ƒΘáÑ⌐ ƒΘΩÑ∩ß σ∩ Ü¡φΘ ƒΘστ∞ 007
تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة
)اضغط هنا للنتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على النترنت(
الكتاب :البحر المحيط في أصول الفقه
المؤلف :بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي
)المتوفى 794 :هـ(
المحقق :محمد محمد تامر
الناشر :دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان
الطبعة :الطبعة الولى1421 ،هـ 2000 /م
مصدر الكتاب :موقع مكتبة المدينة الرقمية
http://www.raqamiya.org
]ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي[
دللته على المطلوب فهو مخطئ وآثم وفاقا ,وإن لم يكن مع العلم ولكن قدر
في البحث عنه فكذلك ,وإن لم يقصر بل بالغ في الساتكشاف والبحث ولم
يعثر على وجه دللته على المطلوب فحكمه حكم ما إذا لم يجده مع الطلب
الشديد ,وسايأتي.
وإن لم نجده فإن كان لتقصير في الطلب فهو مخطئ ,وآثم ,وإن لم يقصر بأن
بالغ في التنقيب عنه وأفرغ الوساع في طلبه ومع ذلك لم يجده .فإن خفي عليه
الراوي الذي عنده النص ,أو عرفه ولكن مات قبل وصوله إليه فهو غير آثم
قطعا ,وهل هو مخطئ أم مصيب؟ على الخلف التي فيما ل نص فيه ,وأولى
أن يكون مخطئا .وأما التي ل نص فيها فإما أن يقال :لله فيها قبل اجتهاد
المجتهد حكم معين ,أو ل ,بل حكمه تابع لجتهاد المجتهد .فهذا الثاني قول من
قال :كل مجتهد مصيب ,وهو مذهب جمهور المتكلمين ,كالشيخ أبي الحسن
الشعري والقاضي والغزالي والمعتزلة ,كأبي الهذيل وأبي علي وأبي هاشم
وأتباعهم ,ونقل عن الشافعي وأبي حنيفة .والمشهور عنهما خلفه.
وهذا في أنه وإن لم يوجد في الواقعة حكم معين فهل وجد فيها ما لو حكم الله
فيها بحكم لما حكم إل به أو لم يوجد ذلك؟ والول :هو القول بالشبه ,وهو قول
كثير من المصريين وإليه صار أبو يوساف ومحمد بن الحسن وابن ساريج في
إحدى الروايتين عنه .قال القاضي في "مختصر التقريب" :ذهب بعضهم في
الشبه إلى أنه ليس هذا بل هو أولى طرق الشبه في المقاييس والعبر ,ومثلوا
ذلك بإلحاق الرز بالبر بوصف الطعم أو القوت أو الكيل ,وأحد هذه الوصاف
أشبه عند الله وأقرب في التمثيل.
وأما الثاني فقول المخلص من المصوبة.
وأما الول وهو أن لله في الواقعة حكما معينا ,فإما أن يقال :عليه دللة أو
أمارة فقط ,أو ليس عليه دللة ول أمارة.
فأما "القول الول" :وهو أن على الحكم دليل يفيد العلم فهو قول بشر
المريسي والصم وابن علية ,وهؤلءا اتفقوا على أن المجتهد مأمور بطلبه ,وأنه
إذا وجده فهو مصيب ,وإذا أخطأه فهو مخطئ ,ولكنهم اختلفوا في المخطئ
هل يأثم ويستحق العقاب؟ فذهب بشر إلى التأثيم وأنكره الباقون لخفاءا الدليل
وغموضه .واختلفوا أيضا في أنه هل ينقض قضاءا القاضي فيه؟ فذهب الصم
إلى أنه ينقض ,وخالفه الباقون.
وأما "القول الثاني" :وهو أن على الحكم أمارة فقط فهو قول أكثر الفقهاءا
الئأمة الربعة وكثير من المتكلمين ,وهؤلءا اختلفوا ,فمن قائأل :إن المجتهد غير
مكلف بإصابته لخفائأه وغموضه وإنما هو مكلف بما غلب على ظنه ,فهو وإن
أخطأ – على
) (4/540
تقدير عدم إصابته -لكنه معذور مأجور ,وهو منسوب إلى الشافعي رحمه الله
تعالى.
وأما "القول الثالث" :وهو أنه ل دللة عليه ول أمارة ,فذهب إليه جمع من
المتكلمين وزعموا أن ذلك الحكم "كدفين" ,قال القاضي في "مختصر
التقريب" :واختلف هؤلءا فذهب بعضهم إلى أن العثور عليه ليس بواجب ,وإنما
الواجب الجتهاد .وذهب بعضهم إلى أن العثور عليه مما يجب على المكلف
وإن لم يكن عليه دليل.
الثاني :قال ابن فورك :هذا الخلف مبني على إثبات القول بالقياس ,فأما من
نفاه فل يختلفون أن الحق في واحد ل غير.
الثالث :مما يحتج به المصوبة حديث بعثة عليه الصلة والسلم السرية لسبي
بني قريظة ,وقال" :ل تنزلوا حتى تأتوهم" فجاءات صلة العصر في أثناءا
الطريق فاختلفوا حينئذ ,فمنهم من نزل فصلى العصر ثم توجه ,ومنهم من
تمادى وحمل قوله "ل تنزلوا" على ظاهره ,فلما عرضت القصة على النبي
صلى الله عليه وسالم لم يخطئ أحدا منهم ولم يؤثمه ,1وكذلك قوله عليه
الصلة والسلم :لما اختلف الصديق والفاروق في أفضلية الوتر تقديما
وتأخيرا" :أصبتما" .2وكذا الحديث المشهور :فكان منا الصائأم ومنا المفطر,
ولم يعب أحد على أحد ,3لنهم اختلفوا في أفضلية العزيمة على الرخصة ,أو
العكس ,ففضل كل جهة ,واعتقد أنه أخذ بالفضل وصوب بعضهم بعضا مع
الختلف.
ويحتج للمخطئة بحديث "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران ,وإن أخطأ فأجر"
4وبحديث "القضاة ثلثة" 5لنه لو لم يكن هكذا لم يكن للتقسيم معنى,
ـــــــ
1سابق تخريجه وهو حديث صحيح.
2لم أجده.
3رواه مسلم في صحيحه " "2/786كتاب الصيام جواز الصوم والفطر في
شهر رمضان للمسلفر حديث " "1116عن أبي ساعيد الخدري قال :كنا نغزو
مع رول الله صلى الله عليه وسالم في رمضان فمنا الصائأم ومنا المفطر فل
يجد الصائأم على المفطر ول المفطر على الصائأم يرون أن من وجد قوة فصام
فإن ذلك حسن ويرون أن من وجد ضعفا فأفطر فإن ذلك حسن.
4رواه البخاري كتال العتصام بالكتاب والسنة باب أجر الحاكم إذا اجتهد
فأصاب أو أخطأ حديث " "7352ورواه مسلم كتاب القضية باب بيان أجر
الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ حديث "."1716
5رواه أبو داود " "3/299كتاب القضية باب في القاضي يخطئ جديث "
"3573والترمذي " "1322وابن ماجة " "2315عن بريدة بن الحصيب رضي
الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسالم قال" :القضاة ثلثة واحد في الجنة
واثنان في النار :فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ورجل عرف
الحق فجار في الحكم فهو في النار .ورجل قضى للناس على جهل فهو في
النار" وهو حديث صحيح.
) (4/541
وبقوله عليه السلم لمير السرية" :وإن طلب منك أهل حصن النزول على
حكم الله فل تنزلهم على حكم الله ,فإنك ل تدري .أتصيب حكم الله فيهم أم
ل" .1
الرابع :قد ساأل المصيصي الغزالي عن هذه المسألة فقال :الصحيح عندي أن
الوقائأع الشرعية خمسة أقسام:
الول -ما فيه نص صريح ,كأكل الضب على مائأدة الرساول عليه السلم ,2
فالمصيب في مثل هذه المسألة واحد ,إذ النص واحد ,وقد وضع الشرع إباحة
الضب ,وعلى المجتهدين تعرف ما وضعه الشرع ,فمن عرف فقد أصاب ,ومن
أخطأ النص ولم يعثر عليه فقد أخطأ ,أي أخطأ النص الذي كان مأمورا بطلبه,
ولو وجده للزمه الرجوع إليه ,ويكون النص كالقبلة في حقه ,والمصيب فيها
واحد ,وله أجران ,وللمخطئ أجر.
الثاني -ما ل نص فيه ,ولكن يدل النص عليه ,كسراية عتق المة ,إذ ل نص فيها
ولكن يدل النص عليه .وكذلك ما شهد له النص شهادة جلية بقياس جلي ,فمن
أخطأ معنى النص كمن أخطأ عين النص ,لن النص ثبت الحكم لمعناه ل
للفظه .ومهما تعين المطلوب كان مصيبه واحدا ,ول معنى لقوله" :أخطأ "إل
أنه أخطأ ما قصد الشرع منه أن يعثر عليه ,وما لو عثر عليه وجب الرجوع إليه
عليه .وهذا كالول.
الثالث -ما ل يتعرض له الشرع ل بلفظ يخصه ول يخص غيره ويسري إليه,
ولكن للخلق فيه أن حكم الله فيه هو الصلح للعباد فاطلبوه .فهذا ينقسم إلى
ما هو أصلح للعباد ,فكل ما علم الله أنه أصلح للعباد فالمصيب من أمر به,
ومن تعداه فهو مخطئ ,لن الصلح قد تعين عند الله وصار مطلوبا ,وكل من
طلب شيئا معينا فإما أنه يصيب وإما أن يخطئ فيتصور فيه الخطأ والصواب,
وكل ما تصور فيه ذلك فيميز المخطئ ل محالة في علم الله من المصيب.
ـــــــ
1الحديث رواه مسلم " "3/1357كتاب الجهاد باب تأمير المراءا على اليعوث
حديث " "1731وفيه "وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله
فل تجعل لهم ذمة الله ول ذمة نبيه ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك فإنكم
أن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رساوله,
وإذا جاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فل تنزلهم على
حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك فإنك ل تدري أتصيب حكم الله فيهم أم ل؟"
.
2سابق تخريجه وبيان أن الكل هو خالد رضي الله عنه وهو حديث صحبح.
) (4/542
الرابع -ما ليس للشرع فيه حكم معين ,ولكن قيل للمجتهدين :اطلبوا الحكم
وترددوا بين رأيين ,وكل واحد من الرأيين مساو للخر في الصلحا والفساد عند
الله تعالى وكل واحد من المجتهدين هاهنا مصيب.
وهذا يمكن وقوعه في الشرع ,والعقل :أما شرعا فكل حكم نيط باجتهاد
الولة ,كتفرقة العطاءا على المسلمين والتسوية بينهم أو التفاوت ,كما اختلف
فيه أبو بكر وعمر ,إذ ليس فيه نص على عينه ول على مسألة قريبة منه يقال:
إنه في معناه ,ولكن فيه إهمال لمصلحة تميز الفاضل من الفضول ,وهو من
المصالح ,وفي التفاوت إحدى المصلحتين دون الخرى ,ومهما قوبل ما في
إحداهما من المضرة بما في إحداهما من المصلحة يجوز أن تترجح إحداهما,
ويجوز أن تتساويا في علم الله بالجبر والمقابلة .وإذا تساويا في علم الله كان
كل واحد صوابا .ولول هذا لرد المفضول في زمن عمر بعض ما أخذه في زمان
أبي بكر .أو لمتنع الفاضل في زمن عمر من أخذ الزيادة .وكلهم أجمعوا على
أخذ المالين وتقرير الحكمين .فهذا منهم إجماع على أن كل مجتهد مصيب.
وكذلك تقدير العقوبة والنفقات ,كما في شرب الخمر ,إذ ل يبعد أن يكون في
الترقي إلى الثمانين مضرة من وجه ومصلحة من وجه .وكذا القتصار على
الربعين ,وهما عند الله متساويان بالجبر والمقابلة .وكذا كل واقعة ل نص فيها
ول هي في معنى المنصوص.
الخامس -مسألة تدور بين نصين متعارضين ,فحكم الله فيه الصلح إن كان
معقول المعنى ,فيلحق بالقسم الرابع والثالث .وحكم الله فيه الخذ بالشبه إذا
لم يكن معقول المعنى .وقد يكون أحدهما عند الله أشبه ,وقد تكون نسبته في
الشبه إلى الجانبين على التساوي في علم الله .فهذا ممكن ,وإذا أمكن فكل
واحد من القولين صواب ول مخطئ فيه .إذ الخطأ والصواب يستدعي شيئا
معينا يعسر الوقوف عليه بالصواب ,وعن الغفلة عنه بالخطأ ,وهاهنا يتعين أحد
الجانبين على الخر فإذا إن كان التساوي في الصلحا أو الشبه ممكنا في علم
الله فقد صح ما قلناه ,ومن أنكر هذا وإمكانه أثبت عليه بقواطع العقل ,فإن
المباحات كلها إنما ساوى الشرع بين فعلها وتركها لتساويها عنده في صلحا
الخلق.
وكذلك ساائأر أحكام السياساات وجميع مسائأل تقابل الصلين يكاد يكون من هذا
الجنس ,إذ قلما يكون فيها ترجيح ,فإذا قضى قاض بتحليف أحد ,وقضى آخر
بتحليف الخر فقد أصابا ,بل أقول :لو اساتوى عند قاض واحد المصلحة
والمضرة في
) (4/543
أمرين ,أو اساتوى عنده الشبه بالصلين أو الساتصحاب في مقابل الصلين
وامتنع الترجيح صار مخيرا كما في ساائأر المباحات.
فإذا من المسائأل ما يعلم أن المصيب فيها واحد ,وهو كل ما يعلم أنه ل يخلو
عن حكم مذكور في زمان النبي صلى الله عليه وسالم ,كالخيل مثل في أنه هل
يحل أكله ,لنه مع كثرته في زمان الرساول يعلم أنه ما أغفله عن بيان حكمه,
فيقطع بأن المصيب واحد .وإن لم يبلغنا فيه نص مثل ,فهذا حكم المجتهدين
عند الله ,فأما عندنا فل يطلع عليه في حق آحاد الشخاص وأعيان المسائأل.
ويدل على ذلك تشديد ابن عباس وعائأشة في بيع العينة واعتقادهم أن ذلك
مجاوزة لحكم ثابت بإجماع .وإجماع الصحابة في زمان عمر على أخذ الفضل
يدل على وجود القسم الثاني .انتهى.
وقال ابن دقيق العيد في "شرحا العنوان" :اختلفوا في كل مجتهد في الفروع
مصيب أم ل ,وهو بناءا على أنه هل لله تعالى في الواقعة حكم معين أم ل,
ولنقدم عليه مقدمة وهي أن لله تعالى حكمين:
" أحدهما " :مطلوب بالجتهاد ونصب عليه الدلئأل والمارات فإذا أصيب حصل
أمران أحدهما أجر الصابة ,والخر أجر الجتهاد.
و " الثاني " :وجوب العمل بما أدى إليه الجتهاد وهذا متفق عليه .فمن ينظر
إلى هذا الحكم الثاني ولم ينظر في الول قال :إن حكم الله على كل أحد ما
أدى إليه اجتهاده .ومن نظر إلى الول قال :المصيب واحد .وكل القولين حق
من وجه دون وجه.
أما أحدهما فبالنظر إلى وجوب المصير إلى ما أدى إليه الجتهاد .وأما الخر
فبالنظر إلى الحكم الذي في نفس المر المطلوب بالنظر.
واحتج القائألون بأن المصيب واحد بقوله عليه السلم" :إذا اجتهد الحاكم
وأصاب" 1لنه صرحا بالصابة والخطأ وهو يستلزم أمرا معينا .وقوله تعالى:
ن{َ ]النبياءا [79 :وهذا القول منسوب إلى الئأمة الربعة خل
}فه ه
مهنا ه
ما ه
ها س
سال هي م ه
فهه م
أحمد بن حنبل.
وقال المتكلمون :كل مجتهد مصيب.
قال :ونحن قد بينا غور المسألة ,وهو أنه إن أريد الصابة بالنسبة إلى الحكم
ـــــــ
1حديث صحيح سابق تخريجه قريبا.
) (4/544
على كل إنسان بما أدى إليه اجتهاده فهو حق ,وقد وافق الغزالي المتكلمين
وقال :إن كان ثم تقصير فالخطأ واقع لتقصيره ,ل لخطئه إصابة أمر معين,
وإن لم يكن ثم تقصير فل حكم في حقه ما لم يبلغه النص ,واساتدل بمسألة
تحويل القبلة ,فإن أهل قباءا بلغهم النص فأسارعوا في الصلة ولم يثبت الحكم
في حقهم إل بعد العلم بدليل عدم بطلن الصلة وكذلك المخابرة فإن ابن عمر
كان يخابر ول يرى بذلك بأساا حتى بلغه خبر رافع بن خديج بالنهي عنها .1
انتهى.
مسألة :القائألون بأن المجتهد مكلف بما غلب على ظنه وإن أخطأ ,قالوا بأنه
مأجور على الجتهاد وإن أخطأ ,والمخطئ غير مأجور على الخطأ ,وقال ابن
أبي هريرة :المخطئ آثم ,وقيل :غير مأجور ول آثم ,والصحيح أنه غير آثم بل
ح م
عململا{َ ]النبياءا [79 :قال الحسن
كما ل وه ع
هو مأجور ,لقوله تعالى} :وهك سلل ل آت هي مهنا س
البصري رحمه الله :لول هذه الية لرأيت أن الحكام قد هلكوا.
ثم وعلى ماذا يؤجر؟ اختلفوا ,فقال الماوردي :مذهب الشافعي أنه مأجور
على الجتهاد وإن أخطأ فيه لقصده الصواب وإن لم يظفر به ,إنما ل يؤجر على
الخطأ ,لن الجر للترغيب في المثاب ,ول ترغيب في الخطأ.
قال أبو إساحاق :ويجوز أن يؤجر على قصده وإن كان الفعل خطأ ,كما لو
اشترى رقبة فأعتقها تقربا إلى الله ثم وجدها حرة الصل بعد تلف ثمنها ,وهو
مأجور وإن لم يصح شراؤه وعتقه لم يقع ,لما أتى به من القصد إلى فك الرقبة
والتقرب إلى الله .قال :وقد نص الشافعي على هذا .وأيضا ل بد للمجتهد أن
يعدل في اجتهاده عن طرق فاسادة فيفتح له فاسادها إلى طرق مستقيمة يظن
فيه الحق فعدوله عن تلك الطريقة الفاسادة اجتهاد صحيح فأثيب على ذلك.
قال أبو إساحاق :وفيه وجه آخر أنه يؤجر على نيته وعلى نفس الجتهاد ,ول
يؤجر على الحكم لخطئه فيه .فأما اجتهاده بما بلغ فيه فصواب ,وما بقي عليه
من اجتهاده إلى بلوغ معرفة الحق فهو معذور في تخلفه عنه ,لن فهمه بلغ فيه
بعض طرقه ولم يبلغ به أقصى ما طلبه ,وهو فيما إذا أتى به منه مأجور
ومصيب فيه ,ومنزلته منزلة الحاج الذي أمر بقطع المسافة ليبلغ به إلى بيت
الله ,فسلك بعض الطريق وضعف عن
ـــــــ
1الحديث البخاري كتاب المزارعة حديث " "2344ورواه مسلم في كتاب
البيوع حديث "."1547
) (4/545
باقيه وتلفت راحلته يؤجر على القدر الذي قصده ,وعبر القفال عن هذا فقال:
ل يستحق الجر في قصده الخطأ الموضوع عنه ,وإنما يستحق على إنشاءا
قصد الثواب .ومثاله أن يقوم ليخرج إلى مكة ,فأخطأ في وصف الطريق
وعدل إلى طريق آخر ,فثوابه من ابتداءا قصده إلى موضع عدوله عن الخطأ.
قال :وهذا معنى قول الشافعي :ل يؤجر على الخطأ ,إنما ل يؤجر على قصد
الثواب .وقد قال النبي عليه الصلة والسلم" :نية المؤمن خير من عمله" .1
وله ثلث احتمالت:
أحدها -أن نيته في الجتهاد خير من خطئه في الجتهاد.
وثانيها -أن نيته خير من صواب عمله .وثالثها -أن النية أوساع من العمل ,لنها
تسبق القوال والفعال فتعجل عليها.
وقال القاضي أبو الطيب :ما قاله أبو إساحاق أول أصح ,لن ذلك الجتهاد هو
خلف الجتهاد الذي يصيب به الحق ,لنه لو وصفه في صفته ورتبه على ترتيبه
لقضى به إلى الحق ,فل يؤجر عليه ول على بعض أجزائأه.
وقال أبو عبد الله الطبري في "العدة" :يثاب المخطئ على ماذا؟ فيه قولن:
" أحدهما " على الجتهاد ,كرجلين سالكا الجامع من طريقين ,قصد أحدهما
الطريق أثيب عليه وإن لم يصل إلى الجامع.
و" الثاني " على القصد ,كرجلين رميا إلى كافر ,فأصابه أحدهما دون الخر
يثاب المخطئ على القصد .وحكاها الروياني في "البحر "عن بعض أصحابنا
بخراساان ثم قال :وإطلق القولين خطأ على ما بينت.
وقال إمام الحرمين :الذي ذهب إليه الئأمة أنه ل يؤجر على الخطأ ,بل على
قصده الصواب .وقيل :بل على اساتداده في تقصي النظر ,فإن المخطئ يستد
أول ثم يزول ,قال :والول أقرب ,لن المخطئ قد يحيد في الول عن سانن
الصواب ثم هو مأجور بحكم الخبر لقصد الصواب وإن أخطأه.
وقال الرافعي في "الشرحا "ثم الجر على ماذا؟ فيه وجهان عن أبي إساحاق
ـــــــ
1رواه القضاعي في مسند الشهاب عن النواس بن سامعان " "1/119برقم "
"148وهو حدبث ضعيف كما قال الحافظ في الفتح في شرحا لحديث رقم "
"1975ورواه الطبري في الكبير " "6/158عن ساهل بن ساعيد الساعدي وهو
حديث ضعيف كما قال البيهقي والحافظ ابن حجر.
) (4/546
المروزي:
" أحدهما " -وهو ظاهر النص واختيار المزني وأبي الطيب -أنه على القصد
إلى الصواب دون الجتهاد ,لنه أفضى به إلى الخطأ فكأنه لم يسلك الطريق
المأمور به .قلت :حكاه المزني في كتاب "ذم التقليد "عن النص فقال :قال
الشافعي في الحديث "إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر" " :ل يؤجر على
الخطأ في الدين لم يؤمر به أحد ,وإنما يؤجر لرادته الحق الذي أخطأه" ,قال
المزني :فقد ثبت الشافعي في هذا أن المخطئ أحدث في الدين ما لم يؤمر
به ولم يكلفه ,وإنما أجره على نيته ل على خطئه .انتهى .وشبهه القفال في
الفتاوى برجلين رميا إلى كافر ,فأخطأ أحدهما يؤجر على قصده الصابة,
بخلف الساعي إلى الجمعة إذا فاتته يؤجر على القصد وإن لم ينل ثواب
العمل.
و" الثاني " أنه يؤجر على القصد والجتهاد جميعا ,لنه بذل وساعه في طلب
الحق والوقوف عليه .وربما سالك الطريق في البتداءا ولم يتيسر له التمام.
قال ابن الرفعة :وهذا مناساب إذا سالكه في البتداءا .فإن حاد عنه في الول
تعين الوجه الول .واساتدل القاضي الحسين بأنه لو كان القصد لوجب أن يكون
عشر أجر المصيب لقوله عليه السلم" :من هم بحسنة ولم يعملها كتبت له
حسنة ,فإن عملها كتبت له عشر حسنات" .1قلت :وقد جاءا ذلك مصرحا به
في مسند أحمد بن حنبل رحمه الله .وقد سابق بيان حاله في مسألة الجتهاد
في زمانه.
قال الشافعي في الرساالة في الرجل يطأ أمته ثم تبين أنها أخته :أما في الغيب
فلم تزل أخته أول وآخرا .وأما في الظاهر فكانت له حلل ما لم يعلم ,وعليه
حرام حين علم .وقيل له :إن غيرك يقول :إنه لم يزل آثما بإصابتها ولكن الثم
مرفوع عنه.
ـــــــ
1رواه البخاري كتاب الرقاق باب من هم بجسنة أو بسيئة حديث " "6491عن
ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسالم فيما يروي عن ربه
عز وجل قال :قال" :إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك فمن هم
بحسنة فلم يفعملها كتب الله له عنده حسنة كاملة فإن هو هم بها فعنلها كتب
الله له عنده عشر حسنات إلى سابع مائأة ضعف إلى أضعاف كثيرة ومن هم
بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ,فإن هو هم بها فعملها كتبها الله
له سايئة واحدة" ورواه مسلم كتاب اليمان حديث "."131
) (4/547
مسألة
نقل عن داود وأصحاب الظاهر أن كل من أفتى في حادثة بحكم يريد به
التقرب إلى الله فهو مصيب ساواءا كان مجتهدا أو لم يكن وهذا يزيد على
العنبري ,لن ذاك صوب كل مجتهد في الصل ,وهذا صوب في كل شيءا وإن
لم يكن مجتهدا بعدما بذل وساعه.
تنبيهات:
الول :من صوب المجتهدين شرط في ذلك أن ل يكون مذهب الخصم مستندا
إلى دليل ينقض الحكم المستند إليه ,قاله الشيخ عز الدين في قواعده" ,قال:
ولهذا لم يكن شرب الحنفي للنبيذ مباحا وإن قلنا بتصويبهم.
وقد أورد على القائألين به قولهم :إنه ل حكم في النازلة معينا ,فصار كمن
يقول :ليس في البيت متاع ,وكل من وجد فيه متاعا وجده .وأجيب بأنه يعني:
ل حكم أي معينا فيها فيدرك قبل الطلب ,كما يدرك بغير طلب من النص
الظاهر ,بل فيها حكم لها ولغيرها يدركه المجتهد عند تصفح قوانين الشرع
الكلية ,تلحق بها الجزيئات ,ففي كل مسألة حكم معين على هذا الوجه قال
ن ه
يءْءا{َ ]النعام.[38 :
ب ع
تعالى } :ه
ما فههرط مهنا عفي ال مك عهتا ع
ش م
م م
الثاني :قيل على أصول المصوبة :إنا نقطع بالحكام ,وإن المخطئة تظنها ظنا.
قال ابن المنير :وهو عندي وهم على القوم ,وذلك لن المصوبة تقول :ل يكفيه
أي ظن كان ,بل ل بد من اجتهاد وبذل وساع .في تصحيح المقتضى وتحقيق
الشرط ورفع المعارضات ,بحيث لو دخل بذلك لكان مخطئا آثما.
الثالث :قيل :الدليل على أنه ليس كل مجتهد مصيبا قول من قال من
المجتهدين :ليس كل مجتهد مصيبا ,لنه إن أصاب فما قاله حق ,وإن أخطأ فقد
نقض قوله فلم يكن كل مجتهد مصيبا ,ولك في حل هذه الشبهة طرق:
إحداها -أن المسألة قطعية ,كما صرحا به الصوليون والخلف في "أن
المصيب واحد "إنما هو في المسائأل الجتهادية .أما المسائأل الصولية القطعية
فالمصيب فيها واحد قطعا.
الثانية -يلتزم أنه مصيب في قوله :ليس كل مجتهد مصيبا ولكن لما قلت :أنه
) (4/548
يلزم من ذلك أن يكون الواقع في نفس المر .ليس إل أنه ليس كل مجتهد
مصيبا .وقولك أنه مصيب قلنا :وكذلك خصمه أيضا مصيب .بناءا على القول
المصوب بحكم الله في حق هذا أنه ليس كل مجتهد مصيبا ,غير أنه في حق
خصمه أن كل مجتهد مصيب.
الرابع -سالمنا أن هذه المسألة من المسائأل الجتهادية الفقهية ,لكن ما الذي
يعني القائأل بأن كل مجتهد مصيب؟ إما أن يعتقد بطلن قول القائأل بأن
المصيب واحد أو يعتقد صحته .وإن عنيت بالباطل ما ل يكون مطابقا لما في
نفس المر ,وبالصحة ما يكون مطابقا له فهو فاساد منا ,لنه محل النزاع ,كيف
وأن مذهب القائأل بتصويب الجميع أنه ل حكم له أصل ,وإنما الحكام تابعة
لظنون المجتهدين .وإن عنيت بالباطل والحق ما في ظن المجتهدين من غير
أن يكون في الواقعة حكم معين في نفس المر فجميع الحكام الجتهادية على
هذا التقدير حق وصواب ,فإذا القول بتصويب الكل وعدمه حق وصواب ,لنه
غالب على ظن تقييده.
الخامس :إن من فروع هذه المسألة اقتداءا الشافعي ,كما قال إمام الحرمين
في النهاية "والصح فيه الصحة إل أن يتحقق إخلله بما يشترطه ويوجبه ,لنا
نقطع بالمخالفة حينئذ ,لحتمال أن يكون مذهبا راجحا عنده .ولهذا قال
القاضي أبو الطيب :ل يجوز للشافعي أن يفوض القضاءا إلى الحنفي في
مسألة يعتقد المفوض أن مذهب أبي حنيفة ]فيها[ غير صحيح ,لنه يعين على
ما يعتقد تحريمه .قال :ولكن يجوز أن يفوض إليه الحكم فيها ,لحتمال أن يتغير
اجتهاده فيوافق الشافعي ,فل يكون المفوض عند التفويض معينا على ما يعتقد
منعه.
فروع:
الول :قد راعى الشافعي وأصحابه خلف الخصم في مسائأل كثيرة ,وهو إنما
يتمشى على القول بأن مدعي الصابة ل يقطع بخطأ مخالفه ,وذلك لن
المجتهد لما كان يجوز خلف ما غلب على ظنه ونظر في متمسك خصمه فرأى
له موقعا راعاه على وجه ل يخل بما غلب على ظنه ,وأكثره من باب الحتياط
والورع ,وهذا من دقيق النظر والخذ بالحزم .وقال القرطبي :ولذلك راعى
مالك الخلف ,قال :وتوهم بعض أصحابه أنه يراعي صورة الخلف وهو جهل أو
عدم إنصاف .وكيف هذا وهو لم يراع كل خلف وإنما راعى خلفا لشدة قوته.
) (4/549
قلت :وقد يراعي الشافعي الخلف المشدد على نفسه دون غيره ,ولهذا لما
قرر القصر على مرحلتين قال :فأما أنا فأحب أن ل أقصر في أقل من ثلثة
أيام احتياطا على نفسي.
قال القاضي أبو الطيب :وهو كقوله :إذا مرض المام أنه يصلي قاعدا والناس
قيام خلفه .و ل أفضل له أن يستخلف من يصلي بهم حتى يخرج من الخلف.
وله نظائأر كثيرة.
على أن البياري اساتشكل اساتحباب الخروج من الخلف ,فإن المة إذا اختلفت
على قولين بالتحريم والباحة فالقول بأن الترك متعلق بالثواب ,والفعل جائأز
قول لم يقل به أحد .نعم ,الورع يليق به.
ثم اعلم أن عين الخلف ل ينتصب شبهة ول يراعى بل النظر إلى المأخذ
وقوته .قال الروياني في باب الشهادات من البحر" :لو كان الخلف بنفسه
ينتصب شبهة لساتوت المسألتان ,يعني مسألة إيجاب الحد على الحنفي
بشرب النبيذ وشهادته ,وإنما الشبهة في الدلئأل.
الثاني :لو كان الزوجان مجتهدين فخاطبها الزوج بلفظة نوى بها الكناية في
الطلق ,ول نية .وترى المرأة أنها صريحة فيه ,فللزوج طلب الساتمتاع بها,
ولها المتناع منه ,عمل مع كل منهما بمقتضى اجتهاده ,وطريق قطع المنازعة
بينهما أن يراجعا مجتهدا آخر ليحكم بينهما بما يؤدي إليه اجتهاده ,ساواءا قلنا:
المصيب واحد ,أم كل مصيب .فإن كانا مقلدين قلد من شاءا ,فإن اختلفا يخير
إن اساتويا ,وإل فيقلد العلم والورع ,وإن كانت تتعلق بغيره عمل بما قلنا في
المجتهدين .هكذا قال في المحصول وغيره.
وأما القاضي فذكر في مختصر التقريب "أن من القائألين بأن المصيب واحد
من صار في هذه الصورة إلى الوقف حتى يرفع المر إلى القاضي .فعلى هذا
يكون حكم الله فيها هو الوقف ظاهرا وباطنا حتى يرفع أمرها إلى القاضي
فينزلها على اعتقاد نفسه ,وهذا حكم الله حينئذ.
ومنهم من قال :تسلم المرأة إلى الزوج الول ,فإن نكحها نكاحا يعتقد صحته
وهو السابق به فل يبعد أن يكون هذا هو الحكم .قال :وهذه الصورة وأمثالها
من المجتهدات ,وفيها تقابل الحتمالت ,فيجتهد المجتهد فيها عندنا وما أدى
إليه اجتهاده فهو حق من وقف أو تقديم أو غيرهما من وجوه الجواب.
) (4/550
الثالث :ول ينقض الجتهاد بالجتهاد .1وإل يؤدي إلى نقض النقض ويتسلسل
فتضطرب الحكام ول يوثق فيها .فلو فرضنا أن المجتهد خالع امرأته وأداه
اجتهاده إلى أن الخلع فسخ وليس بطلق فتزوجها الرابعة بعد ذلك بمقتضى
هذا العتقاد من غير محلل ثم تغير اجتهاده وأداه إلى أنه طلق ,فإن تغير بعد
قضاءا القاضي بمقتضى الجتهاد الول بصحة النكاحا لم ينقض بالجتهاد الثاني
بل يبقى على النكاحا ,وإن تغير قبل القضاءا بالصحة وجب عليه مفارقتها .لن
المصاحب الن قاض بان اجتهاده الول خطأ ,فيعمل به ,وليس هذا نقض
الجتهاد بالجتهاد ,بل ترك العمل بالجتهاد الول.
هكذا ذكره في المستصفى" و"المحصول والمنهاج" ,وقوله .في الحاكم مبني
على أن حكمه ينفذ باطنا ,وإل فل يلزم من فراقه إياها نقض حكم الحاكم ,لن
هذا بالنسبة إلى أمره في خاصة نفسه.
ونقل الرافعي عن الغزالي أنه يلزمه تسريحها ولم يذكر هذا التفصيل ثم قال:
وأبدى ترددا فيما إذا فعل المقلد مثل ذلك ثم تغير اجتهاد مقلده ,قال:
والصحيح أن الجواب كذلك لو تغير اجتهاد المقلد في الصلة فإنه يتحول .وهذا
الذي قاله الغزالي نقله النووي عن الصيمري والخطيب البغدادي ,قال :ول
نعلم فيه خلفا لصحابنا.
هذا فيما إذا تغير اجتهاده في حق نفسه ,فلو تغير في حق غيره كما لو أفتى
مقلده بصحة نكاحا المختلعة ثلثا ونكحها المقلد ,عمل بقوله ,ثم تغير اجتهاده,
قال في المحصول والحكام وتبعه البياري في شرحا البرهان" :الصحيح أنه
يجب عليه تسريحها ,كما في حق نفس المجتهد ,بخلف قضاءا القاضي فإنه
متى اتصل بالحكم المجتهد فيه اساتقر ولم يكن له النقض عند تغير اجتهاده.
وقال صاحب المحصول" :لو نكح رجل نكاحا في محل الجتهاد ثم اساتفتى
فأفتاه بالفساد ,فهل تبين المرأة على الزوج لمجرد الفتوى؟ فيه وجهان:
أحدهما :نعم ,والثاني :ل حتى يقضي القاضي ,قلت :وحكاهما إمام الحرمين
في النهاية "في باب المتناع عن اليمين عن رواية صاحب التقريب".
قال :وذكر وجها ثالثا مفصل فقال :إن صحح النكاحا قاض فالفتوى ل ترفعه,
وإن لم يتصل تصحيحه بقضاءا قاض ارتفع بالفتوى .وحكاها الماوردي أيضا في
ـــــــ
1انظر الوسايط ص " "555مختصر ابن الحاجب " "2/300المستصفى "
."2/384
) (4/551
باب عدد الشهود ,قال :وهذا إذا اعتمد في العقد الفتوى ,فلو كان الحاكم
متوليه لم يرتفع إل بحكمه.
وخص الخلف بما إذا لم يكونا مجتهدين ,فإن كان الزوجان مجتهدين واختلفا
فل يرتفع إل بحكم الحاكم .وجزم ابن السمعاني بأن المفتي إذا أفتاه باجتهاده
ثم تغير اجتهاده ل يلزمه تعريف المستفتى بتغير اجتهاده إذا كان قد عمل به,
وإل فينبغي أن يعرفه إن تمكن منه ,لن العامي إنما يعمل بدللة قوله ,وقد
خرج عن ذلك ,فينبغي أن يخبره عن قوله.
ولو قال مجتهد للمقلد -والصورة هذه :-أخطأ به من قلدته ,فإن كان الذي
قلده أعلم فهو كما لو تغير اجتهاد مقلده ,وإل فل أثر له .قال النووي :وهذا
ليس بشيءا ,بل الوجه الجزم بأنه ل يلزمه شيءا ول أثر لقول الثاني.
الرابع :حيث كانت حجة الحكم قطعية فالمختار أن حكم الحاكم إذا وقع بخلفه
ينتقض ,بخلف الظنية.
وقيل :في جميع الحكام ,وعلى هذا قول من يجعل على الحاكم دليل قاطعا,
وبعض هؤلءا قال :ل ينقض في شيءا من الحكام .والمذهب أنه ل ينتقض في
الجتهاديات وإن قلنا :المصيب واحد لعدم تعينه ,ومنه ما لو حكم باجتهاده
لدليل أو أمارة ثم ظهر له أمارة تساوي الولى .وكذا ما هو أرجح من الولى,
لكن ل ينتهي إلى ظهور النص ,وإن كان لو قارن لوجب الحكم به ,لن الرجحان
حاصل حال الحكم.
أما لو ظهر نص أو إجماع أو قياس جلي بخلفه نقض هو وغيره ,لنه مقطوع
به ,فلم ينقضه الظن وإنما نقض بالدليل القاطع على تقديم النص والقياس
الجلي على الجتهاد ,فهو آمر لو قارن العلم به لوجب تقديمه قطعا ,فكذلك
نقض به ,قال ابن الرفعة وكلم الشافعي في الم مصرحا بأن مراده بالنص
الذي ينتقض به قضاءا القاضي إذا خالفه هو الظاهر.
خاتمة
مضى الكلم على الخلف في العقائأد وأصول الفقه ,وهكذا اختلف القراءا
والمختار أن الكل مصيب ,لصحة الكل عن النبي عليه الصلة والسلم,
وخلفهم إنما هو في الختيار ,ومن قرأ عن إمام ل يمنع القراءاة الخرى .وممن
صرحا بأن الحق في القراءاات كلها ابن فورك في كتابه في الصول .قال:
وليست كالحكام لنها غير
) (4/552
متضادة ,وأحكام القراءاات ل يجوز ورود العبارة بها معا في زمن واحد .ونظير
ه
ب
ن{َ ]التكوير} [24:وه ه
قراءاة }وه ه
ما هسوه ع ههلى ال مغهي م ع
ما هسوه ع ههلى ال مغهي م ع
ب ب عظعني ءْ
ن{َ .نظير من قال :هو حلل ,وقال الخر :هو مثله ,ل نظير من قال :هو
بع ه
ضعني ءْ
حلل ,وقال الخر :هو حرام.
) (4/553
التقليد
التقليد
...
التقليد
مأخوذ من القلدة التي يقلد غيره بها ,ومنه :قلدت الهدي :فكأن الحكم في
تلك الحادثة قد جعل كالقلدة في عنق من قلد فيه.
واختلفوا في حقيقته ,1هل هو قبول قول القائأل وأنت ل تعلم من أين قاله؟,
أي من كتاب أو سانة أو قياس .أو قبول القول من غير حجة تظهر على قوله؟
وجزم القفال في "شرحا التلخيص" بالول ,والشيخ أبو حامد في تعليقه
"والساتاذ أبو منصور بالثاني ,وعليه ابن الحاجب وغيره .وتنبني علي
)اضغط هنا للنتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على النترنت(
الكتاب :البحر المحيط في أصول الفقه
المؤلف :بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي
)المتوفى 794 :هـ(
المحقق :محمد محمد تامر
الناشر :دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان
الطبعة :الطبعة الولى1421 ،هـ 2000 /م
مصدر الكتاب :موقع مكتبة المدينة الرقمية
http://www.raqamiya.org
]ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي[
دللته على المطلوب فهو مخطئ وآثم وفاقا ,وإن لم يكن مع العلم ولكن قدر
في البحث عنه فكذلك ,وإن لم يقصر بل بالغ في الساتكشاف والبحث ولم
يعثر على وجه دللته على المطلوب فحكمه حكم ما إذا لم يجده مع الطلب
الشديد ,وسايأتي.
وإن لم نجده فإن كان لتقصير في الطلب فهو مخطئ ,وآثم ,وإن لم يقصر بأن
بالغ في التنقيب عنه وأفرغ الوساع في طلبه ومع ذلك لم يجده .فإن خفي عليه
الراوي الذي عنده النص ,أو عرفه ولكن مات قبل وصوله إليه فهو غير آثم
قطعا ,وهل هو مخطئ أم مصيب؟ على الخلف التي فيما ل نص فيه ,وأولى
أن يكون مخطئا .وأما التي ل نص فيها فإما أن يقال :لله فيها قبل اجتهاد
المجتهد حكم معين ,أو ل ,بل حكمه تابع لجتهاد المجتهد .فهذا الثاني قول من
قال :كل مجتهد مصيب ,وهو مذهب جمهور المتكلمين ,كالشيخ أبي الحسن
الشعري والقاضي والغزالي والمعتزلة ,كأبي الهذيل وأبي علي وأبي هاشم
وأتباعهم ,ونقل عن الشافعي وأبي حنيفة .والمشهور عنهما خلفه.
وهذا في أنه وإن لم يوجد في الواقعة حكم معين فهل وجد فيها ما لو حكم الله
فيها بحكم لما حكم إل به أو لم يوجد ذلك؟ والول :هو القول بالشبه ,وهو قول
كثير من المصريين وإليه صار أبو يوساف ومحمد بن الحسن وابن ساريج في
إحدى الروايتين عنه .قال القاضي في "مختصر التقريب" :ذهب بعضهم في
الشبه إلى أنه ليس هذا بل هو أولى طرق الشبه في المقاييس والعبر ,ومثلوا
ذلك بإلحاق الرز بالبر بوصف الطعم أو القوت أو الكيل ,وأحد هذه الوصاف
أشبه عند الله وأقرب في التمثيل.
وأما الثاني فقول المخلص من المصوبة.
وأما الول وهو أن لله في الواقعة حكما معينا ,فإما أن يقال :عليه دللة أو
أمارة فقط ,أو ليس عليه دللة ول أمارة.
فأما "القول الول" :وهو أن على الحكم دليل يفيد العلم فهو قول بشر
المريسي والصم وابن علية ,وهؤلءا اتفقوا على أن المجتهد مأمور بطلبه ,وأنه
إذا وجده فهو مصيب ,وإذا أخطأه فهو مخطئ ,ولكنهم اختلفوا في المخطئ
هل يأثم ويستحق العقاب؟ فذهب بشر إلى التأثيم وأنكره الباقون لخفاءا الدليل
وغموضه .واختلفوا أيضا في أنه هل ينقض قضاءا القاضي فيه؟ فذهب الصم
إلى أنه ينقض ,وخالفه الباقون.
وأما "القول الثاني" :وهو أن على الحكم أمارة فقط فهو قول أكثر الفقهاءا
الئأمة الربعة وكثير من المتكلمين ,وهؤلءا اختلفوا ,فمن قائأل :إن المجتهد غير
مكلف بإصابته لخفائأه وغموضه وإنما هو مكلف بما غلب على ظنه ,فهو وإن
أخطأ – على
) (4/540
تقدير عدم إصابته -لكنه معذور مأجور ,وهو منسوب إلى الشافعي رحمه الله
تعالى.
وأما "القول الثالث" :وهو أنه ل دللة عليه ول أمارة ,فذهب إليه جمع من
المتكلمين وزعموا أن ذلك الحكم "كدفين" ,قال القاضي في "مختصر
التقريب" :واختلف هؤلءا فذهب بعضهم إلى أن العثور عليه ليس بواجب ,وإنما
الواجب الجتهاد .وذهب بعضهم إلى أن العثور عليه مما يجب على المكلف
وإن لم يكن عليه دليل.
الثاني :قال ابن فورك :هذا الخلف مبني على إثبات القول بالقياس ,فأما من
نفاه فل يختلفون أن الحق في واحد ل غير.
الثالث :مما يحتج به المصوبة حديث بعثة عليه الصلة والسلم السرية لسبي
بني قريظة ,وقال" :ل تنزلوا حتى تأتوهم" فجاءات صلة العصر في أثناءا
الطريق فاختلفوا حينئذ ,فمنهم من نزل فصلى العصر ثم توجه ,ومنهم من
تمادى وحمل قوله "ل تنزلوا" على ظاهره ,فلما عرضت القصة على النبي
صلى الله عليه وسالم لم يخطئ أحدا منهم ولم يؤثمه ,1وكذلك قوله عليه
الصلة والسلم :لما اختلف الصديق والفاروق في أفضلية الوتر تقديما
وتأخيرا" :أصبتما" .2وكذا الحديث المشهور :فكان منا الصائأم ومنا المفطر,
ولم يعب أحد على أحد ,3لنهم اختلفوا في أفضلية العزيمة على الرخصة ,أو
العكس ,ففضل كل جهة ,واعتقد أنه أخذ بالفضل وصوب بعضهم بعضا مع
الختلف.
ويحتج للمخطئة بحديث "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران ,وإن أخطأ فأجر"
4وبحديث "القضاة ثلثة" 5لنه لو لم يكن هكذا لم يكن للتقسيم معنى,
ـــــــ
1سابق تخريجه وهو حديث صحيح.
2لم أجده.
3رواه مسلم في صحيحه " "2/786كتاب الصيام جواز الصوم والفطر في
شهر رمضان للمسلفر حديث " "1116عن أبي ساعيد الخدري قال :كنا نغزو
مع رول الله صلى الله عليه وسالم في رمضان فمنا الصائأم ومنا المفطر فل
يجد الصائأم على المفطر ول المفطر على الصائأم يرون أن من وجد قوة فصام
فإن ذلك حسن ويرون أن من وجد ضعفا فأفطر فإن ذلك حسن.
4رواه البخاري كتال العتصام بالكتاب والسنة باب أجر الحاكم إذا اجتهد
فأصاب أو أخطأ حديث " "7352ورواه مسلم كتاب القضية باب بيان أجر
الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ حديث "."1716
5رواه أبو داود " "3/299كتاب القضية باب في القاضي يخطئ جديث "
"3573والترمذي " "1322وابن ماجة " "2315عن بريدة بن الحصيب رضي
الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسالم قال" :القضاة ثلثة واحد في الجنة
واثنان في النار :فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ورجل عرف
الحق فجار في الحكم فهو في النار .ورجل قضى للناس على جهل فهو في
النار" وهو حديث صحيح.
) (4/541
وبقوله عليه السلم لمير السرية" :وإن طلب منك أهل حصن النزول على
حكم الله فل تنزلهم على حكم الله ,فإنك ل تدري .أتصيب حكم الله فيهم أم
ل" .1
الرابع :قد ساأل المصيصي الغزالي عن هذه المسألة فقال :الصحيح عندي أن
الوقائأع الشرعية خمسة أقسام:
الول -ما فيه نص صريح ,كأكل الضب على مائأدة الرساول عليه السلم ,2
فالمصيب في مثل هذه المسألة واحد ,إذ النص واحد ,وقد وضع الشرع إباحة
الضب ,وعلى المجتهدين تعرف ما وضعه الشرع ,فمن عرف فقد أصاب ,ومن
أخطأ النص ولم يعثر عليه فقد أخطأ ,أي أخطأ النص الذي كان مأمورا بطلبه,
ولو وجده للزمه الرجوع إليه ,ويكون النص كالقبلة في حقه ,والمصيب فيها
واحد ,وله أجران ,وللمخطئ أجر.
الثاني -ما ل نص فيه ,ولكن يدل النص عليه ,كسراية عتق المة ,إذ ل نص فيها
ولكن يدل النص عليه .وكذلك ما شهد له النص شهادة جلية بقياس جلي ,فمن
أخطأ معنى النص كمن أخطأ عين النص ,لن النص ثبت الحكم لمعناه ل
للفظه .ومهما تعين المطلوب كان مصيبه واحدا ,ول معنى لقوله" :أخطأ "إل
أنه أخطأ ما قصد الشرع منه أن يعثر عليه ,وما لو عثر عليه وجب الرجوع إليه
عليه .وهذا كالول.
الثالث -ما ل يتعرض له الشرع ل بلفظ يخصه ول يخص غيره ويسري إليه,
ولكن للخلق فيه أن حكم الله فيه هو الصلح للعباد فاطلبوه .فهذا ينقسم إلى
ما هو أصلح للعباد ,فكل ما علم الله أنه أصلح للعباد فالمصيب من أمر به,
ومن تعداه فهو مخطئ ,لن الصلح قد تعين عند الله وصار مطلوبا ,وكل من
طلب شيئا معينا فإما أنه يصيب وإما أن يخطئ فيتصور فيه الخطأ والصواب,
وكل ما تصور فيه ذلك فيميز المخطئ ل محالة في علم الله من المصيب.
ـــــــ
1الحديث رواه مسلم " "3/1357كتاب الجهاد باب تأمير المراءا على اليعوث
حديث " "1731وفيه "وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله
فل تجعل لهم ذمة الله ول ذمة نبيه ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك فإنكم
أن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رساوله,
وإذا جاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فل تنزلهم على
حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك فإنك ل تدري أتصيب حكم الله فيهم أم ل؟"
.
2سابق تخريجه وبيان أن الكل هو خالد رضي الله عنه وهو حديث صحبح.
) (4/542
الرابع -ما ليس للشرع فيه حكم معين ,ولكن قيل للمجتهدين :اطلبوا الحكم
وترددوا بين رأيين ,وكل واحد من الرأيين مساو للخر في الصلحا والفساد عند
الله تعالى وكل واحد من المجتهدين هاهنا مصيب.
وهذا يمكن وقوعه في الشرع ,والعقل :أما شرعا فكل حكم نيط باجتهاد
الولة ,كتفرقة العطاءا على المسلمين والتسوية بينهم أو التفاوت ,كما اختلف
فيه أبو بكر وعمر ,إذ ليس فيه نص على عينه ول على مسألة قريبة منه يقال:
إنه في معناه ,ولكن فيه إهمال لمصلحة تميز الفاضل من الفضول ,وهو من
المصالح ,وفي التفاوت إحدى المصلحتين دون الخرى ,ومهما قوبل ما في
إحداهما من المضرة بما في إحداهما من المصلحة يجوز أن تترجح إحداهما,
ويجوز أن تتساويا في علم الله بالجبر والمقابلة .وإذا تساويا في علم الله كان
كل واحد صوابا .ولول هذا لرد المفضول في زمن عمر بعض ما أخذه في زمان
أبي بكر .أو لمتنع الفاضل في زمن عمر من أخذ الزيادة .وكلهم أجمعوا على
أخذ المالين وتقرير الحكمين .فهذا منهم إجماع على أن كل مجتهد مصيب.
وكذلك تقدير العقوبة والنفقات ,كما في شرب الخمر ,إذ ل يبعد أن يكون في
الترقي إلى الثمانين مضرة من وجه ومصلحة من وجه .وكذا القتصار على
الربعين ,وهما عند الله متساويان بالجبر والمقابلة .وكذا كل واقعة ل نص فيها
ول هي في معنى المنصوص.
الخامس -مسألة تدور بين نصين متعارضين ,فحكم الله فيه الصلح إن كان
معقول المعنى ,فيلحق بالقسم الرابع والثالث .وحكم الله فيه الخذ بالشبه إذا
لم يكن معقول المعنى .وقد يكون أحدهما عند الله أشبه ,وقد تكون نسبته في
الشبه إلى الجانبين على التساوي في علم الله .فهذا ممكن ,وإذا أمكن فكل
واحد من القولين صواب ول مخطئ فيه .إذ الخطأ والصواب يستدعي شيئا
معينا يعسر الوقوف عليه بالصواب ,وعن الغفلة عنه بالخطأ ,وهاهنا يتعين أحد
الجانبين على الخر فإذا إن كان التساوي في الصلحا أو الشبه ممكنا في علم
الله فقد صح ما قلناه ,ومن أنكر هذا وإمكانه أثبت عليه بقواطع العقل ,فإن
المباحات كلها إنما ساوى الشرع بين فعلها وتركها لتساويها عنده في صلحا
الخلق.
وكذلك ساائأر أحكام السياساات وجميع مسائأل تقابل الصلين يكاد يكون من هذا
الجنس ,إذ قلما يكون فيها ترجيح ,فإذا قضى قاض بتحليف أحد ,وقضى آخر
بتحليف الخر فقد أصابا ,بل أقول :لو اساتوى عند قاض واحد المصلحة
والمضرة في
) (4/543
أمرين ,أو اساتوى عنده الشبه بالصلين أو الساتصحاب في مقابل الصلين
وامتنع الترجيح صار مخيرا كما في ساائأر المباحات.
فإذا من المسائأل ما يعلم أن المصيب فيها واحد ,وهو كل ما يعلم أنه ل يخلو
عن حكم مذكور في زمان النبي صلى الله عليه وسالم ,كالخيل مثل في أنه هل
يحل أكله ,لنه مع كثرته في زمان الرساول يعلم أنه ما أغفله عن بيان حكمه,
فيقطع بأن المصيب واحد .وإن لم يبلغنا فيه نص مثل ,فهذا حكم المجتهدين
عند الله ,فأما عندنا فل يطلع عليه في حق آحاد الشخاص وأعيان المسائأل.
ويدل على ذلك تشديد ابن عباس وعائأشة في بيع العينة واعتقادهم أن ذلك
مجاوزة لحكم ثابت بإجماع .وإجماع الصحابة في زمان عمر على أخذ الفضل
يدل على وجود القسم الثاني .انتهى.
وقال ابن دقيق العيد في "شرحا العنوان" :اختلفوا في كل مجتهد في الفروع
مصيب أم ل ,وهو بناءا على أنه هل لله تعالى في الواقعة حكم معين أم ل,
ولنقدم عليه مقدمة وهي أن لله تعالى حكمين:
" أحدهما " :مطلوب بالجتهاد ونصب عليه الدلئأل والمارات فإذا أصيب حصل
أمران أحدهما أجر الصابة ,والخر أجر الجتهاد.
و " الثاني " :وجوب العمل بما أدى إليه الجتهاد وهذا متفق عليه .فمن ينظر
إلى هذا الحكم الثاني ولم ينظر في الول قال :إن حكم الله على كل أحد ما
أدى إليه اجتهاده .ومن نظر إلى الول قال :المصيب واحد .وكل القولين حق
من وجه دون وجه.
أما أحدهما فبالنظر إلى وجوب المصير إلى ما أدى إليه الجتهاد .وأما الخر
فبالنظر إلى الحكم الذي في نفس المر المطلوب بالنظر.
واحتج القائألون بأن المصيب واحد بقوله عليه السلم" :إذا اجتهد الحاكم
وأصاب" 1لنه صرحا بالصابة والخطأ وهو يستلزم أمرا معينا .وقوله تعالى:
ن{َ ]النبياءا [79 :وهذا القول منسوب إلى الئأمة الربعة خل
}فه ه
مهنا ه
ما ه
ها س
سال هي م ه
فهه م
أحمد بن حنبل.
وقال المتكلمون :كل مجتهد مصيب.
قال :ونحن قد بينا غور المسألة ,وهو أنه إن أريد الصابة بالنسبة إلى الحكم
ـــــــ
1حديث صحيح سابق تخريجه قريبا.
) (4/544
على كل إنسان بما أدى إليه اجتهاده فهو حق ,وقد وافق الغزالي المتكلمين
وقال :إن كان ثم تقصير فالخطأ واقع لتقصيره ,ل لخطئه إصابة أمر معين,
وإن لم يكن ثم تقصير فل حكم في حقه ما لم يبلغه النص ,واساتدل بمسألة
تحويل القبلة ,فإن أهل قباءا بلغهم النص فأسارعوا في الصلة ولم يثبت الحكم
في حقهم إل بعد العلم بدليل عدم بطلن الصلة وكذلك المخابرة فإن ابن عمر
كان يخابر ول يرى بذلك بأساا حتى بلغه خبر رافع بن خديج بالنهي عنها .1
انتهى.
مسألة :القائألون بأن المجتهد مكلف بما غلب على ظنه وإن أخطأ ,قالوا بأنه
مأجور على الجتهاد وإن أخطأ ,والمخطئ غير مأجور على الخطأ ,وقال ابن
أبي هريرة :المخطئ آثم ,وقيل :غير مأجور ول آثم ,والصحيح أنه غير آثم بل
ح م
عململا{َ ]النبياءا [79 :قال الحسن
كما ل وه ع
هو مأجور ,لقوله تعالى} :وهك سلل ل آت هي مهنا س
البصري رحمه الله :لول هذه الية لرأيت أن الحكام قد هلكوا.
ثم وعلى ماذا يؤجر؟ اختلفوا ,فقال الماوردي :مذهب الشافعي أنه مأجور
على الجتهاد وإن أخطأ فيه لقصده الصواب وإن لم يظفر به ,إنما ل يؤجر على
الخطأ ,لن الجر للترغيب في المثاب ,ول ترغيب في الخطأ.
قال أبو إساحاق :ويجوز أن يؤجر على قصده وإن كان الفعل خطأ ,كما لو
اشترى رقبة فأعتقها تقربا إلى الله ثم وجدها حرة الصل بعد تلف ثمنها ,وهو
مأجور وإن لم يصح شراؤه وعتقه لم يقع ,لما أتى به من القصد إلى فك الرقبة
والتقرب إلى الله .قال :وقد نص الشافعي على هذا .وأيضا ل بد للمجتهد أن
يعدل في اجتهاده عن طرق فاسادة فيفتح له فاسادها إلى طرق مستقيمة يظن
فيه الحق فعدوله عن تلك الطريقة الفاسادة اجتهاد صحيح فأثيب على ذلك.
قال أبو إساحاق :وفيه وجه آخر أنه يؤجر على نيته وعلى نفس الجتهاد ,ول
يؤجر على الحكم لخطئه فيه .فأما اجتهاده بما بلغ فيه فصواب ,وما بقي عليه
من اجتهاده إلى بلوغ معرفة الحق فهو معذور في تخلفه عنه ,لن فهمه بلغ فيه
بعض طرقه ولم يبلغ به أقصى ما طلبه ,وهو فيما إذا أتى به منه مأجور
ومصيب فيه ,ومنزلته منزلة الحاج الذي أمر بقطع المسافة ليبلغ به إلى بيت
الله ,فسلك بعض الطريق وضعف عن
ـــــــ
1الحديث البخاري كتاب المزارعة حديث " "2344ورواه مسلم في كتاب
البيوع حديث "."1547
) (4/545
باقيه وتلفت راحلته يؤجر على القدر الذي قصده ,وعبر القفال عن هذا فقال:
ل يستحق الجر في قصده الخطأ الموضوع عنه ,وإنما يستحق على إنشاءا
قصد الثواب .ومثاله أن يقوم ليخرج إلى مكة ,فأخطأ في وصف الطريق
وعدل إلى طريق آخر ,فثوابه من ابتداءا قصده إلى موضع عدوله عن الخطأ.
قال :وهذا معنى قول الشافعي :ل يؤجر على الخطأ ,إنما ل يؤجر على قصد
الثواب .وقد قال النبي عليه الصلة والسلم" :نية المؤمن خير من عمله" .1
وله ثلث احتمالت:
أحدها -أن نيته في الجتهاد خير من خطئه في الجتهاد.
وثانيها -أن نيته خير من صواب عمله .وثالثها -أن النية أوساع من العمل ,لنها
تسبق القوال والفعال فتعجل عليها.
وقال القاضي أبو الطيب :ما قاله أبو إساحاق أول أصح ,لن ذلك الجتهاد هو
خلف الجتهاد الذي يصيب به الحق ,لنه لو وصفه في صفته ورتبه على ترتيبه
لقضى به إلى الحق ,فل يؤجر عليه ول على بعض أجزائأه.
وقال أبو عبد الله الطبري في "العدة" :يثاب المخطئ على ماذا؟ فيه قولن:
" أحدهما " على الجتهاد ,كرجلين سالكا الجامع من طريقين ,قصد أحدهما
الطريق أثيب عليه وإن لم يصل إلى الجامع.
و" الثاني " على القصد ,كرجلين رميا إلى كافر ,فأصابه أحدهما دون الخر
يثاب المخطئ على القصد .وحكاها الروياني في "البحر "عن بعض أصحابنا
بخراساان ثم قال :وإطلق القولين خطأ على ما بينت.
وقال إمام الحرمين :الذي ذهب إليه الئأمة أنه ل يؤجر على الخطأ ,بل على
قصده الصواب .وقيل :بل على اساتداده في تقصي النظر ,فإن المخطئ يستد
أول ثم يزول ,قال :والول أقرب ,لن المخطئ قد يحيد في الول عن سانن
الصواب ثم هو مأجور بحكم الخبر لقصد الصواب وإن أخطأه.
وقال الرافعي في "الشرحا "ثم الجر على ماذا؟ فيه وجهان عن أبي إساحاق
ـــــــ
1رواه القضاعي في مسند الشهاب عن النواس بن سامعان " "1/119برقم "
"148وهو حدبث ضعيف كما قال الحافظ في الفتح في شرحا لحديث رقم "
"1975ورواه الطبري في الكبير " "6/158عن ساهل بن ساعيد الساعدي وهو
حديث ضعيف كما قال البيهقي والحافظ ابن حجر.
) (4/546
المروزي:
" أحدهما " -وهو ظاهر النص واختيار المزني وأبي الطيب -أنه على القصد
إلى الصواب دون الجتهاد ,لنه أفضى به إلى الخطأ فكأنه لم يسلك الطريق
المأمور به .قلت :حكاه المزني في كتاب "ذم التقليد "عن النص فقال :قال
الشافعي في الحديث "إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر" " :ل يؤجر على
الخطأ في الدين لم يؤمر به أحد ,وإنما يؤجر لرادته الحق الذي أخطأه" ,قال
المزني :فقد ثبت الشافعي في هذا أن المخطئ أحدث في الدين ما لم يؤمر
به ولم يكلفه ,وإنما أجره على نيته ل على خطئه .انتهى .وشبهه القفال في
الفتاوى برجلين رميا إلى كافر ,فأخطأ أحدهما يؤجر على قصده الصابة,
بخلف الساعي إلى الجمعة إذا فاتته يؤجر على القصد وإن لم ينل ثواب
العمل.
و" الثاني " أنه يؤجر على القصد والجتهاد جميعا ,لنه بذل وساعه في طلب
الحق والوقوف عليه .وربما سالك الطريق في البتداءا ولم يتيسر له التمام.
قال ابن الرفعة :وهذا مناساب إذا سالكه في البتداءا .فإن حاد عنه في الول
تعين الوجه الول .واساتدل القاضي الحسين بأنه لو كان القصد لوجب أن يكون
عشر أجر المصيب لقوله عليه السلم" :من هم بحسنة ولم يعملها كتبت له
حسنة ,فإن عملها كتبت له عشر حسنات" .1قلت :وقد جاءا ذلك مصرحا به
في مسند أحمد بن حنبل رحمه الله .وقد سابق بيان حاله في مسألة الجتهاد
في زمانه.
قال الشافعي في الرساالة في الرجل يطأ أمته ثم تبين أنها أخته :أما في الغيب
فلم تزل أخته أول وآخرا .وأما في الظاهر فكانت له حلل ما لم يعلم ,وعليه
حرام حين علم .وقيل له :إن غيرك يقول :إنه لم يزل آثما بإصابتها ولكن الثم
مرفوع عنه.
ـــــــ
1رواه البخاري كتاب الرقاق باب من هم بجسنة أو بسيئة حديث " "6491عن
ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسالم فيما يروي عن ربه
عز وجل قال :قال" :إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك فمن هم
بحسنة فلم يفعملها كتب الله له عنده حسنة كاملة فإن هو هم بها فعنلها كتب
الله له عنده عشر حسنات إلى سابع مائأة ضعف إلى أضعاف كثيرة ومن هم
بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ,فإن هو هم بها فعملها كتبها الله
له سايئة واحدة" ورواه مسلم كتاب اليمان حديث "."131
) (4/547
مسألة
نقل عن داود وأصحاب الظاهر أن كل من أفتى في حادثة بحكم يريد به
التقرب إلى الله فهو مصيب ساواءا كان مجتهدا أو لم يكن وهذا يزيد على
العنبري ,لن ذاك صوب كل مجتهد في الصل ,وهذا صوب في كل شيءا وإن
لم يكن مجتهدا بعدما بذل وساعه.
تنبيهات:
الول :من صوب المجتهدين شرط في ذلك أن ل يكون مذهب الخصم مستندا
إلى دليل ينقض الحكم المستند إليه ,قاله الشيخ عز الدين في قواعده" ,قال:
ولهذا لم يكن شرب الحنفي للنبيذ مباحا وإن قلنا بتصويبهم.
وقد أورد على القائألين به قولهم :إنه ل حكم في النازلة معينا ,فصار كمن
يقول :ليس في البيت متاع ,وكل من وجد فيه متاعا وجده .وأجيب بأنه يعني:
ل حكم أي معينا فيها فيدرك قبل الطلب ,كما يدرك بغير طلب من النص
الظاهر ,بل فيها حكم لها ولغيرها يدركه المجتهد عند تصفح قوانين الشرع
الكلية ,تلحق بها الجزيئات ,ففي كل مسألة حكم معين على هذا الوجه قال
ن ه
يءْءا{َ ]النعام.[38 :
ب ع
تعالى } :ه
ما فههرط مهنا عفي ال مك عهتا ع
ش م
م م
الثاني :قيل على أصول المصوبة :إنا نقطع بالحكام ,وإن المخطئة تظنها ظنا.
قال ابن المنير :وهو عندي وهم على القوم ,وذلك لن المصوبة تقول :ل يكفيه
أي ظن كان ,بل ل بد من اجتهاد وبذل وساع .في تصحيح المقتضى وتحقيق
الشرط ورفع المعارضات ,بحيث لو دخل بذلك لكان مخطئا آثما.
الثالث :قيل :الدليل على أنه ليس كل مجتهد مصيبا قول من قال من
المجتهدين :ليس كل مجتهد مصيبا ,لنه إن أصاب فما قاله حق ,وإن أخطأ فقد
نقض قوله فلم يكن كل مجتهد مصيبا ,ولك في حل هذه الشبهة طرق:
إحداها -أن المسألة قطعية ,كما صرحا به الصوليون والخلف في "أن
المصيب واحد "إنما هو في المسائأل الجتهادية .أما المسائأل الصولية القطعية
فالمصيب فيها واحد قطعا.
الثانية -يلتزم أنه مصيب في قوله :ليس كل مجتهد مصيبا ولكن لما قلت :أنه
) (4/548
يلزم من ذلك أن يكون الواقع في نفس المر .ليس إل أنه ليس كل مجتهد
مصيبا .وقولك أنه مصيب قلنا :وكذلك خصمه أيضا مصيب .بناءا على القول
المصوب بحكم الله في حق هذا أنه ليس كل مجتهد مصيبا ,غير أنه في حق
خصمه أن كل مجتهد مصيب.
الرابع -سالمنا أن هذه المسألة من المسائأل الجتهادية الفقهية ,لكن ما الذي
يعني القائأل بأن كل مجتهد مصيب؟ إما أن يعتقد بطلن قول القائأل بأن
المصيب واحد أو يعتقد صحته .وإن عنيت بالباطل ما ل يكون مطابقا لما في
نفس المر ,وبالصحة ما يكون مطابقا له فهو فاساد منا ,لنه محل النزاع ,كيف
وأن مذهب القائأل بتصويب الجميع أنه ل حكم له أصل ,وإنما الحكام تابعة
لظنون المجتهدين .وإن عنيت بالباطل والحق ما في ظن المجتهدين من غير
أن يكون في الواقعة حكم معين في نفس المر فجميع الحكام الجتهادية على
هذا التقدير حق وصواب ,فإذا القول بتصويب الكل وعدمه حق وصواب ,لنه
غالب على ظن تقييده.
الخامس :إن من فروع هذه المسألة اقتداءا الشافعي ,كما قال إمام الحرمين
في النهاية "والصح فيه الصحة إل أن يتحقق إخلله بما يشترطه ويوجبه ,لنا
نقطع بالمخالفة حينئذ ,لحتمال أن يكون مذهبا راجحا عنده .ولهذا قال
القاضي أبو الطيب :ل يجوز للشافعي أن يفوض القضاءا إلى الحنفي في
مسألة يعتقد المفوض أن مذهب أبي حنيفة ]فيها[ غير صحيح ,لنه يعين على
ما يعتقد تحريمه .قال :ولكن يجوز أن يفوض إليه الحكم فيها ,لحتمال أن يتغير
اجتهاده فيوافق الشافعي ,فل يكون المفوض عند التفويض معينا على ما يعتقد
منعه.
فروع:
الول :قد راعى الشافعي وأصحابه خلف الخصم في مسائأل كثيرة ,وهو إنما
يتمشى على القول بأن مدعي الصابة ل يقطع بخطأ مخالفه ,وذلك لن
المجتهد لما كان يجوز خلف ما غلب على ظنه ونظر في متمسك خصمه فرأى
له موقعا راعاه على وجه ل يخل بما غلب على ظنه ,وأكثره من باب الحتياط
والورع ,وهذا من دقيق النظر والخذ بالحزم .وقال القرطبي :ولذلك راعى
مالك الخلف ,قال :وتوهم بعض أصحابه أنه يراعي صورة الخلف وهو جهل أو
عدم إنصاف .وكيف هذا وهو لم يراع كل خلف وإنما راعى خلفا لشدة قوته.
) (4/549
قلت :وقد يراعي الشافعي الخلف المشدد على نفسه دون غيره ,ولهذا لما
قرر القصر على مرحلتين قال :فأما أنا فأحب أن ل أقصر في أقل من ثلثة
أيام احتياطا على نفسي.
قال القاضي أبو الطيب :وهو كقوله :إذا مرض المام أنه يصلي قاعدا والناس
قيام خلفه .و ل أفضل له أن يستخلف من يصلي بهم حتى يخرج من الخلف.
وله نظائأر كثيرة.
على أن البياري اساتشكل اساتحباب الخروج من الخلف ,فإن المة إذا اختلفت
على قولين بالتحريم والباحة فالقول بأن الترك متعلق بالثواب ,والفعل جائأز
قول لم يقل به أحد .نعم ,الورع يليق به.
ثم اعلم أن عين الخلف ل ينتصب شبهة ول يراعى بل النظر إلى المأخذ
وقوته .قال الروياني في باب الشهادات من البحر" :لو كان الخلف بنفسه
ينتصب شبهة لساتوت المسألتان ,يعني مسألة إيجاب الحد على الحنفي
بشرب النبيذ وشهادته ,وإنما الشبهة في الدلئأل.
الثاني :لو كان الزوجان مجتهدين فخاطبها الزوج بلفظة نوى بها الكناية في
الطلق ,ول نية .وترى المرأة أنها صريحة فيه ,فللزوج طلب الساتمتاع بها,
ولها المتناع منه ,عمل مع كل منهما بمقتضى اجتهاده ,وطريق قطع المنازعة
بينهما أن يراجعا مجتهدا آخر ليحكم بينهما بما يؤدي إليه اجتهاده ,ساواءا قلنا:
المصيب واحد ,أم كل مصيب .فإن كانا مقلدين قلد من شاءا ,فإن اختلفا يخير
إن اساتويا ,وإل فيقلد العلم والورع ,وإن كانت تتعلق بغيره عمل بما قلنا في
المجتهدين .هكذا قال في المحصول وغيره.
وأما القاضي فذكر في مختصر التقريب "أن من القائألين بأن المصيب واحد
من صار في هذه الصورة إلى الوقف حتى يرفع المر إلى القاضي .فعلى هذا
يكون حكم الله فيها هو الوقف ظاهرا وباطنا حتى يرفع أمرها إلى القاضي
فينزلها على اعتقاد نفسه ,وهذا حكم الله حينئذ.
ومنهم من قال :تسلم المرأة إلى الزوج الول ,فإن نكحها نكاحا يعتقد صحته
وهو السابق به فل يبعد أن يكون هذا هو الحكم .قال :وهذه الصورة وأمثالها
من المجتهدات ,وفيها تقابل الحتمالت ,فيجتهد المجتهد فيها عندنا وما أدى
إليه اجتهاده فهو حق من وقف أو تقديم أو غيرهما من وجوه الجواب.
) (4/550
الثالث :ول ينقض الجتهاد بالجتهاد .1وإل يؤدي إلى نقض النقض ويتسلسل
فتضطرب الحكام ول يوثق فيها .فلو فرضنا أن المجتهد خالع امرأته وأداه
اجتهاده إلى أن الخلع فسخ وليس بطلق فتزوجها الرابعة بعد ذلك بمقتضى
هذا العتقاد من غير محلل ثم تغير اجتهاده وأداه إلى أنه طلق ,فإن تغير بعد
قضاءا القاضي بمقتضى الجتهاد الول بصحة النكاحا لم ينقض بالجتهاد الثاني
بل يبقى على النكاحا ,وإن تغير قبل القضاءا بالصحة وجب عليه مفارقتها .لن
المصاحب الن قاض بان اجتهاده الول خطأ ,فيعمل به ,وليس هذا نقض
الجتهاد بالجتهاد ,بل ترك العمل بالجتهاد الول.
هكذا ذكره في المستصفى" و"المحصول والمنهاج" ,وقوله .في الحاكم مبني
على أن حكمه ينفذ باطنا ,وإل فل يلزم من فراقه إياها نقض حكم الحاكم ,لن
هذا بالنسبة إلى أمره في خاصة نفسه.
ونقل الرافعي عن الغزالي أنه يلزمه تسريحها ولم يذكر هذا التفصيل ثم قال:
وأبدى ترددا فيما إذا فعل المقلد مثل ذلك ثم تغير اجتهاد مقلده ,قال:
والصحيح أن الجواب كذلك لو تغير اجتهاد المقلد في الصلة فإنه يتحول .وهذا
الذي قاله الغزالي نقله النووي عن الصيمري والخطيب البغدادي ,قال :ول
نعلم فيه خلفا لصحابنا.
هذا فيما إذا تغير اجتهاده في حق نفسه ,فلو تغير في حق غيره كما لو أفتى
مقلده بصحة نكاحا المختلعة ثلثا ونكحها المقلد ,عمل بقوله ,ثم تغير اجتهاده,
قال في المحصول والحكام وتبعه البياري في شرحا البرهان" :الصحيح أنه
يجب عليه تسريحها ,كما في حق نفس المجتهد ,بخلف قضاءا القاضي فإنه
متى اتصل بالحكم المجتهد فيه اساتقر ولم يكن له النقض عند تغير اجتهاده.
وقال صاحب المحصول" :لو نكح رجل نكاحا في محل الجتهاد ثم اساتفتى
فأفتاه بالفساد ,فهل تبين المرأة على الزوج لمجرد الفتوى؟ فيه وجهان:
أحدهما :نعم ,والثاني :ل حتى يقضي القاضي ,قلت :وحكاهما إمام الحرمين
في النهاية "في باب المتناع عن اليمين عن رواية صاحب التقريب".
قال :وذكر وجها ثالثا مفصل فقال :إن صحح النكاحا قاض فالفتوى ل ترفعه,
وإن لم يتصل تصحيحه بقضاءا قاض ارتفع بالفتوى .وحكاها الماوردي أيضا في
ـــــــ
1انظر الوسايط ص " "555مختصر ابن الحاجب " "2/300المستصفى "
."2/384
) (4/551
باب عدد الشهود ,قال :وهذا إذا اعتمد في العقد الفتوى ,فلو كان الحاكم
متوليه لم يرتفع إل بحكمه.
وخص الخلف بما إذا لم يكونا مجتهدين ,فإن كان الزوجان مجتهدين واختلفا
فل يرتفع إل بحكم الحاكم .وجزم ابن السمعاني بأن المفتي إذا أفتاه باجتهاده
ثم تغير اجتهاده ل يلزمه تعريف المستفتى بتغير اجتهاده إذا كان قد عمل به,
وإل فينبغي أن يعرفه إن تمكن منه ,لن العامي إنما يعمل بدللة قوله ,وقد
خرج عن ذلك ,فينبغي أن يخبره عن قوله.
ولو قال مجتهد للمقلد -والصورة هذه :-أخطأ به من قلدته ,فإن كان الذي
قلده أعلم فهو كما لو تغير اجتهاد مقلده ,وإل فل أثر له .قال النووي :وهذا
ليس بشيءا ,بل الوجه الجزم بأنه ل يلزمه شيءا ول أثر لقول الثاني.
الرابع :حيث كانت حجة الحكم قطعية فالمختار أن حكم الحاكم إذا وقع بخلفه
ينتقض ,بخلف الظنية.
وقيل :في جميع الحكام ,وعلى هذا قول من يجعل على الحاكم دليل قاطعا,
وبعض هؤلءا قال :ل ينقض في شيءا من الحكام .والمذهب أنه ل ينتقض في
الجتهاديات وإن قلنا :المصيب واحد لعدم تعينه ,ومنه ما لو حكم باجتهاده
لدليل أو أمارة ثم ظهر له أمارة تساوي الولى .وكذا ما هو أرجح من الولى,
لكن ل ينتهي إلى ظهور النص ,وإن كان لو قارن لوجب الحكم به ,لن الرجحان
حاصل حال الحكم.
أما لو ظهر نص أو إجماع أو قياس جلي بخلفه نقض هو وغيره ,لنه مقطوع
به ,فلم ينقضه الظن وإنما نقض بالدليل القاطع على تقديم النص والقياس
الجلي على الجتهاد ,فهو آمر لو قارن العلم به لوجب تقديمه قطعا ,فكذلك
نقض به ,قال ابن الرفعة وكلم الشافعي في الم مصرحا بأن مراده بالنص
الذي ينتقض به قضاءا القاضي إذا خالفه هو الظاهر.
خاتمة
مضى الكلم على الخلف في العقائأد وأصول الفقه ,وهكذا اختلف القراءا
والمختار أن الكل مصيب ,لصحة الكل عن النبي عليه الصلة والسلم,
وخلفهم إنما هو في الختيار ,ومن قرأ عن إمام ل يمنع القراءاة الخرى .وممن
صرحا بأن الحق في القراءاات كلها ابن فورك في كتابه في الصول .قال:
وليست كالحكام لنها غير
) (4/552
متضادة ,وأحكام القراءاات ل يجوز ورود العبارة بها معا في زمن واحد .ونظير
ه
ب
ن{َ ]التكوير} [24:وه ه
قراءاة }وه ه
ما هسوه ع ههلى ال مغهي م ع
ما هسوه ع ههلى ال مغهي م ع
ب ب عظعني ءْ
ن{َ .نظير من قال :هو حلل ,وقال الخر :هو مثله ,ل نظير من قال :هو
بع ه
ضعني ءْ
حلل ,وقال الخر :هو حرام.
) (4/553
التقليد
التقليد
...
التقليد
مأخوذ من القلدة التي يقلد غيره بها ,ومنه :قلدت الهدي :فكأن الحكم في
تلك الحادثة قد جعل كالقلدة في عنق من قلد فيه.
واختلفوا في حقيقته ,1هل هو قبول قول القائأل وأنت ل تعلم من أين قاله؟,
أي من كتاب أو سانة أو قياس .أو قبول القول من غير حجة تظهر على قوله؟
وجزم القفال في "شرحا التلخيص" بالول ,والشيخ أبو حامد في تعليقه
"والساتاذ أبو منصور بالثاني ,وعليه ابن الحاجب وغيره .وتنبني علي