ƒΘáÑ⌐ ƒΘΩÑ∩ß σ∩ Ü¡φΘ ƒΘστ∞ 005

‫تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة‬
‫)اضغط هنا للنتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على النترنت(‬
‫الكتاب ‪ :‬البحر المحيط في أصول الفقه‬
‫المؤلف ‪ :‬بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي‬
‫)المتوفى ‪794 :‬هـ(‬
‫المحقق ‪ :‬محمد محمد تامر‬
‫الناشر ‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‬
‫الطبعة ‪ :‬الطبعة الولى‪1421 ،‬هـ ‪2000 /‬م‬
‫مصدر الكتاب ‪ :‬موقع مكتبة المدينة الرقمية‬
‫‪http://www.raqamiya.org‬‬
‫]ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي[‬
‫]إذا احتمل إجماعهم أن يكون عن قياس أو توقيف فعلى أيهما يحمل؟[‬
‫الثالث ‪ :‬إذا احتمل ]أن يكون[ إجماعهم عن قياس لمكانه في الحادثة‪ ،‬أو عن‬
‫دليل‪ ،‬فهل الولى حمله على أن يكون صادرا عن القياس أو عن التوقيف؟ ل‬
‫أعلم فيه كلما للصوليين‪.‬‬
‫ويخرج من كلم أصحابنا في الفروع فيه وجهان‪ ،‬فإنهم قالوا فيمن قتل الحمام‬
‫بمكة‪ :‬إن فيها شاة؛ لجماع الصحابة‪ ،‬واختلفوا في بناء ذلك على وجهين‪.‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن إيجابها لما بينهما من الشبه‪ ،‬فإن كل واحد منهما يألف البيوت‪.‬‬
‫ويأنس بالناس‪ ،‬وأصحهما أن مستنده توقيف بلغهم فيه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬لكن ل يجوز أن يضاف إليهم أنهم أخذوه توقيفا مع قيام الحتمال بكونه‬
‫استنباطا‪ ،‬وعلى هذا نص الشافعي في "الرسالة"‪ 1‬فقال‪ :‬أما ما أجمعوا عليه‪،‬‬

‫فذكروا أنه حكاية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬قالوا‪ :‬وأما ما لم‬
‫يحكوه‪ ،‬فاحتمل أن يكونوا قالوه‬
‫ـــــــ‬
‫‪ 1‬انظر الرسالة ص‪.472 :‬‬

‫) ‪(3/503‬‬

‫]الجماع الواقع على وفق خبر‪ ،‬هل يدل على صحة ذلك الخبر؟[ ‪.‬‬
‫قال‪ :‬وينبني على هذا مسألة‪ ،‬وهي أن الجماع الواقع على وفق خبر من‬
‫الخبار‪ ،‬هل يكون دليل على صحته؟ منهم من قال‪ :‬يدل على ذلك إذا علم أنهم‬
‫أجمعوا لجله‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬إن إجماعهم يدل على صحة الحكم‪ ،‬ول يدل‬
‫على صحة الخبر‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهو أولى القولين؛ لنه ل يجوز أن يكون اتفقوا على العمل به؛ لن التعبد‬
‫ثابت بخبر الواحد‪ ،‬وهذا التعبد ثبت في حق الكافة‪ ،‬فلجل التعبد الثابت أجمعوا‬
‫على موجب الخبر‪ ،‬وصار الحكم مقطوعا به؛ لجل إجماعهم‪ .‬فإن كان الجماع‪،‬‬
‫ول دليل غيره‪ ،‬كان انعقاده دليل على أنه انعقد عن دليل موجب له؛ لنهم‬
‫استغنوا بالجماع عن نقل الدليل‪ ،‬واكتفوا به عنه‪.‬‬
‫وقال ابن برهان في "الوجيز"‪ :‬إذا انعقد الجماع‪ ،‬وكان دليله مجهول عند أهل‬

‫العصر الثاني‪ ،‬ووجدنا خبر واحد فهل يجب أن يكون الخبر مستنده أم ل؟ نقل‬

‫الشافعي أنه قال‪ :‬ل بد أن يكون ذلك الخبر مستندا للجماع‪ ،‬وخالف في ذلك‬
‫الصوليون‪ .‬ا هـ‪.‬‬
‫وإنما قيد المسألة بخبر الواحد؛ لنه إذا كان الخبر متواترا فهو مستندهم بل‬
‫خلف‪ ،‬كما قال القاضي عبد الوهاب‪ ،‬كما يجب عليهم العمل بموجب النص‪.‬‬
‫قال‪ :‬وإنما الخلف في خبر الحاد‪ ،‬وهو ثلثة أقسام‪ :‬أن يعلم ظهوره بينهم‬
‫والعمل بموجبه لجله‪ ،‬أو يعلم ظهوره بينهم والعمل بموجبه ول يعلم أنهم‬
‫عملوا لجله‪،‬‬

‫) ‪(3/504‬‬

‫أو ل يكون ظاهرا‪ ،‬بل عملوا بما تضمنه‪.‬‬
‫ففي القسم الثاني ثلثة مذاهب‪ ،‬ثالثها‪ :‬إن كان على خلف القياس فهو‬
‫مستندهم‪ ،‬وأما الثالث فل يدل على أنهم عملوا من أجله‪ ،‬وهل يدل إجماعهم‬
‫على موجبه على صحته؟ فيه خلف‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫وقال إلكيا‪ :‬إذا ظهر أن مستند الجماع نص‪ ،‬كان هو مستند الحكم‪ ،‬ونحن إنما‬
‫نتلقى الحكم من الجماع إذا لم نر مستندا مقطوعا به‪ ،‬فأما إذا أجمعت المة‬
‫على موجب الخبر المروي من خبر الواحد‪ ،‬فهل يدل القطعي على أن‬
‫إجماعهم كان لجله أم ل؟‬
‫قال‪ :‬فيه تفصيل‪ ،‬وهو إن عملوا بما عملوا‪ ،‬وحكموا مستندين إلى الخبر‬
‫مصرحين بالمستند‪ ،‬فل شك‪ ،‬وإن لم يظهر ذلك‪ ،‬فالشافعي "رحمه الله" يقول‬

‫في مواضع من كتبه‪ :‬إن إجماعهم يصرف إلى الخبر‪ ،‬وبه قال أبو هاشم‪ ،‬وزاد‬
‫عليه فقال‪ :‬أجمعت الصحابة على القراض‪ ،‬ول خبر فيه‪ ،‬فالظاهر أنهم أجمعوا‬
‫عليه بخبر المساقاة‪ ،‬ولكن اشتهر الجماع في القراض؛ لعموم البلوى به‪ ،‬دون‬
‫المساقاة‪.‬‬
‫وذهب غيرهما إلى أنه يجوز أن يكون إجماعهم لجل الجتهاد‪ ،‬أو لجل خبر آخر‬
‫لم ينقل‪ ،‬ويبعد كل ذلك ليس خرقا للعادة‪ ،‬وهذا ل دافع له إل أن يقال‪ :‬ل يجوز‬
‫أن يجمعوا لجل خبر‪ ،‬ثم ل ينقل ما أجمعوا عليه‪ ،‬وهذا ل يمشي إذ يمكن أن‬
‫يقال‪ :‬إجماعهم أعني نقل ما له أجمعوا‪ .‬ا هـ‪.‬‬
‫وما نقله عن الشافعي‪ ،‬نقله في "المحصول" عن أبي عبد الله البصري‪،‬‬
‫وخالفه‪ ،‬والظاهر أن المراد أن ذلك على سبيل الظن الغالب‪ ،‬ل أنه عنه حقيقة‪.‬‬
‫وقال ابن برهان في "الوسط"‪ :‬الخلف لفظي ل فائدة له؛ لن الجماع ينعقد‬
‫عن الدليل القطعي والظني‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ولها نظائر ‪.‬‬
‫منها أن عمل العالم أو فتياه على وفق حديث ل يكون حكما منه بصحة ذلك‬
‫الحديث؛ لمكان أن يكون ذلك منه احتياطا أو لدليل آخر وافق ذلك الخبر‪،‬‬
‫وكذلك مخالفته للحديث ليست قدحا منه في صحته‪ ،‬وقد سبق الخلف فيها‪.‬‬
‫ومنها الجماع على وفق خبر ل يدل على صدقه‪ ،‬وقد سبقت في باب الخبار‪.‬‬

‫) ‪(3/505‬‬


‫ومنها أن المجتهد إذا علل حكم الصل بعلة مناسبة‪ ،‬وألحق به الفرع‪ ،‬فمنع‬
‫الخصم كون العلة في الصل هذه‪ ،‬وقال‪ :‬العلة غيرها‪ ،‬لم يسمع منه؛ لن‬
‫الحكام ل بد لها من علة‪ ،‬وقد وجدت علة مناسبة‪ ،‬فليضف الحكم إليها‪ ،‬إذ‬
‫الصل عدم ما سواها‪ ،‬وهذا بخلف المسألتين السابقتين‪.‬‬
‫وقد يفرق بينهما بأن المسألة التي قام فيها الجماع قد قامت الحجة على‬
‫العمل بها‪ ،‬والضافة إلى الحديث من باب تكثير الدلئل لم يوجب أن يكون‬
‫الجماع عن ذلك الحديث‪ ،‬إذ ل ضرورة تدعو إليه‪ ،‬ولحتمال أن يكون غيره‪،‬‬
‫بخلف مسألة القياس‪ ،‬فإنه ل ينتهض اللحاق ما لم تثبت العلة‪ ،‬فلهذا قلنا‪ :‬إن‬
‫الصل كون الحكم مضافا إلى هذه العلة‪.‬‬

‫) ‪(3/506‬‬

‫مسألة ]في وجود خبر أو دليل ل تعارض فيه تشترك المة في عدم العلم به[‬
‫هل يمكن وجود خبر أو دليل بل معارض‪ ،‬اشتركت المة في عدم العلم به؟ فيه‬
‫خلف‪ .‬واختار المدي وابن الحاجب والهندي الجواز‪ ،‬إن كان عمل المة موافقا‬
‫لمقتضاه‪ ،‬وعدمه إن خالف ‪.1‬‬
‫وأما الرازي فترجمها في "المحصول" بأنه هل يجوز اشتراك المة في الجهل‬
‫بما لم يكلفوا به؟ وكذلك ترجمها القاضي عبد الوهاب في "الملخص"‪ .‬وفي‬
‫ظني أن الصفهاني ظنهما مسألة واحدة‪ ،‬وليس كذلك‪ ،‬بل هما مسألتان‪.‬‬
‫إحداهما ‪ :‬هل يجوز أن تشترك المة في عدم العلم بما لم يكلفوا به؟ قولن‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬هل يمكن وجود خبر أو دليل ل تعارض فيه‪ ،‬وتشترك المة في عدم‬
‫العلم به؟‬
‫والخلف في هذه مرتب على التي قبلها‪ ،‬فمن منعه هناك لم يجوز هذا بطريق‬
‫الولى‪ ،‬ومن جوز هناك‪ ،‬اختلفوا على ثلثة مذاهب‪ :‬المنع مطلقا‪ ،‬والجواز‬
‫مطلقا‪ ،‬والتفصيل بين أن يكون عملهم موافقا لمقتضاه فيجوز‪ ،‬وإل فل؛ لنه ل‬
‫يجوز ذهولهم عما كلفوا به‪ ،‬وإل لزم اجتماعهم على الخطأ‪ ،‬وهو ممتنع‪.‬‬
‫ـــــــ‬
‫‪ 1‬انظر الحكام للمدي ‪ ،1/279‬ومختصر ابن الحاجب ‪.2/43‬‬

‫) ‪(3/506‬‬

‫مسألة ]إذا أجمعوا على خلف الخبر[‬
‫إذا ذكر واحد من المجمعين خبرا عن الرسول عليه السلم‪ ،‬يشهد بضد الحكم‬
‫الذي انعقد عليه الجماع‪ ،‬قال ابن برهان في الوجيز"‪ :‬يجب عليه ترك العمل‬
‫بالحديث‪ ،‬والصرار على الجماع‪ ،‬وقال قوم من الصوليين‪ :‬بل يجب عليه‬
‫الرجوع إلى موجب الحديث‪ .‬وقال قوم‪ :‬إن ذلك يستحيل‪ ،‬وهو الصح من‬
‫المذاهب‪ .‬فإن الله تعالى عصم المة عن نسيان حديث في الحادثة‪ ،‬ولول ذلك‬
‫خرج الجماع عن أن يكون قطعيا‪.‬‬
‫وبناه في "الوسط" على الخلف في انقراض العصر‪ ،‬فمن قال‪ :‬ليس بشرط‬
‫منع الرجوع‪ ،‬ومن اشترط جوزه‪.‬‬

‫والجمهور على الول؛ لنه يتطرق إلى الحديث احتمالت من النسخ والتخصيص‬

‫ما ل يتطرق إلى الجماع‪ ،‬بل لو قطعنا بالجماع في صورة‪ ،‬ثم وجدنا على‬
‫خلفه نصا قاطعا من كتاب أو سنة متواترة‪ ،‬لكان الجماع أولى؛ لنه ل يقبل‬
‫النسخ بخلف النص‪ ،‬فإنه يقبله‪ .‬وفي مثل هذه الصورة يستدل بالجماع على‬
‫ناسخ بلغهم أو موجب لتركه‪ ،‬ولهذا قدم الشافعي الجماع على النص لما رتب‬
‫الدلة‪ .‬قلت‪ :‬وقال في موضع آخر‪ :‬الجماع أكثر من الخبر المنفرد‪ ،‬وعلى هذا‪،‬‬
‫فيجب على الراوي للخبر أن يترك العمل بمقتضى خبره‪ ،‬ويتمسك بالجماع‪،‬‬
‫وكذا قال المام في باب التراجيح من البرهان"‪ :‬إذا أجمعوا على خلف الخبر‬
‫تطرق الوهن إلى رواية الخبر؛ لنه إن كان آحادا فذاك‪ ،‬وإن كان متواترا‬
‫فالتعلق بالجماع؛ لنه معصوم‪ ،‬وأما الخبر فيتطرق إليه إمكان النسخ‪ ،‬فيحمل‬
‫الجماع على القطع؛ لنه ل ينعقد إل على قطع‪ ،‬ويحمل الخبر على مقتضى‬
‫النسخ استنادا وتبيانا‪ ،‬ل على طريق البناء‪ ،‬ثم نبه على أن الكلم في الجواز‪،‬‬
‫وقطع بأنه غير واقع‪ ،‬ثم قال‪ :‬من ضرورة الجماع على مناقضة النص المتواتر‬
‫أن يلهج أهل الجماع بكونه منسوخا‪ .‬قلت‪ :‬ويحتمل تقييد المسألة بانقراض‬
‫العصر‪ ،‬وإل فيمكن أن يتطرق عدم الحجية إليه برجوعهم عنه‪ ،‬ويحتمل خلفه؛‬
‫لن الصل عدم رجوعهم‪.‬‬

‫) ‪(3/507‬‬


‫مسألة ]إذا أجمعوا على خلف الخبر ثم رجعوا إلى الخبر[‬
‫فلو رجع أهل الجماع للخبر‪ ،‬فعملوا بمقتضاه‪ ،‬قال الغزالي‪ :‬كان ما أجمعوا‬
‫عليه حقا في ذلك الزمان‪ ،‬إذ لم يكلفوا بما لم يبلغوا‪ ،‬كما يكون الحكم‬
‫المنسوخ حقا قبل بلوغ الناسخ‪ ،‬ونوزع في ذلك بلزوم إجماعين متعارضين‪،‬‬
‫ينسخ أحدهما الخر‪ ،‬وهو محال‪ ،‬والظاهر الحكم بإحالة هذه الصورة؛ لنه يلزم‬
‫تخطئة أحد الجماعين‪ ،‬وهو محال‪.‬‬

‫) ‪(3/508‬‬

‫الفصل الثالث فيما ينعقد به الجماع‬
‫]الوفاق المعتبر في الجماع[‬
‫وله شروط‪:‬‬
‫الشرط الول ‪ :‬أن يوجد فيه قول الخاصة من أهل العلم فل اعتبار بقول‬
‫ل ل ل ل‬
‫م{ِ ]آل‬
‫العامة‪ ،‬وفاقا ول خلفا عند الكثرين‪ ،‬لقول الله تعالى‪} :‬ووأولو العمل م‬
‫عمران‪ [18 :‬وقال‪" :‬العلماء ورثة النبياء" ‪ ،1‬واحتج الروياني بما يروى أن أبا‬
‫طلحة النصاري خالف الصحابة وقال‪ :‬البرد ل يفطر الصائم؛ لنه ليس بطعام‬
‫ول شراب‪ .‬قال‪ :‬فردوا قوله‪ ،‬ولم يعتدوا بخلفه‪ .‬قال ابن دقيق العيد‪ :‬وهو‬
‫الصواب؛ لوجوب رد العوام إلى قول المجتهدين‪ ،‬وتحريم الفتوى منهم في‬

‫الدين‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬يعتبر قولهم؛ لن قول المة إنما كان حجة لعصمتها من الخطأ‪ ،‬فل يمتنع‬
‫أن تكون العصمة من صفات الهيئة الجتماعية من الخاصة والعامة‪ .‬وحينئذ ل‬
‫يلزم من ثبوت العصمة للكل ثبوتها للبعض‪.‬‬
‫وهذا القول حكاه ابن الصباغ‪ ،‬وابن برهان عن بعض المتكلمين‪ ،‬واختاره‬

‫المدي‪ ،‬ونقله المام‪ ،‬وابن السمعاني‪ ،‬والهندي عن القاضي أبي بكر‪ ،‬ونوزعوا‬
‫في ذلك بأن المذكور في مختصر "التقريب" التصريح بأنه ل يعتبر خلفهم ول‬
‫وفاقهم‪ ،‬وكاد أن يدعي الجماع فيه‪ ،‬وقال في موضع آخر في الكلم على‬
‫المرسل‪ :‬ل عبرة بقول العوام ل وفاقا ول خلفا‪ .‬ا هـ‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬فعلى هذا من تصرف إمام الحرمين‪ ،‬وعبارة التقريب‪ :‬قد بينا فيما‬
‫سلف أن الذي دل عليه السمع صحة إجماع جميع المة‪ ،‬وقد ثبت أن المة‬
‫عامة وخاصة‪ ،‬فيجب اعتبار دخول العامة والخاصة في الجماع‪ ،‬وليس للخاصة‬
‫إجماع على شيء يخرج منه العامة‪ .‬قال‪ :‬والعامة مجمعة على أن حكم الله ما‬
‫أجمعت عليه الخاصة‪ ،‬وإن لم يعرفه عيانا‪.‬‬
‫ـــــــ‬
‫)‪ (1‬حديث صحيح ‪ ,‬وسبق تخريجه ‪.‬‬

‫) ‪(3/509‬‬


‫فإن قيل ‪ :‬فإذا لم يكن العامة من أهل العلم بالدقائق والنظر‪ ،‬فل يكون لهم‬
‫مدخل في الجماع‪ ،‬ول بهم معتبر في الخلف؟ قلنا‪ :‬كذلك نقول‪ ،‬ويقول أكثر‬
‫الناس‪ .‬وإنما وجب سقوط العتبار بخلفهم لجماع سلف المة من أهل كل‬
‫عصر على أنه حرام على عامة أهل كل عصر من أعصار المسلمين مخالفة ما‬
‫اتفق عليه علماؤهم‪ ،‬فوجب أن ل يعتبر بخلف العامة لجل هذا الجماع السابق‬
‫على منعهم من ذلك‪.‬‬
‫وجواب آخر ‪ :‬أنه ل يجب ترك العتبار بهم؛ لنهم مسلمون‪ ،‬وبعض المة‪ ،‬بل‬
‫معظمها‪ ،‬فوجب العتبار بخلفهم‪ ،‬وثبت أن ما أجمع عليه العلماء عينا وتفصيل‬
‫إجماع العامة‪ ،‬وإن لم نعرفه عينا‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬فما يقولون‪ :‬لو صار عامة المة في بعض العصار إلى مخالفة إجماع‬
‫جميع العلماء وخطئهم؟ هل يكون إجماع العلماء حجة؟ قيل‪ :‬ل يكون قولهم‬
‫دون قول العامة إجماعا بجميع المة؛ لن العامة بعضهم‪ ،‬لكن العامة مخطئون‬
‫في مخالفتهم؛ لنهم ليسوا من أهل العلم بحكم الله‪ ،‬وأنه يحرم عليهم القول‬
‫في دين الله بل علم‪ ،‬وليس خطؤهم من جهة مخالفة الجماع‪ ،‬إذ هم بعض‬
‫المة‪.‬‬
‫وجواب آخر‪ :‬أنه ل يعتبر بخلف العامة‪ ،‬ول بدخولهم في الجماع‪ ،‬لجل ما‬
‫قدمناه من اتفاق سلف المة على تخطئة عامة أهل كل عصر في خلفهم على‬
‫علمائهم‪ ،‬فوجب سقوط العتبار بقول العامة‪.‬‬
‫هذا كلمه‪ ،‬وحاصله يرجع إلى إطلق السم بمعنى أن المجتهدين إذا أجمعوا‬
‫هل يصدق "أجمعت المة "‪ ،‬ويحكم به قول العوام فيهم تبعا؟ فالقاضي يقول‪:‬‬

‫ل يصدق اسم الجماع‪ ،‬وإن كان ذلك ل يقدح في حجيته‪ ،‬وهو خلف لفظي في‬
‫الحقيقة‪ ،‬وليس خلفا في أن مخالفتهم تقدح في قيام الجماع‪ ،‬ولهذا قال في‬
‫"مختصر التقريب" بعدما سبق‪ :‬فإن قال قائل‪ :‬فإذا أجمع علماء المة على‬
‫حكم من الحكام‪ ،‬فهل يطلقون القول بأن المة مجمعة عليه؟‬
‫قلنا ‪ :‬من الحكام ما يحصل فيه اتفاق الخاص والعام‪ ،‬كوجوب الصلة والزكاة‬
‫وغيرهما‪ .‬فما هذا سبيله يطلق القول بأن المة أجمعت عليه‪.‬‬
‫وأما ما أجمع عليه العلماء من أحكام الفروع التي تشتبه على العوام‪ ،‬فقد‬
‫اختلف أصحابنا في ذلك‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬العوام يدخلون في حكم الجماع‪ ،‬وذلك‬

‫أنهم وإن لم يعرفوا تفصيل الحكام‪ ،‬فقد عرفوا على الجملة أن ما أجمع عليه‬
‫علماء المة من تفاصيل الحكام فهو مقطوع به‪ ،‬فهذا مساهمة منهم في‬
‫الجماع‪ ،‬وإن لم يعلموا مواقعه‬

‫) ‪(3/510‬‬

‫على التفصيل‪.‬‬
‫ومن أصحابنا من زعم أنهم ل يكونون مساهمين في الجماع‪ ،‬فإنه إنما يتحقق‬
‫الجماع في التفاصيل بعد العلم بها‪ ،‬فإذا لم يكونوا عالمين بها فل يتحقق كونهم‬
‫من أهل الجماع‪ .‬واعلم أن هذا خلف مهول أمره‪ ،‬ويرجع إلى العبارة المحضة‪،‬‬
‫والحكم فيه أنا إن أدرجنا العوام في حكم الجماع المطلق‪ ،‬أطلقنا القول‬

‫بإجماع المة‪ ،‬وإن لم ندرجهم في حكم الجماع‪ ،‬أو بدر من بعض طوائف‬
‫العوام خلف‪ ،‬فل يطلق القول بإجماع المة‪ ،‬فإن العوام معظم المة‪ .‬ا هـ‪.‬‬
‫وما ذكره القاضي‪ ،‬وتابعه المتأخرون من رجوع الخلف إلى كونه‪ :‬هل يسمى‬
‫إجماعا أم ل مع التفاق على كونه حجة‪ ،‬مردود‪ ،‬ففي "المعتمد" لبي الحسين‬
‫ما لفظه‪ :‬اختلفوا في اعتبار قول العامة في المسائل الجتهادية‪ ،‬فقال قوم‪:‬‬
‫العامة وإن وجب عليها اتباع العلماء‪ ،‬فإن إجماع العلماء ل يكون حجة على أهل‬
‫العصر‪ ،‬حتى ل يسوغ مخالفتهم إل بأن يتبعهم العامة من أهل عصرهم‪ ،‬فإن لم‬
‫يتبعوهم لم يجب على أهل العصر الثاني من العلماء اتباعهم‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬بل‬
‫هو حجة اتبعهم علماء عصرهم أم ل‪ .‬انتهى ‪.1‬‬
‫وفي المسألة ثالث‪ :‬أنه يعتبر إجماعهم في العام دون الخاص‪ ،‬حكاه القاضي‬
‫عبد الوهاب ‪ ،2‬وابن السمعاني‪ ،‬وبهذا التفصيل يزول الشكال في المسألة‪،‬‬
‫وينبغي تنزيل إطلق المطلقين عليه‪.‬‬
‫وخص القاضي أبو بكر الخلف بالخاص‪ ،‬وقال ل يعتبر خلفهم في العام اتفاقا‪،‬‬
‫وجرى عليه الروياني في "البحر" فقال‪ :‬إن اختص بمعرفته العلماء كنصب‬
‫الزكوات وتحريم نكاح المرأة وعمتها وخالتها‪ ،‬لم يعتبر وفاق العامة معهم‪ ،‬وإن‬
‫اشترك في معرفته الخاصة والعامة كأعداد الركعات‪ ،‬وتحريم بنت البنت‪ ،‬فهل‬
‫يعتبر إجماع العوام معهم؟ فيه وجهان‪ ،‬أصحهما‪ :‬ل يعتبر؛ لن الجماع إنما يصح‬
‫عن نظر واجتهاد‪ .‬والثاني‪ :‬نعم؛ لشتراكهم في العلم به‪ .‬وقال سليم‪ :‬إجماع‬
‫الخاصة هل يحتاج معهم فيه إلى إجماع العامة؟ فيه وجهان‪ .‬الصحيح أنه ل‬
‫يحتاج إليهم‪.‬‬
‫ـــــــ‬
‫‪ 1‬انظر المعتمد ‪.2/482‬‬
‫‪ 2‬انظر شرح تنقيح الفصول ص‪.341 :‬‬

‫) ‪(3/511‬‬

‫]هل الخلف في هذه المسألة لفظي أم معنوي[‬
‫إذا علمت هذا فقد اختلفوا في أن الخلف لفظي أو معنوي وكلم القاضي‬
‫وغيره كما سبق أنه لفظي‪ ،‬وكلم الستاذ أبي إسحاق بخلفه‪ ،‬فإنه قال‪:‬‬
‫الجماع ضربان‪ :‬أحدهما‪ :‬ما اجتمع عليه الخاصة والعامة‪ ،‬كاتفاقهم على عدد‬

‫الصلوات‪ .‬قال‪ :‬واختلف أصحابنا فيمن وقع بهم العتبار‪ ،‬فقيل‪ :‬العتبار في‬
‫ثبوته بأهل المعرفة‪ .‬وقيل‪ :‬العتبار بالكافة‪ ،‬فيدخل فيه الخاصة والعامة‪.‬‬
‫قال‪ :‬وفائدة الخلف تتبين في الضرب الثاني من الجماع‪ ،‬وهو أن يجمع أهل‬
‫المعرفة والجتهاد على حكم الحادثة‪ ،‬كالنكاح‪ ،‬والعدة‪ ،‬والجمع بين الختين‬
‫بالزوجية‪ ،‬فمن قال‪ :‬إن العتبار في الضرب الول بأهل العلم كفر المخالف‬
‫بالنوعين‪ ،‬ومن قال‪ :‬إن العتبار فيه بالكافة لم يجعل المخالف في الضرب‬
‫الثاني كالمرتد وإن قطع بتخطئته‪ .‬ا هـ‪.‬‬
‫تنبيه ]اعتبار قول المقلد في الجماع[‬
‫حكم المقلد حكم العامي في ذلك‪ ،‬إذ ل واسطة بين المقلد والمجتهد‪ ،‬قاله‬
‫إمام الحرمين‪.‬‬

‫) ‪(3/512‬‬

‫مسألة ]إجماع العوام عند خلو الزمان من المجتهدين[‬
‫إجماع العوام عند خلو الزمان من المجتهد ل عبرة به؛ لنا إن لم نعتبرهم في‬
‫انعقاد الجماع‪ ،‬منعنا إمكان وقوع المسألة؛ لنه ل يجوز خلو الزمان عمن يقوم‬
‫بالحق‪ ،‬وإن اعتبرنا قولهم منعنا أن إجماعهم ليس إجماعا شرعيا‪.‬‬

‫) ‪(3/512‬‬

‫مسألة ]الذين يعتبر قولهم في الجماع[‬
‫يشترط في الجماع في كل فن من الفنون أن يكون فيه قول كل العارفين‬
‫بذلك في ذلك العصر‪ ،‬فإن قول غيرهم فيه يكون بل دليل بجهلهم به‪ ،‬فيشترط‬
‫في الجماع في المسألة الفقهية قول جميع الفقهاء‪ ،‬وفي الصول قول جميع‬
‫الصوليين‪ ،‬وفي النحو قول‬

‫) ‪(3/512‬‬

‫]هل لخلف الصولي في الفقه اعتبار؟[‬
‫وأما الصولي الماهر المتصرف في الفقه‪ ،‬ففي اعتبار خلفه في الفقه وجهان‪،‬‬
‫حكاهما الماوردي‪ .‬وذهب القاضي إلى أن خلفه معتبر‪ .‬قال المام‪ :‬وهو الحق‪،‬‬
‫وذهب معظم الصوليين منهم أبو الحسين بن القطان إلى أن خلفه ل يعتبر؛‬
‫لنه ليس من المفتين‪ ،‬ولو وقعت له واقعة للزمه أن يستفتي المفتي فيها‪ ،‬قال‬
‫إلكيا‪ :‬والحق قول الجمهور؛ لن من أحكم الصول‪ ،‬فهو مجتهد فيها‪ .‬ويقلد فيما‬
‫سنح له من الوقائع‪ ،‬والمقلد ل يعتد بخلفه‪،‬‬
‫واستبعد إمام الحرمين مذهب القاضي‪ .‬وقال‪ :‬إذا أجمع المفتون‪ ،‬وسكت‬
‫]الصوليون[ المتصرفون فيبعد أن يتوقف انعقاد الجماع على مراجعته‪ ،‬فإن‬
‫الذين ل يستقلون بأنفسهم في جواب مسألة‪ ،‬ويتعين عليهم تقليد غيرهم من‬
‫المحال وجوب مراجعتهم‪ ،‬وإن فرض أنهم أبدوا وجها في التصرف‪ ،‬فإن كان‬

‫سالفا فهو محمول على إرشادهم وتهديتهم إلى سواء السبيل‪ ،‬وإن أبدوا قولهم‬
‫إبداء من يزاحم الحكام‪ ،‬فالنكار يشتد عليهم‪.‬‬
‫قال‪ :‬والقول المغني في ذلك أنه ل قول لمن لم يبلغ مبلغ الجتهاد‪ ،‬وليس بين‬

‫) ‪(3/513‬‬

‫من يقلد ويقلد مرتبة ثالثة‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬والنظر السديد يتخطى كلم القاضي وعصره‪ ،‬ويترقى إلى العصر‬
‫المتقدم‪ ،‬ويفضي إلى مدرك الحق قبل ظهور الخلف‪.‬‬
‫والتحقيق ‪ -‬خالف القاضي أو وافق ‪ -‬أن المجتهدين إذا أطبقوا لم يعتد بخلف‬
‫المتصرفين مذهبا مختلفا به‪ ،‬فإن المذاهب لهل الفتوى‪ ،‬فإن بان أن‬
‫المتصرف الذي ذكروه من أهل الفتوى فسيأتي في بابه‪ ،‬والكلم الكافي في‬
‫ذلك أنه إن كان مفتيا اعتبر خلفه‪،‬‬
‫وقال الصيرفي في كتاب "الدلئل"‪ :‬إجماع العلماء ل مدخل لغيرهم فيه‪ ،‬سواء‬
‫المتكلم وغيره‪ ،‬وهم الذين تلقوا العلم من الصحابة‪ ،‬وإن اختلفت آراؤهم وهم‬
‫القائمون بعلم الفقه‪ ،‬فأما من انفرد بالكلم في الخبر والظفرة والداخلة‪ ،‬لم‬
‫يدخل في جملة العلماء‪ ،‬فل يعد خلفا على من ليس هو مثله‪ ،‬وإن كانوا حذاقا‬
‫بدقائق الكلم‪ ،‬كما ل يجعل الحاذق من النقاد حجة على البزاز في البز‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫) ‪(3/514‬‬

‫مسألة ]دخول المجتهد المبتدع في الجماع[‬
‫المجتهد المبتدع إذا كفرناه ببدعته ‪ ،1‬غير داخل في الجماع بل خلف؛ لعدم‬
‫دخوله في مسمى المة المشهود لهم بالعصمة‪ ،‬وإن لم يعلم هو كفر نفسه‪.‬‬
‫قال الهندي‪ :‬لكن ل يمكن الستدلل بإجماعنا على كفره بسبب ذلك العتقاد؛‬
‫لنه إنما ينعقد إجماعنا وحده على كفره لو ثبت كفره‪ ،‬فإثبات كفره بإجماعنا‬
‫وحده دور‪،‬‬
‫وأما إذا وافقنا هو على أن ما ذهب إليه كفر‪ ،‬فحينئذ يثبت كفره‪ ،‬ل لن قوله‬
‫معتبر في الجماع؛ لنه كافر‪ ،‬ول لجماعنا وحده لما سبق‪ ،‬بل؛ لنه لو لم يكن‬
‫ما ذهب إليه كفرا إذ ذاك لزم أن يكون مجموع المة على الخطأ‪ ،‬وأدلة الجماع‬
‫تنفيه‪.‬‬
‫ـــــــ‬
‫‪ 1‬انظر الحكام لبن حزم ‪ ،1/580‬اللمع ص‪ ،51 :‬المنخول ص‪.310 :‬‬

‫) ‪(3/514‬‬

‫]المذاهب في خلف المبتدع غير الكافر[‬
‫وأما إذا اعتقد ما ل يقتضي التكفير‪ ،‬بل التبديع والتضليل‪ ،‬فاختلفوا على‬
‫مذاهب‪:‬‬

‫أحدها ‪ :‬اعتبار قوله‪ ،‬لكونه من أهل الحل والعقد‪ ،‬وإخباره عن نفسه مقبول إذا‬
‫كان يعتقد تحريم الكذب‪ ،‬وقال الهندي‪ :‬إنه الصحيح‪ ،‬وكلم ابن السمعاني كما‬
‫سنذكره يقتضي أنه مذهب الشافعي؛ لنصه على قبول شهادة أهل الهوى‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬أنه ل يعتبر ‪ .‬قال الستاذ أبو منصور‪ :‬قال أهل السنة‪ :‬ل يعتبر في‬
‫الجماع وفاق القدرية‪ ،‬والخوارج‪ ،‬والرافضة‪ ،‬ول اعتبار بخلف هؤلء المبتدعة‬
‫في الفقه‪ ،‬وإن اعتبر في الكلم‪ ،‬هكذا روى أشهب عن مالك‪ ،‬ورواه العباس بن‬
‫الوليد عن الوزاعي وأبو سليمان الجوزجاني عن محمد بن الحسن‪ ،‬وذكر أبو‬
‫ثور في منثوراته أن ذلك قول أئمة أهل الحديث‪ .‬ا هـ‪.‬‬
‫وقال أبو بكر الصيرفي‪ :‬هل يقدح خلف الخوارج في الجماع؟ فيه قولن‪.‬‬
‫قال‪ :‬ول يخرج عن الجماع من كان من أهل العلم‪ ،‬وإن اختلفت بهم الهواء‬
‫كمن قال بالقدر من حملة الثار‪ ،‬ومن رأى الرجاء‪ ،‬وغير ذلك من اختلف آراء‬
‫أهل الكوفة والبصرة إذا كان من أهل الفقه‪ .‬فإذا قيل‪ :‬قالت الخطابية‬
‫والرافضة كذا‪ ،‬لم يلتفت إلى هؤلء في الفقه؛ لنهم ليسوا من أهله‪،‬‬
‫وقال ابن القطان‪ :‬الجماع عندنا إجماع أهل العلم‪ ،‬فأما من كان من أهل‬
‫الهواء‪ ،‬فل مدخل له فيه‪ .‬قال‪ :‬قال أصحابنا في الخوارج ل مدخل لهم في‬
‫الجماع والختلف؛ لنهم ليس لهم أصل ينقلون عنه؛ لنهم يكفرون سلفنا‬
‫الذين أخذنا عنهم أصل الدين‪ .‬انتهى‪ .‬وممن اختار أنه ل يعتد به من الحنفية أبو‬
‫بكر الرازي‪ ،‬ومن الحنابلة القاضي أبو يعلى واستقرأه من كلم أحمد لقوله‪ :‬ل‬
‫يشهد رجل عندي ليس هو عندي بعدل‪ ،‬وكيف أجوز حكمه قال القاضي‪ :‬يعني‬
‫الجهمي‪.‬‬
‫والثالث ‪ :‬أن الجماع ل ينعقد عليه‪ ،‬وينعقد على غيره‪ ،‬أي أنه يجوز له مخالفة‬
‫من عداه إلى ما أداه إليه اجتهاده‪ ،‬ول يجوز لحد أن يقلده‪ ،‬حكاه المدي وتابعه‬
‫المتأخرون‪ ،‬وأنكر عليه بعضهم‪ ،‬وقال‪ :‬أرى حكايته لغيره‪ .‬والظاهر أنه تفسير‬
‫للقولين المتقدمين‪ ،‬ومنع من بقائهما على إطلقهما؛ لوقوع مسألتين في بابي‬
‫الجتهاد‬

‫) ‪(3/515‬‬

‫والتقليد‪ ،‬تنفي ذلك‪ .‬إحداهما‪ :‬اتفاقهم على أن المجتهد بعد اجتهاده ممنوع من‬
‫التقليد‪ ،‬وأنه يجب عليه العمل بما أداه إليه اجتهاده‪ ،‬فالقول هنا بأنه يجب عليه‬
‫العمل بقول من خالفه معارض لذلك التفاق‪ .‬وثانيهما‪ :‬اتفاقهم على أنه يجوز‬
‫للمقلد أن يقلد من عرف بالعلم والعدالة‪ ،‬وأنه يحرم عليه تقليد من عرف بضد‬
‫ذلك‪ ،‬وإذا ثبت هذا استحال بقاء القولين في هذه المسألة على إطلقهما‪ ،‬وتبين‬
‫أن معنى قول من يقول‪ :‬ل ينعقد الجماع بدونه‪ ،‬يعني في حق نفسه‪ ،‬ومعنى‬
‫قول من يقول‪ :‬فينعقد‪ ،‬يعني على غيره‪ ،‬ويصير النزاع لفظا‪ ،‬وعلى هذا يجب‬
‫تأويل هذا القول‪ ،‬وإل فهو مشكل‪.‬‬
‫والرابع ‪ :‬التفصيل بين الداعية فل يعتد به‪ ،‬وبين غيره فيعتد به‪ ،‬حكاه ابن حزم‬
‫في كتاب "الحكام"‪ ،‬ونقله عن جماهير سلفهم من المحدثين‪ ،‬وقال‪ :‬وهو قول‬
‫فاسد؛ لن المراعى العقيدة ‪.1‬‬
‫واعلم أنه كثر في عبارة المصنفين خصوصا في علم الكلم أن يقولوا عن‬
‫الرافضة ونحوهم‪ :‬خلفا لمن ل يعتد بخلفه‪ ،‬وهذا ل ينبغي ذكره؛ لنه كالتناقض‬
‫من حيث ذكره‪ .‬وقال‪ :‬ل يعتد به‪ ،‬إل أن يكون قصدهم التشنيع عليهم بخلف‬

‫الجماع‪.‬‬
‫فرعان‬
‫أحدهما ‪ :‬إذا لم يعتد بخلف من كفرناه‪ .‬فلو أنهم أجمعوا حال تكفيره‪ ،‬ثم تاب‬
‫وأصر على ذلك الخلف‪ ،‬فهل يعتبر خلفه الن؟ فليبن على انقراض العصر‪.‬‬
‫وسنذكره‪ .‬الثاني‪ :‬أن بعض الفقهاء لو خالف الجماع الذي خالف فيه المبتدع‪،‬‬
‫فإن لم يعلم ببدعته‪ ،‬أو علمها لكنه لم يعلم أنها توجب الكفر‪ ،‬ويعتقد أنه ل‬
‫ينعقد الجماع بدونه‪ ،‬هل يكون معذورا أم ل؟‬
‫وقال الهندي‪ :‬إن لم يعلم بدعته فمعذور‪ ،‬إن كان مخطئا فيه حيث تكون موجبة‬
‫للتكفير؛ لنه غير مقصر‪ ،‬وإن علمها لكنه لم يعلم اقتضاءها التكفير‪ ،‬فغير‬
‫معذور‪ ،‬بل كان يلزمه مراجعة علماء الصول‪ ،‬وإن مثل هذا العتقاد هل يكفر‬
‫أم ل؟‬
‫ـــــــ‬
‫‪ 1‬انظر الحكام لبن حزم ‪.1/580‬‬

‫) ‪(3/516‬‬

‫مسألة ]العلماء المجتهدون الفسقة‪ ،‬هل يعتبر قولهم في الجماع؟[‬
‫في اعتبار الورع في أهل الجماع خلف‪ ،‬فالفسقة بالفعل دون العتقاد إذا‬
‫بلغوا في العلم مبلغ المجتهدين‪ ،‬هل يعتبر وفاقهم أو خلفهم؟ فيه وجهان‪،‬‬
‫حكاهما الستاذ أبو منصور‪ .‬وذهب معظم الصوليين كما قاله إمام الحرمين‬
‫وابن السمعاني أنه ل يعتد بخلفهم‪ ،‬وينعقد الجماع بدونهم‪ ،‬وقال الرازي من‬
‫الحنفية‪ :‬إنه الصحيح عندنا‪ .‬قال ابن برهان‪ :‬وهو قول كافة الفقهاء‬
‫والمتكلمين‪.‬‬
‫قال‪ :‬ونقل عن شرذمة من المتكلمين‪ ،‬منهم إمام الحرمين إلى أن خلفه معتد‬
‫به‪ .‬قلت‪ :‬وجزم به الشيخ أبو إسحاق الشيرازي‪ ،‬واختاره الغزالي في‬
‫"المنخول"؛ لن المعصية ل تزيل اسم اليمان‪ ،‬فيكون قول من عداهم قول‬
‫بعض المؤمنين ل كلهم‪ ،‬فل يكون حجة‪ ،‬وإليه مال إمام الحرمين‪.‬‬
‫واستشكل الول بأن المجتهد الفاسق ل يجوز له تقليد غيره‪ ،‬فانعقاد الجماع‬
‫في حقه مشكل‪ ،‬ول يمكن تجزئة الجماع‪ ،‬حتى يكون حجة في حق غيره‪ ،‬ول‬
‫يكون حجة في حقه‪ ،‬واستحسنه إلكيا‪ ،‬وقال‪ :‬المسألة محتملة‪ .‬واختلف‬
‫المانعون في تعليله على وجهين‪.‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أن إخباره عن نفسه ل يوثق به لفسقه‪ ،‬فربما أخبر بالوفاق وهو‬
‫مخالف أو بالخلف وهو موافق‪ ،‬فلما تعذر الوصول إلى معرفة قوله سقط‬
‫أثره‪ ،‬وشبه بعضهم ذلك بسقوط أثر قول الخضر عليه السلم على القول بأنه‬
‫حي؛ لتعذر الوصول إليه‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬أن العدالة ركن في الجتهاد‪ ،‬فإذا فاتت العدالة فاتت أهلية الجتهاد‪،‬‬
‫وعلى الثاني اقتصر ابن برهان في "الوسط"‪.‬‬
‫وفرعوا عليها ما إذا أدى الفاسق اجتهاده إلى حكم في مسألة‪ ،‬هل يأخذ بقوله‬
‫من علم صدقه في فتواه بقرائن؟‪ .‬وحكى ابن السمعاني عن بعض أصحابنا أن‬
‫المجتهد الفاسق يدخل في الجماع من وجه‪ ،‬ويخرج من وجه؛ لنه إذا ظهر‬
‫خلفه سئل عن دليله؛ لجواز أن يحمله فسقه على اعتقاد شرع بغير دليل‪ .‬قال‬

‫ابن السمعاني‪ :‬وهذا التقسيم ل بأس به وهو يقرب من مأخذ أهل العلم‪،‬‬
‫فليعول عليه‪ .‬ورأيت في كتاب‬

‫) ‪(3/517‬‬

‫الشيخ أبي إسحاق الشيرازي أن كل من كان من أهل الجتهاد سواء كان‬
‫مدرسا مشهورا أو خامل مستورا‪ ،‬وسواء كان عدل أمينا أو فاسقا متهتكا‪ ،‬يعتد‬
‫بخلفه؛ لن المعول في ذلك على الجتهاد والمستور كالمشهور‪ .‬قال‪:‬‬
‫والحسن هو الول‪ ،‬ثم قال ابن السمعاني‪ :‬وأما الفسق بتأويل فل يمنع من‬
‫اعتبار من يعتقد في الجماع والختلف‪،‬‬
‫وقد نص الشافعي ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬على قبول شهادة أهل الهواء‪ ،‬وهذا ينبغي أن‬
‫يكون في اعتقاد بدعة ل تؤدي إلى التكفير‪ ،‬فإن أدته فل يعتد بخلفه ول وفاقه‪.‬‬
‫وهذه هي المسألة المتقدمة في المبتدع‪.‬‬

‫) ‪(3/518‬‬

‫مسألة ‪ :‬هل يعتبر بخلف الظاهرية في الجماع‬
‫‪...‬‬
‫]هل يعتبر بخلف الظاهرية في الجماع[‬
‫ذهب قوم منهم القاضي أبو بكر‪ ،‬والستاذ أبو إسحاق السفراييني‪ ،‬ونسبه إلى‬
‫الجمهور أنه ل يعتد بخلف من أنكر القياس في الحوادث الشرعية‪ ،‬وتابعهم‬
‫إمام الحرمين‪ ،‬والغزالي‪ ،‬قالوا؛ لن من أنكره ل يعرف طرق الجتهاد‪ ،‬وإنما هو‬
‫متمسك بالظواهر‪ ،‬فهو كالعامي الذي ل معرفة له‪ ،‬وحكاه الستاذ أبو منصور‬
‫عن أبي علي بن أبي هريرة‪ ،‬وطائفة من أقرانه‪،‬‬
‫وقال الصفهاني شارح "المحصول"‪ :‬يلزم القائل بذلك أنه ل يعتبر خلف منكر‬
‫العموم‪ ،‬وخبر الواحد‪ ،‬ول ذاهب إليه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬نقل الستاذ عن ابن أبي هريرة ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬أنه طرد قوله في منكر‬
‫أخبار الحاد‪ ،‬ومن توقف في الظواهر والعموم‪ .‬قال‪ :‬لن الحكام الشرعية‬
‫تستنبط من هذه الصول‪ ،‬فمن أنكرها وتوقف فيها لم يكن من أهل الجتهاد‪،‬‬
‫فل يعتبر بخلفه‪ .‬قال النووي في باب السواك في "شرح مسلم"‪ :1‬إن مخالفة‬
‫داود ل تقدح في انعقاد الجماع على المختار الذي عليه الكثرون والمحققون‪،‬‬
‫وكذا قال صاحب "المفهم" جل الفقهاء والصوليين على أنه ل يعتد بخلفهم‪،‬‬
‫بل هم من جملة العوام‪ ،‬وإن من اعتد بهم فإنما ذلك؛ لن مذهبه أنه يعتبر‬
‫خلف العوام في انعقاد الجماع‪ ،‬والحق خلفه‪.‬‬
‫ـــــــ‬
‫)‪ (1‬انظر شرح مسلم للنووي )‪. (3/142‬‬

‫) ‪(3/518‬‬

‫وذكر غيره أنهم في الشرعيات كالسوفسطائية في العقليات‪ ،‬وكذا قال أبو بكر‬
‫الرازي من الحنفية‪ :‬ل يعتد بخلفهم‪ ،‬ول يؤنس بوفاقهم‪.‬‬
‫وقال القاضي عبد الوهاب في "الملخص"‪ :‬يعتبر كما يعتبر خلف من ينفي‬
‫المراسيل‪ ،‬ويمنع العموم ومن حمل المر على الوجوب؛ لن مدار الفقه على‬
‫هذه الطرق‪ ،‬ونقل ابن الصلح عن الستاذ أبي منصور أنه حكى عن ابن أبي‬
‫هريرة وغيره‪ ،‬أنهم ل يعتد بخلفهم في الفروع‪ ،‬ويعتد بخلفهم في الصول‪،‬‬
‫وقال إمام الحرمين‪ :‬المحققون ل يقيمون لخلف الظاهرية وزنا؛ لن معظم‬
‫الشريعة صادرة عن الجتهاد‪ ،‬ول تفي النصوص بعشر معشارها‪.‬‬
‫وقال في كتاب اللعان‪ :‬إن قول داود بإجزاء الرقبة المعيبة في الكفارة نقل‬
‫الشافعي ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪ -‬الجماع على خلفه‪ .‬قال‪ :‬وعندي أن الشافعي‬
‫لو عاصر داود لما عده من العلماء‪،‬‬
‫وقال البياري‪ :‬هذا غير صحيح عندنا على الطلق‪ ،‬بل إن كانت المسألة مما‬
‫تتعلق بالثار والتوقيف واللفظ اللغوي‪ ،‬ول مخالف للقياس فيها لم يصح أن‬
‫ينعقد الجماع بدونهم إل على رأي من يرى أن الجتهاد ل يتجزأ‪ .‬فإن قلنا‪:‬‬
‫بالتجزؤ‪ ،‬لم يمنع أن يقع النظر في فرع هم فيه محقون‪ ،‬كما نعتبر خلف‬
‫المتكلم في المسألة الكلمية؛ لن له فيه مدخل‪ ،‬كذلك أهل الظاهر في غير‬
‫المسائل القياسية يعتد بخلفهم‪.‬‬
‫وقال ابن الصلح‪ :‬الذي استقر عليه المر ما اختاره الستاذ أبو منصور‪ ،‬وحكاه‬
‫عن الجمهور‪ ،‬وأن الصحيح من المذهب العتداد بخلفهم‪ ،‬ولهذا يذكر الئمة من‬
‫أصحابنا خلفهم في الكتب الفرعية‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬والذي أجيب به بعد الستخارة‪ :‬أن داود يعتبر قوله‪ ،‬ويعتد به في‬
‫الجماع إل ما خالف القياس‪ ،‬وما أجمع عليه القياسيون من أنواعه أو بناه على‬
‫أصوله التي قام الدليل القاطع على بطلنها‪ ،‬فاتفاق من سواه على خلفه‬
‫إجماع ينعقد‪ ،‬فقول المخالف حينئذ خارج عن الجماع‪ ،‬كقوله في التغوط في‬
‫الماء الراكد ‪ ،1‬وتلك المسائل‬
‫ـــــــ‬
‫‪ 1‬يعني قول أهل الظاهر في مسألة التبول في الماء الراكد‪ ،‬فمن المعلوم أن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التبول فيه ثم يتوضأ منه‪ ،‬فاستمسكوا هم‬
‫بهذا اللفظ ظاهرا وقالوا‪ :‬يجوز لمن لم يتبول فيه أن يتوضأ منه أو يغتسل منه‬
‫ما لم يتغير أحد أوصافه‪ ،‬ويجوز لمن تبول في قارورة وألقاها فيه أن يتطهر منه‬
‫لنه لم يتبول فيه مباشرة‪ ،‬وقد عبر ابن حزم رحمه الله تعالى عن هذه المسألة‬
‫وفروعها في المحلى ‪ 1/141‬فقال‪ :‬مسألة‪ :‬وكل شيء مائع من ماء أو زيت أو‬
‫سمن أو لبن أو ماء ورد أو عسل أو مرق أو طيب أو غير ذلك‬
‫أي شيء كان‪ ،‬إذا وقعت فيه نجاسة أو شيء حرام يجب اجتنابه أو ميتة‪ ،‬فإن‬
‫غير ذلك لون ما وقع فيه أو طعمه أو ريحه فقد فسد كله وحرم أكله‪ ،‬ولم يجز‬
‫استعماله ول بيعه‪ ،‬فإن لم يغير شيئا