك ،وإن كان متواترا
فالتعلق بالجماع؛ لنه معصوم ،وأما الخبر فيتطرق إليه إمكان النسخ ،فيحمل
الجماع على القطع؛ لنه ل ينعقد إل على قطع ،ويحمل الخبر على مقتضى
النسخ استنادا وتبيانا ،ل على طريق البناء ،ثم نبه على أن الكلم في الجواز،
وقطع بأنه غير واقع ،ثم قال :من ضرورة الجماع على مناقضة النص المتواتر
أن يلهج أهل الجماع بكونه منسوخا .قلت :ويحتمل تقييد المسألة بانقراض
العصر ،وإل فيمكن أن يتطرق عدم الحجية إليه برجوعهم عنه ،ويحتمل خلفه؛
لن الصل عدم رجوعهم.
) (3/507
مسألة ]إذا أجمعوا على خلف الخبر ثم رجعوا إلى الخبر[
فلو رجع أهل الجماع للخبر ،فعملوا بمقتضاه ،قال الغزالي :كان ما أجمعوا
عليه حقا في ذلك الزمان ،إذ لم يكلفوا بما لم يبلغوا ،كما يكون الحكم
المنسوخ حقا قبل بلوغ الناسخ ،ونوزع في ذلك بلزوم إجماعين متعارضين،
ينسخ أحدهما الخر ،وهو محال ،والظاهر الحكم بإحالة هذه الصورة؛ لنه يلزم
تخطئة أحد الجماعين ،وهو محال.
) (3/508
الفصل الثالث فيما ينعقد به الجماع
]الوفاق المعتبر في الجماع[
وله شروط:
الشرط الول :أن يوجد فيه قول الخاصة من أهل العلم فل اعتبار بقول
ل ل ل ل
م{ِ ]آل
العامة ،وفاقا ول خلفا عند الكثرين ،لقول الله تعالى} :ووأولو العمل م
عمران [18 :وقال" :العلماء ورثة النبياء" ،1واحتج الروياني بما يروى أن أبا
طلحة النصاري خالف الصحابة وقال :البرد ل يفطر الصائم؛ لنه ليس بطعام
ول شراب .قال :فردوا قوله ،ولم يعتدوا بخلفه .قال ابن دقيق العيد :وهو
الصواب؛ لوجوب رد العوام إلى قول المجتهدين ،وتحريم الفتوى منهم في
الدين.
وقيل :يعتبر قولهم؛ لن قول المة إنما كان حجة لعصمتها من الخطأ ،فل يمتنع
أن تكون العصمة من صفات الهيئة الجتماعية من الخاصة والعامة .وحينئذ ل
يلزم من ثبوت العصمة للكل ثبوتها للبعض.
وهذا القول حكاه ابن الصباغ ،وابن برهان عن بعض المتكلمين ،واختاره
المدي ،ونقله المام ،وابن السمعاني ،والهندي عن القاضي أبي بكر ،ونوزعوا
في ذلك بأن المذكور في مختصر "التقريب" التصريح بأنه ل يعتبر خلفهم ول
وفاقهم ،وكاد أن يدعي الجماع فيه ،وقال في موضع آخر في الكلم على
المرسل :ل عبرة بقول العوام ل وفاقا ول خلفا .ا هـ.
وأقول :فعلى هذا من تصرف إمام الحرمين ،وعبارة التقريب :قد بينا فيما
سلف أن الذي دل عليه السمع صحة إجماع جميع المة ،وقد ثبت أن المة
عامة وخاصة ،فيجب اعتبار دخول العامة والخاصة في الجماع ،وليس للخاصة
إجماع على شيء يخرج منه العامة .قال :والعامة مجمعة على أن حكم الله ما
أجمعت عليه الخاصة ،وإن لم يعرفه عيانا.
ـــــــ
) (1حديث صحيح ,وسبق تخريجه .
) (3/509
فإن قيل :فإذا لم يكن العامة من أهل العلم بالدقائق والنظر ،فل يكون لهم
مدخل في الجماع ،ول بهم معتبر في الخلف؟ قلنا :كذلك نقول ،ويقول أكثر
الناس .وإنما وجب سقوط العتبار بخلفهم لجماع سلف المة من أهل كل
عصر على أنه حرام على عامة أهل كل عصر من أعصار المسلمين مخالفة ما
اتفق عليه علماؤهم ،فوجب أن ل يعتبر بخلف العامة لجل هذا الجماع السابق
على منعهم من ذلك.
وجواب آخر :أنه ل يجب ترك العتبار بهم؛ لنهم مسلمون ،وبعض المة ،بل
معظمها ،فوجب العتبار بخلفهم ،وثبت أن ما أجمع عليه العلماء عينا وتفصيل
إجماع العامة ،وإن لم نعرفه عينا.
فإن قيل :فما يقولون :لو صار عامة المة في بعض العصار إلى مخالفة إجماع
جميع العلماء وخطئهم؟ هل يكون إجماع العلماء حجة؟ قيل :ل يكون قولهم
دون قول العامة إجماعا بجميع المة؛ لن العامة بعضهم ،لكن العامة مخطئون
في مخالفتهم؛ لنهم ليسوا من أهل العلم بحكم الله ،وأنه يحرم عليهم القول
في دين الله بل علم ،وليس خطؤهم من جهة مخالفة الجماع ،إذ هم بعض
المة.
وجواب آخر :أنه ل يعتبر بخلف العامة ،ول بدخولهم في الجماع ،لجل ما
قدمناه من اتفاق سلف المة على تخطئة عامة أهل كل عصر في خلفهم على
علمائهم ،فوجب سقوط العتبار بقول العامة.
هذا كلمه ،وحاصله يرجع إلى إطلق السم بمعنى أن المجتهدين إذا أجمعوا
هل يصدق "أجمعت المة " ،ويحكم به قول العوام فيهم تبعا؟ فالقاضي يقول:
ل يصدق اسم الجماع ،وإن كان ذلك ل يقدح في حجيته ،وهو خلف لفظي في
الحقيقة ،وليس خلفا في أن مخالفتهم تقدح في قيام الجماع ،ولهذا قال في
"مختصر التقريب" بعدما سبق :فإن قال قائل :فإذا أجمع علماء المة على
حكم من الحكام ،فهل يطلقون القول بأن المة مجمعة عليه؟
قلنا :من الحكام ما يحصل فيه اتفاق الخاص والعام ،كوجوب الصلة والزكاة
وغيرهما .فما هذا سبيله يطلق القول بأن المة أجمعت عليه.
وأما ما أجمع عليه العلماء من أحكام الفروع التي تشتبه على العوام ،فقد
اختلف أصحابنا في ذلك ،فقال بعضهم :العوام يدخلون في حكم الجماع ،وذلك
أنهم وإن لم يعرفوا تفصيل الحكام ،فقد عرفوا على الجملة أن ما أجمع عليه
علماء المة من تفاصيل الحكام فهو مقطوع به ،فهذا مساهمة منهم في
الجماع ،وإن لم يعلموا مواقعه
) (3/510
على التفصيل.
ومن أصحابنا من زعم أنهم ل يكونون مساهمين في الجماع ،فإنه إنما يتحقق
الجماع في التفاصيل بعد العلم بها ،فإذا لم يكونوا عالمين بها فل يتحقق كونهم
من أهل الجماع .واعلم أن هذا خلف مهول أمره ،ويرجع إلى العبارة المحضة،
والحكم فيه أنا إن أدرجنا العوام في حكم الجماع المطلق ،أطلقنا القول
بإجماع المة ،وإن لم ندرجهم في حكم الجماع ،أو بدر من بعض طوائف
العوام خلف ،فل يطلق القول بإجماع المة ،فإن العوام معظم المة .ا هـ.
وما ذكره القاضي ،وتابعه المتأخرون من رجوع الخلف إلى كونه :هل يسمى
إجماعا أم ل مع التفاق على كونه حجة ،مردود ،ففي "المعتمد" لبي الحسين
ما لفظه :اختلفوا في اعتبار قول العامة في المسائل الجتهادية ،فقال قوم:
العامة وإن وجب عليها اتباع العلماء ،فإن إجماع العلماء ل يكون حجة على أهل
العصر ،حتى ل يسوغ مخالفتهم إل بأن يتبعهم العامة من أهل عصرهم ،فإن لم
يتبعوهم لم يجب على أهل العصر الثاني من العلماء اتباعهم ،وقال آخرون :بل
هو حجة اتبعهم علماء عصرهم أم ل .انتهى .1
وفي المسألة ثالث :أنه يعتبر إجماعهم في العام دون الخاص ،حكاه القاضي
عبد الوهاب ،2وابن السمعاني ،وبهذا التفصيل يزول الشكال في المسألة،
وينبغي تنزيل إطلق المطلقين عليه.
وخص القاضي أبو بكر الخلف بالخاص ،وقال ل يعتبر خلفهم في العام اتفاقا،
وجرى عليه الروياني في "البحر" فقال :إن اختص بمعرفته العلماء كنصب
الزكوات وتحريم نكاح المرأة وعمتها وخالتها ،لم يعتبر وفاق العامة معهم ،وإن
اشترك في معرفته الخاصة والعامة كأعداد الركعات ،وتحريم بنت البنت ،فهل
يعتبر إجماع العوام معهم؟ فيه وجهان ،أصحهما :ل يعتبر؛ لن الجماع إنما يصح
عن نظر واجتهاد .والثاني :نعم؛ لشتراكهم في العلم به .وقال سليم :إجماع
الخاصة هل يحتاج معهم فيه إلى إجماع العامة؟ فيه وجهان .الصحيح أنه ل
يحتاج إليهم.
ـــــــ
1انظر المعتمد .2/482
2انظر شرح تنقيح الفصول ص.341 :
) (3/511
]هل الخلف في هذه المسألة لفظي أم معنوي[
إذا علمت هذا فقد اختلفوا في أن الخلف لفظي أو معنوي وكلم القاضي
وغيره كما سبق أنه لفظي ،وكلم الستاذ أبي إسحاق بخلفه ،فإنه قال:
الجماع ضربان :أحدهما :ما اجتمع عليه الخاصة والعامة ،كاتفاقهم على عدد
الصلوات .قال :واختلف أصحابنا فيمن وقع بهم العتبار ،فقيل :العتبار في
ثبوته بأهل المعرفة .وقيل :العتبار بالكافة ،فيدخل فيه الخاصة والعامة.
قال :وفائدة الخلف تتبين في الضرب الثاني من الجماع ،وهو أن يجمع أهل
المعرفة والجتهاد على حكم الحادثة ،كالنكاح ،والعدة ،والجمع بين الختين
بالزوجية ،فمن قال :إن العتبار في الضرب الول بأهل العلم كفر المخالف
بالنوعين ،ومن قال :إن العتبار فيه بالكافة لم يجعل المخالف في الضرب
الثاني كالمرتد وإن قطع بتخطئته .ا هـ.
تنبيه ]اعتبار قول المقلد في الجماع[
حكم المقلد حكم العامي في ذلك ،إذ ل واسطة بين المقلد والمجتهد ،قاله
إمام الحرمين.
) (3/512
مسألة ]إجماع العوام عند خلو الزمان من المجتهدين[
إجماع العوام عند خلو الزمان من المجتهد ل عبرة به؛ لنا إن لم نعتبرهم في
انعقاد الجماع ،منعنا إمكان وقوع المسألة؛ لنه ل يجوز خلو الزمان عمن يقوم
بالحق ،وإن اعتبرنا قولهم منعنا أن إجماعهم ليس إجماعا شرعيا.
) (3/512
مسألة ]الذين يعتبر قولهم في الجماع[
يشترط في الجماع في كل فن من الفنون أن يكون فيه قول كل العارفين
بذلك في ذلك العصر ،فإن قول غيرهم فيه يكون بل دليل بجهلهم به ،فيشترط
في الجماع في المسألة الفقهية قول جميع الفقهاء ،وفي الصول قول جميع
الصوليين ،وفي النحو قول
) (3/512
]هل لخلف الصولي في الفقه اعتبار؟[
وأما الصولي الماهر المتصرف في الفقه ،ففي اعتبار خلفه في الفقه وجهان،
حكاهما الماوردي .وذهب القاضي إلى أن خلفه معتبر .قال المام :وهو الحق،
وذهب معظم الصوليين منهم أبو الحسين بن القطان إلى أن خلفه ل يعتبر؛
لنه ليس من المفتين ،ولو وقعت له واقعة للزمه أن يستفتي المفتي فيها ،قال
إلكيا :والحق قول الجمهور؛ لن من أحكم الصول ،فهو مجتهد فيها .ويقلد فيما
سنح له من الوقائع ،والمقلد ل يعتد بخلفه،
واستبعد إمام الحرمين مذهب القاضي .وقال :إذا أجمع المفتون ،وسكت
]الصوليون[ المتصرفون فيبعد أن يتوقف انعقاد الجماع على مراجعته ،فإن
الذين ل يستقلون بأنفسهم في جواب مسألة ،ويتعين عليهم تقليد غيرهم من
المحال وجوب مراجعتهم ،وإن فرض أنهم أبدوا وجها في التصرف ،فإن كان
سالفا فهو محمول على إرشادهم وتهديتهم إلى سواء السبيل ،وإن أبدوا قولهم
إبداء من يزاحم الحكام ،فالنكار يشتد عليهم.
قال :والقول المغني في ذلك أنه ل قول لمن لم يبلغ مبلغ الجتهاد ،وليس بين
) (3/513
من يقلد ويقلد مرتبة ثالثة.
ثم قال :والنظر السديد يتخطى كلم القاضي وعصره ،ويترقى إلى العصر
المتقدم ،ويفضي إلى مدرك الحق قبل ظهور الخلف.
والتحقيق -خالف القاضي أو وافق -أن المجتهدين إذا أطبقوا لم يعتد بخلف
المتصرفين مذهبا مختلفا به ،فإن المذاهب لهل الفتوى ،فإن بان أن
المتصرف الذي ذكروه من أهل الفتوى فسيأتي في بابه ،والكلم الكافي في
ذلك أنه إن كان مفتيا اعتبر خلفه،
وقال الصيرفي في كتاب "الدلئل" :إجماع العلماء ل مدخل لغيرهم فيه ،سواء
المتكلم وغيره ،وهم الذين تلقوا العلم من الصحابة ،وإن اختلفت آراؤهم وهم
القائمون بعلم الفقه ،فأما من انفرد بالكلم في الخبر والظفرة والداخلة ،لم
يدخل في جملة العلماء ،فل يعد خلفا على من ليس هو مثله ،وإن كانوا حذاقا
بدقائق الكلم ،كما ل يجعل الحاذق من النقاد حجة على البزاز في البز .انتهى.
) (3/514
مسألة ]دخول المجتهد المبتدع في الجماع[
المجتهد المبتدع إذا كفرناه ببدعته ،1غير داخل في الجماع بل خلف؛ لعدم
دخوله في مسمى المة المشهود لهم بالعصمة ،وإن لم يعلم هو كفر نفسه.
قال الهندي :لكن ل يمكن الستدلل بإجماعنا على كفره بسبب ذلك العتقاد؛
لنه إنما ينعقد إجماعنا وحده على كفره لو ثبت كفره ،فإثبات كفره بإجماعنا
وحده دور،
وأما إذا وافقنا هو على أن ما ذهب إليه كفر ،فحينئذ يثبت كفره ،ل لن قوله
معتبر في الجماع؛ لنه كافر ،ول لجماعنا وحده لما سبق ،بل؛ لنه لو لم يكن
ما ذهب إليه كفرا إذ ذاك لزم أن يكون مجموع المة على الخطأ ،وأدلة الجماع
تنفيه.
ـــــــ
1انظر الحكام لبن حزم ،1/580اللمع ص ،51 :المنخول ص.310 :
) (3/514
]المذاهب في خلف المبتدع غير الكافر[
وأما إذا اعتقد ما ل يقتضي التكفير ،بل التبديع والتضليل ،فاختلفوا على
مذاهب:
أحدها :اعتبار قوله ،لكونه من أهل الحل والعقد ،وإخباره عن نفسه مقبول إذا
كان يعتقد تحريم الكذب ،وقال الهندي :إنه الصحيح ،وكلم ابن السمعاني كما
سنذكره يقتضي أنه مذهب الشافعي؛ لنصه على قبول شهادة أهل الهوى.
والثاني :أنه ل يعتبر .قال الستاذ أبو منصور :قال أهل السنة :ل يعتبر في
الجماع وفاق القدرية ،والخوارج ،والرافضة ،ول اعتبار بخلف هؤلء المبتدعة
في الفقه ،وإن اعتبر في الكلم ،هكذا روى أشهب عن مالك ،ورواه العباس بن
الوليد عن الوزاعي وأبو سليمان الجوزجاني عن محمد بن الحسن ،وذكر أبو
ثور في منثوراته أن ذلك قول أئمة أهل الحديث .ا هـ.
وقال أبو بكر الصيرفي :هل يقدح خلف الخوارج في الجماع؟ فيه قولن.
قال :ول يخرج عن الجماع من كان من أهل العلم ،وإن اختلفت بهم الهواء
كمن قال بالقدر من حملة الثار ،ومن رأى الرجاء ،وغير ذلك من اختلف آراء
أهل الكوفة والبصرة إذا كان من أهل الفقه .فإذا قيل :قالت الخطابية
والرافضة كذا ،لم يلتفت إلى هؤلء في الفقه؛ لنهم ليسوا من أهله،
وقال ابن القطان :الجماع عندنا إجماع أهل العلم ،فأما من كان من أهل
الهواء ،فل مدخل له فيه .قال :قال أصحابنا في الخوارج ل مدخل لهم في
الجماع والختلف؛ لنهم ليس لهم أصل ينقلون عنه؛ لنهم يكفرون سلفنا
الذين أخذنا عنهم أصل الدين .انتهى .وممن اختار أنه ل يعتد به من الحنفية أبو
بكر الرازي ،ومن الحنابلة القاضي أبو يعلى واستقرأه من كلم أحمد لقوله :ل
يشهد رجل عندي ليس هو عندي بعدل ،وكيف أجوز حكمه قال القاضي :يعني
الجهمي.
والثالث :أن الجماع ل ينعقد عليه ،وينعقد على غيره ،أي أنه يجوز له مخالفة
من عداه إلى ما أداه إليه اجتهاده ،ول يجوز لحد أن يقلده ،حكاه المدي وتابعه
المتأخرون ،وأنكر عليه بعضهم ،وقال :أرى حكايته لغيره .والظاهر أنه تفسير
للقولين المتقدمين ،ومنع من بقائهما على إطلقهما؛ لوقوع مسألتين في بابي
الجتهاد
) (3/515
والتقليد ،تنفي ذلك .إحداهما :اتفاقهم على أن المجتهد بعد اجتهاده ممنوع من
التقليد ،وأنه يجب عليه العمل بما أداه إليه اجتهاده ،فالقول هنا بأنه يجب عليه
العمل بقول من خالفه معارض لذلك التفاق .وثانيهما :اتفاقهم على أنه يجوز
للمقلد أن يقلد من عرف بالعلم والعدالة ،وأنه يحرم عليه تقليد من عرف بضد
ذلك ،وإذا ثبت هذا استحال بقاء القولين في هذه المسألة على إطلقهما ،وتبين
أن معنى قول من يقول :ل ينعقد الجماع بدونه ،يعني في حق نفسه ،ومعنى
قول من يقول :فينعقد ،يعني على غيره ،ويصير النزاع لفظا ،وعلى هذا يجب
تأويل هذا القول ،وإل فهو مشكل.
والرابع :التفصيل بين الداعية فل يعتد به ،وبين غيره فيعتد به ،حكاه ابن حزم
في كتاب "الحكام" ،ونقله عن جماهير سلفهم من المحدثين ،وقال :وهو قول
فاسد؛ لن المراعى العقيدة .1
واعلم أنه كثر في عبارة المصنفين خصوصا في علم الكلم أن يقولوا عن
الرافضة ونحوهم :خلفا لمن ل يعتد بخلفه ،وهذا ل ينبغي ذكره؛ لنه كالتناقض
من حيث ذكره .وقال :ل يعتد به ،إل أن يكون قصدهم التشنيع عليهم بخلف
الجماع.
فرعان
أحدهما :إذا لم يعتد بخلف من كفرناه .فلو أنهم أجمعوا حال تكفيره ،ثم تاب
وأصر على ذلك الخلف ،فهل يعتبر خلفه الن؟ فليبن على انقراض العصر.
وسنذكره .الثاني :أن بعض الفقهاء لو خالف الجماع الذي خالف فيه المبتدع،
فإن لم يعلم ببدعته ،أو علمها لكنه لم يعلم أنها توجب الكفر ،ويعتقد أنه ل
ينعقد الجماع بدونه ،هل يكون معذورا أم ل؟
وقال الهندي :إن لم يعلم بدعته فمعذور ،إن كان مخطئا فيه حيث تكون موجبة
للتكفير؛ لنه غير مقصر ،وإن علمها لكنه لم يعلم اقتضاءها التكفير ،فغير
معذور ،بل كان يلزمه مراجعة علماء الصول ،وإن مثل هذا العتقاد هل يكفر
أم ل؟
ـــــــ
1انظر الحكام لبن حزم .1/580
) (3/516
مسألة ]العلماء المجتهدون الفسقة ،هل يعتبر قولهم في الجماع؟[
في اعتبار الورع في أهل الجماع خلف ،فالفسقة بالفعل دون العتقاد إذا
بلغوا في العلم مبلغ المجتهدين ،هل يعتبر وفاقهم أو خلفهم؟ فيه وجهان،
حكاهما الستاذ أبو منصور .وذهب معظم الصوليين كما قاله إمام الحرمين
وابن السمعاني أنه ل يعتد بخلفهم ،وينعقد الجماع بدونهم ،وقال الرازي من
الحنفية :إنه الصحيح عندنا .قال ابن برهان :وهو قول كافة الفقهاء
والمتكلمين.
قال :ونقل عن شرذمة من المتكلمين ،منهم إمام الحرمين إلى أن خلفه معتد
به .قلت :وجزم به الشيخ أبو إسحاق الشيرازي ،واختاره الغزالي في
"المنخول"؛ لن المعصية ل تزيل اسم اليمان ،فيكون قول من عداهم قول
بعض المؤمنين ل كلهم ،فل يكون حجة ،وإليه مال إمام الحرمين.
واستشكل الول بأن المجتهد الفاسق ل يجوز له تقليد غيره ،فانعقاد الجماع
في حقه مشكل ،ول يمكن تجزئة الجماع ،حتى يكون حجة في حق غيره ،ول
يكون حجة في حقه ،واستحسنه إلكيا ،وقال :المسألة محتملة .واختلف
المانعون في تعليله على وجهين.
أحدهما :أن إخباره عن نفسه ل يوثق به لفسقه ،فربما أخبر بالوفاق وهو
مخالف أو بالخلف وهو موافق ،فلما تعذر الوصول إلى معرفة قوله سقط
أثره ،وشبه بعضهم ذلك بسقوط أثر قول الخضر عليه السلم على القول بأنه
حي؛ لتعذر الوصول إليه.
والثاني :أن العدالة ركن في الجتهاد ،فإذا فاتت العدالة فاتت أهلية الجتهاد،
وعلى الثاني اقتصر ابن برهان في "الوسط".
وفرعوا عليها ما إذا أدى الفاسق اجتهاده إلى حكم في مسألة ،هل يأخذ بقوله
من علم صدقه في فتواه بقرائن؟ .وحكى ابن السمعاني عن بعض أصحابنا أن
المجتهد الفاسق يدخل في الجماع من وجه ،ويخرج من وجه؛ لنه إذا ظهر
خلفه سئل عن دليله؛ لجواز أن يحمله فسقه على اعتقاد شرع بغير دليل .قال
ابن السمعاني :وهذا التقسيم ل بأس به وهو يقرب من مأخذ أهل العلم،
فليعول عليه .ورأيت في كتاب
) (3/517
الشيخ أبي إسحاق الشيرازي أن كل من كان من أهل الجتهاد سواء كان
مدرسا مشهورا أو خامل مستورا ،وسواء كان عدل أمينا أو فاسقا متهتكا ،يعتد
بخلفه؛ لن المعول في ذلك على الجتهاد والمستور كالمشهور .قال:
والحسن هو الول ،ثم قال ابن السمعاني :وأما الفسق بتأويل فل يمنع من
اعتبار من يعتقد في الجماع والختلف،
وقد نص الشافعي -رحمه الله -على قبول شهادة أهل الهواء ،وهذا ينبغي أن
يكون في اعتقاد بدعة ل تؤدي إلى التكفير ،فإن أدته فل يعتد بخلفه ول وفاقه.
وهذه هي المسألة المتقدمة في المبتدع.
) (3/518
مسألة :هل يعتبر بخلف الظاهرية في الجماع
...
]هل يعتبر بخلف الظاهرية في الجماع[
ذهب قوم منهم القاضي أبو بكر ،والستاذ أبو إسحاق السفراييني ،ونسبه إلى
الجمهور أنه ل يعتد بخلف من أنكر القياس في الحوادث الشرعية ،وتابعهم
إمام الحرمين ،والغزالي ،قالوا؛ لن من أنكره ل يعرف طرق الجتهاد ،وإنما هو
متمسك بالظواهر ،فهو كالعامي الذي ل معرفة له ،وحكاه الستاذ أبو منصور
عن أبي علي بن أبي هريرة ،وطائفة من أقرانه،
وقال الصفهاني شارح "المحصول" :يلزم القائل بذلك أنه ل يعتبر خلف منكر
العموم ،وخبر الواحد ،ول ذاهب إليه.
قلت :نقل الستاذ عن ابن أبي هريرة -رحمه الله -أنه طرد قوله في منكر
أخبار الحاد ،ومن توقف في الظواهر والعموم .قال :لن الحكام الشرعية
تستنبط من هذه الصول ،فمن أنكرها وتوقف فيها لم يكن من أهل الجتهاد،
فل يعتبر بخلفه .قال النووي في باب السواك في "شرح مسلم" :1إن مخالفة
داود ل تقدح في انعقاد الجماع على المختار الذي عليه الكثرون والمحققون،
وكذا قال صاحب "المفهم" جل الفقهاء والصوليين على أنه ل يعتد بخلفهم،
بل هم من جملة العوام ،وإن من اعتد بهم فإنما ذلك؛ لن مذهبه أنه يعتبر
خلف العوام في انعقاد الجماع ،والحق خلفه.
ـــــــ
) (1انظر شرح مسلم للنووي ). (3/142
) (3/518
وذكر غيره أنهم في الشرعيات كالسوفسطائية في العقليات ،وكذا قال أبو بكر
الرازي من الحنفية :ل يعتد بخلفهم ،ول يؤنس بوفاقهم.
وقال القاضي عبد الوهاب في "الملخص" :يعتبر كما يعتبر خلف من ينفي
المراسيل ،ويمنع العموم ومن حمل المر على الوجوب؛ لن مدار الفقه على
هذه الطرق ،ونقل ابن الصلح عن الستاذ أبي منصور أنه حكى عن ابن أبي
هريرة وغيره ،أنهم ل يعتد بخلفهم في الفروع ،ويعتد بخلفهم في الصول،
وقال إمام الحرمين :المحققون ل يقيمون لخلف الظاهرية وزنا؛ لن معظم
الشريعة صادرة عن الجتهاد ،ول تفي النصوص بعشر معشارها.
وقال في كتاب اللعان :إن قول داود بإجزاء الرقبة المعيبة في الكفارة نقل
الشافعي -رحمه الله تعالى -الجماع على خلفه .قال :وعندي أن الشافعي
لو عاصر داود لما عده من العلماء،
وقال البياري :هذا غير صحيح عندنا على الطلق ،بل إن كانت المسألة مما
تتعلق بالثار والتوقيف واللفظ اللغوي ،ول مخالف للقياس فيها لم يصح أن
ينعقد الجماع بدونهم إل على رأي من يرى أن الجتهاد ل يتجزأ .فإن قلنا:
بالتجزؤ ،لم يمنع أن يقع النظر في فرع هم فيه محقون ،كما نعتبر خلف
المتكلم في المسألة الكلمية؛ لن له فيه مدخل ،كذلك أهل الظاهر في غير
المسائل القياسية يعتد بخلفهم.
وقال ابن الصلح :الذي استقر عليه المر ما اختاره الستاذ أبو منصور ،وحكاه
عن الجمهور ،وأن الصحيح من المذهب العتداد بخلفهم ،ولهذا يذكر الئمة من
أصحابنا خلفهم في الكتب الفرعية.
ثم قال :والذي أجيب به بعد الستخارة :أن داود يعتبر قوله ،ويعتد به في
الجماع إل ما خالف القياس ،وما أجمع عليه القياسيون من أنواعه أو بناه على
أصوله التي قام الدليل القاطع على بطلنها ،فاتفاق من سواه على خلفه
إجماع ينعقد ،فقول المخالف حينئذ خارج عن الجماع ،كقوله في التغوط في
الماء الراكد ،1وتلك المسائل
ـــــــ
1يعني قول أهل الظاهر في مسألة التبول في الماء الراكد ،فمن المعلوم أن
النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التبول فيه ثم يتوضأ منه ،فاستمسكوا هم
بهذا اللفظ ظاهرا وقالوا :يجوز لمن لم يتبول فيه أن يتوضأ منه أو يغتسل منه
ما لم يتغير أحد أوصافه ،ويجوز لمن تبول في قارورة وألقاها فيه أن يتطهر منه
لنه لم يتبول فيه مباشرة ،وقد عبر ابن حزم رحمه الله تعالى عن هذه المسألة
وفروعها في المحلى 1/141فقال :مسألة :وكل شيء مائع من ماء أو زيت أو
سمن أو لبن أو ماء ورد أو عسل أو مرق أو طيب أو غير ذلك
أي شيء كان ،إذا وقعت فيه نجاسة أو شيء حرام يجب اجتنابه أو ميتة ،فإن
غير ذلك لون ما وقع فيه أو طعمه أو ريحه فقد فسد كله وحرم أكله ،ولم يجز
استعماله ول بيعه ،فإن لم يغير شيئا
)اضغط هنا للنتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على النترنت(
الكتاب :البحر المحيط في أصول الفقه
المؤلف :بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي
)المتوفى 794 :هـ(
المحقق :محمد محمد تامر
الناشر :دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان
الطبعة :الطبعة الولى1421 ،هـ 2000 /م
مصدر الكتاب :موقع مكتبة المدينة الرقمية
http://www.raqamiya.org
]ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي[
]إذا احتمل إجماعهم أن يكون عن قياس أو توقيف فعلى أيهما يحمل؟[
الثالث :إذا احتمل ]أن يكون[ إجماعهم عن قياس لمكانه في الحادثة ،أو عن
دليل ،فهل الولى حمله على أن يكون صادرا عن القياس أو عن التوقيف؟ ل
أعلم فيه كلما للصوليين.
ويخرج من كلم أصحابنا في الفروع فيه وجهان ،فإنهم قالوا فيمن قتل الحمام
بمكة :إن فيها شاة؛ لجماع الصحابة ،واختلفوا في بناء ذلك على وجهين.
أحدهما :أن إيجابها لما بينهما من الشبه ،فإن كل واحد منهما يألف البيوت.
ويأنس بالناس ،وأصحهما أن مستنده توقيف بلغهم فيه.
قلت :لكن ل يجوز أن يضاف إليهم أنهم أخذوه توقيفا مع قيام الحتمال بكونه
استنباطا ،وعلى هذا نص الشافعي في "الرسالة" 1فقال :أما ما أجمعوا عليه،
فذكروا أنه حكاية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .قالوا :وأما ما لم
يحكوه ،فاحتمل أن يكونوا قالوه
ـــــــ
1انظر الرسالة ص.472 :
) (3/503
]الجماع الواقع على وفق خبر ،هل يدل على صحة ذلك الخبر؟[ .
قال :وينبني على هذا مسألة ،وهي أن الجماع الواقع على وفق خبر من
الخبار ،هل يكون دليل على صحته؟ منهم من قال :يدل على ذلك إذا علم أنهم
أجمعوا لجله ،ومنهم من قال :إن إجماعهم يدل على صحة الحكم ،ول يدل
على صحة الخبر.
قال :وهو أولى القولين؛ لنه ل يجوز أن يكون اتفقوا على العمل به؛ لن التعبد
ثابت بخبر الواحد ،وهذا التعبد ثبت في حق الكافة ،فلجل التعبد الثابت أجمعوا
على موجب الخبر ،وصار الحكم مقطوعا به؛ لجل إجماعهم .فإن كان الجماع،
ول دليل غيره ،كان انعقاده دليل على أنه انعقد عن دليل موجب له؛ لنهم
استغنوا بالجماع عن نقل الدليل ،واكتفوا به عنه.
وقال ابن برهان في "الوجيز" :إذا انعقد الجماع ،وكان دليله مجهول عند أهل
العصر الثاني ،ووجدنا خبر واحد فهل يجب أن يكون الخبر مستنده أم ل؟ نقل
الشافعي أنه قال :ل بد أن يكون ذلك الخبر مستندا للجماع ،وخالف في ذلك
الصوليون .ا هـ.
وإنما قيد المسألة بخبر الواحد؛ لنه إذا كان الخبر متواترا فهو مستندهم بل
خلف ،كما قال القاضي عبد الوهاب ،كما يجب عليهم العمل بموجب النص.
قال :وإنما الخلف في خبر الحاد ،وهو ثلثة أقسام :أن يعلم ظهوره بينهم
والعمل بموجبه لجله ،أو يعلم ظهوره بينهم والعمل بموجبه ول يعلم أنهم
عملوا لجله،
) (3/504
أو ل يكون ظاهرا ،بل عملوا بما تضمنه.
ففي القسم الثاني ثلثة مذاهب ،ثالثها :إن كان على خلف القياس فهو
مستندهم ،وأما الثالث فل يدل على أنهم عملوا من أجله ،وهل يدل إجماعهم
على موجبه على صحته؟ فيه خلف .انتهى.
وقال إلكيا :إذا ظهر أن مستند الجماع نص ،كان هو مستند الحكم ،ونحن إنما
نتلقى الحكم من الجماع إذا لم نر مستندا مقطوعا به ،فأما إذا أجمعت المة
على موجب الخبر المروي من خبر الواحد ،فهل يدل القطعي على أن
إجماعهم كان لجله أم ل؟
قال :فيه تفصيل ،وهو إن عملوا بما عملوا ،وحكموا مستندين إلى الخبر
مصرحين بالمستند ،فل شك ،وإن لم يظهر ذلك ،فالشافعي "رحمه الله" يقول
في مواضع من كتبه :إن إجماعهم يصرف إلى الخبر ،وبه قال أبو هاشم ،وزاد
عليه فقال :أجمعت الصحابة على القراض ،ول خبر فيه ،فالظاهر أنهم أجمعوا
عليه بخبر المساقاة ،ولكن اشتهر الجماع في القراض؛ لعموم البلوى به ،دون
المساقاة.
وذهب غيرهما إلى أنه يجوز أن يكون إجماعهم لجل الجتهاد ،أو لجل خبر آخر
لم ينقل ،ويبعد كل ذلك ليس خرقا للعادة ،وهذا ل دافع له إل أن يقال :ل يجوز
أن يجمعوا لجل خبر ،ثم ل ينقل ما أجمعوا عليه ،وهذا ل يمشي إذ يمكن أن
يقال :إجماعهم أعني نقل ما له أجمعوا .ا هـ.
وما نقله عن الشافعي ،نقله في "المحصول" عن أبي عبد الله البصري،
وخالفه ،والظاهر أن المراد أن ذلك على سبيل الظن الغالب ،ل أنه عنه حقيقة.
وقال ابن برهان في "الوسط" :الخلف لفظي ل فائدة له؛ لن الجماع ينعقد
عن الدليل القطعي والظني.
قلت :ولها نظائر .
منها أن عمل العالم أو فتياه على وفق حديث ل يكون حكما منه بصحة ذلك
الحديث؛ لمكان أن يكون ذلك منه احتياطا أو لدليل آخر وافق ذلك الخبر،
وكذلك مخالفته للحديث ليست قدحا منه في صحته ،وقد سبق الخلف فيها.
ومنها الجماع على وفق خبر ل يدل على صدقه ،وقد سبقت في باب الخبار.
) (3/505
ومنها أن المجتهد إذا علل حكم الصل بعلة مناسبة ،وألحق به الفرع ،فمنع
الخصم كون العلة في الصل هذه ،وقال :العلة غيرها ،لم يسمع منه؛ لن
الحكام ل بد لها من علة ،وقد وجدت علة مناسبة ،فليضف الحكم إليها ،إذ
الصل عدم ما سواها ،وهذا بخلف المسألتين السابقتين.
وقد يفرق بينهما بأن المسألة التي قام فيها الجماع قد قامت الحجة على
العمل بها ،والضافة إلى الحديث من باب تكثير الدلئل لم يوجب أن يكون
الجماع عن ذلك الحديث ،إذ ل ضرورة تدعو إليه ،ولحتمال أن يكون غيره،
بخلف مسألة القياس ،فإنه ل ينتهض اللحاق ما لم تثبت العلة ،فلهذا قلنا :إن
الصل كون الحكم مضافا إلى هذه العلة.
) (3/506
مسألة ]في وجود خبر أو دليل ل تعارض فيه تشترك المة في عدم العلم به[
هل يمكن وجود خبر أو دليل بل معارض ،اشتركت المة في عدم العلم به؟ فيه
خلف .واختار المدي وابن الحاجب والهندي الجواز ،إن كان عمل المة موافقا
لمقتضاه ،وعدمه إن خالف .1
وأما الرازي فترجمها في "المحصول" بأنه هل يجوز اشتراك المة في الجهل
بما لم يكلفوا به؟ وكذلك ترجمها القاضي عبد الوهاب في "الملخص" .وفي
ظني أن الصفهاني ظنهما مسألة واحدة ،وليس كذلك ،بل هما مسألتان.
إحداهما :هل يجوز أن تشترك المة في عدم العلم بما لم يكلفوا به؟ قولن.
الثانية :هل يمكن وجود خبر أو دليل ل تعارض فيه ،وتشترك المة في عدم
العلم به؟
والخلف في هذه مرتب على التي قبلها ،فمن منعه هناك لم يجوز هذا بطريق
الولى ،ومن جوز هناك ،اختلفوا على ثلثة مذاهب :المنع مطلقا ،والجواز
مطلقا ،والتفصيل بين أن يكون عملهم موافقا لمقتضاه فيجوز ،وإل فل؛ لنه ل
يجوز ذهولهم عما كلفوا به ،وإل لزم اجتماعهم على الخطأ ،وهو ممتنع.
ـــــــ
1انظر الحكام للمدي ،1/279ومختصر ابن الحاجب .2/43
) (3/506
مسألة ]إذا أجمعوا على خلف الخبر[
إذا ذكر واحد من المجمعين خبرا عن الرسول عليه السلم ،يشهد بضد الحكم
الذي انعقد عليه الجماع ،قال ابن برهان في الوجيز" :يجب عليه ترك العمل
بالحديث ،والصرار على الجماع ،وقال قوم من الصوليين :بل يجب عليه
الرجوع إلى موجب الحديث .وقال قوم :إن ذلك يستحيل ،وهو الصح من
المذاهب .فإن الله تعالى عصم المة عن نسيان حديث في الحادثة ،ولول ذلك
خرج الجماع عن أن يكون قطعيا.
وبناه في "الوسط" على الخلف في انقراض العصر ،فمن قال :ليس بشرط
منع الرجوع ،ومن اشترط جوزه.
والجمهور على الول؛ لنه يتطرق إلى الحديث احتمالت من النسخ والتخصيص
ما ل يتطرق إلى الجماع ،بل لو قطعنا بالجماع في صورة ،ثم وجدنا على
خلفه نصا قاطعا من كتاب أو سنة متواترة ،لكان الجماع أولى؛ لنه ل يقبل
النسخ بخلف النص ،فإنه يقبله .وفي مثل هذه الصورة يستدل بالجماع على
ناسخ بلغهم أو موجب لتركه ،ولهذا قدم الشافعي الجماع على النص لما رتب
الدلة .قلت :وقال في موضع آخر :الجماع أكثر من الخبر المنفرد ،وعلى هذا،
فيجب على الراوي للخبر أن يترك العمل بمقتضى خبره ،ويتمسك بالجماع،
وكذا قال المام في باب التراجيح من البرهان" :إذا أجمعوا على خلف الخبر
تطرق الوهن إلى رواية الخبر؛ لنه إن كان آحادا فذاك ،وإن كان متواترا
فالتعلق بالجماع؛ لنه معصوم ،وأما الخبر فيتطرق إليه إمكان النسخ ،فيحمل
الجماع على القطع؛ لنه ل ينعقد إل على قطع ،ويحمل الخبر على مقتضى
النسخ استنادا وتبيانا ،ل على طريق البناء ،ثم نبه على أن الكلم في الجواز،
وقطع بأنه غير واقع ،ثم قال :من ضرورة الجماع على مناقضة النص المتواتر
أن يلهج أهل الجماع بكونه منسوخا .قلت :ويحتمل تقييد المسألة بانقراض
العصر ،وإل فيمكن أن يتطرق عدم الحجية إليه برجوعهم عنه ،ويحتمل خلفه؛
لن الصل عدم رجوعهم.
) (3/507
مسألة ]إذا أجمعوا على خلف الخبر ثم رجعوا إلى الخبر[
فلو رجع أهل الجماع للخبر ،فعملوا بمقتضاه ،قال الغزالي :كان ما أجمعوا
عليه حقا في ذلك الزمان ،إذ لم يكلفوا بما لم يبلغوا ،كما يكون الحكم
المنسوخ حقا قبل بلوغ الناسخ ،ونوزع في ذلك بلزوم إجماعين متعارضين،
ينسخ أحدهما الخر ،وهو محال ،والظاهر الحكم بإحالة هذه الصورة؛ لنه يلزم
تخطئة أحد الجماعين ،وهو محال.
) (3/508
الفصل الثالث فيما ينعقد به الجماع
]الوفاق المعتبر في الجماع[
وله شروط:
الشرط الول :أن يوجد فيه قول الخاصة من أهل العلم فل اعتبار بقول
ل ل ل ل
م{ِ ]آل
العامة ،وفاقا ول خلفا عند الكثرين ،لقول الله تعالى} :ووأولو العمل م
عمران [18 :وقال" :العلماء ورثة النبياء" ،1واحتج الروياني بما يروى أن أبا
طلحة النصاري خالف الصحابة وقال :البرد ل يفطر الصائم؛ لنه ليس بطعام
ول شراب .قال :فردوا قوله ،ولم يعتدوا بخلفه .قال ابن دقيق العيد :وهو
الصواب؛ لوجوب رد العوام إلى قول المجتهدين ،وتحريم الفتوى منهم في
الدين.
وقيل :يعتبر قولهم؛ لن قول المة إنما كان حجة لعصمتها من الخطأ ،فل يمتنع
أن تكون العصمة من صفات الهيئة الجتماعية من الخاصة والعامة .وحينئذ ل
يلزم من ثبوت العصمة للكل ثبوتها للبعض.
وهذا القول حكاه ابن الصباغ ،وابن برهان عن بعض المتكلمين ،واختاره
المدي ،ونقله المام ،وابن السمعاني ،والهندي عن القاضي أبي بكر ،ونوزعوا
في ذلك بأن المذكور في مختصر "التقريب" التصريح بأنه ل يعتبر خلفهم ول
وفاقهم ،وكاد أن يدعي الجماع فيه ،وقال في موضع آخر في الكلم على
المرسل :ل عبرة بقول العوام ل وفاقا ول خلفا .ا هـ.
وأقول :فعلى هذا من تصرف إمام الحرمين ،وعبارة التقريب :قد بينا فيما
سلف أن الذي دل عليه السمع صحة إجماع جميع المة ،وقد ثبت أن المة
عامة وخاصة ،فيجب اعتبار دخول العامة والخاصة في الجماع ،وليس للخاصة
إجماع على شيء يخرج منه العامة .قال :والعامة مجمعة على أن حكم الله ما
أجمعت عليه الخاصة ،وإن لم يعرفه عيانا.
ـــــــ
) (1حديث صحيح ,وسبق تخريجه .
) (3/509
فإن قيل :فإذا لم يكن العامة من أهل العلم بالدقائق والنظر ،فل يكون لهم
مدخل في الجماع ،ول بهم معتبر في الخلف؟ قلنا :كذلك نقول ،ويقول أكثر
الناس .وإنما وجب سقوط العتبار بخلفهم لجماع سلف المة من أهل كل
عصر على أنه حرام على عامة أهل كل عصر من أعصار المسلمين مخالفة ما
اتفق عليه علماؤهم ،فوجب أن ل يعتبر بخلف العامة لجل هذا الجماع السابق
على منعهم من ذلك.
وجواب آخر :أنه ل يجب ترك العتبار بهم؛ لنهم مسلمون ،وبعض المة ،بل
معظمها ،فوجب العتبار بخلفهم ،وثبت أن ما أجمع عليه العلماء عينا وتفصيل
إجماع العامة ،وإن لم نعرفه عينا.
فإن قيل :فما يقولون :لو صار عامة المة في بعض العصار إلى مخالفة إجماع
جميع العلماء وخطئهم؟ هل يكون إجماع العلماء حجة؟ قيل :ل يكون قولهم
دون قول العامة إجماعا بجميع المة؛ لن العامة بعضهم ،لكن العامة مخطئون
في مخالفتهم؛ لنهم ليسوا من أهل العلم بحكم الله ،وأنه يحرم عليهم القول
في دين الله بل علم ،وليس خطؤهم من جهة مخالفة الجماع ،إذ هم بعض
المة.
وجواب آخر :أنه ل يعتبر بخلف العامة ،ول بدخولهم في الجماع ،لجل ما
قدمناه من اتفاق سلف المة على تخطئة عامة أهل كل عصر في خلفهم على
علمائهم ،فوجب سقوط العتبار بقول العامة.
هذا كلمه ،وحاصله يرجع إلى إطلق السم بمعنى أن المجتهدين إذا أجمعوا
هل يصدق "أجمعت المة " ،ويحكم به قول العوام فيهم تبعا؟ فالقاضي يقول:
ل يصدق اسم الجماع ،وإن كان ذلك ل يقدح في حجيته ،وهو خلف لفظي في
الحقيقة ،وليس خلفا في أن مخالفتهم تقدح في قيام الجماع ،ولهذا قال في
"مختصر التقريب" بعدما سبق :فإن قال قائل :فإذا أجمع علماء المة على
حكم من الحكام ،فهل يطلقون القول بأن المة مجمعة عليه؟
قلنا :من الحكام ما يحصل فيه اتفاق الخاص والعام ،كوجوب الصلة والزكاة
وغيرهما .فما هذا سبيله يطلق القول بأن المة أجمعت عليه.
وأما ما أجمع عليه العلماء من أحكام الفروع التي تشتبه على العوام ،فقد
اختلف أصحابنا في ذلك ،فقال بعضهم :العوام يدخلون في حكم الجماع ،وذلك
أنهم وإن لم يعرفوا تفصيل الحكام ،فقد عرفوا على الجملة أن ما أجمع عليه
علماء المة من تفاصيل الحكام فهو مقطوع به ،فهذا مساهمة منهم في
الجماع ،وإن لم يعلموا مواقعه
) (3/510
على التفصيل.
ومن أصحابنا من زعم أنهم ل يكونون مساهمين في الجماع ،فإنه إنما يتحقق
الجماع في التفاصيل بعد العلم بها ،فإذا لم يكونوا عالمين بها فل يتحقق كونهم
من أهل الجماع .واعلم أن هذا خلف مهول أمره ،ويرجع إلى العبارة المحضة،
والحكم فيه أنا إن أدرجنا العوام في حكم الجماع المطلق ،أطلقنا القول
بإجماع المة ،وإن لم ندرجهم في حكم الجماع ،أو بدر من بعض طوائف
العوام خلف ،فل يطلق القول بإجماع المة ،فإن العوام معظم المة .ا هـ.
وما ذكره القاضي ،وتابعه المتأخرون من رجوع الخلف إلى كونه :هل يسمى
إجماعا أم ل مع التفاق على كونه حجة ،مردود ،ففي "المعتمد" لبي الحسين
ما لفظه :اختلفوا في اعتبار قول العامة في المسائل الجتهادية ،فقال قوم:
العامة وإن وجب عليها اتباع العلماء ،فإن إجماع العلماء ل يكون حجة على أهل
العصر ،حتى ل يسوغ مخالفتهم إل بأن يتبعهم العامة من أهل عصرهم ،فإن لم
يتبعوهم لم يجب على أهل العصر الثاني من العلماء اتباعهم ،وقال آخرون :بل
هو حجة اتبعهم علماء عصرهم أم ل .انتهى .1
وفي المسألة ثالث :أنه يعتبر إجماعهم في العام دون الخاص ،حكاه القاضي
عبد الوهاب ،2وابن السمعاني ،وبهذا التفصيل يزول الشكال في المسألة،
وينبغي تنزيل إطلق المطلقين عليه.
وخص القاضي أبو بكر الخلف بالخاص ،وقال ل يعتبر خلفهم في العام اتفاقا،
وجرى عليه الروياني في "البحر" فقال :إن اختص بمعرفته العلماء كنصب
الزكوات وتحريم نكاح المرأة وعمتها وخالتها ،لم يعتبر وفاق العامة معهم ،وإن
اشترك في معرفته الخاصة والعامة كأعداد الركعات ،وتحريم بنت البنت ،فهل
يعتبر إجماع العوام معهم؟ فيه وجهان ،أصحهما :ل يعتبر؛ لن الجماع إنما يصح
عن نظر واجتهاد .والثاني :نعم؛ لشتراكهم في العلم به .وقال سليم :إجماع
الخاصة هل يحتاج معهم فيه إلى إجماع العامة؟ فيه وجهان .الصحيح أنه ل
يحتاج إليهم.
ـــــــ
1انظر المعتمد .2/482
2انظر شرح تنقيح الفصول ص.341 :
) (3/511
]هل الخلف في هذه المسألة لفظي أم معنوي[
إذا علمت هذا فقد اختلفوا في أن الخلف لفظي أو معنوي وكلم القاضي
وغيره كما سبق أنه لفظي ،وكلم الستاذ أبي إسحاق بخلفه ،فإنه قال:
الجماع ضربان :أحدهما :ما اجتمع عليه الخاصة والعامة ،كاتفاقهم على عدد
الصلوات .قال :واختلف أصحابنا فيمن وقع بهم العتبار ،فقيل :العتبار في
ثبوته بأهل المعرفة .وقيل :العتبار بالكافة ،فيدخل فيه الخاصة والعامة.
قال :وفائدة الخلف تتبين في الضرب الثاني من الجماع ،وهو أن يجمع أهل
المعرفة والجتهاد على حكم الحادثة ،كالنكاح ،والعدة ،والجمع بين الختين
بالزوجية ،فمن قال :إن العتبار في الضرب الول بأهل العلم كفر المخالف
بالنوعين ،ومن قال :إن العتبار فيه بالكافة لم يجعل المخالف في الضرب
الثاني كالمرتد وإن قطع بتخطئته .ا هـ.
تنبيه ]اعتبار قول المقلد في الجماع[
حكم المقلد حكم العامي في ذلك ،إذ ل واسطة بين المقلد والمجتهد ،قاله
إمام الحرمين.
) (3/512
مسألة ]إجماع العوام عند خلو الزمان من المجتهدين[
إجماع العوام عند خلو الزمان من المجتهد ل عبرة به؛ لنا إن لم نعتبرهم في
انعقاد الجماع ،منعنا إمكان وقوع المسألة؛ لنه ل يجوز خلو الزمان عمن يقوم
بالحق ،وإن اعتبرنا قولهم منعنا أن إجماعهم ليس إجماعا شرعيا.
) (3/512
مسألة ]الذين يعتبر قولهم في الجماع[
يشترط في الجماع في كل فن من الفنون أن يكون فيه قول كل العارفين
بذلك في ذلك العصر ،فإن قول غيرهم فيه يكون بل دليل بجهلهم به ،فيشترط
في الجماع في المسألة الفقهية قول جميع الفقهاء ،وفي الصول قول جميع
الصوليين ،وفي النحو قول
) (3/512
]هل لخلف الصولي في الفقه اعتبار؟[
وأما الصولي الماهر المتصرف في الفقه ،ففي اعتبار خلفه في الفقه وجهان،
حكاهما الماوردي .وذهب القاضي إلى أن خلفه معتبر .قال المام :وهو الحق،
وذهب معظم الصوليين منهم أبو الحسين بن القطان إلى أن خلفه ل يعتبر؛
لنه ليس من المفتين ،ولو وقعت له واقعة للزمه أن يستفتي المفتي فيها ،قال
إلكيا :والحق قول الجمهور؛ لن من أحكم الصول ،فهو مجتهد فيها .ويقلد فيما
سنح له من الوقائع ،والمقلد ل يعتد بخلفه،
واستبعد إمام الحرمين مذهب القاضي .وقال :إذا أجمع المفتون ،وسكت
]الصوليون[ المتصرفون فيبعد أن يتوقف انعقاد الجماع على مراجعته ،فإن
الذين ل يستقلون بأنفسهم في جواب مسألة ،ويتعين عليهم تقليد غيرهم من
المحال وجوب مراجعتهم ،وإن فرض أنهم أبدوا وجها في التصرف ،فإن كان
سالفا فهو محمول على إرشادهم وتهديتهم إلى سواء السبيل ،وإن أبدوا قولهم
إبداء من يزاحم الحكام ،فالنكار يشتد عليهم.
قال :والقول المغني في ذلك أنه ل قول لمن لم يبلغ مبلغ الجتهاد ،وليس بين
) (3/513
من يقلد ويقلد مرتبة ثالثة.
ثم قال :والنظر السديد يتخطى كلم القاضي وعصره ،ويترقى إلى العصر
المتقدم ،ويفضي إلى مدرك الحق قبل ظهور الخلف.
والتحقيق -خالف القاضي أو وافق -أن المجتهدين إذا أطبقوا لم يعتد بخلف
المتصرفين مذهبا مختلفا به ،فإن المذاهب لهل الفتوى ،فإن بان أن
المتصرف الذي ذكروه من أهل الفتوى فسيأتي في بابه ،والكلم الكافي في
ذلك أنه إن كان مفتيا اعتبر خلفه،
وقال الصيرفي في كتاب "الدلئل" :إجماع العلماء ل مدخل لغيرهم فيه ،سواء
المتكلم وغيره ،وهم الذين تلقوا العلم من الصحابة ،وإن اختلفت آراؤهم وهم
القائمون بعلم الفقه ،فأما من انفرد بالكلم في الخبر والظفرة والداخلة ،لم
يدخل في جملة العلماء ،فل يعد خلفا على من ليس هو مثله ،وإن كانوا حذاقا
بدقائق الكلم ،كما ل يجعل الحاذق من النقاد حجة على البزاز في البز .انتهى.
) (3/514
مسألة ]دخول المجتهد المبتدع في الجماع[
المجتهد المبتدع إذا كفرناه ببدعته ،1غير داخل في الجماع بل خلف؛ لعدم
دخوله في مسمى المة المشهود لهم بالعصمة ،وإن لم يعلم هو كفر نفسه.
قال الهندي :لكن ل يمكن الستدلل بإجماعنا على كفره بسبب ذلك العتقاد؛
لنه إنما ينعقد إجماعنا وحده على كفره لو ثبت كفره ،فإثبات كفره بإجماعنا
وحده دور،
وأما إذا وافقنا هو على أن ما ذهب إليه كفر ،فحينئذ يثبت كفره ،ل لن قوله
معتبر في الجماع؛ لنه كافر ،ول لجماعنا وحده لما سبق ،بل؛ لنه لو لم يكن
ما ذهب إليه كفرا إذ ذاك لزم أن يكون مجموع المة على الخطأ ،وأدلة الجماع
تنفيه.
ـــــــ
1انظر الحكام لبن حزم ،1/580اللمع ص ،51 :المنخول ص.310 :
) (3/514
]المذاهب في خلف المبتدع غير الكافر[
وأما إذا اعتقد ما ل يقتضي التكفير ،بل التبديع والتضليل ،فاختلفوا على
مذاهب:
أحدها :اعتبار قوله ،لكونه من أهل الحل والعقد ،وإخباره عن نفسه مقبول إذا
كان يعتقد تحريم الكذب ،وقال الهندي :إنه الصحيح ،وكلم ابن السمعاني كما
سنذكره يقتضي أنه مذهب الشافعي؛ لنصه على قبول شهادة أهل الهوى.
والثاني :أنه ل يعتبر .قال الستاذ أبو منصور :قال أهل السنة :ل يعتبر في
الجماع وفاق القدرية ،والخوارج ،والرافضة ،ول اعتبار بخلف هؤلء المبتدعة
في الفقه ،وإن اعتبر في الكلم ،هكذا روى أشهب عن مالك ،ورواه العباس بن
الوليد عن الوزاعي وأبو سليمان الجوزجاني عن محمد بن الحسن ،وذكر أبو
ثور في منثوراته أن ذلك قول أئمة أهل الحديث .ا هـ.
وقال أبو بكر الصيرفي :هل يقدح خلف الخوارج في الجماع؟ فيه قولن.
قال :ول يخرج عن الجماع من كان من أهل العلم ،وإن اختلفت بهم الهواء
كمن قال بالقدر من حملة الثار ،ومن رأى الرجاء ،وغير ذلك من اختلف آراء
أهل الكوفة والبصرة إذا كان من أهل الفقه .فإذا قيل :قالت الخطابية
والرافضة كذا ،لم يلتفت إلى هؤلء في الفقه؛ لنهم ليسوا من أهله،
وقال ابن القطان :الجماع عندنا إجماع أهل العلم ،فأما من كان من أهل
الهواء ،فل مدخل له فيه .قال :قال أصحابنا في الخوارج ل مدخل لهم في
الجماع والختلف؛ لنهم ليس لهم أصل ينقلون عنه؛ لنهم يكفرون سلفنا
الذين أخذنا عنهم أصل الدين .انتهى .وممن اختار أنه ل يعتد به من الحنفية أبو
بكر الرازي ،ومن الحنابلة القاضي أبو يعلى واستقرأه من كلم أحمد لقوله :ل
يشهد رجل عندي ليس هو عندي بعدل ،وكيف أجوز حكمه قال القاضي :يعني
الجهمي.
والثالث :أن الجماع ل ينعقد عليه ،وينعقد على غيره ،أي أنه يجوز له مخالفة
من عداه إلى ما أداه إليه اجتهاده ،ول يجوز لحد أن يقلده ،حكاه المدي وتابعه
المتأخرون ،وأنكر عليه بعضهم ،وقال :أرى حكايته لغيره .والظاهر أنه تفسير
للقولين المتقدمين ،ومنع من بقائهما على إطلقهما؛ لوقوع مسألتين في بابي
الجتهاد
) (3/515
والتقليد ،تنفي ذلك .إحداهما :اتفاقهم على أن المجتهد بعد اجتهاده ممنوع من
التقليد ،وأنه يجب عليه العمل بما أداه إليه اجتهاده ،فالقول هنا بأنه يجب عليه
العمل بقول من خالفه معارض لذلك التفاق .وثانيهما :اتفاقهم على أنه يجوز
للمقلد أن يقلد من عرف بالعلم والعدالة ،وأنه يحرم عليه تقليد من عرف بضد
ذلك ،وإذا ثبت هذا استحال بقاء القولين في هذه المسألة على إطلقهما ،وتبين
أن معنى قول من يقول :ل ينعقد الجماع بدونه ،يعني في حق نفسه ،ومعنى
قول من يقول :فينعقد ،يعني على غيره ،ويصير النزاع لفظا ،وعلى هذا يجب
تأويل هذا القول ،وإل فهو مشكل.
والرابع :التفصيل بين الداعية فل يعتد به ،وبين غيره فيعتد به ،حكاه ابن حزم
في كتاب "الحكام" ،ونقله عن جماهير سلفهم من المحدثين ،وقال :وهو قول
فاسد؛ لن المراعى العقيدة .1
واعلم أنه كثر في عبارة المصنفين خصوصا في علم الكلم أن يقولوا عن
الرافضة ونحوهم :خلفا لمن ل يعتد بخلفه ،وهذا ل ينبغي ذكره؛ لنه كالتناقض
من حيث ذكره .وقال :ل يعتد به ،إل أن يكون قصدهم التشنيع عليهم بخلف
الجماع.
فرعان
أحدهما :إذا لم يعتد بخلف من كفرناه .فلو أنهم أجمعوا حال تكفيره ،ثم تاب
وأصر على ذلك الخلف ،فهل يعتبر خلفه الن؟ فليبن على انقراض العصر.
وسنذكره .الثاني :أن بعض الفقهاء لو خالف الجماع الذي خالف فيه المبتدع،
فإن لم يعلم ببدعته ،أو علمها لكنه لم يعلم أنها توجب الكفر ،ويعتقد أنه ل
ينعقد الجماع بدونه ،هل يكون معذورا أم ل؟
وقال الهندي :إن لم يعلم بدعته فمعذور ،إن كان مخطئا فيه حيث تكون موجبة
للتكفير؛ لنه غير مقصر ،وإن علمها لكنه لم يعلم اقتضاءها التكفير ،فغير
معذور ،بل كان يلزمه مراجعة علماء الصول ،وإن مثل هذا العتقاد هل يكفر
أم ل؟
ـــــــ
1انظر الحكام لبن حزم .1/580
) (3/516
مسألة ]العلماء المجتهدون الفسقة ،هل يعتبر قولهم في الجماع؟[
في اعتبار الورع في أهل الجماع خلف ،فالفسقة بالفعل دون العتقاد إذا
بلغوا في العلم مبلغ المجتهدين ،هل يعتبر وفاقهم أو خلفهم؟ فيه وجهان،
حكاهما الستاذ أبو منصور .وذهب معظم الصوليين كما قاله إمام الحرمين
وابن السمعاني أنه ل يعتد بخلفهم ،وينعقد الجماع بدونهم ،وقال الرازي من
الحنفية :إنه الصحيح عندنا .قال ابن برهان :وهو قول كافة الفقهاء
والمتكلمين.
قال :ونقل عن شرذمة من المتكلمين ،منهم إمام الحرمين إلى أن خلفه معتد
به .قلت :وجزم به الشيخ أبو إسحاق الشيرازي ،واختاره الغزالي في
"المنخول"؛ لن المعصية ل تزيل اسم اليمان ،فيكون قول من عداهم قول
بعض المؤمنين ل كلهم ،فل يكون حجة ،وإليه مال إمام الحرمين.
واستشكل الول بأن المجتهد الفاسق ل يجوز له تقليد غيره ،فانعقاد الجماع
في حقه مشكل ،ول يمكن تجزئة الجماع ،حتى يكون حجة في حق غيره ،ول
يكون حجة في حقه ،واستحسنه إلكيا ،وقال :المسألة محتملة .واختلف
المانعون في تعليله على وجهين.
أحدهما :أن إخباره عن نفسه ل يوثق به لفسقه ،فربما أخبر بالوفاق وهو
مخالف أو بالخلف وهو موافق ،فلما تعذر الوصول إلى معرفة قوله سقط
أثره ،وشبه بعضهم ذلك بسقوط أثر قول الخضر عليه السلم على القول بأنه
حي؛ لتعذر الوصول إليه.
والثاني :أن العدالة ركن في الجتهاد ،فإذا فاتت العدالة فاتت أهلية الجتهاد،
وعلى الثاني اقتصر ابن برهان في "الوسط".
وفرعوا عليها ما إذا أدى الفاسق اجتهاده إلى حكم في مسألة ،هل يأخذ بقوله
من علم صدقه في فتواه بقرائن؟ .وحكى ابن السمعاني عن بعض أصحابنا أن
المجتهد الفاسق يدخل في الجماع من وجه ،ويخرج من وجه؛ لنه إذا ظهر
خلفه سئل عن دليله؛ لجواز أن يحمله فسقه على اعتقاد شرع بغير دليل .قال
ابن السمعاني :وهذا التقسيم ل بأس به وهو يقرب من مأخذ أهل العلم،
فليعول عليه .ورأيت في كتاب
) (3/517
الشيخ أبي إسحاق الشيرازي أن كل من كان من أهل الجتهاد سواء كان
مدرسا مشهورا أو خامل مستورا ،وسواء كان عدل أمينا أو فاسقا متهتكا ،يعتد
بخلفه؛ لن المعول في ذلك على الجتهاد والمستور كالمشهور .قال:
والحسن هو الول ،ثم قال ابن السمعاني :وأما الفسق بتأويل فل يمنع من
اعتبار من يعتقد في الجماع والختلف،
وقد نص الشافعي -رحمه الله -على قبول شهادة أهل الهواء ،وهذا ينبغي أن
يكون في اعتقاد بدعة ل تؤدي إلى التكفير ،فإن أدته فل يعتد بخلفه ول وفاقه.
وهذه هي المسألة المتقدمة في المبتدع.
) (3/518
مسألة :هل يعتبر بخلف الظاهرية في الجماع
...
]هل يعتبر بخلف الظاهرية في الجماع[
ذهب قوم منهم القاضي أبو بكر ،والستاذ أبو إسحاق السفراييني ،ونسبه إلى
الجمهور أنه ل يعتد بخلف من أنكر القياس في الحوادث الشرعية ،وتابعهم
إمام الحرمين ،والغزالي ،قالوا؛ لن من أنكره ل يعرف طرق الجتهاد ،وإنما هو
متمسك بالظواهر ،فهو كالعامي الذي ل معرفة له ،وحكاه الستاذ أبو منصور
عن أبي علي بن أبي هريرة ،وطائفة من أقرانه،
وقال الصفهاني شارح "المحصول" :يلزم القائل بذلك أنه ل يعتبر خلف منكر
العموم ،وخبر الواحد ،ول ذاهب إليه.
قلت :نقل الستاذ عن ابن أبي هريرة -رحمه الله -أنه طرد قوله في منكر
أخبار الحاد ،ومن توقف في الظواهر والعموم .قال :لن الحكام الشرعية
تستنبط من هذه الصول ،فمن أنكرها وتوقف فيها لم يكن من أهل الجتهاد،
فل يعتبر بخلفه .قال النووي في باب السواك في "شرح مسلم" :1إن مخالفة
داود ل تقدح في انعقاد الجماع على المختار الذي عليه الكثرون والمحققون،
وكذا قال صاحب "المفهم" جل الفقهاء والصوليين على أنه ل يعتد بخلفهم،
بل هم من جملة العوام ،وإن من اعتد بهم فإنما ذلك؛ لن مذهبه أنه يعتبر
خلف العوام في انعقاد الجماع ،والحق خلفه.
ـــــــ
) (1انظر شرح مسلم للنووي ). (3/142
) (3/518
وذكر غيره أنهم في الشرعيات كالسوفسطائية في العقليات ،وكذا قال أبو بكر
الرازي من الحنفية :ل يعتد بخلفهم ،ول يؤنس بوفاقهم.
وقال القاضي عبد الوهاب في "الملخص" :يعتبر كما يعتبر خلف من ينفي
المراسيل ،ويمنع العموم ومن حمل المر على الوجوب؛ لن مدار الفقه على
هذه الطرق ،ونقل ابن الصلح عن الستاذ أبي منصور أنه حكى عن ابن أبي
هريرة وغيره ،أنهم ل يعتد بخلفهم في الفروع ،ويعتد بخلفهم في الصول،
وقال إمام الحرمين :المحققون ل يقيمون لخلف الظاهرية وزنا؛ لن معظم
الشريعة صادرة عن الجتهاد ،ول تفي النصوص بعشر معشارها.
وقال في كتاب اللعان :إن قول داود بإجزاء الرقبة المعيبة في الكفارة نقل
الشافعي -رحمه الله تعالى -الجماع على خلفه .قال :وعندي أن الشافعي
لو عاصر داود لما عده من العلماء،
وقال البياري :هذا غير صحيح عندنا على الطلق ،بل إن كانت المسألة مما
تتعلق بالثار والتوقيف واللفظ اللغوي ،ول مخالف للقياس فيها لم يصح أن
ينعقد الجماع بدونهم إل على رأي من يرى أن الجتهاد ل يتجزأ .فإن قلنا:
بالتجزؤ ،لم يمنع أن يقع النظر في فرع هم فيه محقون ،كما نعتبر خلف
المتكلم في المسألة الكلمية؛ لن له فيه مدخل ،كذلك أهل الظاهر في غير
المسائل القياسية يعتد بخلفهم.
وقال ابن الصلح :الذي استقر عليه المر ما اختاره الستاذ أبو منصور ،وحكاه
عن الجمهور ،وأن الصحيح من المذهب العتداد بخلفهم ،ولهذا يذكر الئمة من
أصحابنا خلفهم في الكتب الفرعية.
ثم قال :والذي أجيب به بعد الستخارة :أن داود يعتبر قوله ،ويعتد به في
الجماع إل ما خالف القياس ،وما أجمع عليه القياسيون من أنواعه أو بناه على
أصوله التي قام الدليل القاطع على بطلنها ،فاتفاق من سواه على خلفه
إجماع ينعقد ،فقول المخالف حينئذ خارج عن الجماع ،كقوله في التغوط في
الماء الراكد ،1وتلك المسائل
ـــــــ
1يعني قول أهل الظاهر في مسألة التبول في الماء الراكد ،فمن المعلوم أن
النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التبول فيه ثم يتوضأ منه ،فاستمسكوا هم
بهذا اللفظ ظاهرا وقالوا :يجوز لمن لم يتبول فيه أن يتوضأ منه أو يغتسل منه
ما لم يتغير أحد أوصافه ،ويجوز لمن تبول في قارورة وألقاها فيه أن يتطهر منه
لنه لم يتبول فيه مباشرة ،وقد عبر ابن حزم رحمه الله تعالى عن هذه المسألة
وفروعها في المحلى 1/141فقال :مسألة :وكل شيء مائع من ماء أو زيت أو
سمن أو لبن أو ماء ورد أو عسل أو مرق أو طيب أو غير ذلك
أي شيء كان ،إذا وقعت فيه نجاسة أو شيء حرام يجب اجتنابه أو ميتة ،فإن
غير ذلك لون ما وقع فيه أو طعمه أو ريحه فقد فسد كله وحرم أكله ،ولم يجز
استعماله ول بيعه ،فإن لم يغير شيئا