ƒΘáÑ⌐ ƒΘΩÑ∩ß σ∩ Ü¡φΘ ƒΘστ∞ 007

‫تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة‬
‫)اضغط هنا للنتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على النترنت(‬
‫الكتاب ‪ :‬البحر المحيط في أصول الفقه‬
‫المؤلف ‪ :‬بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي‬
‫)المتوفى ‪794 :‬هـ(‬
‫المحقق ‪ :‬محمد محمد تامر‬
‫الناشر ‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‬
‫الطبعة ‪ :‬الطبعة الولى‪1421 ،‬هـ ‪2000 /‬م‬
‫مصدر الكتاب ‪ :‬موقع مكتبة المدينة الرقمية‬
‫‪http://www.raqamiya.org‬‬
‫]ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي[‬
‫دللته على المطلوب فهو مخطئ وآثم وفاقا‪ ,‬وإن لم يكن مع العلم ولكن قدر‬
‫في البحث عنه فكذلك‪ ,‬وإن لم يقصر بل بالغ في الساتكشاف والبحث ولم‬
‫يعثر على وجه دللته على المطلوب فحكمه حكم ما إذا لم يجده مع الطلب‬
‫الشديد‪ ,‬وسايأتي‪.‬‬
‫وإن لم نجده فإن كان لتقصير في الطلب فهو مخطئ‪ ,‬وآثم‪ ,‬وإن لم يقصر بأن‬
‫بالغ في التنقيب عنه وأفرغ الوساع في طلبه ومع ذلك لم يجده‪ .‬فإن خفي عليه‬
‫الراوي الذي عنده النص‪ ,‬أو عرفه ولكن مات قبل وصوله إليه فهو غير آثم‬
‫قطعا‪ ,‬وهل هو مخطئ أم مصيب؟ على الخلف التي فيما ل نص فيه‪ ,‬وأولى‬
‫أن يكون مخطئا‪ .‬وأما التي ل نص فيها فإما أن يقال‪ :‬لله فيها قبل اجتهاد‬
‫المجتهد حكم معين‪ ,‬أو ل‪ ,‬بل حكمه تابع لجتهاد المجتهد‪ .‬فهذا الثاني قول من‬

‫قال‪ :‬كل مجتهد مصيب‪ ,‬وهو مذهب جمهور المتكلمين‪ ,‬كالشيخ أبي الحسن‬
‫الشعري والقاضي والغزالي والمعتزلة‪ ,‬كأبي الهذيل وأبي علي وأبي هاشم‬
‫وأتباعهم‪ ,‬ونقل عن الشافعي وأبي حنيفة‪ .‬والمشهور عنهما خلفه‪.‬‬
‫وهذا في أنه وإن لم يوجد في الواقعة حكم معين فهل وجد فيها ما لو حكم الله‬
‫فيها بحكم لما حكم إل به أو لم يوجد ذلك؟ والول‪ :‬هو القول بالشبه‪ ,‬وهو قول‬
‫كثير من المصريين وإليه صار أبو يوساف ومحمد بن الحسن وابن ساريج في‬
‫إحدى الروايتين عنه‪ .‬قال القاضي في "مختصر التقريب"‪ :‬ذهب بعضهم في‬
‫الشبه إلى أنه ليس هذا بل هو أولى طرق الشبه في المقاييس والعبر‪ ,‬ومثلوا‬
‫ذلك بإلحاق الرز بالبر بوصف الطعم أو القوت أو الكيل‪ ,‬وأحد هذه الوصاف‬
‫أشبه عند الله وأقرب في التمثيل‪.‬‬
‫وأما الثاني فقول المخلص من المصوبة‪.‬‬
‫وأما الول وهو أن لله في الواقعة حكما معينا‪ ,‬فإما أن يقال‪ :‬عليه دللة أو‬
‫أمارة فقط‪ ,‬أو ليس عليه دللة ول أمارة‪.‬‬
‫فأما "القول الول"‪ :‬وهو أن على الحكم دليل يفيد العلم فهو قول بشر‬
‫المريسي والصم وابن علية‪ ,‬وهؤلءا اتفقوا على أن المجتهد مأمور بطلبه‪ ,‬وأنه‬
‫إذا وجده فهو مصيب‪ ,‬وإذا أخطأه فهو مخطئ‪ ,‬ولكنهم اختلفوا في المخطئ‬
‫هل يأثم ويستحق العقاب؟ فذهب بشر إلى التأثيم وأنكره الباقون لخفاءا الدليل‬
‫وغموضه‪ .‬واختلفوا أيضا في أنه هل ينقض قضاءا القاضي فيه؟ فذهب الصم‬
‫إلى أنه ينقض‪ ,‬وخالفه الباقون‪.‬‬
‫وأما "القول الثاني"‪ :‬وهو أن على الحكم أمارة فقط فهو قول أكثر الفقهاءا‬


‫الئأمة الربعة وكثير من المتكلمين‪ ,‬وهؤلءا اختلفوا‪ ,‬فمن قائأل‪ :‬إن المجتهد غير‬
‫مكلف بإصابته لخفائأه وغموضه وإنما هو مكلف بما غلب على ظنه‪ ,‬فهو وإن‬
‫أخطأ – على‬

‫) ‪(4/540‬‬

‫تقدير عدم إصابته ‪ -‬لكنه معذور مأجور‪ ,‬وهو منسوب إلى الشافعي رحمه الله‬
‫تعالى‪.‬‬
‫وأما "القول الثالث"‪ :‬وهو أنه ل دللة عليه ول أمارة‪ ,‬فذهب إليه جمع من‬
‫المتكلمين وزعموا أن ذلك الحكم "كدفين"‪ ,‬قال القاضي في "مختصر‬
‫التقريب"‪ :‬واختلف هؤلءا فذهب بعضهم إلى أن العثور عليه ليس بواجب‪ ,‬وإنما‬
‫الواجب الجتهاد‪ .‬وذهب بعضهم إلى أن العثور عليه مما يجب على المكلف‬
‫وإن لم يكن عليه دليل‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬قال ابن فورك‪ :‬هذا الخلف مبني على إثبات القول بالقياس‪ ,‬فأما من‬
‫نفاه فل يختلفون أن الحق في واحد ل غير‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬مما يحتج به المصوبة حديث بعثة عليه الصلة والسلم السرية لسبي‬
‫بني قريظة‪ ,‬وقال‪" :‬ل تنزلوا حتى تأتوهم" فجاءات صلة العصر في أثناءا‬
‫الطريق فاختلفوا حينئذ‪ ,‬فمنهم من نزل فصلى العصر ثم توجه‪ ,‬ومنهم من‬
‫تمادى وحمل قوله "ل تنزلوا" على ظاهره‪ ,‬فلما عرضت القصة على النبي‬

‫صلى الله عليه وسالم لم يخطئ أحدا منهم ولم يؤثمه ‪ ,1‬وكذلك قوله عليه‬
‫الصلة والسلم‪ :‬لما اختلف الصديق والفاروق في أفضلية الوتر تقديما‬
‫وتأخيرا‪" :‬أصبتما" ‪ .2‬وكذا الحديث المشهور‪ :‬فكان منا الصائأم ومنا المفطر‪,‬‬
‫ولم يعب أحد على أحد ‪ ,3‬لنهم اختلفوا في أفضلية العزيمة على الرخصة‪ ,‬أو‬
‫العكس‪ ,‬ففضل كل جهة‪ ,‬واعتقد أنه أخذ بالفضل وصوب بعضهم بعضا مع‬
‫الختلف‪.‬‬
‫ويحتج للمخطئة بحديث "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران‪ ,‬وإن أخطأ فأجر"‬
‫‪ 4‬وبحديث "القضاة ثلثة"‪ 5‬لنه لو لم يكن هكذا لم يكن للتقسيم معنى‪,‬‬
‫ـــــــ‬
‫‪ 1‬سابق تخريجه وهو حديث صحيح‪.‬‬
‫‪ 2‬لم أجده‪.‬‬
‫‪ 3‬رواه مسلم في صحيحه "‪ "2/786‬كتاب الصيام جواز الصوم والفطر في‬
‫شهر رمضان للمسلفر حديث "‪ "1116‬عن أبي ساعيد الخدري قال‪ :‬كنا نغزو‬
‫مع رول الله صلى الله عليه وسالم في رمضان فمنا الصائأم ومنا المفطر فل‬
‫يجد الصائأم على المفطر ول المفطر على الصائأم يرون أن من وجد قوة فصام‬
‫فإن ذلك حسن ويرون أن من وجد ضعفا فأفطر فإن ذلك حسن‪.‬‬
‫‪ 4‬رواه البخاري كتال العتصام بالكتاب والسنة باب أجر الحاكم إذا اجتهد‬
‫فأصاب أو أخطأ حديث "‪ "7352‬ورواه مسلم كتاب القضية باب بيان أجر‬
‫الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ حديث "‪."1716‬‬
‫‪ 5‬رواه أبو داود "‪ "3/299‬كتاب القضية باب في القاضي يخطئ جديث "‬

‫‪ "3573‬والترمذي "‪ "1322‬وابن ماجة "‪ "2315‬عن بريدة بن الحصيب رضي‬
‫الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسالم قال‪" :‬القضاة ثلثة واحد في الجنة‬
‫واثنان في النار‪ :‬فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ورجل عرف‬

‫الحق فجار في الحكم فهو في النار‪ .‬ورجل قضى للناس على جهل فهو في‬
‫النار" وهو حديث صحيح‪.‬‬

‫) ‪(4/541‬‬

‫وبقوله عليه السلم لمير السرية‪" :‬وإن طلب منك أهل حصن النزول على‬
‫حكم الله فل تنزلهم على حكم الله‪ ,‬فإنك ل تدري‪ .‬أتصيب حكم الله فيهم أم‬
‫ل" ‪.1‬‬
‫الرابع ‪ :‬قد ساأل المصيصي الغزالي عن هذه المسألة فقال‪ :‬الصحيح عندي أن‬
‫الوقائأع الشرعية خمسة أقسام‪:‬‬
‫الول ‪ -‬ما فيه نص صريح‪ ,‬كأكل الضب على مائأدة الرساول عليه السلم ‪,2‬‬
‫فالمصيب في مثل هذه المسألة واحد‪ ,‬إذ النص واحد‪ ,‬وقد وضع الشرع إباحة‬
‫الضب‪ ,‬وعلى المجتهدين تعرف ما وضعه الشرع‪ ,‬فمن عرف فقد أصاب‪ ,‬ومن‬
‫أخطأ النص ولم يعثر عليه فقد أخطأ‪ ,‬أي أخطأ النص الذي كان مأمورا بطلبه‪,‬‬
‫ولو وجده للزمه الرجوع إليه‪ ,‬ويكون النص كالقبلة في حقه‪ ,‬والمصيب فيها‬
‫واحد‪ ,‬وله أجران‪ ,‬وللمخطئ أجر‪.‬‬

‫الثاني ‪ -‬ما ل نص فيه‪ ,‬ولكن يدل النص عليه‪ ,‬كسراية عتق المة‪ ,‬إذ ل نص فيها‬
‫ولكن يدل النص عليه‪ .‬وكذلك ما شهد له النص شهادة جلية بقياس جلي‪ ,‬فمن‬
‫أخطأ معنى النص كمن أخطأ عين النص‪ ,‬لن النص ثبت الحكم لمعناه ل‬
‫للفظه‪ .‬ومهما تعين المطلوب كان مصيبه واحدا‪ ,‬ول معنى لقوله‪" :‬أخطأ "إل‬
‫أنه أخطأ ما قصد الشرع منه أن يعثر عليه‪ ,‬وما لو عثر عليه وجب الرجوع إليه‬
‫عليه‪ .‬وهذا كالول‪.‬‬
‫الثالث ‪ -‬ما ل يتعرض له الشرع ل بلفظ يخصه ول يخص غيره ويسري إليه‪,‬‬
‫ولكن للخلق فيه أن حكم الله فيه هو الصلح للعباد فاطلبوه‪ .‬فهذا ينقسم إلى‬
‫ما هو أصلح للعباد‪ ,‬فكل ما علم الله أنه أصلح للعباد فالمصيب من أمر به‪,‬‬
‫ومن تعداه فهو مخطئ‪ ,‬لن الصلح قد تعين عند الله وصار مطلوبا‪ ,‬وكل من‬
‫طلب شيئا معينا فإما أنه يصيب وإما أن يخطئ فيتصور فيه الخطأ والصواب‪,‬‬
‫وكل ما تصور فيه ذلك فيميز المخطئ ل محالة في علم الله من المصيب‪.‬‬
‫ـــــــ‬
‫‪ 1‬الحديث رواه مسلم "‪ "3/1357‬كتاب الجهاد باب تأمير المراءا على اليعوث‬
‫حديث "‪ "1731‬وفيه "وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله‬
‫فل تجعل لهم ذمة الله ول ذمة نبيه ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك فإنكم‬
‫أن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رساوله‪,‬‬
‫وإذا جاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فل تنزلهم على‬
‫حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك فإنك ل تدري أتصيب حكم الله فيهم أم ل؟"‬
‫‪.‬‬

‫‪ 2‬سابق تخريجه وبيان أن الكل هو خالد رضي الله عنه وهو حديث صحبح‪.‬‬

‫) ‪(4/542‬‬

‫الرابع ‪ -‬ما ليس للشرع فيه حكم معين‪ ,‬ولكن قيل للمجتهدين‪ :‬اطلبوا الحكم‬
‫وترددوا بين رأيين‪ ,‬وكل واحد من الرأيين مساو للخر في الصلحا والفساد عند‬
‫الله تعالى وكل واحد من المجتهدين هاهنا مصيب‪.‬‬
‫وهذا يمكن وقوعه في الشرع‪ ,‬والعقل‪ :‬أما شرعا فكل حكم نيط باجتهاد‬
‫الولة‪ ,‬كتفرقة العطاءا على المسلمين والتسوية بينهم أو التفاوت‪ ,‬كما اختلف‬
‫فيه أبو بكر وعمر‪ ,‬إذ ليس فيه نص على عينه ول على مسألة قريبة منه يقال‪:‬‬
‫إنه في معناه‪ ,‬ولكن فيه إهمال لمصلحة تميز الفاضل من الفضول‪ ,‬وهو من‬
‫المصالح‪ ,‬وفي التفاوت إحدى المصلحتين دون الخرى‪ ,‬ومهما قوبل ما في‬
‫إحداهما من المضرة بما في إحداهما من المصلحة يجوز أن تترجح إحداهما‪,‬‬
‫ويجوز أن تتساويا في علم الله بالجبر والمقابلة‪ .‬وإذا تساويا في علم الله كان‬
‫كل واحد صوابا‪ .‬ولول هذا لرد المفضول في زمن عمر بعض ما أخذه في زمان‬
‫أبي بكر‪ .‬أو لمتنع الفاضل في زمن عمر من أخذ الزيادة‪ .‬وكلهم أجمعوا على‬
‫أخذ المالين وتقرير الحكمين‪ .‬فهذا منهم إجماع على أن كل مجتهد مصيب‪.‬‬
‫وكذلك تقدير العقوبة والنفقات‪ ,‬كما في شرب الخمر‪ ,‬إذ ل يبعد أن يكون في‬
‫الترقي إلى الثمانين مضرة من وجه ومصلحة من وجه‪ .‬وكذا القتصار على‬
‫الربعين‪ ,‬وهما عند الله متساويان بالجبر والمقابلة‪ .‬وكذا كل واقعة ل نص فيها‬

‫ول هي في معنى المنصوص‪.‬‬
‫الخامس ‪ -‬مسألة تدور بين نصين متعارضين‪ ,‬فحكم الله فيه الصلح إن كان‬
‫معقول المعنى‪ ,‬فيلحق بالقسم الرابع والثالث‪ .‬وحكم الله فيه الخذ بالشبه إذا‬
‫لم يكن معقول المعنى‪ .‬وقد يكون أحدهما عند الله أشبه‪ ,‬وقد تكون نسبته في‬
‫الشبه إلى الجانبين على التساوي في علم الله‪ .‬فهذا ممكن‪ ,‬وإذا أمكن فكل‬
‫واحد من القولين صواب ول مخطئ فيه‪ .‬إذ الخطأ والصواب يستدعي شيئا‬
‫معينا يعسر الوقوف عليه بالصواب‪ ,‬وعن الغفلة عنه بالخطأ‪ ,‬وهاهنا يتعين أحد‬
‫الجانبين على الخر فإذا إن كان التساوي في الصلحا أو الشبه ممكنا في علم‬
‫الله فقد صح ما قلناه‪ ,‬ومن أنكر هذا وإمكانه أثبت عليه بقواطع العقل‪ ,‬فإن‬
‫المباحات كلها إنما ساوى الشرع بين فعلها وتركها لتساويها عنده في صلحا‬
‫الخلق‪.‬‬
‫وكذلك ساائأر أحكام السياساات وجميع مسائأل تقابل الصلين يكاد يكون من هذا‬
‫الجنس‪ ,‬إذ قلما يكون فيها ترجيح‪ ,‬فإذا قضى قاض بتحليف أحد‪ ,‬وقضى آخر‬
‫بتحليف الخر فقد أصابا‪ ,‬بل أقول‪ :‬لو اساتوى عند قاض واحد المصلحة‬
‫والمضرة في‬

‫) ‪(4/543‬‬

‫أمرين‪ ,‬أو اساتوى عنده الشبه بالصلين أو الساتصحاب في مقابل الصلين‬
‫وامتنع الترجيح صار مخيرا كما في ساائأر المباحات‪.‬‬

‫فإذا من المسائأل ما يعلم أن المصيب فيها واحد‪ ,‬وهو كل ما يعلم أنه ل يخلو‬
‫عن حكم مذكور في زمان النبي صلى الله عليه وسالم‪ ,‬كالخيل مثل في أنه هل‬
‫يحل أكله‪ ,‬لنه مع كثرته في زمان الرساول يعلم أنه ما أغفله عن بيان حكمه‪,‬‬
‫فيقطع بأن المصيب واحد‪ .‬وإن لم يبلغنا فيه نص مثل‪ ,‬فهذا حكم المجتهدين‬
‫عند الله‪ ,‬فأما عندنا فل يطلع عليه في حق آحاد الشخاص وأعيان المسائأل‪.‬‬
‫ويدل على ذلك تشديد ابن عباس وعائأشة في بيع العينة واعتقادهم أن ذلك‬

‫مجاوزة لحكم ثابت بإجماع‪ .‬وإجماع الصحابة في زمان عمر على أخذ الفضل‬
‫يدل على وجود القسم الثاني‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫وقال ابن دقيق العيد في "شرحا العنوان"‪ :‬اختلفوا في كل مجتهد في الفروع‬
‫مصيب أم ل‪ ,‬وهو بناءا على أنه هل لله تعالى في الواقعة حكم معين أم ل‪,‬‬
‫ولنقدم عليه مقدمة وهي أن لله تعالى حكمين‪:‬‬
‫" أحدهما "‪ :‬مطلوب بالجتهاد ونصب عليه الدلئأل والمارات فإذا أصيب حصل‬
‫أمران أحدهما أجر الصابة‪ ,‬والخر أجر الجتهاد‪.‬‬
‫و " الثاني "‪ :‬وجوب العمل بما أدى إليه الجتهاد وهذا متفق عليه‪ .‬فمن ينظر‬
‫إلى هذا الحكم الثاني ولم ينظر في الول قال‪ :‬إن حكم الله على كل أحد ما‬
‫أدى إليه اجتهاده‪ .‬ومن نظر إلى الول قال‪ :‬المصيب واحد‪ .‬وكل القولين حق‬
‫من وجه دون وجه‪.‬‬
‫أما أحدهما فبالنظر إلى وجوب المصير إلى ما أدى إليه الجتهاد‪ .‬وأما الخر‬
‫فبالنظر إلى الحكم الذي في نفس المر المطلوب بالنظر‪.‬‬

‫واحتج القائألون بأن المصيب واحد بقوله عليه السلم‪" :‬إذا اجتهد الحاكم‬
‫وأصاب" ‪ 1‬لنه صرحا بالصابة والخطأ وهو يستلزم أمرا معينا‪ .‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫ن{َ ]النبياءا‪ [79 :‬وهذا القول منسوب إلى الئأمة الربعة خل‬
‫}فه ه‬
‫مهنا ه‬
‫ما ه‬
‫ها س‬
‫سال هي م ه‬
‫فهه م‬
‫أحمد بن حنبل‪.‬‬
‫وقال المتكلمون‪ :‬كل مجتهد مصيب‪.‬‬
‫قال‪ :‬ونحن قد بينا غور المسألة‪ ,‬وهو أنه إن أريد الصابة بالنسبة إلى الحكم‬
‫ـــــــ‬
‫‪ 1‬حديث صحيح سابق تخريجه قريبا‪.‬‬

‫) ‪(4/544‬‬

‫على كل إنسان بما أدى إليه اجتهاده فهو حق‪ ,‬وقد وافق الغزالي المتكلمين‬
‫وقال‪ :‬إن كان ثم تقصير فالخطأ واقع لتقصيره‪ ,‬ل لخطئه إصابة أمر معين‪,‬‬
‫وإن لم يكن ثم تقصير فل حكم في حقه ما لم يبلغه النص‪ ,‬واساتدل بمسألة‬

‫تحويل القبلة‪ ,‬فإن أهل قباءا بلغهم النص فأسارعوا في الصلة ولم يثبت الحكم‬
‫في حقهم إل بعد العلم بدليل عدم بطلن الصلة وكذلك المخابرة فإن ابن عمر‬
‫كان يخابر ول يرى بذلك بأساا حتى بلغه خبر رافع بن خديج بالنهي عنها ‪.1‬‬
‫انتهى‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬القائألون بأن المجتهد مكلف بما غلب على ظنه وإن أخطأ‪ ,‬قالوا بأنه‬
‫مأجور على الجتهاد وإن أخطأ‪ ,‬والمخطئ غير مأجور على الخطأ‪ ,‬وقال ابن‬
‫أبي هريرة‪ :‬المخطئ آثم‪ ,‬وقيل‪ :‬غير مأجور ول آثم‪ ,‬والصحيح أنه غير آثم بل‬
‫ح م‬
‫عململا{َ ]النبياءا‪ [79 :‬قال الحسن‬
‫كما ل وه ع‬
‫هو مأجور‪ ,‬لقوله تعالى‪} :‬وهك سلل ل آت هي مهنا س‬
‫البصري رحمه الله‪ :‬لول هذه الية لرأيت أن الحكام قد هلكوا‪.‬‬
‫ثم وعلى ماذا يؤجر؟ اختلفوا‪ ,‬فقال الماوردي‪ :‬مذهب الشافعي أنه مأجور‬
‫على الجتهاد وإن أخطأ فيه لقصده الصواب وإن لم يظفر به‪ ,‬إنما ل يؤجر على‬
‫الخطأ‪ ,‬لن الجر للترغيب في المثاب‪ ,‬ول ترغيب في الخطأ‪.‬‬
‫قال أبو إساحاق‪ :‬ويجوز أن يؤجر على قصده وإن كان الفعل خطأ‪ ,‬كما لو‬
‫اشترى رقبة فأعتقها تقربا إلى الله ثم وجدها حرة الصل بعد تلف ثمنها‪ ,‬وهو‬
‫مأجور وإن لم يصح شراؤه وعتقه لم يقع‪ ,‬لما أتى به من القصد إلى فك الرقبة‬

‫والتقرب إلى الله‪ .‬قال‪ :‬وقد نص الشافعي على هذا‪ .‬وأيضا ل بد للمجتهد أن‬

‫يعدل في اجتهاده عن طرق فاسادة فيفتح له فاسادها إلى طرق مستقيمة يظن‬
‫فيه الحق فعدوله عن تلك الطريقة الفاسادة اجتهاد صحيح فأثيب على ذلك‪.‬‬
‫قال أبو إساحاق‪ :‬وفيه وجه آخر أنه يؤجر على نيته وعلى نفس الجتهاد‪ ,‬ول‬
‫يؤجر على الحكم لخطئه فيه‪ .‬فأما اجتهاده بما بلغ فيه فصواب‪ ,‬وما بقي عليه‬
‫من اجتهاده إلى بلوغ معرفة الحق فهو معذور في تخلفه عنه‪ ,‬لن فهمه بلغ فيه‬
‫بعض طرقه ولم يبلغ به أقصى ما طلبه‪ ,‬وهو فيما إذا أتى به منه مأجور‬
‫ومصيب فيه‪ ,‬ومنزلته منزلة الحاج الذي أمر بقطع المسافة ليبلغ به إلى بيت‬
‫الله‪ ,‬فسلك بعض الطريق وضعف عن‬
‫ـــــــ‬
‫‪ 1‬الحديث البخاري كتاب المزارعة حديث "‪ "2344‬ورواه مسلم في كتاب‬
‫البيوع حديث "‪."1547‬‬

‫) ‪(4/545‬‬

‫باقيه وتلفت راحلته يؤجر على القدر الذي قصده‪ ,‬وعبر القفال عن هذا فقال‪:‬‬
‫ل يستحق الجر في قصده الخطأ الموضوع عنه‪ ,‬وإنما يستحق على إنشاءا‬
‫قصد الثواب‪ .‬ومثاله أن يقوم ليخرج إلى مكة‪ ,‬فأخطأ في وصف الطريق‬
‫وعدل إلى طريق آخر‪ ,‬فثوابه من ابتداءا قصده إلى موضع عدوله عن الخطأ‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهذا معنى قول الشافعي‪ :‬ل يؤجر على الخطأ‪ ,‬إنما ل يؤجر على قصد‬
‫الثواب‪ .‬وقد قال النبي عليه الصلة والسلم‪" :‬نية المؤمن خير من عمله" ‪.1‬‬
‫وله ثلث احتمالت‪:‬‬
‫أحدها ‪ -‬أن نيته في الجتهاد خير من خطئه في الجتهاد‪.‬‬
‫وثانيها ‪ -‬أن نيته خير من صواب عمله‪ .‬وثالثها ‪ -‬أن النية أوساع من العمل‪ ,‬لنها‬
‫تسبق القوال والفعال فتعجل عليها‪.‬‬
‫وقال القاضي أبو الطيب‪ :‬ما قاله أبو إساحاق أول أصح‪ ,‬لن ذلك الجتهاد هو‬
‫خلف الجتهاد الذي يصيب به الحق‪ ,‬لنه لو وصفه في صفته ورتبه على ترتيبه‬
‫لقضى به إلى الحق‪ ,‬فل يؤجر عليه ول على بعض أجزائأه‪.‬‬
‫وقال أبو عبد الله الطبري في "العدة"‪ :‬يثاب المخطئ على ماذا؟ فيه قولن‪:‬‬
‫" أحدهما " على الجتهاد‪ ,‬كرجلين سالكا الجامع من طريقين‪ ,‬قصد أحدهما‬
‫الطريق أثيب عليه وإن لم يصل إلى الجامع‪.‬‬
‫و" الثاني " على القصد‪ ,‬كرجلين رميا إلى كافر‪ ,‬فأصابه أحدهما دون الخر‬
‫يثاب المخطئ على القصد‪ .‬وحكاها الروياني في "البحر "عن بعض أصحابنا‬
‫بخراساان ثم قال‪ :‬وإطلق القولين خطأ على ما بينت‪.‬‬
‫وقال إمام الحرمين‪ :‬الذي ذهب إليه الئأمة أنه ل يؤجر على الخطأ‪ ,‬بل على‬
‫قصده الصواب‪ .‬وقيل‪ :‬بل على اساتداده في تقصي النظر‪ ,‬فإن المخطئ يستد‬
‫أول ثم يزول‪ ,‬قال‪ :‬والول أقرب‪ ,‬لن المخطئ قد يحيد في الول عن سانن‬
‫الصواب ثم هو مأجور بحكم الخبر لقصد الصواب وإن أخطأه‪.‬‬
‫وقال الرافعي في "الشرحا "ثم الجر على ماذا؟ فيه وجهان عن أبي إساحاق‬
‫ـــــــ‬
‫‪ 1‬رواه القضاعي في مسند الشهاب عن النواس بن سامعان "‪ "1/119‬برقم "‬
‫‪ "148‬وهو حدبث ضعيف كما قال الحافظ في الفتح في شرحا لحديث رقم "‬

‫‪ "1975‬ورواه الطبري في الكبير "‪ "6/158‬عن ساهل بن ساعيد الساعدي وهو‬
‫حديث ضعيف كما قال البيهقي والحافظ ابن حجر‪.‬‬

‫) ‪(4/546‬‬

‫المروزي‪:‬‬
‫" أحدهما " ‪ -‬وهو ظاهر النص واختيار المزني وأبي الطيب ‪ -‬أنه على القصد‬
‫إلى الصواب دون الجتهاد‪ ,‬لنه أفضى به إلى الخطأ فكأنه لم يسلك الطريق‬
‫المأمور به‪ .‬قلت‪ :‬حكاه المزني في كتاب "ذم التقليد "عن النص فقال‪ :‬قال‬
‫الشافعي في الحديث "إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر" ‪" :‬ل يؤجر على‬
‫الخطأ في الدين لم يؤمر به أحد‪ ,‬وإنما يؤجر لرادته الحق الذي أخطأه"‪ ,‬قال‬
‫المزني‪ :‬فقد ثبت الشافعي في هذا أن المخطئ أحدث في الدين ما لم يؤمر‬
‫به ولم يكلفه‪ ,‬وإنما أجره على نيته ل على خطئه‪ .‬انتهى‪ .‬وشبهه القفال في‬
‫الفتاوى برجلين رميا إلى كافر‪ ,‬فأخطأ أحدهما يؤجر على قصده الصابة‪,‬‬
‫بخلف الساعي إلى الجمعة إذا فاتته يؤجر على القصد وإن لم ينل ثواب‬
‫العمل‪.‬‬
‫و" الثاني " أنه يؤجر على القصد والجتهاد جميعا‪ ,‬لنه بذل وساعه في طلب‬
‫الحق والوقوف عليه‪ .‬وربما سالك الطريق في البتداءا ولم يتيسر له التمام‪.‬‬
‫قال ابن الرفعة‪ :‬وهذا مناساب إذا سالكه في البتداءا‪ .‬فإن حاد عنه في الول‬
‫تعين الوجه الول‪ .‬واساتدل القاضي الحسين بأنه لو كان القصد لوجب أن يكون‬
‫عشر أجر المصيب لقوله عليه السلم‪" :‬من هم بحسنة ولم يعملها كتبت له‬
‫حسنة‪ ,‬فإن عملها كتبت له عشر حسنات" ‪ .1‬قلت‪ :‬وقد جاءا ذلك مصرحا به‬
‫في مسند أحمد بن حنبل رحمه الله‪ .‬وقد سابق بيان حاله في مسألة الجتهاد‬
‫في زمانه‪.‬‬
‫قال الشافعي في الرساالة في الرجل يطأ أمته ثم تبين أنها أخته‪ :‬أما في الغيب‬
‫فلم تزل أخته أول وآخرا‪ .‬وأما في الظاهر فكانت له حلل ما لم يعلم‪ ,‬وعليه‬
‫حرام حين علم‪ .‬وقيل له‪ :‬إن غيرك يقول‪ :‬إنه لم يزل آثما بإصابتها ولكن الثم‬
‫مرفوع عنه‪.‬‬
‫ـــــــ‬
‫‪ 1‬رواه البخاري كتاب الرقاق باب من هم بجسنة أو بسيئة حديث "‪ "6491‬عن‬
‫ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسالم فيما يروي عن ربه‬
‫عز وجل قال‪ :‬قال‪" :‬إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك فمن هم‬
‫بحسنة فلم يفعملها كتب الله له عنده حسنة كاملة فإن هو هم بها فعنلها كتب‬
‫الله له عنده عشر حسنات إلى سابع مائأة ضعف إلى أضعاف كثيرة ومن هم‬
‫بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة‪ ,‬فإن هو هم بها فعملها كتبها الله‬
‫له سايئة واحدة" ورواه مسلم كتاب اليمان حديث "‪."131‬‬

‫) ‪(4/547‬‬

‫مسألة‬
‫نقل عن داود وأصحاب الظاهر أن كل من أفتى في حادثة بحكم يريد به‬

‫التقرب إلى الله فهو مصيب ساواءا كان مجتهدا أو لم يكن وهذا يزيد على‬
‫العنبري‪ ,‬لن ذاك صوب كل مجتهد في الصل‪ ,‬وهذا صوب في كل شيءا وإن‬
‫لم يكن مجتهدا بعدما بذل وساعه‪.‬‬
‫تنبيهات‪:‬‬
‫الول‪ :‬من صوب المجتهدين شرط في ذلك أن ل يكون مذهب الخصم مستندا‬
‫إلى دليل ينقض الحكم المستند إليه‪ ,‬قاله الشيخ عز الدين في قواعده"‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ولهذا لم يكن شرب الحنفي للنبيذ مباحا وإن قلنا بتصويبهم‪.‬‬
‫وقد أورد على القائألين به قولهم‪ :‬إنه ل حكم في النازلة معينا‪ ,‬فصار كمن‬
‫يقول‪ :‬ليس في البيت متاع‪ ,‬وكل من وجد فيه متاعا وجده‪ .‬وأجيب بأنه يعني‪:‬‬
‫ل حكم أي معينا فيها فيدرك قبل الطلب‪ ,‬كما يدرك بغير طلب من النص‬
‫الظاهر‪ ,‬بل فيها حكم لها ولغيرها يدركه المجتهد عند تصفح قوانين الشرع‬
‫الكلية‪ ,‬تلحق بها الجزيئات‪ ,‬ففي كل مسألة حكم معين على هذا الوجه قال‬
‫ن ه‬
‫يءْءا{َ ]النعام‪.[38 :‬‬
‫ب ع‬
‫تعالى‪ } :‬ه‬
‫ما فههرط مهنا عفي ال مك عهتا ع‬
‫ش م‬
‫م م‬
‫الثاني ‪ :‬قيل على أصول المصوبة‪ :‬إنا نقطع بالحكام‪ ,‬وإن المخطئة تظنها ظنا‪.‬‬
‫قال ابن المنير‪ :‬وهو عندي وهم على القوم‪ ,‬وذلك لن المصوبة تقول‪ :‬ل يكفيه‬
‫أي ظن كان‪ ,‬بل ل بد من اجتهاد وبذل وساع‪ .‬في تصحيح المقتضى وتحقيق‬
‫الشرط ورفع المعارضات‪ ,‬بحيث لو دخل بذلك لكان مخطئا آثما‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬قيل‪ :‬الدليل على أنه ليس كل مجتهد مصيبا قول من قال من‬
‫المجتهدين‪ :‬ليس كل مجتهد مصيبا‪ ,‬لنه إن أصاب فما قاله حق‪ ,‬وإن أخطأ فقد‬
‫نقض قوله فلم يكن كل مجتهد مصيبا‪ ,‬ولك في حل هذه الشبهة طرق‪:‬‬
‫إحداها ‪ -‬أن المسألة قطعية‪ ,‬كما صرحا به الصوليون والخلف في "أن‬
‫المصيب واحد "إنما هو في المسائأل الجتهادية‪ .‬أما المسائأل الصولية القطعية‬
‫فالمصيب فيها واحد قطعا‪.‬‬
‫الثانية ‪ -‬يلتزم أنه مصيب في قوله‪ :‬ليس كل مجتهد مصيبا ولكن لما قلت‪ :‬أنه‬

‫) ‪(4/548‬‬

‫يلزم من ذلك أن يكون الواقع في نفس المر‪ .‬ليس إل أنه ليس كل مجتهد‬
‫مصيبا‪ .‬وقولك أنه مصيب قلنا‪ :‬وكذلك خصمه أيضا مصيب‪ .‬بناءا على القول‬
‫المصوب بحكم الله في حق هذا أنه ليس كل مجتهد مصيبا‪ ,‬غير أنه في حق‬
‫خصمه أن كل مجتهد مصيب‪.‬‬
‫الرابع ‪ -‬سالمنا أن هذه المسألة من المسائأل الجتهادية الفقهية‪ ,‬لكن ما الذي‬
‫يعني القائأل بأن كل مجتهد مصيب؟ إما أن يعتقد بطلن قول القائأل بأن‬
‫المصيب واحد أو يعتقد صحته‪ .‬وإن عنيت بالباطل ما ل يكون مطابقا لما في‬
‫نفس المر‪ ,‬وبالصحة ما يكون مطابقا له فهو فاساد منا‪ ,‬لنه محل النزاع‪ ,‬كيف‬
‫وأن مذهب القائأل بتصويب الجميع أنه ل حكم له أصل‪ ,‬وإنما الحكام تابعة‬
‫لظنون المجتهدين‪ .‬وإن عنيت بالباطل والحق ما في ظن المجتهدين من غير‬
‫أن يكون في الواقعة حكم معين في نفس المر فجميع الحكام الجتهادية على‬
‫هذا التقدير حق وصواب‪ ,‬فإذا القول بتصويب الكل وعدمه حق وصواب‪ ,‬لنه‬
‫غالب على ظن تقييده‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬إن من فروع هذه المسألة اقتداءا الشافعي‪ ,‬كما قال إمام الحرمين‬
‫في النهاية "والصح فيه الصحة إل أن يتحقق إخلله بما يشترطه ويوجبه‪ ,‬لنا‬

‫نقطع بالمخالفة حينئذ‪ ,‬لحتمال أن يكون مذهبا راجحا عنده‪ .‬ولهذا قال‬
‫القاضي أبو الطيب‪ :‬ل يجوز للشافعي أن يفوض القضاءا إلى الحنفي في‬
‫مسألة يعتقد المفوض أن مذهب أبي حنيفة ]فيها[ غير صحيح‪ ,‬لنه يعين على‬
‫ما يعتقد تحريمه‪ .‬قال‪ :‬ولكن يجوز أن يفوض إليه الحكم فيها‪ ,‬لحتمال أن يتغير‬
‫اجتهاده فيوافق الشافعي‪ ,‬فل يكون المفوض عند التفويض معينا على ما يعتقد‬
‫منعه‪.‬‬
‫فروع‪:‬‬
‫الول‪ :‬قد راعى الشافعي وأصحابه خلف الخصم في مسائأل كثيرة‪ ,‬وهو إنما‬
‫يتمشى على القول بأن مدعي الصابة ل يقطع بخطأ مخالفه‪ ,‬وذلك لن‬
‫المجتهد لما كان يجوز خلف ما غلب على ظنه ونظر في متمسك خصمه فرأى‬
‫له موقعا راعاه على وجه ل يخل بما غلب على ظنه‪ ,‬وأكثره من باب الحتياط‬
‫والورع‪ ,‬وهذا من دقيق النظر والخذ بالحزم‪ .‬وقال القرطبي‪ :‬ولذلك راعى‬
‫مالك الخلف‪ ,‬قال‪ :‬وتوهم بعض أصحابه أنه يراعي صورة الخلف وهو جهل أو‬
‫عدم إنصاف‪ .‬وكيف هذا وهو لم يراع كل خلف وإنما راعى خلفا لشدة قوته‪.‬‬

‫) ‪(4/549‬‬

‫قلت‪ :‬وقد يراعي الشافعي الخلف المشدد على نفسه دون غيره‪ ,‬ولهذا لما‬
‫قرر القصر على مرحلتين قال‪ :‬فأما أنا فأحب أن ل أقصر في أقل من ثلثة‬
‫أيام احتياطا على نفسي‪.‬‬
‫قال القاضي أبو الطيب‪ :‬وهو كقوله‪ :‬إذا مرض المام أنه يصلي قاعدا والناس‬
‫قيام خلفه‪ .‬و ل أفضل له أن يستخلف من يصلي بهم حتى يخرج من الخلف‪.‬‬
‫وله نظائأر كثيرة‪.‬‬
‫على أن البياري اساتشكل اساتحباب الخروج من الخلف‪ ,‬فإن المة إذا اختلفت‬
‫على قولين بالتحريم والباحة فالقول بأن الترك متعلق بالثواب‪ ,‬والفعل جائأز‬
‫قول لم يقل به أحد‪ .‬نعم‪ ,‬الورع يليق به‪.‬‬
‫ثم اعلم أن عين الخلف ل ينتصب شبهة ول يراعى بل النظر إلى المأخذ‬
‫وقوته‪ .‬قال الروياني في باب الشهادات من البحر"‪ :‬لو كان الخلف بنفسه‬
‫ينتصب شبهة لساتوت المسألتان‪ ,‬يعني مسألة إيجاب الحد على الحنفي‬
‫بشرب النبيذ وشهادته‪ ,‬وإنما الشبهة في الدلئأل‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬لو كان الزوجان مجتهدين فخاطبها الزوج بلفظة نوى بها الكناية في‬
‫الطلق‪ ,‬ول نية‪ .‬وترى المرأة أنها صريحة فيه‪ ,‬فللزوج طلب الساتمتاع بها‪,‬‬
‫ولها المتناع منه‪ ,‬عمل مع كل منهما بمقتضى اجتهاده‪ ,‬وطريق قطع المنازعة‬
‫بينهما أن يراجعا مجتهدا آخر ليحكم بينهما بما يؤدي إليه اجتهاده‪ ,‬ساواءا قلنا‪:‬‬
‫المصيب واحد‪ ,‬أم كل مصيب‪ .‬فإن كانا مقلدين قلد من شاءا‪ ,‬فإن اختلفا يخير‬
‫إن اساتويا‪ ,‬وإل فيقلد العلم والورع‪ ,‬وإن كانت تتعلق بغيره عمل بما قلنا في‬
‫المجتهدين‪ .‬هكذا قال في المحصول وغيره‪.‬‬
‫وأما القاضي فذكر في مختصر التقريب "أن من القائألين بأن المصيب واحد‬
‫من صار في هذه الصورة إلى الوقف حتى يرفع المر إلى القاضي‪ .‬فعلى هذا‬
‫يكون حكم الله فيها هو الوقف ظاهرا وباطنا حتى يرفع أمرها إلى القاضي‬
‫فينزلها على اعتقاد نفسه‪ ,‬وهذا حكم الله حينئذ‪.‬‬
‫ومنهم من قال‪ :‬تسلم المرأة إلى الزوج الول‪ ,‬فإن نكحها نكاحا يعتقد صحته‬

‫وهو السابق به فل يبعد أن يكون هذا هو الحكم‪ .‬قال‪ :‬وهذه الصورة وأمثالها‬
‫من المجتهدات‪ ,‬وفيها تقابل الحتمالت‪ ,‬فيجتهد المجتهد فيها عندنا وما أدى‬
‫إليه اجتهاده فهو حق من وقف أو تقديم أو غيرهما من وجوه الجواب‪.‬‬

‫) ‪(4/550‬‬

‫الثالث ‪ :‬ول ينقض الجتهاد بالجتهاد ‪ .1‬وإل يؤدي إلى نقض النقض ويتسلسل‬
‫فتضطرب الحكام ول يوثق فيها‪ .‬فلو فرضنا أن المجتهد خالع امرأته وأداه‬
‫اجتهاده إلى أن الخلع فسخ وليس بطلق فتزوجها الرابعة بعد ذلك بمقتضى‬
‫هذا العتقاد من غير محلل ثم تغير اجتهاده وأداه إلى أنه طلق‪ ,‬فإن تغير بعد‬
‫قضاءا القاضي بمقتضى الجتهاد الول بصحة النكاحا لم ينقض بالجتهاد الثاني‬
‫بل يبقى على النكاحا‪ ,‬وإن تغير قبل القضاءا بالصحة وجب عليه مفارقتها‪ .‬لن‬
‫المصاحب الن قاض بان اجتهاده الول خطأ‪ ,‬فيعمل به‪ ,‬وليس هذا نقض‬
‫الجتهاد بالجتهاد‪ ,‬بل ترك العمل بالجتهاد الول‪.‬‬
‫هكذا ذكره في المستصفى" و"المحصول والمنهاج"‪ ,‬وقوله‪ .‬في الحاكم مبني‬
‫على أن حكمه ينفذ باطنا‪ ,‬وإل فل يلزم من فراقه إياها نقض حكم الحاكم‪ ,‬لن‬
‫هذا بالنسبة إلى أمره في خاصة نفسه‪.‬‬
‫ونقل الرافعي عن الغزالي أنه يلزمه تسريحها ولم يذكر هذا التفصيل ثم قال‪:‬‬
‫وأبدى ترددا فيما إذا فعل المقلد مثل ذلك ثم تغير اجتهاد مقلده‪ ,‬قال‪:‬‬
‫والصحيح أن الجواب كذلك لو تغير اجتهاد المقلد في الصلة فإنه يتحول‪ .‬وهذا‬
‫الذي قاله الغزالي نقله النووي عن الصيمري والخطيب البغدادي‪ ,‬قال‪ :‬ول‬
‫نعلم فيه خلفا لصحابنا‪.‬‬
‫هذا فيما إذا تغير اجتهاده في حق نفسه‪ ,‬فلو تغير في حق غيره كما لو أفتى‬
‫مقلده بصحة نكاحا المختلعة ثلثا ونكحها المقلد‪ ,‬عمل بقوله‪ ,‬ثم تغير اجتهاده‪,‬‬
‫قال في المحصول والحكام وتبعه البياري في شرحا البرهان"‪ :‬الصحيح أنه‬
‫يجب عليه تسريحها‪ ,‬كما في حق نفس المجتهد‪ ,‬بخلف قضاءا القاضي فإنه‬
‫متى اتصل بالحكم المجتهد فيه اساتقر ولم يكن له النقض عند تغير اجتهاده‪.‬‬
‫وقال صاحب المحصول"‪ :‬لو نكح رجل نكاحا في محل الجتهاد ثم اساتفتى‬
‫فأفتاه بالفساد‪ ,‬فهل تبين المرأة على الزوج لمجرد الفتوى؟ فيه وجهان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬نعم‪ ,‬والثاني‪ :‬ل حتى يقضي القاضي‪ ,‬قلت‪ :‬وحكاهما إمام الحرمين‬
‫في النهاية "في باب المتناع عن اليمين عن رواية صاحب التقريب"‪.‬‬
‫قال‪ :‬وذكر وجها ثالثا مفصل فقال‪ :‬إن صحح النكاحا قاض فالفتوى ل ترفعه‪,‬‬
‫وإن لم يتصل تصحيحه بقضاءا قاض ارتفع بالفتوى‪ .‬وحكاها الماوردي أيضا في‬
‫ـــــــ‬
‫‪ 1‬انظر الوسايط ص "‪ "555‬مختصر ابن الحاجب "‪ "2/300‬المستصفى "‬
‫‪."2/384‬‬

‫) ‪(4/551‬‬

‫باب عدد الشهود‪ ,‬قال‪ :‬وهذا إذا اعتمد في العقد الفتوى‪ ,‬فلو كان الحاكم‬
‫متوليه لم يرتفع إل بحكمه‪.‬‬

‫وخص الخلف بما إذا لم يكونا مجتهدين‪ ,‬فإن كان الزوجان مجتهدين واختلفا‬
‫فل يرتفع إل بحكم الحاكم‪ .‬وجزم ابن السمعاني بأن المفتي إذا أفتاه باجتهاده‬
‫ثم تغير اجتهاده ل يلزمه تعريف المستفتى بتغير اجتهاده إذا كان قد عمل به‪,‬‬
‫وإل فينبغي أن يعرفه إن تمكن منه‪ ,‬لن العامي إنما يعمل بدللة قوله‪ ,‬وقد‬
‫خرج عن ذلك‪ ,‬فينبغي أن يخبره عن قوله‪.‬‬
‫ولو قال مجتهد للمقلد ‪ -‬والصورة هذه ‪ :-‬أخطأ به من قلدته‪ ,‬فإن كان الذي‬
‫قلده أعلم فهو كما لو تغير اجتهاد مقلده‪ ,‬وإل فل أثر له‪ .‬قال النووي‪ :‬وهذا‬
‫ليس بشيءا‪ ,‬بل الوجه الجزم بأنه ل يلزمه شيءا ول أثر لقول الثاني‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬حيث كانت حجة الحكم قطعية فالمختار أن حكم الحاكم إذا وقع بخلفه‬
‫ينتقض‪ ,‬بخلف الظنية‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬في جميع الحكام‪ ,‬وعلى هذا قول من يجعل على الحاكم دليل قاطعا‪,‬‬
‫وبعض هؤلءا قال‪ :‬ل ينقض في شيءا من الحكام‪ .‬والمذهب أنه ل ينتقض في‬
‫الجتهاديات وإن قلنا‪ :‬المصيب واحد لعدم تعينه‪ ,‬ومنه ما لو حكم باجتهاده‬
‫لدليل أو أمارة ثم ظهر له أمارة تساوي الولى‪ .‬وكذا ما هو أرجح من الولى‪,‬‬
‫لكن ل ينتهي إلى ظهور النص‪ ,‬وإن كان لو قارن لوجب الحكم به‪ ,‬لن الرجحان‬
‫حاصل حال الحكم‪.‬‬
‫أما لو ظهر نص أو إجماع أو قياس جلي بخلفه نقض هو وغيره‪ ,‬لنه مقطوع‬
‫به‪ ,‬فلم ينقضه الظن وإنما نقض بالدليل القاطع على تقديم النص والقياس‬
‫الجلي على الجتهاد‪ ,‬فهو آمر لو قارن العلم به لوجب تقديمه قطعا‪ ,‬فكذلك‬
‫نقض به‪ ,‬قال ابن الرفعة وكلم الشافعي في الم مصرحا بأن مراده بالنص‬
‫الذي ينتقض به قضاءا القاضي إذا خالفه هو الظاهر‪.‬‬
‫خاتمة‬
‫مضى الكلم على الخلف في العقائأد وأصول الفقه‪ ,‬وهكذا اختلف القراءا‬
‫والمختار أن الكل مصيب‪ ,‬لصحة الكل عن النبي عليه الصلة والسلم‪,‬‬
‫وخلفهم إنما هو في الختيار‪ ,‬ومن قرأ عن إمام ل يمنع القراءاة الخرى‪ .‬وممن‬
‫صرحا بأن الحق في القراءاات كلها ابن فورك في كتابه في الصول‪ .‬قال‪:‬‬
‫وليست كالحكام لنها غير‬

‫) ‪(4/552‬‬

‫متضادة‪ ,‬وأحكام القراءاات ل يجوز ورود العبارة بها معا في زمن واحد‪ .‬ونظير‬
‫ه‬
‫ب‬
‫ن{َ ]التكوير‪} [24:‬وه ه‬
‫قراءاة }وه ه‬
‫ما هسوه ع ههلى ال مغهي م ع‬
‫ما هسوه ع ههلى ال مغهي م ع‬
‫ب ب عظعني ءْ‬
‫ن{َ ‪ .‬نظير من قال‪ :‬هو حلل‪ ,‬وقال الخر‪ :‬هو مثله‪ ,‬ل نظير من قال‪ :‬هو‬
‫بع ه‬
‫ضعني ءْ‬
‫حلل‪ ,‬وقال الخر‪ :‬هو حرام‪.‬‬

‫) ‪(4/553‬‬

‫التقليد‬
‫التقليد‬
‫‪...‬‬
‫التقليد‬

‫مأخوذ من القلدة التي يقلد غيره بها‪ ,‬ومنه‪ :‬قلدت الهدي‪ :‬فكأن الحكم في‬
‫تلك الحادثة قد جعل كالقلدة في عنق من قلد فيه‪.‬‬
‫واختلفوا في حقيقته ‪ ,1‬هل هو قبول قول القائأل وأنت ل تعلم من أين قاله؟‪,‬‬
‫أي من كتاب أو سانة أو قياس‪ .‬أو قبول القول من غير حجة تظهر على قوله؟‬
‫وجزم القفال في "شرحا التلخيص" بالول‪ ,‬والشيخ أبو حامد في تعليقه‬
‫"والساتاذ أبو منصور بالثاني‪ ,‬وعليه ابن الحاجب وغيره‪ .‬وتنبني علي