ƒΘáÑ⌐ ƒΘΩÑ∩ß σ∩ Ü¡φΘ ƒΘστ∞ 002

‫تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة‬
‫)اضغط هنا للنتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على النترنت(‬
‫الكتاب ‪ :‬البحر المحيط في أصول الفقه‬
‫المؤلف ‪ :‬بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي‬
‫)المتوفى ‪794 :‬هـ(‬
‫المحقق ‪ :‬محمد محمد تامر‬
‫الناشر ‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‬
‫الطبعة ‪ :‬الطبعة الولى‪1421 ،‬هـ ‪2000 /‬م‬
‫مصدر الكتاب ‪ :‬موقع مكتبة المدينة الرقمية‬
‫‪http://www.raqamiya.org‬‬
‫]ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي[‬
‫]جواز خطاب الكفار بالفروع عقل[ أما الجواز عقل فمحل وفاق كما قاله إلكيا‬
‫الطبري‪ ،‬ومراده وفاق أصحابنا‪ ،‬وإل فقد نقل عن ابن برهان في الوسط عن‬
‫عبد الجبار وغيره أنه ل يجوز أن يخاطبوا عقل بالفروع‪ ،‬وحكاه صاحب كفاية‬
‫الفحول في علم الصول من الحنفية فقال‪ :‬أجازه عقل قوم ومنعه آخرون‪.‬‬
‫]جواز خطاب الكفار بالفروع شرعا[ أما شرعا ففيه مذاهب‪ :‬أحدها‪ :‬أنهم‬
‫مخاطبون بها مطلقا في الوامر والنواهي بشرط تقدم اليمان‪ ،‬لقوله تعالى‪:‬‬
‫قمر{َ ]المدثر‪ [42 :‬اليات‪ ،‬ولنه تعالى ذم قوم شعيب‬
‫س م‬
‫م ففي م‬
‫ما م‬

‫سل مك مك ك م‬
‫} م‬
‫بالكفر ونقص المكيال‪ ،‬وقوم لوط بالكفر وإتيان الذكور‪ ،‬وذم عادا قوم هود‬
‫م ب مط م م‬
‫ذا ب مط م م‬
‫بالكفر وشدة البطش بقوله تعالى‪} :‬ومإ ف م‬
‫ن{َ ]الشعراء‪:‬‬
‫م م‬
‫شت ك م‬
‫شت ك م‬
‫جببافري م‬
‫‪ [130‬ونص عليه الشافعي في مواضع‪:‬‬
‫منها‪ :‬تحريم ثمن الخمر عليهم‪ ،‬وقال في "الم"‪ 1‬في باب حج الصبي يبلغ‪،‬‬
‫والمملوك يعتق‪ ،‬والذمي يسلم‪ ،‬فيما إذا أهل كافر بحج‪ ،‬ثم جامع‪ ،‬ثم أسلم قبل‬
‫عرفة فجدد إحراما وأراق دما لترك الميقات أجزأته عن حجة السلم‪ ،‬لنه ل‬
‫يكون مفسدا في حال الشرك‪ ،‬لنه كان غير محرم‪ .‬قال‪ :‬فإن قال قائل‪ :‬فإذا‬
‫زعمت أنه كان في إحرامه غير محرم‪ ،‬أفكان الفرض عنه موضوعا؟ قيل‪ :‬ل بل‬
‫كان عليه وعلى كل واحد أن يؤمن بالله عز وجل ورسوله ويؤدي الفرائض التي‬
‫أنزلها الله تبارك وتعالى على نبيه‪ ،‬غير أن السنة تدل‪ ،‬وما لم أعلم‬
‫]المسلمين[ اختلفوا فيه أن كل كافر أسلم ائتنف الفرائض من يوم أسلم‪ ،‬ولم‬

‫يؤمر بإعادة ما فرط فيه في الشرك منها‪ ،‬وأن السلم يهدم ما قبله إذا أسلم‬
‫ثم استقام‪ .‬هذا لفظه‪ .‬وهو قول أكثر أصحابنا كما حكاه القاضيان الطبري‬
‫والماوردي وسليم الرازي في التقريب والشيخ أبو إسحاق والحليمي‪.‬‬
‫وقال في المنهاج‪ :‬إنه مفرع على قولنا‪ :‬إن الطاعات من اليمان‪ .‬قال‪ :‬وقد‬
‫ورد في الحديث‪ :‬أن رجل قال‪ :‬يا رسول الله أيؤاخذ الله أحدا بما عمل في‬
‫الجاهلية؟ قال‪" :‬من أحسن في السلم لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية‪ ،‬ومن‬
‫أساء في السلم أخذ بالول والخر" ‪ .2‬قال‪ :‬وهذا يدل على المؤاخذة‬
‫بالنواهي إذا يحسن في السلم‪،‬‬
‫ـــــــ‬
‫‪ 1‬انظر الم "‪."2/130‬‬
‫‪ 2‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب استتابة المرتدين‪ ،‬باب إثم من أشرك بالله ‪ ،...‬حديث "‬
‫‪ "6921‬ورواه مسلم "‪ "1/111‬حديث "‪ ."120‬بلفظ قال أناس لرسول الله‬

‫صلى الله عليه وسلم‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟ قال‪" :‬‬
‫أما من أحسن منكم في السلم فل يؤاخذ بها‪ ،‬ومن أساء أخذ بعمله في‬
‫الجاهلية والسلم" ‪.‬‬

‫) ‪(1/321‬‬

‫لنتفاء ما يحبطها بخلفا من أسلم وأحسن فإن‪ .‬إسلمه يحبط كفره‪ ،‬وحسناته‬

‫تحبط سيئاته ومجرد السلم ل ينافي المعاصي لجواز صدورها من السلم فل‬
‫يكون محبطا لها‪ .‬ا هـ‪.‬‬
‫وقال القاضي عبد الوهاب وأبو الوليد الباجي‪ :‬إنه ظاهر مذهب مالك وكذلك‬
‫نقلوه عن أحمد بن حنبل في أصح الروايتين عنه‪ ،‬وهو محكي عن الكرخي‬
‫والجصاص من الحنفية أيضا‪ .‬وقال أبو زيد الدبوسي‪ .‬إنه قول أهل الكلم‪،‬‬
‫ومذهب عامة مشايخ أهل العراق من الحنفية‪ ،‬لن الكفر رأس المعاصي فل‬
‫يستفيد به سقوط الخطاب‪.‬‬
‫والقول الثاني‪ :‬أنهم غير مكلفين بالفروع وهو قول جمهور الحنفية‪ ،‬وبه قال‬
‫عبد الجبار من المعتزلة والشيخ أبو حامد السفراييني من أصحابنا كما رأيته‬
‫في كتابه‪ .‬عبارته‪ :‬إنه هو الصحيح عندي‪ ،‬ووقع في المنتخب نسبته لبي إسحاق‬
‫السفراييني‪ ،‬وهو غلط‪ ،‬فإن أبا إسحاق يقول بتكليفهم كما نقله الرافعي عنه‬
‫في أول كتاب الجراح وهو كذلك موجود في كتابه في الصول‪ :‬ظاهر كلم‬
‫الشافعي يدل عليه‪ ،‬قال‪ :‬والصحيح من مذهبه‪ :‬ما بدأنا به‪ .‬ا هـ‪.‬‬
‫وقال البياري‪ :‬إنه ظاهر مذهب مالك‪.‬‬
‫قلت‪ :‬اختاره ابن خويز منداد المالكي‪ ،‬وقال في كتابه المسمى بالجامع إنه‬
‫الذي يأتي عليه مسائل مالك أنه ل ينفذ طلقهم‪ ،‬ول أيمانهم ول يجري عليهم‬
‫حكم من الحكام‪ .‬وزاد حتى قال‪ :‬إنهم إنما يقطعون في السرقة‪ ،‬ويقتلون في‬
‫الحرابة من باب الدفع‪ ،‬فهو تعزير ل حد‪ ،‬لن الحدود كفارات لهلها وليست هذه‬
‫كفارات‪ .‬وزاد‪ ،‬فقال‪ :‬إن المحدث غير مخاطب بالصلة إل بعد فعل الطهارة‪،‬‬
‫واستدل على ذلك من كلم مالك رضي الله عنه بقوله في الحائض‪ :‬إنها تنتظر‬

‫ما بقي من الوقت بعد غسلها وفراغها من المر اللزم‪.‬‬
‫وقال أبو زيد الدبوسي‪ :‬ليس عن أصحابنا المتقدمين في هذه المسألة نص‪،‬‬
‫وإنما تؤخذ من فروعهم‪ ،‬وقد ذكر محمد بن الحسن أن من نذر الصوم‪ ،‬ثم ارتد‬
‫ثم أسلم لم يلزمه قضاؤه‪ ،‬لن الشرك أبطل كل عبادة‪ ،‬وإنما أراد وجوبها‪ ،‬لنه‬
‫لم يؤده بعد‪.‬‬
‫قال‪ :‬ولم أر لهذا المذهب حجة يعتمد عليها‪ ،‬وقد تفكرت في ذلك فلم أجد إل‬
‫أن الكافر ليس بأهل للعبادة‪ ،‬لنه ل يثاب كما لم يجعل العبد أهل لملك المال‬
‫فلما لم يكن من أهل الملك لم يكن من أهل الخطاب‪.‬‬
‫وقال العالم من الحنفية‪ :‬لم ينقل عن ثقة من أصحابنا نص في المسألة‪ ،‬لكن‬

‫) ‪(1/322‬‬

‫المتأخرين منهم خرجوا على تفريعاتهم‪ ،‬فإن محمدا قال‪ :‬إن الكافر إذا دخل‬
‫مكة فأسلم وأحرم لم يكن عليه دم لترك الميقات‪ ،‬لنه لم يكن عليه‪ ،‬ولو كان‬

‫للكافر عبد مسلم ل تجب عليه صدقة فطره‪ ،‬ويحل للمسلم وطء زوجته‬
‫النصرانية إذا خرجت من الحيض لعادتها دون العشرة قبل أن تغتسل‪ ،‬ويمضي‬
‫عليها وقت صلة‪ ،‬لنه ليس عليهم‪.‬‬
‫وقال السرخسي‪ ،‬ل خلفا أنهم مخاطبون باليمان والعقوبات والمعاملت في‬
‫الدنيا والخرة‪ ،‬وأما في العبادات بالنسبة إلى الخرة كذلك‪ .‬أما في حق وجوب‬

‫الداء في الدنيا فهو موضع الخلفا‪ ،‬فذهب العراقيون من مشايخنا إلى أنهم‬
‫مكلفون‪ ،‬لنه لو لم تجب لم يؤاخذوا على تركها‪ .‬قال‪ :‬وهذه المسألة لم ينص‬
‫عليها أصحابنا‪ ،‬لكن بعض المتأخرين استدلوا من مسائلهم على هذا‪ ،‬وعلى‬
‫الخلفا بينهم وبين الشافعي‪ ،‬فإن المرتد إذا أسلم ل يجب عليه قضاء صلوات‬
‫الردة خلفا للشافعي فدل على أن المرتد غير مخاطب بالصلة عندنا‪ ،‬ثم‬
‫ضعف الستدلل‪ .‬قال‪ :‬ومنهم من جعل هذه المسألة فرعا لصل معروفا بيننا‬
‫وبينهم‪ :‬أن الشرائع عنده من نفس اليمان‪ ،‬وهم مخاطبون باليمان‪،‬‬
‫فيخاطبون بالشرائع‪ ،‬وعندنا ليست من نفس اليمان فل يخاطبون بأدائها ما لم‬
‫يؤمنوا‪ ،‬وهذا ضعيف‪ ،‬فإنهم مخاطبون بالعقوبات والمعاملت وليس ذلك من‬
‫اليمان‪.‬‬
‫قال ابن القشيري‪ :‬والقائلون بأنهم غير مخاطبين انقسموا فمنهم من صار إلى‬
‫استحالة تكليفهم عقل‪ ،‬ومنهم من لم يحله‪ ،‬ولكنهم مع الجواز لم يكلفوا‪.‬‬
‫وقال القاضي‪ :‬أقطع بالجواز‪ ،‬ول أقطع بأن هذا الجائز وقع‪ ،‬ولكن يغلب على‬
‫الظن وقوعه‪.‬‬
‫والثالث ‪ :‬أنهم مكلفون بالنواهي دون الوامر‪ ،‬لن النتهاء ممكن في حالة‬
‫الكفر‪ ،‬ول يشترط فيه التقرب‪ ،‬فجاز التكلف بها دون الوامر‪ ،‬فإن شرطها‬
‫العزيمة‪ ،‬وفعل التقريب مع الجهل بالمقرب إليه محال‪ ،‬فامتنع التكليف بها‪.‬‬
‫وحكى النووي هذه الثلثة في التحقيق أوجها للصحاب‪ ،‬وسبق حكاية الستاذ‬
‫وابن كج الولين قولين للشافعي‪ ،‬وعلله الشيخ أبو المعالي عزيزي بن عبد‬
‫الملك في كتاب بيان البرهان بأن العقوبات تقع عليهم في فعل المنهيات دون‬

‫ترك المأمورات‪ .‬أل ترى أنهم يعاقبون على ترك اليمان بالقتل والسبي وأخذ‬
‫الجزية‪ ،‬ويحد في الزنا والقذفا ويقطع في السرقة‪ ،‬ول يؤمر بقضاء شيء من‬
‫العبادات‪ ،‬وإن فعلها في كفره لم تصح منه؟ ونقله صاحب اللباب من الحنفية‬
‫عن أبي حنيفة وعامة أصحابه‪.‬‬

‫) ‪(1/323‬‬

‫]تكليف الكفار بالنواهي[ وذهب بعض أصحابنا إلى أنه ل خلفا في تكليفهم‬
‫بالنواهي‪ ،‬وإنما الخلفا في تكليفهم بالوامر‪ .‬قاله الشيخ أبو حامد السفراييني‬
‫في كتابه الصول والبندنيجي في أول كتاب قسم الصدقات من تعليقه قال‪:‬‬
‫وأما المعاصي فمنهيون عنها بل خلفا بين المسلمين‪ ،‬وهذه طريقة جيدة‪.‬‬
‫وقال الستاذ أبو إسحاق السفراييني في كتابه في الصول‪ :‬ل خلفا أن‬
‫خطاب الزواجر من الزنا والقذفا يتوجه على الكفار كما يتوجه على‬
‫المسلمين‪ .‬ا هـ‪.‬‬
‫وهذا يوجب التوقف فيما حكاه الرافعي عن الستاذ أبي إسحاق فيما إذا قتل‬
‫الحربي مسلما أو أتلف عليه مال ثم أسلم أنه يجب ضمانها إذا قلنا‪ :‬إن الكفار‬
‫مخاطبون بالفروع‪ .‬قال‪ :‬وذكر العبادي أنه يعزى ذلك أيضا للمزني في المنثور‪.‬‬

‫وقال المازري‪ :‬ل وجه لهذا التفضيل‪ ،‬لن النهي في الحقيقة أمر‪ ،‬وكأنهم قالوا‪:‬‬
‫إن التروك ل تفتقر إلى تصور بخلفا الفعل‪.‬‬

‫والرابع ‪ :‬أنهم مخاطبون بالوامر فقط‪ .‬حكاه ابن المرحل في الشباه والنظائر‬
‫ولعله انقلب مما قبله‪ ،‬ويرده الجماع السابق على تكليفهم بالنواهي‪.‬‬
‫والخامس ‪ :‬أن المرتد مكلف دون الكافر الصلي‪ .‬حكاه القاضي عبد الوهاب‬
‫في الملخص والطرطوشي في العمدة‪ ،‬للتزام أحكام السلم‪ .‬ول معنى لهذا‬
‫التفصيل‪ ،‬لن مأخذ النقي فيهما سواء‪ ،‬وهو جهله بالله تعالى‪ ،‬ومقتضى هذا أن‬
‫الخلفا يطرق الصل والمرتد لكن ظاهر عبارة المام في المحصول أن‬
‫الخلفا ل يطرق المرتد‪ ،‬والشبه الول‪ .‬ولهذا نقل الصحاب عن الحنفية أن‬
‫الردة تسقط العمال السابقة وتمنع الوجوب في الحال‪ .‬ولهذا قالوا‪ :‬إن‬
‫المرتد ل يقضي صلة أيام ردته‪ ،‬وعندنا تلزمه‪.‬‬
‫وقال القاضي الحسين في تعليقه‪ :‬يمكن بنا الخلفا في إحباط الردة العمال‬
‫على أن الكفار مخاطبون بالشرائع أم ل؟ فإن قيل‪ :‬لو ساوى المرتد الصلي‬
‫لم يجب عليه قضاء أيام ردته‪.‬‬
‫قلت‪ :‬إنما وجب القضاء على المرتد‪ ،‬لن السلم بخروجه منه ل يسقط بخلفا‬
‫الصلي‪ ،‬وقد قال الشافعي‪ :‬في الزكاة على المرتد قولن أحدهما‪ :‬يجب‪،‬‬
‫والثاني موقوفا‪ .‬قال ابن أبي هريرة‪ :‬وهو نظير الصلة‪ ،‬لنه كما إذا أسلم‬
‫يزكي فكذا إذا أسلم يصلي‪.‬‬
‫والسادس ‪ :‬أنهم مكلفون بما عدا الجهاد‪ ،‬أما الجهاد فل‪ ،‬لمتناع قتالهم‬

‫) ‪(1/324‬‬


‫أنفسهم‪ ،‬حكاه القرافي‪ .‬قال‪ :‬ول أعرفا أين وجدته‪.‬‬
‫قلت‪ :‬صرح به إمام الحرمين في النهاية‪ ،‬فقال‪ :‬والذمي ليس مخاطبا بقتال‬
‫الكفار‪ ،‬وكذا قال الرافعي في كتاب السير‪ :‬الذمي ليس من أهل فرض الجهاد‪.‬‬
‫ولهذا إذا استأجره المام على الجهاد ل يبلغ به سهم راجل على أحد الوجهين‪،‬‬
‫كالصبي والمرأة‪ .‬نعم يجوز للمام استئجاره على الجهاد على الصح‪ ،‬وهذا يدل‬
‫على أنه غير فرض عليه‪ ،‬وإل لما جاز كما ل يجوز استئجار المسلم عليه‪.‬‬
‫السابع‪ :‬الوقف‪ .‬حكاه سليم الرازي في تقريبه عن بعض الشعرية‪ ،‬وحكاه‬
‫الشيخ أبو حامد السفراييني عن الشعري نفسه‪.‬‬
‫وقال إمام الحرمين في المدارك‪ :‬عزي إلى الشافعي ترديد القول في خطاب‬
‫الكفار بالفروع ونصه في الرسالة‪ :‬الظهر أنهم مخاطبون بها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقد يخرج من تصرفا الصحاب في الفروع مذهب ثامن‪ :‬وهو التفصيل‬
‫بين الحربي فليس بمكلف دون غيره‪ ،‬ولهذا يقولون في القصاص والسرقة‬
‫والشرب وغير ذلك‪ :‬ل يجب حدها على الحربي‪ ،‬لعدم التزامه الحكام بخلفا‬
‫الذمي‪ .‬وحكى الطرطوشي في العمدة أن الواقفية من علمائهم وافقوا على‬
‫كونهم مخاطبين إل أنهم قالوا‪ :‬إن دخولهم في الخطاب لم يكن بظواهرها‪،‬‬
‫وإنما دخلوها بدليل‪ .‬ا هـ وبه يخرج مذهب تاسع‪.‬‬
‫وقال إمام الحرمين في التلخيص‪ :‬الصائرون إلى أنهم مخاطبون ل يدعون ذلك‬
‫عقل وجوبا بل يجوزون في حكم العقل خروجهم عن التكليف في أحكام‬
‫الشرع‪ .‬كيف وقد أخرج كالحائض عن التزام الصلة والصيام؟ ولكن هؤلء‬
‫يزعمون أن تكليفهم سائغ عقل وترك تكليفهم جائز عقل غير أن في أدلة‬


‫السمع ما يقتضي تكليفهم‪ ،‬وأما الذين صاروا إلى منع تكليفهم‪ ،‬فاختلفوا‪،‬‬
‫فمنهم من صار إلى استحالته‪ ،‬ومنهم من جوزه عقل ومنع إبطال أدلة السمع‬
‫بهم‪.‬‬

‫) ‪(1/325‬‬

‫تنبيهات‬
‫التنبيه الول‪] :‬استحالة مخاطبة الكافر بإنشاء فرع على الصحة[‬
‫في تحقيق مقالة أصحابنا‪ :‬قال إمام الحرمين‪ :‬التحقيق أن الكافر مستحيل أن‬
‫يخاطب بإنشاء فرع على الصحة‪ ،‬وكذا المحدث يستحيل أن يخاطب بإنشاء‬
‫الصلة الصحيحة مع بقاء الحدث‪ ،‬ولكن هؤلء مخاطبون بالتوصل إلى ما يقع‬
‫آخرا‪ ،‬ول يتنجز‬

‫) ‪(1/325‬‬

‫المر عليهم بإيقاع المشروط قبل وقوع الشرط‪ ،‬ولكن إذا مضى من الزمان ما‬
‫يسع الشرط والمشروط والوائل والواخر‪ ،‬فل يمنع أن يعاقب الممتنع على‬
‫حكم التكليف معاقبة من يخالف أمرا نوجبه عليه ناجزا‪ .‬فمن أبى ذلك قضى‬
‫عليه قاطع العقل بالفساد‪ ،‬ومن جوز تنجز الخطاب بإيقاع المشروط قبل وقوع‬

‫الشرط فقد سوغ تكليف ما ل يطاق‪ ،‬ومن أراد أن يفرق بين الفروع وأواخر‬
‫العقائد وبين صلة المحدث فهو مبطل مطلقا‪.‬‬
‫وقال في كتاب الفرائض من النهاية‪ :‬من زعم أنهم مخاطبون‪ ،‬أراد ربط المأثم‬
‫بهم في درئهم بالشرع المشتمل على تفصيل الحكام ولم يتعرضوا لستحقاق‬
‫العقاب على كل محرم في الشرع اقتحموه وكل واجب تركوه‪ ،‬فأما ما يتعلق‬
‫بهم بقواعد الشريعة وشرائطها فل سبيل إلى التزامها انتهى‪.‬‬
‫وقال إلكيا الطبري‪ :‬إطلق القول بتكليفهم ل يصح‪ ،‬لنه كيف يكلفون بما لو‬
‫فعلوه لما صح؟ ولنه تكليف ما ل يطاق‪.‬‬
‫والصواب‪ :‬أن نقول‪ :‬مكلفون بالتوصل إلى الفروع به وتقدم الصل‪ ،‬فإذا مضى‬
‫زمن يمكن فيه تحصيل الصل والفرع أثموا عليها معا كالمحدث على ترك‬
‫الصلة وهذا نافع في الجمع بين إطلق أصحابنا في الصول التكليف وفي‬
‫الفروع أن الصلة والزكاة والصيام والحج ل تجب على الكافر الصلي‪ ،‬ولم يزل‬
‫هذا الشكال يدور في النفس‪.‬‬
‫وجمع المام فخر الدين الرازي والنووي وغيرهما بأن مراد الفقهاء أنه ل‬
‫يطالب بها في الدنيا مع كفرهم‪ ،‬فإذا أسلم أحدهم ل يلزمه قضاء الماضي ولم‬
‫يتعرضوا لعقوبة الخرة‪ .‬ومراد الصوليين العقاب الخروي زيادة على عقاب‬
‫الكفر‪ ،‬ولم يتعرضوا للمطالبة في الدنيا‪ ،‬وهذه الطريقة فاسدة أوقعهم فيها‬
‫قول الصوليين‪ :‬فائدته مضاعفة العقاب في الخرة‪ ،‬وهو صحيح‪ .‬ولم يريدوا به‬
‫أنه ل تظهر فائدة الخلفا في خطاب الكفار بالفروع إل في الخرة‪ ،‬بل هو‬
‫جواب عما التزم الخصم في مسائل خاصة ل تظهر للخلفا فيها فائدة دنيوية‬

‫كالزكاة ونحوها‪ ،‬وذلك المر الخاص‪ ،‬ول يستلزم من ذلك عدم الفائدة مطلقا‪،‬‬
‫فإن الفقهاء فرعوا على هذا الخلفا أحكاما كثيرة تتعلق بالدنيا‪ :‬وما ذكره‬

‫هؤلء في الجمع يقتضي أن ل يصح التخريج أصل للتصريح بأن المراد هنا غير‬
‫مراد ثم‪.‬‬

‫) ‪(1/326‬‬

‫التنبيه الثاني‪] :‬هل يخاطب الكافر بالفروع[‬
‫زعم الشيخان أبو حامد السفراييني في كتابه وأبو إسحاق في "شرح اللمع"‪،‬‬
‫وإمام الحرمين في باب السير من النهاية‪ ،‬ووالده الشيخ أبو محمد في‬
‫الفروق‪ ،‬وأبو الحسين في المعتمد‪ ،‬والقاضي عبد الوهاب في الملخص‪،‬‬
‫والمام في المحصول‪ ،‬وغيرهم‪ :‬هل الخلفا إنما يظهر في استحقاق العقاب‬
‫لجل إخلله بالشرعيات أم ل؟ للتفاق على أنه ل يلزم الفعل حال الكفر على‬
‫أن يكون قضاء منه لكفره‪ ،‬وعلى أنه ل يلزم القضاء إذا أسلم‪ ،‬وحكاه صاحب‬
‫المصادر أيضا عن الشريف المرتضى‪ ،‬فقال‪ :‬فائدة الخلفا‪ :‬أن من قال‪.‬‬
‫بالخطاب قال‪ :‬يستحقون الذم منا والعقاب منه تعالى على الخلل بها‪ ،‬كما‬
‫يستحقون ذلك بالخلل باليمان‪ ،‬ومن قال‪ :‬ليسوا مخاطبين فإنهم ل يستحقون‬
‫ذلك على الخلل بالعبادات بل على الكفر وترك اليمان ل غير‪.‬‬
‫وقال القرافي‪ :‬له فوائد‪:‬‬
‫منها ‪ :‬تيسير السلم‪ ،‬فإنه إذا علم أنه مخاطب وهو خير النفس بفعل الخيرات‬
‫كان ذلك سببا في تيسير إسلمه‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬الترغيب في السلم وغير ذلك‪.‬‬
‫وقد قال أبو الفضل بن عبدان من أصحابنا في كتاب شرائط الحكام‪ :‬إن عدم‬
‫وجوب الصلة وغيرها من العبادات على الكافر مفرع على القول بأنهم غير‬
‫مخاطبين‪ .‬قال‪ :‬فإن قلنا بالصحيح إنهم مخاطبون فليس السلم من شروط‬
‫وجوب الصلة بل تجب الصلة على الكافر كلما دخل الوقت‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬كيف تجب عليه وهي ل تصح منه؟‬
‫قلنا‪ :‬كالمحدث ل تصح منه ومع ذلك تجب عليه بشريطة الوضوء‪ ،‬فيقال له‪:‬‬
‫أسلم وصل‪ ،‬يقال للمحدث‪ :‬توضأ وصل‪.‬‬
‫وقال القاضي أبو القاسم بن كج في التجريد والماوردي في باب قسم‬
‫الصدقات‪ :‬اختلف أصحابنا في المشركين هل هم مخاطبون بالزكاة وإن لم‬
‫تؤخذ منهم؟ على وجهين‪ .‬بناء على اختلفا أصحابنا هل خوطبوا مع اليمان‬
‫بالعبادات؟ فذهب أكثر أصحابنا إلى ذلك لمخاطبتهم باليمان وأنهم يعاقبون‬
‫على تركه‪.‬‬

‫) ‪(1/327‬‬

‫وقال آخرون وهو قول العراقيين‪ :‬إنهم في حال الكفر إنما خوطبوا باليمان‬
‫وحده ولم يتوجه إليهم الخطاب بالعبادات إل بعد اليمان‪ .‬ا هـ‪.‬‬
‫وقال القاضي الحسين في تعليقه في كتاب الزكاة‪ :‬السلم شرط في وجوب‬
‫الخراج ل في وجوب الزكاة‪ ،‬لن الكفار مخاطبون بالشرائع‪ ،‬فأما الخراج فل‬
‫يجب عليهم إل المرتد في أحد القولين هذا كلمه وبه يجتمع كلم الصوليين‬
‫والفقهاء أيضا‪.‬‬

‫وبنى القفال عليه فيما حكاه القاضي الحسين في السرار إذا غنم الكفار‬
‫أموال المسلمين ل يملكونها عندنا خلفا لبي حنيفة‪.‬‬
‫قال القاضي‪ :‬قلت‪ :‬لو كانوا مخاطبين لما سقط الضمان عنهم‪ ،‬فقال القفال‪:‬‬
‫الضمان واجب غير أنه سقط بالسلم لئل يرغبوا عنه خيفة انتزاع ما ملكوه من‬
‫أيديهم‪ .‬وبنى عليه القاضي الحسين إحباط العمل بالردة كما سبق‪ .‬وبنى عليه‬
‫المتولي حرمة التصرفا في الخمر عليهم‪ .‬قال‪ :‬وعندنا أن التصرفا في الخمر‬
‫حرام عليهم‪ .‬خلفا لبي حنيفة‪.‬‬
‫وبنى عليه القاضي مجلي في الذخائر أنه إذا أسلم هل يصلي على قبر من مات‬
‫من المسلمين في كفره؟ إذا قلنا‪ :‬ل يصلي عليه إل من كان من أهل الفرض‪.‬‬
‫وبنى عليه أيضا صحة النذر من الكافر‪ ،‬وقضية البناء تصحيحه‪ ،‬لكن الصح‪:‬‬
‫المنع‪ ،‬لنه قربة‪.‬‬
‫وتقدم عن الستاذ أبي إسحاق أن إيجاب الضمان على الحربي إذا أسلم مفرع‬
‫على خطابهم‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬لو مر الكافر بالميقات وهو مريد النسك فجاوزه‪ ،‬ثم أسلم وأحرم ولم‬
‫يعد إليه‪ ،‬فعليه دم مع أنه حالة مروره لم يكن مكلفا عندهم بمعنى أنه يلزمه‬
‫ذلك‪ ،‬وقال أبو حنيفة والمزني‪ :‬ل دم عليه جريا على هذا الصل‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬لو قهر حربي حربيا ملكه‪ ،‬ويخالف المسلم إذا قهر حربيا‪ ،‬فإنه ل يجري‬
‫على من قهره الرق حتى يرقه المام أو نائبه‪ ،‬لن للمام اجتهادا في أسارى‬
‫الكفار‪ ،‬والمسلم مأمور برعايته‪ ،‬والحربي ل يؤاخذ بمثل ذلك‪.‬‬
‫إذا عرفا هذا فلو قهر الحربي أباه الحربي أو ابنه فهل يعتق عليه‪ .‬بمجرد ذلك‬
‫كما لو ملك المسلم فرعه أو أصله أو ل؟ بل يجوز له بيعه لنه غير مكلف‬
‫وجهان‪ .‬أشبههما في الرافعي وغيره‪ :‬الول‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬يحرم على المسلم نكاح الوثنية قطعا‪ ،‬وهل تحل للذمي؟ فيه وجهان‬
‫في الكفاية لبن الرفعة ولعل مدركها هذا الصل‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬تحريم نظر الذمية إلى المسلمة على الصح‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن المضطر المسلم إذا لم يجد إل ميتة آدمي فيه وجهان أصحهما‪ :‬نعم‪،‬‬

‫) ‪(1/328‬‬

‫لن حرمة الحي أعظم‪ .‬قال الدارمي‪ :‬والخلفا في ميتة المسلم‪ .‬أما الكافر‬
‫فيحل قطعا انتهى‪.‬‬
‫ولو كان المضطر كافرا ووجد ميتة مسلم ففي حله وجهان‪ .‬أقيسهما في زوائد‬
‫الروضة‪ :‬المنع‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن الكافر يمنع من مس المصحف‪ .‬قاله النووي في باب نواقض‬
‫الوضوء من شرح المهذب‪ ،‬والتحقيق وقياسه‪ :‬أنه ل يمكن من قراءته جنبا‪.‬‬
‫وقال الماوردي‪ :‬الكافر ل يمنع من تلوة القرآن ويمنع من مس المصحف ذكره‬
‫في باب نية الوضوء‪ .‬وفيه نظر مع جزمه بجواز تعليمه ممن يرجى إسلمه‪.‬‬
‫وظاهر إطلقهم ذلك تمكينه من حمل المصحف واللوح اللذين يتعلم فيهما‪،‬‬
‫وقد يكون جنبا‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬إذا وجبت عليه كفارة فأداها حال كفره‪ ،‬ثم أسلم ل تجب عليه العادة‪،‬‬
‫وهذا بخلفا ما لو اغتسل عن جنابته‪ ،‬أو توضأ أو تيمم ثم أسلم‪ ،‬فالمذهب‬
‫الصحيح‪ :‬وجوب العادة خلفا لبي بكر الفارسي‪.‬‬

‫) ‪(1/329‬‬

‫التنبيه الثالث‪] :‬استثناء بعض الصور[‬
‫إن القائلين بتكليفه ورجوع الفائدة لحكام الدنيا استثنوا صورا ل يجري عليه‬
‫فيها أحكام المسلمين‪ ،‬لجل عقيدتهم بإباحته في صور‪:‬‬
‫منها ‪ :‬شرب الخمر ل يحدون به على المذهب لعتقادهم إباحته‪ .‬ومنها‪ :‬لو‬
‫غصب منه الخمر ردت عليه‪ .‬ومنها‪ :‬ل يمنع من لبس الحرير في الصح‪ .‬ومنها‪:‬‬
‫الحكم بصحة أنكحتهم على ما يعتقدون‪ .‬ومنها‪ :‬ل يمنع من لبس الحرير في‬
‫الصح‪ .‬مساجدنا‪ .‬ومنها‪ :‬أنه ل يحرم على الكافر الجنب اللبث في المسجد‪،‬‬
‫لن الكفار كانوا يدخلون مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ويطيلون الجلوس‪،‬‬
‫ول شك أنهم كانوا يجنبون‪ .‬ويخالف المسلم‪ ،‬فإنه يعتقد حرمة المسجد فيؤاخذ‬
‫بموجب اعتقاده والكافر ل يعتقد حرمته ول يلزم تفاصيل التكليف فجاز أن ل‬
‫يؤاخذ به كذا علله الرافعي‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬وهذا كما أن الكافر ل يحد على شرب الخمر‪ ،‬لنه ل يعتقد تحريمه‬
‫والمسلم يحد‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬تفضيل معاملتهم على معاملة المسلمين‪ ،‬فإنا إذا قلنا‪ :‬ليسوا مخاطبين‬
‫كانت معاملتهم فيما أخذوه على خلفا القواعد الشرعية أخف من معاملة‬
‫المسلم‪ ،‬لنه‬

‫) ‪(1/329‬‬

‫عاص بذلك العقد‪ ،‬وقد نهاه الله عنه ولم ينه الكافر‪ .‬ولذلك قال الشيخ عز‬
‫الدين‪ :‬ما يأخذه الفرنج من أموال بعضهم بعضا يملكونه بالقهر بخلفا أخذهم‬
‫أموال المسلمين ل يملكونها بالقهر‪ ،‬فيكون الحلل الذي بأيديهم أوسع من‬
‫الحلل الذي بأيدي المسلمين‪ .‬وظهر بما ذكرنا أن الخلفا نشأ في هذه الفروع‬
‫من كونه غير ملتزم لحكام المسلمين ل من أنه مخاطب أو ل‪.‬‬
‫ولهذا قال الشيخ أبو محمد في الفروق‪ :‬وقد جزم بجواز المكث في المسجد‬
‫للجنب‪ .‬فإن قيل‪ :‬أليس الصحيح أنهم مخاطبون بالفروع كالمسلمين؟‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬التعظيم ينشأ ويتصور من أصل العقيدة‪ ،‬والكافر غير معتقد سواء قلنا‪:‬‬
‫إنهم مخاطبون أو ل‪ ،‬وفائدة الخطاب زيادة عقوبتهم في الخرة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ولهذا إذا ترافعوا إلينا وفرعنا على وجوب الحكم بينهم وهو الصح‪ ،‬فإنا‬
‫نجريهم على أحكامنا‪.‬‬

‫) ‪(1/330‬‬

‫التنبيه الرابع‪] :‬إذا أسلم الكافر سقط عنه حق الله تعالى[‬
‫أن القائلين بتعلق الخطاب بهم قالوا‪ :‬يشترط ما وجب منها عند السلم‪ .‬قاله‬
‫ابن الرفعة في كتاب النذر من المطلب‪ ،‬ثم استشكل ذلك بتخريج مجلي‬
‫مسألة نذر الكافر على هذا الصل من جهة أن القائل بصحة النذر إنما يقول‬

‫بوجوب الوفاء إذا أسلم‪ ،‬ثم أجاب أن ذلك فيما إذا ألزمهم الشارع‪ .‬أما إذا‬
‫ألزمهم ذلك بالتزامهم فل يسقط بالسلم‪ ،‬ولهذا لو أتلف الحربي مال المسلم‪،‬‬
‫ثم أسلم ل ضمان عليه‪ ،‬ولو عامله أسلم وجب قضاء دين المعاملة‪ .‬ا هـ‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬ل ينبغي إطلق القول هكذا بل إذا أسلموا سقط عنهم حقوق الله‬
‫تعالى البدنية كالصلة والصوم بمعنى أنه ل يجب عليهم قضاؤها‪.‬‬
‫أما المالية‪ :‬فإن كانت زكاة فكذلك‪ ،‬لن المغلب فيها حق الله تعالى‪ ،‬وإن كانت‬
‫كفارة‪ ،‬كقتل الخطأ والظهار لم تسقط‪ .‬ولو جاوز الميقات‪ ،‬ثم أسلم وأحرم‬
‫دونه لزمه دم‪ ،‬نص عليه‪ ،‬وقال المزني‪ :‬ل دم عليه ولو قتل صيدا في الحرم‬
‫لزمه الجزاء على الصح فلو أسلم لم يسقط‪.‬‬
‫وأما حقوق الدميين‪ :‬فإن كان قد التزم حكمنا بجزية أو أمان لم يسقط نفسا‬
‫ول مال‪ .‬ولهذا لو قتل ذميا ثم أسلم القاتل لم يسقط القصاص على المعروفا‪.‬‬
‫وفيه وجه في‬

‫) ‪(1/330‬‬

‫"الذخائر"‪ .‬وإن لم يلتزم حكمنا سقط كالحربي إذا أتلف مال أو نفسا في حال‬
‫الحرب مع المسلمين‪ .‬وعن الستاذ أبي إسحاق أنه يجب‪ .‬قال الرافعي‪:‬‬
‫ويعزى للمزني في "المنثور"‪.‬‬
‫أما حدود الله تعالى‪ :‬فنص الشافعي في الم على أن الذمي إذا زنى ثم أسلم‬
‫ل يسقط عنه الحد‪ ،‬وأما ما وقع في الروضة من سقوط الحد والتعزير عنه عن‬
‫نص الشافعي‪ ،‬وأن ابن المنذر نقله في الشرافا‪ ،‬فقد راجعت كلم ابن المنذر‬
‫فوجدته نسبه لقوله إذ هو بالعراق فهو قديم قطعا‪ ،‬ونص الم جديد فحصل في‬
‫المسألة قولن‪ .‬حكاهما الدارمي في الستذكار وجهين‪.‬‬

‫) ‪(1/331‬‬

‫التنبيه الخامس‪] :‬جريان الخلفا في خطاب التكليف[‬
‫إن الخلفا جار في خطاب التكليف بأسره‪ ،‬فكل واجب أو محرم هو من محل‬
‫الخلفا وكذا المندوب والمباح بمعنى أن كل ما أبيح فهو مباح في حقهم عند‬
‫من يرى شمول الخطاب لهم‪ .‬واستشكل بعضهم تعلق الباحة بهم إذا قلنا‬
‫بتكليفهم‪ ،‬وقلنا‪ :‬الباحة تكليف‪ ،‬فإنه حكى الجماع على أنه ل يجوز للمكلف‬
‫القدام على فعل وإن كان مباحا في نفس المر حتى يعلم حكم الله فيه‪،‬‬
‫والكفار ل يعتقدون حكم الله فيه حكما صحيحا‪ ،‬لنهم يستندون فيه إلى شرعنا‬
‫اللزم لنا ولهم‪ ،‬وشرعهم منسوخ‪ .‬ومقتضى هذا البحث أن يأثموا في جميع‬
‫أفعالهم حتى يؤمنوا‪ ،‬وفي كلم الشافعي عن بعض أهل العلم ما يشهد له‪.‬‬
‫أما خطاب الوضع‪ :‬فمنه ما يرجع إليه لكون الطلق سببا لتحريم الزوجة‪،‬‬
‫فكذلك‪ ،‬ومنه ما يكون من باب التلفات والجنايات فل يجري فيها الخلفا بل‬
‫هي أسباب للضمان بالجماع‪ ،‬وكذا ثبوت الدين في ذمتهم من هذا النوع‪،‬‬
‫ووجوب الحدود عليهم‪.‬‬
‫والحدود إنما تكون كفارة للمسلمين كما صرح به الشافعي‪ ،‬والكافر ليس من‬
‫أهل الجر والثواب‪ ،‬وإنما هي في حقه كالدين اللزم‪ ،‬ولهذا تجب عليه كفارة‬

‫الظهار ونحوها‪ ،‬وينبغي أن يكون الطلق واليمان من هذا القبيل‪ .‬كذا قاله‬
‫بعض المتأخرين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ول تصح دعوى الجماع في التلفا والجناية بل الخلفا جار في الجميع‪.‬‬
‫وقد سبق عن الستاذ أبي إسحاق‪ :‬أن الحربي إذا قتل مسلما أو أتلف عليه مال‬
‫ثم أسلم أنه يجب عليه ضمانها إذا قلنا‪ :‬الكفار مخاطبون بالفروع‪ .‬ونقلوا‬
‫وجهين أيضا فيما لو دخل الكافر الحرم وقتل صيدا هل يضمنه؟ أصحهما‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال صاحب "الوافي"‪:‬‬

‫) ‪(1/331‬‬

‫وهما شبيهان بالوجهين في تمكينه من المسجد إن كان جنبا‪ .‬يعني نظرا‬
‫لعقيدته‪ ،‬بل قال إمام الحرمين في الساليب من كتاب السير‪ :‬إن الكفار إذا‬
‫استولوا على مال المسلمين فل حكم لستيلئهم‪ ،‬وأعيان الموال لربابها‪،‬‬
‫وكأنهم في استيلئهم وإتلفهم كالبهائم‪.‬‬
‫قال‪ :‬ومن تقويم هذه المسألة على الخلفا في تكليفهم بالفروع‪ .‬وقال‪ :‬هم‬
‫منهيون عن استيلئهم‪ .‬ا هـ‪ .‬ثم قال هذا المتأخر‪ :‬ومنه الرث والملك به‪ ،‬ولول‬
‫ذلك لما ساغ بيعهم لوارثهم وما يشترونه‪ ،‬ول معاملتهم وكذا صحة أنكحتهم إذا‬
‫صدرت على الوضاع الشرعية‪ ،‬والخلفا في ذلك ل وجه له‪.‬‬
‫ومنه كون الزنا سببا لوجوب الحد وذلك ثابت في حقهم‪ ،‬ولهذا رجم النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم اليهوديين ‪ ،1‬ول يحسن القول ببناء ذلك على تكليفهم بالفروع‪،‬‬
‫فإنه كيف يقال بإسقاط الثم عنهم فيما يعتقدون تحريمه لكفرهم؟ وقد تقدم‬
‫عن الستاذ حكاية الجماع أن خطاب الزواجر من الزنا والقذفا يتوجه عليهم‪.‬‬
‫وأما تعلق الزكاة بأموالهم‪ :‬قلنا‪ :‬خلفا هل هو تعلق رهن أو جناية أو شركة؟‬
‫وهو الصح‪ ،‬فالظاهر أنه ل يثبت في حقهم‪ .‬وإن قلنا‪ :‬إنهم مخاطبون بالزكاة‪،‬‬
‫لن المقصود تأثيمهم بتركها ل أخذها منهم حالة كفرهم‪ ،‬والتعلق المذكور إنما‬
‫يقصد به تأكد الوجوب لجل أخذ النصاب الواجب عن الضياع فل معنى لبقائه‬
‫في حق الكافر‪ ،‬لنه إن دام على الكفر لم يؤخذ منه‪ ،‬وإن أسلم سقطت‪ ،‬وما‬
‫كان كذلك فل معنى للتعلق الذي هو يوثقه فيه‪ ،‬والموجود في حق الكافر إنما‬
‫هو المر بأدائها وهذا مشترك بينهم وبين المسلمين‪ ،‬وثبوتها في الذمة قدر زائد‬
‫على ذلك‪.‬‬
‫قد يقال به في الكافر أيضا‪ ،‬وإثبات تعلقها بالدين أمر ثالث يختص بالمسلم‪،‬‬
‫خذ م م م‬
‫ة‬
‫صد مقم ة‬
‫وال فهف م‬
‫نأ م‬
‫م م‬
‫م م‬
‫ولن المعتمد في ثبوت الشركة قوله تعالى‪ } :‬ك ف م‬
‫م{َ ]التوبة‪ [103 :‬ول يدخل الكافر في ذلك‪ .‬والحاصل‪ :‬أن الدلة‬
‫ت كط مههكرهك م‬
‫م‬
‫تنقسم إلى ما يتناولهم نحو }ميا أي يمها‬
‫ـــــــ‬
‫‪ 1‬يشير إلى ما رواه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الحدود‪ ،‬باب أحكام أهل الذمة‬
‫وإحصانهم إذا زنوا ‪ ...‬حديث "‪ "6841‬بإسناده عن أبي عمر قال‪ :‬إن اليهود‬
‫جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجل منهم وامرأة‬
‫زنيا‪ ،‬فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬ما تجدون في التوراة في‬
‫شأن الرجم؟" ‪ .‬فقالوا‪ :‬نفضحهم ويجلدون‪ .‬قال عبد الله بن سلم‪ :‬كذبتم‪ ،‬إن‬
‫فيها الرجم‪ .‬فأتوا بالتوراة فنشروها‪ ،‬فوضع أحدهم يده على آية الرجم‪ ،‬فقرأ ما‬
‫قبلها وما بعدها‪ ،‬فقال له عبد الله بن سلم‪ :‬ارفع يدك فرفع يده‪ ،‬فإذا فيها آية‬

‫الرجم‪ .‬قالوا‪ :‬صدق يا محمد فيها آية الرجم‪ .‬فأمر بهما رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فرجما‪ ،‬فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة‪ .‬ورواه‬
‫مسلم "‪ "3/1326‬حديث "‪."1699‬‬

‫) ‪(1/332‬‬

‫م‬
‫مكنوا{َ‬
‫س{َ إذا قلنا بتكليفهم بالفروع‪ ،‬وإلى ما ل يتناولهم نحو }ميا أي يمها ال ب ف‬
‫نآ م‬
‫البنا ك‬
‫ذي م‬
‫ونحوه فل يتناولهم لفظا ول يثبت حكمها لهم إل بدليل منفصل‪.‬‬

‫) ‪(1/333‬‬

‫التنبيه السادس‪] :‬حصول الشرط الشرعي هل هو شرط في التكليف؟[‬
‫إن من الناس من ترجم هذه المسألة بأن حصول الشرط الشرعي هل هو‬
‫شرط في التكليف أم ل؟ وفيه نظر من وجهين‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أن الطهارة عن الحيض والنفاس شرط شرعي مع أن حصولها شرط‬
‫التكليف بالصلة والصوم‪ ،‬ولهذا استثنى بعضهم هذه المسألة من هذه الترجمة‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬قاله الصفي الهندي أن المحدث مكلف بالصلة إجماعا يعني‪ ،‬وقضية‬
‫هذه الترجمة وجود خلفا فيه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬زعم أبو هاشم‪ :‬أن المحدث غير مخاطب بالصلة إجماعا ولو بقي سائر‬
‫دهره محدثا‪ ،‬وأنه لو مات عوقب على ترك الطهارة فقط‪ ،‬لن الخطاب بالصلة‬
‫ل يتوجه إل بعد تحصيل الطهارة‪.‬‬
‫قال المام‪ :‬وخرق الجماع في ذلك‪ ،‬فإن أراد أنه غير مخاطب بفعل الصلة‬
‫ناجزا مع بقاء حدثه‪ ،‬فصحيح‪.‬‬
‫قال المازري‪ :‬وهذا الذي قاله ابن الجبائي صرح به ابن خويز منداد من‬
‫أصحابنا‪ ،‬فقال‪ :‬إن المحدث غير مخاطب بالصلة ولو دخل الوقت‪ ،‬وأشار إلى‬
‫أنه مذهب مالك‪ ،‬لقوله في الحائض‪ :‬إذا طهرت قبل الغروب أعني في إدراكها‬
‫الصلة أن يبقى من الوقت قدر ما تغتسل فيه وتدرك ركعتين من العصر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهو أحد قولي الشافعي‪ .‬أعني اعتبار إدراك زمن الطهارة للوجوب وهذا‬
‫كله وإن كان خلفا واهيا لكن شمول الترجمة له أولى‪.‬‬
‫ومنهم من ترجمها بأن الكفار مخاطبون بفروع اليمان وقال ابن برهان‪ :‬وهو‬
‫خطأ لن الصلة غير صحيحة من الكافر وهو منهي عنه‪ ،‬فكيف يخاطب بها؟‬
‫وهذا أخذه من كلم إمام الحرمين السابق في تحقيق المذهب‪.‬‬
‫وقد يقال‪ :‬بأنه خلفا قريب‪ ،‬لن المام مسلم أنهم يعاقبون بترك الفروع‬
‫لتركهم التوصل إليها على ما صرح به في المحدث ل لتنجيز المر عليهم‬
‫بإيقاعها حالة الكفر وهذا عين مذهب الصحاب وإنما الخلفا في أنا نقول‪ :‬هم‬
‫معاقبون بترك الفروع‪،‬‬

‫) ‪(1/333‬‬

‫والمام يقول بترك التوصل إليها‪ ،‬قال الخلفا إلى اللفظ‪ .‬وقد قالوا‪ :‬لو أتى‬
‫الكافر الميقات مريدا لنسك‪ ،‬فأحرم منه لم ينعقد إحرامه‪ .‬وقال في الشامل‪:‬‬
‫في انعقاد إحرامه قولن‪ .‬قال في البحر‪ :‬وهو غلط عندي ولم يذكره غيره‪.‬‬

‫) ‪(1/334‬‬

‫التنبيه السابع‬
‫أن هذه المسألة فرعية‪ ،‬وذكرها في الصول لبيان أصل مختلف فيه‪ ،‬وهو أن‬
‫المكان المشترط في التكليف هل يشترط فيه أن يكون ناجزا مع الخطاب أو‬
‫ل؟ وقال إلكيا الهراسي في مطالع الحكام‪ :‬مأخذ هذه المسألة أنه ليس في‬
‫ترتيب الثواني على الوائل ما يخرجها عن أن تكون ممكنة‪ .‬يعني أن ترتيب‬
‫التكليف على اشتراط تقديم اليمان‪ ،‬وهو ترتيب أمر ثان على