ƒΘáÑ⌐ ƒΘΩÑ∩ß σ∩ Ü¡φΘ ƒΘστ∞ 002
تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة
)اضغط هنا للنتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على النترنت(
الكتاب :البحر المحيط في أصول الفقه
المؤلف :بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي
)المتوفى 794 :هـ(
المحقق :محمد محمد تامر
الناشر :دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان
الطبعة :الطبعة الولى1421 ،هـ 2000 /م
مصدر الكتاب :موقع مكتبة المدينة الرقمية
http://www.raqamiya.org
]ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي[
]جواز خطاب الكفار بالفروع عقل[ أما الجواز عقل فمحل وفاق كما قاله إلكيا
الطبري ،ومراده وفاق أصحابنا ،وإل فقد نقل عن ابن برهان في الوسط عن
عبد الجبار وغيره أنه ل يجوز أن يخاطبوا عقل بالفروع ،وحكاه صاحب كفاية
الفحول في علم الصول من الحنفية فقال :أجازه عقل قوم ومنعه آخرون.
]جواز خطاب الكفار بالفروع شرعا[ أما شرعا ففيه مذاهب :أحدها :أنهم
مخاطبون بها مطلقا في الوامر والنواهي بشرط تقدم اليمان ،لقوله تعالى:
قمر{َ ]المدثر [42 :اليات ،ولنه تعالى ذم قوم شعيب
س م
م ففي م
ما م
سل مك مك ك م
} م
بالكفر ونقص المكيال ،وقوم لوط بالكفر وإتيان الذكور ،وذم عادا قوم هود
م ب مط م م
ذا ب مط م م
بالكفر وشدة البطش بقوله تعالى} :ومإ ف م
ن{َ ]الشعراء:
م م
شت ك م
شت ك م
جببافري م
[130ونص عليه الشافعي في مواضع:
منها :تحريم ثمن الخمر عليهم ،وقال في "الم" 1في باب حج الصبي يبلغ،
والمملوك يعتق ،والذمي يسلم ،فيما إذا أهل كافر بحج ،ثم جامع ،ثم أسلم قبل
عرفة فجدد إحراما وأراق دما لترك الميقات أجزأته عن حجة السلم ،لنه ل
يكون مفسدا في حال الشرك ،لنه كان غير محرم .قال :فإن قال قائل :فإذا
زعمت أنه كان في إحرامه غير محرم ،أفكان الفرض عنه موضوعا؟ قيل :ل بل
كان عليه وعلى كل واحد أن يؤمن بالله عز وجل ورسوله ويؤدي الفرائض التي
أنزلها الله تبارك وتعالى على نبيه ،غير أن السنة تدل ،وما لم أعلم
]المسلمين[ اختلفوا فيه أن كل كافر أسلم ائتنف الفرائض من يوم أسلم ،ولم
يؤمر بإعادة ما فرط فيه في الشرك منها ،وأن السلم يهدم ما قبله إذا أسلم
ثم استقام .هذا لفظه .وهو قول أكثر أصحابنا كما حكاه القاضيان الطبري
والماوردي وسليم الرازي في التقريب والشيخ أبو إسحاق والحليمي.
وقال في المنهاج :إنه مفرع على قولنا :إن الطاعات من اليمان .قال :وقد
ورد في الحديث :أن رجل قال :يا رسول الله أيؤاخذ الله أحدا بما عمل في
الجاهلية؟ قال" :من أحسن في السلم لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ،ومن
أساء في السلم أخذ بالول والخر" .2قال :وهذا يدل على المؤاخذة
بالنواهي إذا يحسن في السلم،
ـــــــ
1انظر الم "."2/130
2رواه البخاري ،كتاب استتابة المرتدين ،باب إثم من أشرك بالله ،...حديث "
"6921ورواه مسلم " "1/111حديث " ."120بلفظ قال أناس لرسول الله
صلى الله عليه وسلم :يا رسول الله ،أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟ قال" :
أما من أحسن منكم في السلم فل يؤاخذ بها ،ومن أساء أخذ بعمله في
الجاهلية والسلم" .
) (1/321
لنتفاء ما يحبطها بخلفا من أسلم وأحسن فإن .إسلمه يحبط كفره ،وحسناته
تحبط سيئاته ومجرد السلم ل ينافي المعاصي لجواز صدورها من السلم فل
يكون محبطا لها .ا هـ.
وقال القاضي عبد الوهاب وأبو الوليد الباجي :إنه ظاهر مذهب مالك وكذلك
نقلوه عن أحمد بن حنبل في أصح الروايتين عنه ،وهو محكي عن الكرخي
والجصاص من الحنفية أيضا .وقال أبو زيد الدبوسي .إنه قول أهل الكلم،
ومذهب عامة مشايخ أهل العراق من الحنفية ،لن الكفر رأس المعاصي فل
يستفيد به سقوط الخطاب.
والقول الثاني :أنهم غير مكلفين بالفروع وهو قول جمهور الحنفية ،وبه قال
عبد الجبار من المعتزلة والشيخ أبو حامد السفراييني من أصحابنا كما رأيته
في كتابه .عبارته :إنه هو الصحيح عندي ،ووقع في المنتخب نسبته لبي إسحاق
السفراييني ،وهو غلط ،فإن أبا إسحاق يقول بتكليفهم كما نقله الرافعي عنه
في أول كتاب الجراح وهو كذلك موجود في كتابه في الصول :ظاهر كلم
الشافعي يدل عليه ،قال :والصحيح من مذهبه :ما بدأنا به .ا هـ.
وقال البياري :إنه ظاهر مذهب مالك.
قلت :اختاره ابن خويز منداد المالكي ،وقال في كتابه المسمى بالجامع إنه
الذي يأتي عليه مسائل مالك أنه ل ينفذ طلقهم ،ول أيمانهم ول يجري عليهم
حكم من الحكام .وزاد حتى قال :إنهم إنما يقطعون في السرقة ،ويقتلون في
الحرابة من باب الدفع ،فهو تعزير ل حد ،لن الحدود كفارات لهلها وليست هذه
كفارات .وزاد ،فقال :إن المحدث غير مخاطب بالصلة إل بعد فعل الطهارة،
واستدل على ذلك من كلم مالك رضي الله عنه بقوله في الحائض :إنها تنتظر
ما بقي من الوقت بعد غسلها وفراغها من المر اللزم.
وقال أبو زيد الدبوسي :ليس عن أصحابنا المتقدمين في هذه المسألة نص،
وإنما تؤخذ من فروعهم ،وقد ذكر محمد بن الحسن أن من نذر الصوم ،ثم ارتد
ثم أسلم لم يلزمه قضاؤه ،لن الشرك أبطل كل عبادة ،وإنما أراد وجوبها ،لنه
لم يؤده بعد.
قال :ولم أر لهذا المذهب حجة يعتمد عليها ،وقد تفكرت في ذلك فلم أجد إل
أن الكافر ليس بأهل للعبادة ،لنه ل يثاب كما لم يجعل العبد أهل لملك المال
فلما لم يكن من أهل الملك لم يكن من أهل الخطاب.
وقال العالم من الحنفية :لم ينقل عن ثقة من أصحابنا نص في المسألة ،لكن
) (1/322
المتأخرين منهم خرجوا على تفريعاتهم ،فإن محمدا قال :إن الكافر إذا دخل
مكة فأسلم وأحرم لم يكن عليه دم لترك الميقات ،لنه لم يكن عليه ،ولو كان
للكافر عبد مسلم ل تجب عليه صدقة فطره ،ويحل للمسلم وطء زوجته
النصرانية إذا خرجت من الحيض لعادتها دون العشرة قبل أن تغتسل ،ويمضي
عليها وقت صلة ،لنه ليس عليهم.
وقال السرخسي ،ل خلفا أنهم مخاطبون باليمان والعقوبات والمعاملت في
الدنيا والخرة ،وأما في العبادات بالنسبة إلى الخرة كذلك .أما في حق وجوب
الداء في الدنيا فهو موضع الخلفا ،فذهب العراقيون من مشايخنا إلى أنهم
مكلفون ،لنه لو لم تجب لم يؤاخذوا على تركها .قال :وهذه المسألة لم ينص
عليها أصحابنا ،لكن بعض المتأخرين استدلوا من مسائلهم على هذا ،وعلى
الخلفا بينهم وبين الشافعي ،فإن المرتد إذا أسلم ل يجب عليه قضاء صلوات
الردة خلفا للشافعي فدل على أن المرتد غير مخاطب بالصلة عندنا ،ثم
ضعف الستدلل .قال :ومنهم من جعل هذه المسألة فرعا لصل معروفا بيننا
وبينهم :أن الشرائع عنده من نفس اليمان ،وهم مخاطبون باليمان،
فيخاطبون بالشرائع ،وعندنا ليست من نفس اليمان فل يخاطبون بأدائها ما لم
يؤمنوا ،وهذا ضعيف ،فإنهم مخاطبون بالعقوبات والمعاملت وليس ذلك من
اليمان.
قال ابن القشيري :والقائلون بأنهم غير مخاطبين انقسموا فمنهم من صار إلى
استحالة تكليفهم عقل ،ومنهم من لم يحله ،ولكنهم مع الجواز لم يكلفوا.
وقال القاضي :أقطع بالجواز ،ول أقطع بأن هذا الجائز وقع ،ولكن يغلب على
الظن وقوعه.
والثالث :أنهم مكلفون بالنواهي دون الوامر ،لن النتهاء ممكن في حالة
الكفر ،ول يشترط فيه التقرب ،فجاز التكلف بها دون الوامر ،فإن شرطها
العزيمة ،وفعل التقريب مع الجهل بالمقرب إليه محال ،فامتنع التكليف بها.
وحكى النووي هذه الثلثة في التحقيق أوجها للصحاب ،وسبق حكاية الستاذ
وابن كج الولين قولين للشافعي ،وعلله الشيخ أبو المعالي عزيزي بن عبد
الملك في كتاب بيان البرهان بأن العقوبات تقع عليهم في فعل المنهيات دون
ترك المأمورات .أل ترى أنهم يعاقبون على ترك اليمان بالقتل والسبي وأخذ
الجزية ،ويحد في الزنا والقذفا ويقطع في السرقة ،ول يؤمر بقضاء شيء من
العبادات ،وإن فعلها في كفره لم تصح منه؟ ونقله صاحب اللباب من الحنفية
عن أبي حنيفة وعامة أصحابه.
) (1/323
]تكليف الكفار بالنواهي[ وذهب بعض أصحابنا إلى أنه ل خلفا في تكليفهم
بالنواهي ،وإنما الخلفا في تكليفهم بالوامر .قاله الشيخ أبو حامد السفراييني
في كتابه الصول والبندنيجي في أول كتاب قسم الصدقات من تعليقه قال:
وأما المعاصي فمنهيون عنها بل خلفا بين المسلمين ،وهذه طريقة جيدة.
وقال الستاذ أبو إسحاق السفراييني في كتابه في الصول :ل خلفا أن
خطاب الزواجر من الزنا والقذفا يتوجه على الكفار كما يتوجه على
المسلمين .ا هـ.
وهذا يوجب التوقف فيما حكاه الرافعي عن الستاذ أبي إسحاق فيما إذا قتل
الحربي مسلما أو أتلف عليه مال ثم أسلم أنه يجب ضمانها إذا قلنا :إن الكفار
مخاطبون بالفروع .قال :وذكر العبادي أنه يعزى ذلك أيضا للمزني في المنثور.
وقال المازري :ل وجه لهذا التفضيل ،لن النهي في الحقيقة أمر ،وكأنهم قالوا:
إن التروك ل تفتقر إلى تصور بخلفا الفعل.
والرابع :أنهم مخاطبون بالوامر فقط .حكاه ابن المرحل في الشباه والنظائر
ولعله انقلب مما قبله ،ويرده الجماع السابق على تكليفهم بالنواهي.
والخامس :أن المرتد مكلف دون الكافر الصلي .حكاه القاضي عبد الوهاب
في الملخص والطرطوشي في العمدة ،للتزام أحكام السلم .ول معنى لهذا
التفصيل ،لن مأخذ النقي فيهما سواء ،وهو جهله بالله تعالى ،ومقتضى هذا أن
الخلفا يطرق الصل والمرتد لكن ظاهر عبارة المام في المحصول أن
الخلفا ل يطرق المرتد ،والشبه الول .ولهذا نقل الصحاب عن الحنفية أن
الردة تسقط العمال السابقة وتمنع الوجوب في الحال .ولهذا قالوا :إن
المرتد ل يقضي صلة أيام ردته ،وعندنا تلزمه.
وقال القاضي الحسين في تعليقه :يمكن بنا الخلفا في إحباط الردة العمال
على أن الكفار مخاطبون بالشرائع أم ل؟ فإن قيل :لو ساوى المرتد الصلي
لم يجب عليه قضاء أيام ردته.
قلت :إنما وجب القضاء على المرتد ،لن السلم بخروجه منه ل يسقط بخلفا
الصلي ،وقد قال الشافعي :في الزكاة على المرتد قولن أحدهما :يجب،
والثاني موقوفا .قال ابن أبي هريرة :وهو نظير الصلة ،لنه كما إذا أسلم
يزكي فكذا إذا أسلم يصلي.
والسادس :أنهم مكلفون بما عدا الجهاد ،أما الجهاد فل ،لمتناع قتالهم
) (1/324
أنفسهم ،حكاه القرافي .قال :ول أعرفا أين وجدته.
قلت :صرح به إمام الحرمين في النهاية ،فقال :والذمي ليس مخاطبا بقتال
الكفار ،وكذا قال الرافعي في كتاب السير :الذمي ليس من أهل فرض الجهاد.
ولهذا إذا استأجره المام على الجهاد ل يبلغ به سهم راجل على أحد الوجهين،
كالصبي والمرأة .نعم يجوز للمام استئجاره على الجهاد على الصح ،وهذا يدل
على أنه غير فرض عليه ،وإل لما جاز كما ل يجوز استئجار المسلم عليه.
السابع :الوقف .حكاه سليم الرازي في تقريبه عن بعض الشعرية ،وحكاه
الشيخ أبو حامد السفراييني عن الشعري نفسه.
وقال إمام الحرمين في المدارك :عزي إلى الشافعي ترديد القول في خطاب
الكفار بالفروع ونصه في الرسالة :الظهر أنهم مخاطبون بها.
قلت :وقد يخرج من تصرفا الصحاب في الفروع مذهب ثامن :وهو التفصيل
بين الحربي فليس بمكلف دون غيره ،ولهذا يقولون في القصاص والسرقة
والشرب وغير ذلك :ل يجب حدها على الحربي ،لعدم التزامه الحكام بخلفا
الذمي .وحكى الطرطوشي في العمدة أن الواقفية من علمائهم وافقوا على
كونهم مخاطبين إل أنهم قالوا :إن دخولهم في الخطاب لم يكن بظواهرها،
وإنما دخلوها بدليل .ا هـ وبه يخرج مذهب تاسع.
وقال إمام الحرمين في التلخيص :الصائرون إلى أنهم مخاطبون ل يدعون ذلك
عقل وجوبا بل يجوزون في حكم العقل خروجهم عن التكليف في أحكام
الشرع .كيف وقد أخرج كالحائض عن التزام الصلة والصيام؟ ولكن هؤلء
يزعمون أن تكليفهم سائغ عقل وترك تكليفهم جائز عقل غير أن في أدلة
السمع ما يقتضي تكليفهم ،وأما الذين صاروا إلى منع تكليفهم ،فاختلفوا،
فمنهم من صار إلى استحالته ،ومنهم من جوزه عقل ومنع إبطال أدلة السمع
بهم.
) (1/325
تنبيهات
التنبيه الول] :استحالة مخاطبة الكافر بإنشاء فرع على الصحة[
في تحقيق مقالة أصحابنا :قال إمام الحرمين :التحقيق أن الكافر مستحيل أن
يخاطب بإنشاء فرع على الصحة ،وكذا المحدث يستحيل أن يخاطب بإنشاء
الصلة الصحيحة مع بقاء الحدث ،ولكن هؤلء مخاطبون بالتوصل إلى ما يقع
آخرا ،ول يتنجز
) (1/325
المر عليهم بإيقاع المشروط قبل وقوع الشرط ،ولكن إذا مضى من الزمان ما
يسع الشرط والمشروط والوائل والواخر ،فل يمنع أن يعاقب الممتنع على
حكم التكليف معاقبة من يخالف أمرا نوجبه عليه ناجزا .فمن أبى ذلك قضى
عليه قاطع العقل بالفساد ،ومن جوز تنجز الخطاب بإيقاع المشروط قبل وقوع
الشرط فقد سوغ تكليف ما ل يطاق ،ومن أراد أن يفرق بين الفروع وأواخر
العقائد وبين صلة المحدث فهو مبطل مطلقا.
وقال في كتاب الفرائض من النهاية :من زعم أنهم مخاطبون ،أراد ربط المأثم
بهم في درئهم بالشرع المشتمل على تفصيل الحكام ولم يتعرضوا لستحقاق
العقاب على كل محرم في الشرع اقتحموه وكل واجب تركوه ،فأما ما يتعلق
بهم بقواعد الشريعة وشرائطها فل سبيل إلى التزامها انتهى.
وقال إلكيا الطبري :إطلق القول بتكليفهم ل يصح ،لنه كيف يكلفون بما لو
فعلوه لما صح؟ ولنه تكليف ما ل يطاق.
والصواب :أن نقول :مكلفون بالتوصل إلى الفروع به وتقدم الصل ،فإذا مضى
زمن يمكن فيه تحصيل الصل والفرع أثموا عليها معا كالمحدث على ترك
الصلة وهذا نافع في الجمع بين إطلق أصحابنا في الصول التكليف وفي
الفروع أن الصلة والزكاة والصيام والحج ل تجب على الكافر الصلي ،ولم يزل
هذا الشكال يدور في النفس.
وجمع المام فخر الدين الرازي والنووي وغيرهما بأن مراد الفقهاء أنه ل
يطالب بها في الدنيا مع كفرهم ،فإذا أسلم أحدهم ل يلزمه قضاء الماضي ولم
يتعرضوا لعقوبة الخرة .ومراد الصوليين العقاب الخروي زيادة على عقاب
الكفر ،ولم يتعرضوا للمطالبة في الدنيا ،وهذه الطريقة فاسدة أوقعهم فيها
قول الصوليين :فائدته مضاعفة العقاب في الخرة ،وهو صحيح .ولم يريدوا به
أنه ل تظهر فائدة الخلفا في خطاب الكفار بالفروع إل في الخرة ،بل هو
جواب عما التزم الخصم في مسائل خاصة ل تظهر للخلفا فيها فائدة دنيوية
كالزكاة ونحوها ،وذلك المر الخاص ،ول يستلزم من ذلك عدم الفائدة مطلقا،
فإن الفقهاء فرعوا على هذا الخلفا أحكاما كثيرة تتعلق بالدنيا :وما ذكره
هؤلء في الجمع يقتضي أن ل يصح التخريج أصل للتصريح بأن المراد هنا غير
مراد ثم.
) (1/326
التنبيه الثاني] :هل يخاطب الكافر بالفروع[
زعم الشيخان أبو حامد السفراييني في كتابه وأبو إسحاق في "شرح اللمع"،
وإمام الحرمين في باب السير من النهاية ،ووالده الشيخ أبو محمد في
الفروق ،وأبو الحسين في المعتمد ،والقاضي عبد الوهاب في الملخص،
والمام في المحصول ،وغيرهم :هل الخلفا إنما يظهر في استحقاق العقاب
لجل إخلله بالشرعيات أم ل؟ للتفاق على أنه ل يلزم الفعل حال الكفر على
أن يكون قضاء منه لكفره ،وعلى أنه ل يلزم القضاء إذا أسلم ،وحكاه صاحب
المصادر أيضا عن الشريف المرتضى ،فقال :فائدة الخلفا :أن من قال.
بالخطاب قال :يستحقون الذم منا والعقاب منه تعالى على الخلل بها ،كما
يستحقون ذلك بالخلل باليمان ،ومن قال :ليسوا مخاطبين فإنهم ل يستحقون
ذلك على الخلل بالعبادات بل على الكفر وترك اليمان ل غير.
وقال القرافي :له فوائد:
منها :تيسير السلم ،فإنه إذا علم أنه مخاطب وهو خير النفس بفعل الخيرات
كان ذلك سببا في تيسير إسلمه.
ومنها :الترغيب في السلم وغير ذلك.
وقد قال أبو الفضل بن عبدان من أصحابنا في كتاب شرائط الحكام :إن عدم
وجوب الصلة وغيرها من العبادات على الكافر مفرع على القول بأنهم غير
مخاطبين .قال :فإن قلنا بالصحيح إنهم مخاطبون فليس السلم من شروط
وجوب الصلة بل تجب الصلة على الكافر كلما دخل الوقت.
فإن قيل :كيف تجب عليه وهي ل تصح منه؟
قلنا :كالمحدث ل تصح منه ومع ذلك تجب عليه بشريطة الوضوء ،فيقال له:
أسلم وصل ،يقال للمحدث :توضأ وصل.
وقال القاضي أبو القاسم بن كج في التجريد والماوردي في باب قسم
الصدقات :اختلف أصحابنا في المشركين هل هم مخاطبون بالزكاة وإن لم
تؤخذ منهم؟ على وجهين .بناء على اختلفا أصحابنا هل خوطبوا مع اليمان
بالعبادات؟ فذهب أكثر أصحابنا إلى ذلك لمخاطبتهم باليمان وأنهم يعاقبون
على تركه.
) (1/327
وقال آخرون وهو قول العراقيين :إنهم في حال الكفر إنما خوطبوا باليمان
وحده ولم يتوجه إليهم الخطاب بالعبادات إل بعد اليمان .ا هـ.
وقال القاضي الحسين في تعليقه في كتاب الزكاة :السلم شرط في وجوب
الخراج ل في وجوب الزكاة ،لن الكفار مخاطبون بالشرائع ،فأما الخراج فل
يجب عليهم إل المرتد في أحد القولين هذا كلمه وبه يجتمع كلم الصوليين
والفقهاء أيضا.
وبنى القفال عليه فيما حكاه القاضي الحسين في السرار إذا غنم الكفار
أموال المسلمين ل يملكونها عندنا خلفا لبي حنيفة.
قال القاضي :قلت :لو كانوا مخاطبين لما سقط الضمان عنهم ،فقال القفال:
الضمان واجب غير أنه سقط بالسلم لئل يرغبوا عنه خيفة انتزاع ما ملكوه من
أيديهم .وبنى عليه القاضي الحسين إحباط العمل بالردة كما سبق .وبنى عليه
المتولي حرمة التصرفا في الخمر عليهم .قال :وعندنا أن التصرفا في الخمر
حرام عليهم .خلفا لبي حنيفة.
وبنى عليه القاضي مجلي في الذخائر أنه إذا أسلم هل يصلي على قبر من مات
من المسلمين في كفره؟ إذا قلنا :ل يصلي عليه إل من كان من أهل الفرض.
وبنى عليه أيضا صحة النذر من الكافر ،وقضية البناء تصحيحه ،لكن الصح:
المنع ،لنه قربة.
وتقدم عن الستاذ أبي إسحاق أن إيجاب الضمان على الحربي إذا أسلم مفرع
على خطابهم.
ومنها :لو مر الكافر بالميقات وهو مريد النسك فجاوزه ،ثم أسلم وأحرم ولم
يعد إليه ،فعليه دم مع أنه حالة مروره لم يكن مكلفا عندهم بمعنى أنه يلزمه
ذلك ،وقال أبو حنيفة والمزني :ل دم عليه جريا على هذا الصل.
ومنها :لو قهر حربي حربيا ملكه ،ويخالف المسلم إذا قهر حربيا ،فإنه ل يجري
على من قهره الرق حتى يرقه المام أو نائبه ،لن للمام اجتهادا في أسارى
الكفار ،والمسلم مأمور برعايته ،والحربي ل يؤاخذ بمثل ذلك.
إذا عرفا هذا فلو قهر الحربي أباه الحربي أو ابنه فهل يعتق عليه .بمجرد ذلك
كما لو ملك المسلم فرعه أو أصله أو ل؟ بل يجوز له بيعه لنه غير مكلف
وجهان .أشبههما في الرافعي وغيره :الول.
ومنها :يحرم على المسلم نكاح الوثنية قطعا ،وهل تحل للذمي؟ فيه وجهان
في الكفاية لبن الرفعة ولعل مدركها هذا الصل.
ومنها :تحريم نظر الذمية إلى المسلمة على الصح.
ومنها :أن المضطر المسلم إذا لم يجد إل ميتة آدمي فيه وجهان أصحهما :نعم،
) (1/328
لن حرمة الحي أعظم .قال الدارمي :والخلفا في ميتة المسلم .أما الكافر
فيحل قطعا انتهى.
ولو كان المضطر كافرا ووجد ميتة مسلم ففي حله وجهان .أقيسهما في زوائد
الروضة :المنع.
ومنها :أن الكافر يمنع من مس المصحف .قاله النووي في باب نواقض
الوضوء من شرح المهذب ،والتحقيق وقياسه :أنه ل يمكن من قراءته جنبا.
وقال الماوردي :الكافر ل يمنع من تلوة القرآن ويمنع من مس المصحف ذكره
في باب نية الوضوء .وفيه نظر مع جزمه بجواز تعليمه ممن يرجى إسلمه.
وظاهر إطلقهم ذلك تمكينه من حمل المصحف واللوح اللذين يتعلم فيهما،
وقد يكون جنبا.
ومنها :إذا وجبت عليه كفارة فأداها حال كفره ،ثم أسلم ل تجب عليه العادة،
وهذا بخلفا ما لو اغتسل عن جنابته ،أو توضأ أو تيمم ثم أسلم ،فالمذهب
الصحيح :وجوب العادة خلفا لبي بكر الفارسي.
) (1/329
التنبيه الثالث] :استثناء بعض الصور[
إن القائلين بتكليفه ورجوع الفائدة لحكام الدنيا استثنوا صورا ل يجري عليه
فيها أحكام المسلمين ،لجل عقيدتهم بإباحته في صور:
منها :شرب الخمر ل يحدون به على المذهب لعتقادهم إباحته .ومنها :لو
غصب منه الخمر ردت عليه .ومنها :ل يمنع من لبس الحرير في الصح .ومنها:
الحكم بصحة أنكحتهم على ما يعتقدون .ومنها :ل يمنع من لبس الحرير في
الصح .مساجدنا .ومنها :أنه ل يحرم على الكافر الجنب اللبث في المسجد،
لن الكفار كانوا يدخلون مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ويطيلون الجلوس،
ول شك أنهم كانوا يجنبون .ويخالف المسلم ،فإنه يعتقد حرمة المسجد فيؤاخذ
بموجب اعتقاده والكافر ل يعتقد حرمته ول يلزم تفاصيل التكليف فجاز أن ل
يؤاخذ به كذا علله الرافعي.
ثم قال :وهذا كما أن الكافر ل يحد على شرب الخمر ،لنه ل يعتقد تحريمه
والمسلم يحد.
ومنها :تفضيل معاملتهم على معاملة المسلمين ،فإنا إذا قلنا :ليسوا مخاطبين
كانت معاملتهم فيما أخذوه على خلفا القواعد الشرعية أخف من معاملة
المسلم ،لنه
) (1/329
عاص بذلك العقد ،وقد نهاه الله عنه ولم ينه الكافر .ولذلك قال الشيخ عز
الدين :ما يأخذه الفرنج من أموال بعضهم بعضا يملكونه بالقهر بخلفا أخذهم
أموال المسلمين ل يملكونها بالقهر ،فيكون الحلل الذي بأيديهم أوسع من
الحلل الذي بأيدي المسلمين .وظهر بما ذكرنا أن الخلفا نشأ في هذه الفروع
من كونه غير ملتزم لحكام المسلمين ل من أنه مخاطب أو ل.
ولهذا قال الشيخ أبو محمد في الفروق :وقد جزم بجواز المكث في المسجد
للجنب .فإن قيل :أليس الصحيح أنهم مخاطبون بالفروع كالمسلمين؟.
قلنا :التعظيم ينشأ ويتصور من أصل العقيدة ،والكافر غير معتقد سواء قلنا:
إنهم مخاطبون أو ل ،وفائدة الخطاب زيادة عقوبتهم في الخرة.
قلت :ولهذا إذا ترافعوا إلينا وفرعنا على وجوب الحكم بينهم وهو الصح ،فإنا
نجريهم على أحكامنا.
) (1/330
التنبيه الرابع] :إذا أسلم الكافر سقط عنه حق الله تعالى[
أن القائلين بتعلق الخطاب بهم قالوا :يشترط ما وجب منها عند السلم .قاله
ابن الرفعة في كتاب النذر من المطلب ،ثم استشكل ذلك بتخريج مجلي
مسألة نذر الكافر على هذا الصل من جهة أن القائل بصحة النذر إنما يقول
بوجوب الوفاء إذا أسلم ،ثم أجاب أن ذلك فيما إذا ألزمهم الشارع .أما إذا
ألزمهم ذلك بالتزامهم فل يسقط بالسلم ،ولهذا لو أتلف الحربي مال المسلم،
ثم أسلم ل ضمان عليه ،ولو عامله أسلم وجب قضاء دين المعاملة .ا هـ.
وأقول :ل ينبغي إطلق القول هكذا بل إذا أسلموا سقط عنهم حقوق الله
تعالى البدنية كالصلة والصوم بمعنى أنه ل يجب عليهم قضاؤها.
أما المالية :فإن كانت زكاة فكذلك ،لن المغلب فيها حق الله تعالى ،وإن كانت
كفارة ،كقتل الخطأ والظهار لم تسقط .ولو جاوز الميقات ،ثم أسلم وأحرم
دونه لزمه دم ،نص عليه ،وقال المزني :ل دم عليه ولو قتل صيدا في الحرم
لزمه الجزاء على الصح فلو أسلم لم يسقط.
وأما حقوق الدميين :فإن كان قد التزم حكمنا بجزية أو أمان لم يسقط نفسا
ول مال .ولهذا لو قتل ذميا ثم أسلم القاتل لم يسقط القصاص على المعروفا.
وفيه وجه في
) (1/330
"الذخائر" .وإن لم يلتزم حكمنا سقط كالحربي إذا أتلف مال أو نفسا في حال
الحرب مع المسلمين .وعن الستاذ أبي إسحاق أنه يجب .قال الرافعي:
ويعزى للمزني في "المنثور".
أما حدود الله تعالى :فنص الشافعي في الم على أن الذمي إذا زنى ثم أسلم
ل يسقط عنه الحد ،وأما ما وقع في الروضة من سقوط الحد والتعزير عنه عن
نص الشافعي ،وأن ابن المنذر نقله في الشرافا ،فقد راجعت كلم ابن المنذر
فوجدته نسبه لقوله إذ هو بالعراق فهو قديم قطعا ،ونص الم جديد فحصل في
المسألة قولن .حكاهما الدارمي في الستذكار وجهين.
) (1/331
التنبيه الخامس] :جريان الخلفا في خطاب التكليف[
إن الخلفا جار في خطاب التكليف بأسره ،فكل واجب أو محرم هو من محل
الخلفا وكذا المندوب والمباح بمعنى أن كل ما أبيح فهو مباح في حقهم عند
من يرى شمول الخطاب لهم .واستشكل بعضهم تعلق الباحة بهم إذا قلنا
بتكليفهم ،وقلنا :الباحة تكليف ،فإنه حكى الجماع على أنه ل يجوز للمكلف
القدام على فعل وإن كان مباحا في نفس المر حتى يعلم حكم الله فيه،
والكفار ل يعتقدون حكم الله فيه حكما صحيحا ،لنهم يستندون فيه إلى شرعنا
اللزم لنا ولهم ،وشرعهم منسوخ .ومقتضى هذا البحث أن يأثموا في جميع
أفعالهم حتى يؤمنوا ،وفي كلم الشافعي عن بعض أهل العلم ما يشهد له.
أما خطاب الوضع :فمنه ما يرجع إليه لكون الطلق سببا لتحريم الزوجة،
فكذلك ،ومنه ما يكون من باب التلفات والجنايات فل يجري فيها الخلفا بل
هي أسباب للضمان بالجماع ،وكذا ثبوت الدين في ذمتهم من هذا النوع،
ووجوب الحدود عليهم.
والحدود إنما تكون كفارة للمسلمين كما صرح به الشافعي ،والكافر ليس من
أهل الجر والثواب ،وإنما هي في حقه كالدين اللزم ،ولهذا تجب عليه كفارة
الظهار ونحوها ،وينبغي أن يكون الطلق واليمان من هذا القبيل .كذا قاله
بعض المتأخرين.
قلت :ول تصح دعوى الجماع في التلفا والجناية بل الخلفا جار في الجميع.
وقد سبق عن الستاذ أبي إسحاق :أن الحربي إذا قتل مسلما أو أتلف عليه مال
ثم أسلم أنه يجب عليه ضمانها إذا قلنا :الكفار مخاطبون بالفروع .ونقلوا
وجهين أيضا فيما لو دخل الكافر الحرم وقتل صيدا هل يضمنه؟ أصحهما :نعم.
قال صاحب "الوافي":
) (1/331
وهما شبيهان بالوجهين في تمكينه من المسجد إن كان جنبا .يعني نظرا
لعقيدته ،بل قال إمام الحرمين في الساليب من كتاب السير :إن الكفار إذا
استولوا على مال المسلمين فل حكم لستيلئهم ،وأعيان الموال لربابها،
وكأنهم في استيلئهم وإتلفهم كالبهائم.
قال :ومن تقويم هذه المسألة على الخلفا في تكليفهم بالفروع .وقال :هم
منهيون عن استيلئهم .ا هـ .ثم قال هذا المتأخر :ومنه الرث والملك به ،ولول
ذلك لما ساغ بيعهم لوارثهم وما يشترونه ،ول معاملتهم وكذا صحة أنكحتهم إذا
صدرت على الوضاع الشرعية ،والخلفا في ذلك ل وجه له.
ومنه كون الزنا سببا لوجوب الحد وذلك ثابت في حقهم ،ولهذا رجم النبي صلى
الله عليه وسلم اليهوديين ،1ول يحسن القول ببناء ذلك على تكليفهم بالفروع،
فإنه كيف يقال بإسقاط الثم عنهم فيما يعتقدون تحريمه لكفرهم؟ وقد تقدم
عن الستاذ حكاية الجماع أن خطاب الزواجر من الزنا والقذفا يتوجه عليهم.
وأما تعلق الزكاة بأموالهم :قلنا :خلفا هل هو تعلق رهن أو جناية أو شركة؟
وهو الصح ،فالظاهر أنه ل يثبت في حقهم .وإن قلنا :إنهم مخاطبون بالزكاة،
لن المقصود تأثيمهم بتركها ل أخذها منهم حالة كفرهم ،والتعلق المذكور إنما
يقصد به تأكد الوجوب لجل أخذ النصاب الواجب عن الضياع فل معنى لبقائه
في حق الكافر ،لنه إن دام على الكفر لم يؤخذ منه ،وإن أسلم سقطت ،وما
كان كذلك فل معنى للتعلق الذي هو يوثقه فيه ،والموجود في حق الكافر إنما
هو المر بأدائها وهذا مشترك بينهم وبين المسلمين ،وثبوتها في الذمة قدر زائد
على ذلك.
قد يقال به في الكافر أيضا ،وإثبات تعلقها بالدين أمر ثالث يختص بالمسلم،
خذ م م م
ة
صد مقم ة
وال فهف م
نأ م
م م
م م
ولن المعتمد في ثبوت الشركة قوله تعالى } :ك ف م
م{َ ]التوبة [103 :ول يدخل الكافر في ذلك .والحاصل :أن الدلة
ت كط مههكرهك م
م
تنقسم إلى ما يتناولهم نحو }ميا أي يمها
ـــــــ
1يشير إلى ما رواه البخاري في صحيحه ،كتاب الحدود ،باب أحكام أهل الذمة
وإحصانهم إذا زنوا ...حديث " "6841بإسناده عن أبي عمر قال :إن اليهود
جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجل منهم وامرأة
زنيا ،فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم" :ما تجدون في التوراة في
شأن الرجم؟" .فقالوا :نفضحهم ويجلدون .قال عبد الله بن سلم :كذبتم ،إن
فيها الرجم .فأتوا بالتوراة فنشروها ،فوضع أحدهم يده على آية الرجم ،فقرأ ما
قبلها وما بعدها ،فقال له عبد الله بن سلم :ارفع يدك فرفع يده ،فإذا فيها آية
الرجم .قالوا :صدق يا محمد فيها آية الرجم .فأمر بهما رسول الله صلى الله
عليه وسلم فرجما ،فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة .ورواه
مسلم " "3/1326حديث "."1699
) (1/332
م
مكنوا{َ
س{َ إذا قلنا بتكليفهم بالفروع ،وإلى ما ل يتناولهم نحو }ميا أي يمها ال ب ف
نآ م
البنا ك
ذي م
ونحوه فل يتناولهم لفظا ول يثبت حكمها لهم إل بدليل منفصل.
) (1/333
التنبيه السادس] :حصول الشرط الشرعي هل هو شرط في التكليف؟[
إن من الناس من ترجم هذه المسألة بأن حصول الشرط الشرعي هل هو
شرط في التكليف أم ل؟ وفيه نظر من وجهين:
أحدهما :أن الطهارة عن الحيض والنفاس شرط شرعي مع أن حصولها شرط
التكليف بالصلة والصوم ،ولهذا استثنى بعضهم هذه المسألة من هذه الترجمة.
والثاني :قاله الصفي الهندي أن المحدث مكلف بالصلة إجماعا يعني ،وقضية
هذه الترجمة وجود خلفا فيه.
قلت :زعم أبو هاشم :أن المحدث غير مخاطب بالصلة إجماعا ولو بقي سائر
دهره محدثا ،وأنه لو مات عوقب على ترك الطهارة فقط ،لن الخطاب بالصلة
ل يتوجه إل بعد تحصيل الطهارة.
قال المام :وخرق الجماع في ذلك ،فإن أراد أنه غير مخاطب بفعل الصلة
ناجزا مع بقاء حدثه ،فصحيح.
قال المازري :وهذا الذي قاله ابن الجبائي صرح به ابن خويز منداد من
أصحابنا ،فقال :إن المحدث غير مخاطب بالصلة ولو دخل الوقت ،وأشار إلى
أنه مذهب مالك ،لقوله في الحائض :إذا طهرت قبل الغروب أعني في إدراكها
الصلة أن يبقى من الوقت قدر ما تغتسل فيه وتدرك ركعتين من العصر.
قلت :وهو أحد قولي الشافعي .أعني اعتبار إدراك زمن الطهارة للوجوب وهذا
كله وإن كان خلفا واهيا لكن شمول الترجمة له أولى.
ومنهم من ترجمها بأن الكفار مخاطبون بفروع اليمان وقال ابن برهان :وهو
خطأ لن الصلة غير صحيحة من الكافر وهو منهي عنه ،فكيف يخاطب بها؟
وهذا أخذه من كلم إمام الحرمين السابق في تحقيق المذهب.
وقد يقال :بأنه خلفا قريب ،لن المام مسلم أنهم يعاقبون بترك الفروع
لتركهم التوصل إليها على ما صرح به في المحدث ل لتنجيز المر عليهم
بإيقاعها حالة الكفر وهذا عين مذهب الصحاب وإنما الخلفا في أنا نقول :هم
معاقبون بترك الفروع،
) (1/333
والمام يقول بترك التوصل إليها ،قال الخلفا إلى اللفظ .وقد قالوا :لو أتى
الكافر الميقات مريدا لنسك ،فأحرم منه لم ينعقد إحرامه .وقال في الشامل:
في انعقاد إحرامه قولن .قال في البحر :وهو غلط عندي ولم يذكره غيره.
) (1/334
التنبيه السابع
أن هذه المسألة فرعية ،وذكرها في الصول لبيان أصل مختلف فيه ،وهو أن
المكان المشترط في التكليف هل يشترط فيه أن يكون ناجزا مع الخطاب أو
ل؟ وقال إلكيا الهراسي في مطالع الحكام :مأخذ هذه المسألة أنه ليس في
ترتيب الثواني على الوائل ما يخرجها عن أن تكون ممكنة .يعني أن ترتيب
التكليف على اشتراط تقديم اليمان ،وهو ترتيب أمر ثان على
)اضغط هنا للنتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على النترنت(
الكتاب :البحر المحيط في أصول الفقه
المؤلف :بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي
)المتوفى 794 :هـ(
المحقق :محمد محمد تامر
الناشر :دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان
الطبعة :الطبعة الولى1421 ،هـ 2000 /م
مصدر الكتاب :موقع مكتبة المدينة الرقمية
http://www.raqamiya.org
]ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي[
]جواز خطاب الكفار بالفروع عقل[ أما الجواز عقل فمحل وفاق كما قاله إلكيا
الطبري ،ومراده وفاق أصحابنا ،وإل فقد نقل عن ابن برهان في الوسط عن
عبد الجبار وغيره أنه ل يجوز أن يخاطبوا عقل بالفروع ،وحكاه صاحب كفاية
الفحول في علم الصول من الحنفية فقال :أجازه عقل قوم ومنعه آخرون.
]جواز خطاب الكفار بالفروع شرعا[ أما شرعا ففيه مذاهب :أحدها :أنهم
مخاطبون بها مطلقا في الوامر والنواهي بشرط تقدم اليمان ،لقوله تعالى:
قمر{َ ]المدثر [42 :اليات ،ولنه تعالى ذم قوم شعيب
س م
م ففي م
ما م
سل مك مك ك م
} م
بالكفر ونقص المكيال ،وقوم لوط بالكفر وإتيان الذكور ،وذم عادا قوم هود
م ب مط م م
ذا ب مط م م
بالكفر وشدة البطش بقوله تعالى} :ومإ ف م
ن{َ ]الشعراء:
م م
شت ك م
شت ك م
جببافري م
[130ونص عليه الشافعي في مواضع:
منها :تحريم ثمن الخمر عليهم ،وقال في "الم" 1في باب حج الصبي يبلغ،
والمملوك يعتق ،والذمي يسلم ،فيما إذا أهل كافر بحج ،ثم جامع ،ثم أسلم قبل
عرفة فجدد إحراما وأراق دما لترك الميقات أجزأته عن حجة السلم ،لنه ل
يكون مفسدا في حال الشرك ،لنه كان غير محرم .قال :فإن قال قائل :فإذا
زعمت أنه كان في إحرامه غير محرم ،أفكان الفرض عنه موضوعا؟ قيل :ل بل
كان عليه وعلى كل واحد أن يؤمن بالله عز وجل ورسوله ويؤدي الفرائض التي
أنزلها الله تبارك وتعالى على نبيه ،غير أن السنة تدل ،وما لم أعلم
]المسلمين[ اختلفوا فيه أن كل كافر أسلم ائتنف الفرائض من يوم أسلم ،ولم
يؤمر بإعادة ما فرط فيه في الشرك منها ،وأن السلم يهدم ما قبله إذا أسلم
ثم استقام .هذا لفظه .وهو قول أكثر أصحابنا كما حكاه القاضيان الطبري
والماوردي وسليم الرازي في التقريب والشيخ أبو إسحاق والحليمي.
وقال في المنهاج :إنه مفرع على قولنا :إن الطاعات من اليمان .قال :وقد
ورد في الحديث :أن رجل قال :يا رسول الله أيؤاخذ الله أحدا بما عمل في
الجاهلية؟ قال" :من أحسن في السلم لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ،ومن
أساء في السلم أخذ بالول والخر" .2قال :وهذا يدل على المؤاخذة
بالنواهي إذا يحسن في السلم،
ـــــــ
1انظر الم "."2/130
2رواه البخاري ،كتاب استتابة المرتدين ،باب إثم من أشرك بالله ،...حديث "
"6921ورواه مسلم " "1/111حديث " ."120بلفظ قال أناس لرسول الله
صلى الله عليه وسلم :يا رسول الله ،أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟ قال" :
أما من أحسن منكم في السلم فل يؤاخذ بها ،ومن أساء أخذ بعمله في
الجاهلية والسلم" .
) (1/321
لنتفاء ما يحبطها بخلفا من أسلم وأحسن فإن .إسلمه يحبط كفره ،وحسناته
تحبط سيئاته ومجرد السلم ل ينافي المعاصي لجواز صدورها من السلم فل
يكون محبطا لها .ا هـ.
وقال القاضي عبد الوهاب وأبو الوليد الباجي :إنه ظاهر مذهب مالك وكذلك
نقلوه عن أحمد بن حنبل في أصح الروايتين عنه ،وهو محكي عن الكرخي
والجصاص من الحنفية أيضا .وقال أبو زيد الدبوسي .إنه قول أهل الكلم،
ومذهب عامة مشايخ أهل العراق من الحنفية ،لن الكفر رأس المعاصي فل
يستفيد به سقوط الخطاب.
والقول الثاني :أنهم غير مكلفين بالفروع وهو قول جمهور الحنفية ،وبه قال
عبد الجبار من المعتزلة والشيخ أبو حامد السفراييني من أصحابنا كما رأيته
في كتابه .عبارته :إنه هو الصحيح عندي ،ووقع في المنتخب نسبته لبي إسحاق
السفراييني ،وهو غلط ،فإن أبا إسحاق يقول بتكليفهم كما نقله الرافعي عنه
في أول كتاب الجراح وهو كذلك موجود في كتابه في الصول :ظاهر كلم
الشافعي يدل عليه ،قال :والصحيح من مذهبه :ما بدأنا به .ا هـ.
وقال البياري :إنه ظاهر مذهب مالك.
قلت :اختاره ابن خويز منداد المالكي ،وقال في كتابه المسمى بالجامع إنه
الذي يأتي عليه مسائل مالك أنه ل ينفذ طلقهم ،ول أيمانهم ول يجري عليهم
حكم من الحكام .وزاد حتى قال :إنهم إنما يقطعون في السرقة ،ويقتلون في
الحرابة من باب الدفع ،فهو تعزير ل حد ،لن الحدود كفارات لهلها وليست هذه
كفارات .وزاد ،فقال :إن المحدث غير مخاطب بالصلة إل بعد فعل الطهارة،
واستدل على ذلك من كلم مالك رضي الله عنه بقوله في الحائض :إنها تنتظر
ما بقي من الوقت بعد غسلها وفراغها من المر اللزم.
وقال أبو زيد الدبوسي :ليس عن أصحابنا المتقدمين في هذه المسألة نص،
وإنما تؤخذ من فروعهم ،وقد ذكر محمد بن الحسن أن من نذر الصوم ،ثم ارتد
ثم أسلم لم يلزمه قضاؤه ،لن الشرك أبطل كل عبادة ،وإنما أراد وجوبها ،لنه
لم يؤده بعد.
قال :ولم أر لهذا المذهب حجة يعتمد عليها ،وقد تفكرت في ذلك فلم أجد إل
أن الكافر ليس بأهل للعبادة ،لنه ل يثاب كما لم يجعل العبد أهل لملك المال
فلما لم يكن من أهل الملك لم يكن من أهل الخطاب.
وقال العالم من الحنفية :لم ينقل عن ثقة من أصحابنا نص في المسألة ،لكن
) (1/322
المتأخرين منهم خرجوا على تفريعاتهم ،فإن محمدا قال :إن الكافر إذا دخل
مكة فأسلم وأحرم لم يكن عليه دم لترك الميقات ،لنه لم يكن عليه ،ولو كان
للكافر عبد مسلم ل تجب عليه صدقة فطره ،ويحل للمسلم وطء زوجته
النصرانية إذا خرجت من الحيض لعادتها دون العشرة قبل أن تغتسل ،ويمضي
عليها وقت صلة ،لنه ليس عليهم.
وقال السرخسي ،ل خلفا أنهم مخاطبون باليمان والعقوبات والمعاملت في
الدنيا والخرة ،وأما في العبادات بالنسبة إلى الخرة كذلك .أما في حق وجوب
الداء في الدنيا فهو موضع الخلفا ،فذهب العراقيون من مشايخنا إلى أنهم
مكلفون ،لنه لو لم تجب لم يؤاخذوا على تركها .قال :وهذه المسألة لم ينص
عليها أصحابنا ،لكن بعض المتأخرين استدلوا من مسائلهم على هذا ،وعلى
الخلفا بينهم وبين الشافعي ،فإن المرتد إذا أسلم ل يجب عليه قضاء صلوات
الردة خلفا للشافعي فدل على أن المرتد غير مخاطب بالصلة عندنا ،ثم
ضعف الستدلل .قال :ومنهم من جعل هذه المسألة فرعا لصل معروفا بيننا
وبينهم :أن الشرائع عنده من نفس اليمان ،وهم مخاطبون باليمان،
فيخاطبون بالشرائع ،وعندنا ليست من نفس اليمان فل يخاطبون بأدائها ما لم
يؤمنوا ،وهذا ضعيف ،فإنهم مخاطبون بالعقوبات والمعاملت وليس ذلك من
اليمان.
قال ابن القشيري :والقائلون بأنهم غير مخاطبين انقسموا فمنهم من صار إلى
استحالة تكليفهم عقل ،ومنهم من لم يحله ،ولكنهم مع الجواز لم يكلفوا.
وقال القاضي :أقطع بالجواز ،ول أقطع بأن هذا الجائز وقع ،ولكن يغلب على
الظن وقوعه.
والثالث :أنهم مكلفون بالنواهي دون الوامر ،لن النتهاء ممكن في حالة
الكفر ،ول يشترط فيه التقرب ،فجاز التكلف بها دون الوامر ،فإن شرطها
العزيمة ،وفعل التقريب مع الجهل بالمقرب إليه محال ،فامتنع التكليف بها.
وحكى النووي هذه الثلثة في التحقيق أوجها للصحاب ،وسبق حكاية الستاذ
وابن كج الولين قولين للشافعي ،وعلله الشيخ أبو المعالي عزيزي بن عبد
الملك في كتاب بيان البرهان بأن العقوبات تقع عليهم في فعل المنهيات دون
ترك المأمورات .أل ترى أنهم يعاقبون على ترك اليمان بالقتل والسبي وأخذ
الجزية ،ويحد في الزنا والقذفا ويقطع في السرقة ،ول يؤمر بقضاء شيء من
العبادات ،وإن فعلها في كفره لم تصح منه؟ ونقله صاحب اللباب من الحنفية
عن أبي حنيفة وعامة أصحابه.
) (1/323
]تكليف الكفار بالنواهي[ وذهب بعض أصحابنا إلى أنه ل خلفا في تكليفهم
بالنواهي ،وإنما الخلفا في تكليفهم بالوامر .قاله الشيخ أبو حامد السفراييني
في كتابه الصول والبندنيجي في أول كتاب قسم الصدقات من تعليقه قال:
وأما المعاصي فمنهيون عنها بل خلفا بين المسلمين ،وهذه طريقة جيدة.
وقال الستاذ أبو إسحاق السفراييني في كتابه في الصول :ل خلفا أن
خطاب الزواجر من الزنا والقذفا يتوجه على الكفار كما يتوجه على
المسلمين .ا هـ.
وهذا يوجب التوقف فيما حكاه الرافعي عن الستاذ أبي إسحاق فيما إذا قتل
الحربي مسلما أو أتلف عليه مال ثم أسلم أنه يجب ضمانها إذا قلنا :إن الكفار
مخاطبون بالفروع .قال :وذكر العبادي أنه يعزى ذلك أيضا للمزني في المنثور.
وقال المازري :ل وجه لهذا التفضيل ،لن النهي في الحقيقة أمر ،وكأنهم قالوا:
إن التروك ل تفتقر إلى تصور بخلفا الفعل.
والرابع :أنهم مخاطبون بالوامر فقط .حكاه ابن المرحل في الشباه والنظائر
ولعله انقلب مما قبله ،ويرده الجماع السابق على تكليفهم بالنواهي.
والخامس :أن المرتد مكلف دون الكافر الصلي .حكاه القاضي عبد الوهاب
في الملخص والطرطوشي في العمدة ،للتزام أحكام السلم .ول معنى لهذا
التفصيل ،لن مأخذ النقي فيهما سواء ،وهو جهله بالله تعالى ،ومقتضى هذا أن
الخلفا يطرق الصل والمرتد لكن ظاهر عبارة المام في المحصول أن
الخلفا ل يطرق المرتد ،والشبه الول .ولهذا نقل الصحاب عن الحنفية أن
الردة تسقط العمال السابقة وتمنع الوجوب في الحال .ولهذا قالوا :إن
المرتد ل يقضي صلة أيام ردته ،وعندنا تلزمه.
وقال القاضي الحسين في تعليقه :يمكن بنا الخلفا في إحباط الردة العمال
على أن الكفار مخاطبون بالشرائع أم ل؟ فإن قيل :لو ساوى المرتد الصلي
لم يجب عليه قضاء أيام ردته.
قلت :إنما وجب القضاء على المرتد ،لن السلم بخروجه منه ل يسقط بخلفا
الصلي ،وقد قال الشافعي :في الزكاة على المرتد قولن أحدهما :يجب،
والثاني موقوفا .قال ابن أبي هريرة :وهو نظير الصلة ،لنه كما إذا أسلم
يزكي فكذا إذا أسلم يصلي.
والسادس :أنهم مكلفون بما عدا الجهاد ،أما الجهاد فل ،لمتناع قتالهم
) (1/324
أنفسهم ،حكاه القرافي .قال :ول أعرفا أين وجدته.
قلت :صرح به إمام الحرمين في النهاية ،فقال :والذمي ليس مخاطبا بقتال
الكفار ،وكذا قال الرافعي في كتاب السير :الذمي ليس من أهل فرض الجهاد.
ولهذا إذا استأجره المام على الجهاد ل يبلغ به سهم راجل على أحد الوجهين،
كالصبي والمرأة .نعم يجوز للمام استئجاره على الجهاد على الصح ،وهذا يدل
على أنه غير فرض عليه ،وإل لما جاز كما ل يجوز استئجار المسلم عليه.
السابع :الوقف .حكاه سليم الرازي في تقريبه عن بعض الشعرية ،وحكاه
الشيخ أبو حامد السفراييني عن الشعري نفسه.
وقال إمام الحرمين في المدارك :عزي إلى الشافعي ترديد القول في خطاب
الكفار بالفروع ونصه في الرسالة :الظهر أنهم مخاطبون بها.
قلت :وقد يخرج من تصرفا الصحاب في الفروع مذهب ثامن :وهو التفصيل
بين الحربي فليس بمكلف دون غيره ،ولهذا يقولون في القصاص والسرقة
والشرب وغير ذلك :ل يجب حدها على الحربي ،لعدم التزامه الحكام بخلفا
الذمي .وحكى الطرطوشي في العمدة أن الواقفية من علمائهم وافقوا على
كونهم مخاطبين إل أنهم قالوا :إن دخولهم في الخطاب لم يكن بظواهرها،
وإنما دخلوها بدليل .ا هـ وبه يخرج مذهب تاسع.
وقال إمام الحرمين في التلخيص :الصائرون إلى أنهم مخاطبون ل يدعون ذلك
عقل وجوبا بل يجوزون في حكم العقل خروجهم عن التكليف في أحكام
الشرع .كيف وقد أخرج كالحائض عن التزام الصلة والصيام؟ ولكن هؤلء
يزعمون أن تكليفهم سائغ عقل وترك تكليفهم جائز عقل غير أن في أدلة
السمع ما يقتضي تكليفهم ،وأما الذين صاروا إلى منع تكليفهم ،فاختلفوا،
فمنهم من صار إلى استحالته ،ومنهم من جوزه عقل ومنع إبطال أدلة السمع
بهم.
) (1/325
تنبيهات
التنبيه الول] :استحالة مخاطبة الكافر بإنشاء فرع على الصحة[
في تحقيق مقالة أصحابنا :قال إمام الحرمين :التحقيق أن الكافر مستحيل أن
يخاطب بإنشاء فرع على الصحة ،وكذا المحدث يستحيل أن يخاطب بإنشاء
الصلة الصحيحة مع بقاء الحدث ،ولكن هؤلء مخاطبون بالتوصل إلى ما يقع
آخرا ،ول يتنجز
) (1/325
المر عليهم بإيقاع المشروط قبل وقوع الشرط ،ولكن إذا مضى من الزمان ما
يسع الشرط والمشروط والوائل والواخر ،فل يمنع أن يعاقب الممتنع على
حكم التكليف معاقبة من يخالف أمرا نوجبه عليه ناجزا .فمن أبى ذلك قضى
عليه قاطع العقل بالفساد ،ومن جوز تنجز الخطاب بإيقاع المشروط قبل وقوع
الشرط فقد سوغ تكليف ما ل يطاق ،ومن أراد أن يفرق بين الفروع وأواخر
العقائد وبين صلة المحدث فهو مبطل مطلقا.
وقال في كتاب الفرائض من النهاية :من زعم أنهم مخاطبون ،أراد ربط المأثم
بهم في درئهم بالشرع المشتمل على تفصيل الحكام ولم يتعرضوا لستحقاق
العقاب على كل محرم في الشرع اقتحموه وكل واجب تركوه ،فأما ما يتعلق
بهم بقواعد الشريعة وشرائطها فل سبيل إلى التزامها انتهى.
وقال إلكيا الطبري :إطلق القول بتكليفهم ل يصح ،لنه كيف يكلفون بما لو
فعلوه لما صح؟ ولنه تكليف ما ل يطاق.
والصواب :أن نقول :مكلفون بالتوصل إلى الفروع به وتقدم الصل ،فإذا مضى
زمن يمكن فيه تحصيل الصل والفرع أثموا عليها معا كالمحدث على ترك
الصلة وهذا نافع في الجمع بين إطلق أصحابنا في الصول التكليف وفي
الفروع أن الصلة والزكاة والصيام والحج ل تجب على الكافر الصلي ،ولم يزل
هذا الشكال يدور في النفس.
وجمع المام فخر الدين الرازي والنووي وغيرهما بأن مراد الفقهاء أنه ل
يطالب بها في الدنيا مع كفرهم ،فإذا أسلم أحدهم ل يلزمه قضاء الماضي ولم
يتعرضوا لعقوبة الخرة .ومراد الصوليين العقاب الخروي زيادة على عقاب
الكفر ،ولم يتعرضوا للمطالبة في الدنيا ،وهذه الطريقة فاسدة أوقعهم فيها
قول الصوليين :فائدته مضاعفة العقاب في الخرة ،وهو صحيح .ولم يريدوا به
أنه ل تظهر فائدة الخلفا في خطاب الكفار بالفروع إل في الخرة ،بل هو
جواب عما التزم الخصم في مسائل خاصة ل تظهر للخلفا فيها فائدة دنيوية
كالزكاة ونحوها ،وذلك المر الخاص ،ول يستلزم من ذلك عدم الفائدة مطلقا،
فإن الفقهاء فرعوا على هذا الخلفا أحكاما كثيرة تتعلق بالدنيا :وما ذكره
هؤلء في الجمع يقتضي أن ل يصح التخريج أصل للتصريح بأن المراد هنا غير
مراد ثم.
) (1/326
التنبيه الثاني] :هل يخاطب الكافر بالفروع[
زعم الشيخان أبو حامد السفراييني في كتابه وأبو إسحاق في "شرح اللمع"،
وإمام الحرمين في باب السير من النهاية ،ووالده الشيخ أبو محمد في
الفروق ،وأبو الحسين في المعتمد ،والقاضي عبد الوهاب في الملخص،
والمام في المحصول ،وغيرهم :هل الخلفا إنما يظهر في استحقاق العقاب
لجل إخلله بالشرعيات أم ل؟ للتفاق على أنه ل يلزم الفعل حال الكفر على
أن يكون قضاء منه لكفره ،وعلى أنه ل يلزم القضاء إذا أسلم ،وحكاه صاحب
المصادر أيضا عن الشريف المرتضى ،فقال :فائدة الخلفا :أن من قال.
بالخطاب قال :يستحقون الذم منا والعقاب منه تعالى على الخلل بها ،كما
يستحقون ذلك بالخلل باليمان ،ومن قال :ليسوا مخاطبين فإنهم ل يستحقون
ذلك على الخلل بالعبادات بل على الكفر وترك اليمان ل غير.
وقال القرافي :له فوائد:
منها :تيسير السلم ،فإنه إذا علم أنه مخاطب وهو خير النفس بفعل الخيرات
كان ذلك سببا في تيسير إسلمه.
ومنها :الترغيب في السلم وغير ذلك.
وقد قال أبو الفضل بن عبدان من أصحابنا في كتاب شرائط الحكام :إن عدم
وجوب الصلة وغيرها من العبادات على الكافر مفرع على القول بأنهم غير
مخاطبين .قال :فإن قلنا بالصحيح إنهم مخاطبون فليس السلم من شروط
وجوب الصلة بل تجب الصلة على الكافر كلما دخل الوقت.
فإن قيل :كيف تجب عليه وهي ل تصح منه؟
قلنا :كالمحدث ل تصح منه ومع ذلك تجب عليه بشريطة الوضوء ،فيقال له:
أسلم وصل ،يقال للمحدث :توضأ وصل.
وقال القاضي أبو القاسم بن كج في التجريد والماوردي في باب قسم
الصدقات :اختلف أصحابنا في المشركين هل هم مخاطبون بالزكاة وإن لم
تؤخذ منهم؟ على وجهين .بناء على اختلفا أصحابنا هل خوطبوا مع اليمان
بالعبادات؟ فذهب أكثر أصحابنا إلى ذلك لمخاطبتهم باليمان وأنهم يعاقبون
على تركه.
) (1/327
وقال آخرون وهو قول العراقيين :إنهم في حال الكفر إنما خوطبوا باليمان
وحده ولم يتوجه إليهم الخطاب بالعبادات إل بعد اليمان .ا هـ.
وقال القاضي الحسين في تعليقه في كتاب الزكاة :السلم شرط في وجوب
الخراج ل في وجوب الزكاة ،لن الكفار مخاطبون بالشرائع ،فأما الخراج فل
يجب عليهم إل المرتد في أحد القولين هذا كلمه وبه يجتمع كلم الصوليين
والفقهاء أيضا.
وبنى القفال عليه فيما حكاه القاضي الحسين في السرار إذا غنم الكفار
أموال المسلمين ل يملكونها عندنا خلفا لبي حنيفة.
قال القاضي :قلت :لو كانوا مخاطبين لما سقط الضمان عنهم ،فقال القفال:
الضمان واجب غير أنه سقط بالسلم لئل يرغبوا عنه خيفة انتزاع ما ملكوه من
أيديهم .وبنى عليه القاضي الحسين إحباط العمل بالردة كما سبق .وبنى عليه
المتولي حرمة التصرفا في الخمر عليهم .قال :وعندنا أن التصرفا في الخمر
حرام عليهم .خلفا لبي حنيفة.
وبنى عليه القاضي مجلي في الذخائر أنه إذا أسلم هل يصلي على قبر من مات
من المسلمين في كفره؟ إذا قلنا :ل يصلي عليه إل من كان من أهل الفرض.
وبنى عليه أيضا صحة النذر من الكافر ،وقضية البناء تصحيحه ،لكن الصح:
المنع ،لنه قربة.
وتقدم عن الستاذ أبي إسحاق أن إيجاب الضمان على الحربي إذا أسلم مفرع
على خطابهم.
ومنها :لو مر الكافر بالميقات وهو مريد النسك فجاوزه ،ثم أسلم وأحرم ولم
يعد إليه ،فعليه دم مع أنه حالة مروره لم يكن مكلفا عندهم بمعنى أنه يلزمه
ذلك ،وقال أبو حنيفة والمزني :ل دم عليه جريا على هذا الصل.
ومنها :لو قهر حربي حربيا ملكه ،ويخالف المسلم إذا قهر حربيا ،فإنه ل يجري
على من قهره الرق حتى يرقه المام أو نائبه ،لن للمام اجتهادا في أسارى
الكفار ،والمسلم مأمور برعايته ،والحربي ل يؤاخذ بمثل ذلك.
إذا عرفا هذا فلو قهر الحربي أباه الحربي أو ابنه فهل يعتق عليه .بمجرد ذلك
كما لو ملك المسلم فرعه أو أصله أو ل؟ بل يجوز له بيعه لنه غير مكلف
وجهان .أشبههما في الرافعي وغيره :الول.
ومنها :يحرم على المسلم نكاح الوثنية قطعا ،وهل تحل للذمي؟ فيه وجهان
في الكفاية لبن الرفعة ولعل مدركها هذا الصل.
ومنها :تحريم نظر الذمية إلى المسلمة على الصح.
ومنها :أن المضطر المسلم إذا لم يجد إل ميتة آدمي فيه وجهان أصحهما :نعم،
) (1/328
لن حرمة الحي أعظم .قال الدارمي :والخلفا في ميتة المسلم .أما الكافر
فيحل قطعا انتهى.
ولو كان المضطر كافرا ووجد ميتة مسلم ففي حله وجهان .أقيسهما في زوائد
الروضة :المنع.
ومنها :أن الكافر يمنع من مس المصحف .قاله النووي في باب نواقض
الوضوء من شرح المهذب ،والتحقيق وقياسه :أنه ل يمكن من قراءته جنبا.
وقال الماوردي :الكافر ل يمنع من تلوة القرآن ويمنع من مس المصحف ذكره
في باب نية الوضوء .وفيه نظر مع جزمه بجواز تعليمه ممن يرجى إسلمه.
وظاهر إطلقهم ذلك تمكينه من حمل المصحف واللوح اللذين يتعلم فيهما،
وقد يكون جنبا.
ومنها :إذا وجبت عليه كفارة فأداها حال كفره ،ثم أسلم ل تجب عليه العادة،
وهذا بخلفا ما لو اغتسل عن جنابته ،أو توضأ أو تيمم ثم أسلم ،فالمذهب
الصحيح :وجوب العادة خلفا لبي بكر الفارسي.
) (1/329
التنبيه الثالث] :استثناء بعض الصور[
إن القائلين بتكليفه ورجوع الفائدة لحكام الدنيا استثنوا صورا ل يجري عليه
فيها أحكام المسلمين ،لجل عقيدتهم بإباحته في صور:
منها :شرب الخمر ل يحدون به على المذهب لعتقادهم إباحته .ومنها :لو
غصب منه الخمر ردت عليه .ومنها :ل يمنع من لبس الحرير في الصح .ومنها:
الحكم بصحة أنكحتهم على ما يعتقدون .ومنها :ل يمنع من لبس الحرير في
الصح .مساجدنا .ومنها :أنه ل يحرم على الكافر الجنب اللبث في المسجد،
لن الكفار كانوا يدخلون مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ويطيلون الجلوس،
ول شك أنهم كانوا يجنبون .ويخالف المسلم ،فإنه يعتقد حرمة المسجد فيؤاخذ
بموجب اعتقاده والكافر ل يعتقد حرمته ول يلزم تفاصيل التكليف فجاز أن ل
يؤاخذ به كذا علله الرافعي.
ثم قال :وهذا كما أن الكافر ل يحد على شرب الخمر ،لنه ل يعتقد تحريمه
والمسلم يحد.
ومنها :تفضيل معاملتهم على معاملة المسلمين ،فإنا إذا قلنا :ليسوا مخاطبين
كانت معاملتهم فيما أخذوه على خلفا القواعد الشرعية أخف من معاملة
المسلم ،لنه
) (1/329
عاص بذلك العقد ،وقد نهاه الله عنه ولم ينه الكافر .ولذلك قال الشيخ عز
الدين :ما يأخذه الفرنج من أموال بعضهم بعضا يملكونه بالقهر بخلفا أخذهم
أموال المسلمين ل يملكونها بالقهر ،فيكون الحلل الذي بأيديهم أوسع من
الحلل الذي بأيدي المسلمين .وظهر بما ذكرنا أن الخلفا نشأ في هذه الفروع
من كونه غير ملتزم لحكام المسلمين ل من أنه مخاطب أو ل.
ولهذا قال الشيخ أبو محمد في الفروق :وقد جزم بجواز المكث في المسجد
للجنب .فإن قيل :أليس الصحيح أنهم مخاطبون بالفروع كالمسلمين؟.
قلنا :التعظيم ينشأ ويتصور من أصل العقيدة ،والكافر غير معتقد سواء قلنا:
إنهم مخاطبون أو ل ،وفائدة الخطاب زيادة عقوبتهم في الخرة.
قلت :ولهذا إذا ترافعوا إلينا وفرعنا على وجوب الحكم بينهم وهو الصح ،فإنا
نجريهم على أحكامنا.
) (1/330
التنبيه الرابع] :إذا أسلم الكافر سقط عنه حق الله تعالى[
أن القائلين بتعلق الخطاب بهم قالوا :يشترط ما وجب منها عند السلم .قاله
ابن الرفعة في كتاب النذر من المطلب ،ثم استشكل ذلك بتخريج مجلي
مسألة نذر الكافر على هذا الصل من جهة أن القائل بصحة النذر إنما يقول
بوجوب الوفاء إذا أسلم ،ثم أجاب أن ذلك فيما إذا ألزمهم الشارع .أما إذا
ألزمهم ذلك بالتزامهم فل يسقط بالسلم ،ولهذا لو أتلف الحربي مال المسلم،
ثم أسلم ل ضمان عليه ،ولو عامله أسلم وجب قضاء دين المعاملة .ا هـ.
وأقول :ل ينبغي إطلق القول هكذا بل إذا أسلموا سقط عنهم حقوق الله
تعالى البدنية كالصلة والصوم بمعنى أنه ل يجب عليهم قضاؤها.
أما المالية :فإن كانت زكاة فكذلك ،لن المغلب فيها حق الله تعالى ،وإن كانت
كفارة ،كقتل الخطأ والظهار لم تسقط .ولو جاوز الميقات ،ثم أسلم وأحرم
دونه لزمه دم ،نص عليه ،وقال المزني :ل دم عليه ولو قتل صيدا في الحرم
لزمه الجزاء على الصح فلو أسلم لم يسقط.
وأما حقوق الدميين :فإن كان قد التزم حكمنا بجزية أو أمان لم يسقط نفسا
ول مال .ولهذا لو قتل ذميا ثم أسلم القاتل لم يسقط القصاص على المعروفا.
وفيه وجه في
) (1/330
"الذخائر" .وإن لم يلتزم حكمنا سقط كالحربي إذا أتلف مال أو نفسا في حال
الحرب مع المسلمين .وعن الستاذ أبي إسحاق أنه يجب .قال الرافعي:
ويعزى للمزني في "المنثور".
أما حدود الله تعالى :فنص الشافعي في الم على أن الذمي إذا زنى ثم أسلم
ل يسقط عنه الحد ،وأما ما وقع في الروضة من سقوط الحد والتعزير عنه عن
نص الشافعي ،وأن ابن المنذر نقله في الشرافا ،فقد راجعت كلم ابن المنذر
فوجدته نسبه لقوله إذ هو بالعراق فهو قديم قطعا ،ونص الم جديد فحصل في
المسألة قولن .حكاهما الدارمي في الستذكار وجهين.
) (1/331
التنبيه الخامس] :جريان الخلفا في خطاب التكليف[
إن الخلفا جار في خطاب التكليف بأسره ،فكل واجب أو محرم هو من محل
الخلفا وكذا المندوب والمباح بمعنى أن كل ما أبيح فهو مباح في حقهم عند
من يرى شمول الخطاب لهم .واستشكل بعضهم تعلق الباحة بهم إذا قلنا
بتكليفهم ،وقلنا :الباحة تكليف ،فإنه حكى الجماع على أنه ل يجوز للمكلف
القدام على فعل وإن كان مباحا في نفس المر حتى يعلم حكم الله فيه،
والكفار ل يعتقدون حكم الله فيه حكما صحيحا ،لنهم يستندون فيه إلى شرعنا
اللزم لنا ولهم ،وشرعهم منسوخ .ومقتضى هذا البحث أن يأثموا في جميع
أفعالهم حتى يؤمنوا ،وفي كلم الشافعي عن بعض أهل العلم ما يشهد له.
أما خطاب الوضع :فمنه ما يرجع إليه لكون الطلق سببا لتحريم الزوجة،
فكذلك ،ومنه ما يكون من باب التلفات والجنايات فل يجري فيها الخلفا بل
هي أسباب للضمان بالجماع ،وكذا ثبوت الدين في ذمتهم من هذا النوع،
ووجوب الحدود عليهم.
والحدود إنما تكون كفارة للمسلمين كما صرح به الشافعي ،والكافر ليس من
أهل الجر والثواب ،وإنما هي في حقه كالدين اللزم ،ولهذا تجب عليه كفارة
الظهار ونحوها ،وينبغي أن يكون الطلق واليمان من هذا القبيل .كذا قاله
بعض المتأخرين.
قلت :ول تصح دعوى الجماع في التلفا والجناية بل الخلفا جار في الجميع.
وقد سبق عن الستاذ أبي إسحاق :أن الحربي إذا قتل مسلما أو أتلف عليه مال
ثم أسلم أنه يجب عليه ضمانها إذا قلنا :الكفار مخاطبون بالفروع .ونقلوا
وجهين أيضا فيما لو دخل الكافر الحرم وقتل صيدا هل يضمنه؟ أصحهما :نعم.
قال صاحب "الوافي":
) (1/331
وهما شبيهان بالوجهين في تمكينه من المسجد إن كان جنبا .يعني نظرا
لعقيدته ،بل قال إمام الحرمين في الساليب من كتاب السير :إن الكفار إذا
استولوا على مال المسلمين فل حكم لستيلئهم ،وأعيان الموال لربابها،
وكأنهم في استيلئهم وإتلفهم كالبهائم.
قال :ومن تقويم هذه المسألة على الخلفا في تكليفهم بالفروع .وقال :هم
منهيون عن استيلئهم .ا هـ .ثم قال هذا المتأخر :ومنه الرث والملك به ،ولول
ذلك لما ساغ بيعهم لوارثهم وما يشترونه ،ول معاملتهم وكذا صحة أنكحتهم إذا
صدرت على الوضاع الشرعية ،والخلفا في ذلك ل وجه له.
ومنه كون الزنا سببا لوجوب الحد وذلك ثابت في حقهم ،ولهذا رجم النبي صلى
الله عليه وسلم اليهوديين ،1ول يحسن القول ببناء ذلك على تكليفهم بالفروع،
فإنه كيف يقال بإسقاط الثم عنهم فيما يعتقدون تحريمه لكفرهم؟ وقد تقدم
عن الستاذ حكاية الجماع أن خطاب الزواجر من الزنا والقذفا يتوجه عليهم.
وأما تعلق الزكاة بأموالهم :قلنا :خلفا هل هو تعلق رهن أو جناية أو شركة؟
وهو الصح ،فالظاهر أنه ل يثبت في حقهم .وإن قلنا :إنهم مخاطبون بالزكاة،
لن المقصود تأثيمهم بتركها ل أخذها منهم حالة كفرهم ،والتعلق المذكور إنما
يقصد به تأكد الوجوب لجل أخذ النصاب الواجب عن الضياع فل معنى لبقائه
في حق الكافر ،لنه إن دام على الكفر لم يؤخذ منه ،وإن أسلم سقطت ،وما
كان كذلك فل معنى للتعلق الذي هو يوثقه فيه ،والموجود في حق الكافر إنما
هو المر بأدائها وهذا مشترك بينهم وبين المسلمين ،وثبوتها في الذمة قدر زائد
على ذلك.
قد يقال به في الكافر أيضا ،وإثبات تعلقها بالدين أمر ثالث يختص بالمسلم،
خذ م م م
ة
صد مقم ة
وال فهف م
نأ م
م م
م م
ولن المعتمد في ثبوت الشركة قوله تعالى } :ك ف م
م{َ ]التوبة [103 :ول يدخل الكافر في ذلك .والحاصل :أن الدلة
ت كط مههكرهك م
م
تنقسم إلى ما يتناولهم نحو }ميا أي يمها
ـــــــ
1يشير إلى ما رواه البخاري في صحيحه ،كتاب الحدود ،باب أحكام أهل الذمة
وإحصانهم إذا زنوا ...حديث " "6841بإسناده عن أبي عمر قال :إن اليهود
جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجل منهم وامرأة
زنيا ،فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم" :ما تجدون في التوراة في
شأن الرجم؟" .فقالوا :نفضحهم ويجلدون .قال عبد الله بن سلم :كذبتم ،إن
فيها الرجم .فأتوا بالتوراة فنشروها ،فوضع أحدهم يده على آية الرجم ،فقرأ ما
قبلها وما بعدها ،فقال له عبد الله بن سلم :ارفع يدك فرفع يده ،فإذا فيها آية
الرجم .قالوا :صدق يا محمد فيها آية الرجم .فأمر بهما رسول الله صلى الله
عليه وسلم فرجما ،فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة .ورواه
مسلم " "3/1326حديث "."1699
) (1/332
م
مكنوا{َ
س{َ إذا قلنا بتكليفهم بالفروع ،وإلى ما ل يتناولهم نحو }ميا أي يمها ال ب ف
نآ م
البنا ك
ذي م
ونحوه فل يتناولهم لفظا ول يثبت حكمها لهم إل بدليل منفصل.
) (1/333
التنبيه السادس] :حصول الشرط الشرعي هل هو شرط في التكليف؟[
إن من الناس من ترجم هذه المسألة بأن حصول الشرط الشرعي هل هو
شرط في التكليف أم ل؟ وفيه نظر من وجهين:
أحدهما :أن الطهارة عن الحيض والنفاس شرط شرعي مع أن حصولها شرط
التكليف بالصلة والصوم ،ولهذا استثنى بعضهم هذه المسألة من هذه الترجمة.
والثاني :قاله الصفي الهندي أن المحدث مكلف بالصلة إجماعا يعني ،وقضية
هذه الترجمة وجود خلفا فيه.
قلت :زعم أبو هاشم :أن المحدث غير مخاطب بالصلة إجماعا ولو بقي سائر
دهره محدثا ،وأنه لو مات عوقب على ترك الطهارة فقط ،لن الخطاب بالصلة
ل يتوجه إل بعد تحصيل الطهارة.
قال المام :وخرق الجماع في ذلك ،فإن أراد أنه غير مخاطب بفعل الصلة
ناجزا مع بقاء حدثه ،فصحيح.
قال المازري :وهذا الذي قاله ابن الجبائي صرح به ابن خويز منداد من
أصحابنا ،فقال :إن المحدث غير مخاطب بالصلة ولو دخل الوقت ،وأشار إلى
أنه مذهب مالك ،لقوله في الحائض :إذا طهرت قبل الغروب أعني في إدراكها
الصلة أن يبقى من الوقت قدر ما تغتسل فيه وتدرك ركعتين من العصر.
قلت :وهو أحد قولي الشافعي .أعني اعتبار إدراك زمن الطهارة للوجوب وهذا
كله وإن كان خلفا واهيا لكن شمول الترجمة له أولى.
ومنهم من ترجمها بأن الكفار مخاطبون بفروع اليمان وقال ابن برهان :وهو
خطأ لن الصلة غير صحيحة من الكافر وهو منهي عنه ،فكيف يخاطب بها؟
وهذا أخذه من كلم إمام الحرمين السابق في تحقيق المذهب.
وقد يقال :بأنه خلفا قريب ،لن المام مسلم أنهم يعاقبون بترك الفروع
لتركهم التوصل إليها على ما صرح به في المحدث ل لتنجيز المر عليهم
بإيقاعها حالة الكفر وهذا عين مذهب الصحاب وإنما الخلفا في أنا نقول :هم
معاقبون بترك الفروع،
) (1/333
والمام يقول بترك التوصل إليها ،قال الخلفا إلى اللفظ .وقد قالوا :لو أتى
الكافر الميقات مريدا لنسك ،فأحرم منه لم ينعقد إحرامه .وقال في الشامل:
في انعقاد إحرامه قولن .قال في البحر :وهو غلط عندي ولم يذكره غيره.
) (1/334
التنبيه السابع
أن هذه المسألة فرعية ،وذكرها في الصول لبيان أصل مختلف فيه ،وهو أن
المكان المشترط في التكليف هل يشترط فيه أن يكون ناجزا مع الخطاب أو
ل؟ وقال إلكيا الهراسي في مطالع الحكام :مأخذ هذه المسألة أنه ليس في
ترتيب الثواني على الوائل ما يخرجها عن أن تكون ممكنة .يعني أن ترتيب
التكليف على اشتراط تقديم اليمان ،وهو ترتيب أمر ثان على