ƒΘáÑ⌐ ƒΘΩÑ∩ß σ∩ Ü¡φΘ ƒΘστ∞ 004

‫تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة‬
‫)اضغط هنا للنتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على النترنت(‬
‫الكتاب ‪ :‬البحر المحيط في أصول الفقه‬
‫المؤلف ‪ :‬بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي‬
‫)المتوفى ‪794 :‬هـ(‬
‫المحقق ‪ :‬محمد محمد تامر‬
‫الناشر ‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‬
‫الطبعة ‪ :‬الطبعة الولى‪1421 ،‬هـ ‪2000 /‬م‬
‫مصدر الكتاب ‪ :‬موقع مكتبة المدينة الرقمية‬
‫‪http://www.raqamiya.org‬‬
‫]ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي[‬
‫الخآر‪ ،‬ول يجوز دعوى العموم فيهما‪ ،‬لن العموم لللفاظ‪ ،‬فيجب التوقف فيه‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬ليس بمجمل‪ ،‬لنه قصد بيان الشرع دون اللغة‪ ،‬وإضمار أحدهما خآلفا‬
‫الصل‪ ،‬فيجب العموم‪ .‬قال‪ :‬وقلت‪ :‬أما إذا ثبت أنه قصد بيان الشرع‪ ،‬وجب أن‬
‫تكون النية شرطا في العمل دون صفته‪ ،‬فل يصح العمل شرعا إل بالنية‪ ،‬وهذا‬
‫الجواب يغني عن دعوى العموم فيه‪.‬‬
‫وقال أبو الحسين بن القطان‪ :‬إذا قيل‪" :‬إنما العمال بالنيات" ‪" ،‬وإنما الولءا‬
‫لمن أعتق" أفاد شيئين‪ :‬أحدهما‪ :‬إذا وقع بهذا صح‪ ،‬وإذا لم يأت به لم يصح‪.‬‬
‫وهذا معقول الخطاب‪ .‬وقيل‪ :‬أراد الكمال ل الصحة‪ .‬ولنا إذا بطل الصحة‪ ،‬بطل‬
‫الكمال أيضا‪ .‬فهو أكثر عموما فهو أكثر فائدة‪ .‬قال‪ :‬وكان ابن أبي هريرة يقول‪:‬‬
‫قوله‪" :‬إنما العمال بالنيات" ‪ ،‬ليس المراد إخآراجه من العدم إلى الوجود‪،‬‬

‫فتعين أن يكون المراد به صحته أو كماله‪ ،‬لكن حمله على الصحة أولى‪ ،‬لنه‬
‫إنما يكون عامل بنيته‪.‬‬
‫ح‬
‫حوا ب سحر ح‬
‫م{ْ ]المائدة‪ [6 :‬ذهب بعض الحنفية‬
‫ؤو س‬
‫س ح‬
‫م س‬
‫سك م‬
‫ومنها ‪ :‬قوله تعالى‪} :‬سوا م‬
‫إلى أنه مجمل‪ .‬لتردده بين الكل والبعض‪ ،‬والسنة بينت البعض‪ .‬وحكاه في‬
‫المعتمد عن أبي عبد الله البصري‪ ،‬وقال آخآرون‪ :‬ل إجمال‪ ،‬ثم اخآتلفوا‪ ،‬فقالت‬
‫المالكية‪ :‬يقتضي مسح الجميع‪ ،‬لن الرأس حقيقة في جميعهما‪ ،‬والباءا إنما‬
‫دخآلت لللصاق‪.‬‬
‫وقال الشريف المرتضى فيما حكاه "صاحب المصادر"‪ :‬إنه يقتضي التبعيض‪.‬‬
‫قال‪ :‬لن المسح فعل متعد بنفسه غير محتاج إلى حرفا التعدية‪ ،‬بدليل قوله‪:‬‬
‫مسحته كله‪ ،‬فينبغي أن يفيد دخآوله الباءا فائدة جديدة‪ ،‬فلو لم يفد التبعيض‬
‫لبقي اللفظ عاريا عن الفائدة‪.‬‬
‫وقالت طائفة‪ :‬إنها حقيقة فيما ينطلق عليه السم‪ ،‬وهو القدر المشترك بين‬
‫مسح الكل والبعض‪ ،‬فيصدق بمسح البعض‪ .‬ونسبه في "المحصول" للشافعي‪.‬‬

‫قال البيضاوي هنا‪ :‬وهو الحق وهو مخالف لثباته مجيءا الباءا للتبعيض‪.‬‬
‫ونقل ابن الحاجب عن الشافعي وأبي الحسين وعبد الجبار ثبوت التبعيض‬
‫بالعرفا‪ ،‬والذي في المعتمد لبي الحسين عن عبد الجبار أنها تفيد في اللغة‬
‫تعميم مسح الجميع‪ ،‬لنه متعلق بما يسمى رأسا‪ ،‬وهو اسم للجملة ل للبعض‪،‬‬
‫لكن العرفا يقتضي إلحاق المسح بالرأس إما جميعه‪ ،‬وإما بعضه‪ ،‬فيحمل المر‬
‫عليه ثم قال‪ :‬إنه الولى‪ ،‬ثم قال ابن الحاجب‪ :‬وعلى قول الشافعي ومن وافقه‬

‫ل إجمال‪ .‬ا هـ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وعبارة الشافعي في كتاب "أحكام القرآن"‪ :‬فكان معقول في الية أن‬

‫) ‪(3/52‬‬

‫من مسح من رأسه شيئا‪ ،‬فقد مسح برأسه‪ ،‬ولم تحتمل الية إل هذا‪ ،‬وهذا‬
‫أظهر معانيها‪ ،‬أو مسح الرأس كله‪ .‬قال‪ :‬فدلت السنة على أن ليس على المرءا‬
‫مسح رأسه كله‪ ،‬وإذا دلت السنة على ذلك فمعنى الية‪ :‬أن من مسح شيئا من‬
‫رأسه أجزأه‪ .‬ا هـ‪ .‬فلم يثبت التبعيض بالعرفا كما زعم ابن الحاجب‪.‬‬
‫وقال صاحب "المصادر"‪ :‬ينبغي على قول الشافعية أن يكون مجمل‪ ،‬لنه إذا‬
‫أفاد إلصاق المسح بالرأس من غير تعميم أو تبعيض صار محتمل لهما‪ ،‬فيصير‬
‫مجمل‪.‬‬
‫وقولهم‪ :‬إنه صار مفيدا للتبعيض ممنوع‪ .‬وقال الصفهاني‪ :‬مذهب الولين‬

‫أقرب إلى النص‪ ،‬ومذهب الشافعي‪ ،‬وأبي حنيفة أقرب إلى الفعل‪.‬‬
‫ومنها قال بعض الحنفية‪ :‬آية السرقة مجملة‪ ،‬إذ اليد للعضو من المنكب‬
‫والمرفق والكوع لستعمالها فيها‪ ،‬والقطع للبانة والشق‪ ،‬لنه استعمل فيهما‬
‫ومنعه الجمهور‪ ،‬بل اليد حقيقة في العضو إلى المنكب‪ ،‬ولما دونه مجاز‪ ،‬لصحة‬
‫بعض اليد‪ ،‬ولفهم الصحابة إذ مسحوا إلى الباط لما نزلت آية التيمم‪ ،‬والمجاز‬
‫خآير من الشتراك‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬اليد في الشرع تستعمل مطلقة ومقيدة‪ ،‬فالمطلقة تنصرفا‬
‫إلى الكوع بدليل آية التيمم‪ ،‬وآية السرقة وآية المحاربة‪ .‬وقوله‪" :‬فل يغمس‬
‫يده حتى يغسلها ثلثا" وقوله‪" :‬إذا أفضى بيده إلى فرجه فليتوضأ" ‪ 1‬والمقيدة‬
‫بحسب ما قيدت به‪ ،‬كآية الوضوءا‪ ،‬فل إجمال‪ ،‬والقطع حقيقة في البانة‪،‬‬
‫وإطلقه على الشق لوجودها فيه‪ ،‬والتواطؤ خآير من الشتراك‪.‬‬
‫ص{ْ‬
‫صا‬
‫ق‬
‫ح‬
‫رو‬
‫ومنها ‪ :‬ما ورد من الوامر بصيغة الخبر‪ ،‬كقوله تعالى‪} :‬سوال م ح‬
‫ج ح س س س ص‬
‫ن{ْ ]البقرة‪ [228 :‬قوله عليه‬
‫مط سل ل س‬

‫قا ح‬
‫]المائدة‪ [45 :‬وقوله‪} :‬سوال م ح‬
‫ت ي ست سسرب ل م‬
‫ص س‬
‫السلم‪" :‬الثيب تشاور"‪ 2‬فذهب الجمهور إلى أنها تفيد اليجاب‪ ،‬وقال قوم من‬
‫الصوليين‬
‫ـــــــ‬
‫‪ 1‬الحديث رواه البيهقي في سننه ‪ 1/133‬حديث ‪ 631‬عن أبي هريرة موقوفا‬
‫بلفظ "من أفضى بيده إلى فرجه فليتوضأ" ورواه الحاكم في المستدرك‬
‫‪ 1/231‬حديث ‪ 473‬عن بسرة بنت صفوان مرفوعا بلفظ "من مس فرجه‬
‫فليتوضأ" ورواه أبو داود ‪ ،1/46‬كتاب الطهارة باب‪ :‬الوضوءا من مس الذكر‪،‬‬
‫برقم ‪ ،181‬ولفظه "من مس ذكحره فليتوضأ" والترمذي ‪ ،1/126‬برقم ‪82‬‬
‫بلفظ "من مس ذكره فل يصل حتى يتوضأ" وهو حديث صحيح‪.‬‬
‫‪ 2‬ذكره ابن حجر في فتح الباري‪ .‬قال‪ :‬وقد وقع في رواية الوزاعي عن يحيى‬
‫في هذا الحديث عند ابن المنذر والدارمي والدارتقطني "ل تنكح الثيب"‪ .‬ووقع‬
‫عند ابن المنذر في رواية عمر بن أبي سلمة عن أبيه في هذا الحديث "الثيب‬
‫تشاور" ا‪ .‬هـ انظر فتح الباري ‪ .99-9/98‬قلت‪ :‬ولم أجده في سنن الدارمي‬
‫ول في سنن الدارقطني المطبوزعين‪ ،‬فلعلها في نسخة أخآرى لم تصلنا‪.‬‬

‫) ‪(3/53‬‬


‫وأصحاب الشافعي‪ :‬إنه موقوفا فيه إلى دليل يعين جهة من الجهات‪ ،‬لنه يتعذر‬
‫الحمل على ظاهره‪ ،‬وهو الخبر لنا نجد مطلقة ل تتربص‪ ،‬وجرحا ل يقتص‪ ،‬وثيبا‬
‫ل تشاور‪ .‬واللفظ ل يتعرض لجهة أخآرى بالنص فل بد في تعيين الجهة من دليل‪.‬‬
‫وحجة الجمهور أنها خآير من الله‪ .‬فلو حمل على حقيقة الخبر‪ ،‬لزم الخلف في‬
‫خآبر الله‪ ،‬فوجب حملها على إرادة المر‪ ،‬كذا حكاه صاحب "الكبريت الحمر"‬
‫وأدخآله في باب الجمال‪..‬‬

‫) ‪(3/54‬‬

‫مسألة ‪ :‬حرفا النفي قد يدخآل على الماهية‬
‫م‬
‫ا‬
‫ا‬
‫س‬
‫ن سفيسها لمغوا سول ت سأسثيما{ْ ]الواقعة‪[25:‬‬
‫محعو س‬
‫والمراد نفي الصل‪ ،‬كقوله‪} :‬ل ي س م‬
‫س س‬
‫من مسها{ْ ]الجاثية‪ [35 :‬وقد يراد به نفي الكمال مع‬

‫م ل يح م‬
‫ن س‬
‫جو س‬
‫خسر ح‬
‫وقوله‪} :‬سفال مي سوم س‬
‫س‬
‫ن{ْ ]التوبة‪ [12 :‬ثم‬
‫م ي سن مت سحهو س‬
‫ما س‬
‫م ل سعسل لهح م‬
‫ن ل سهح م‬
‫م ل أي م س‬
‫بقاءا الصل‪ ،‬كقوله تعالى‪} :‬إ سن لهح م‬
‫س‬
‫م{ْ ]التوبة‪ [13 :‬فنفاها أول‪ ،‬ثم أثبتها ثانيا‪،‬‬
‫قال‪} :‬سأل ت ح س‬
‫قات سحلو س‬
‫مان سهح م‬
‫وما ا ن سك سحثوا أي م س‬
‫ن قس م‬

‫فدل على أنه لم يرد نفي الصل‪ ،‬بل نفي الكمال‪ .‬وهذا كله إنما أخآذ من‬
‫القرينة‪ ،‬فأما عند الطلق كقوله‪" :‬ل صلة إل بفاتحة الكتاب" ‪ 1‬و "ل صيام‬
‫لمن لم يبيت الصيام من الليل" ‪ 2‬و "ل نكاح إل بولي" ‪ ،3‬و "ل صلة لجار‬
‫المسجد إل في المسجد" ‪ 4‬ونحوه‪ ،‬فاخآتلفوا هل هي مجملة أم ل؟ا فنقل‬
‫الجمال عن القاضيين أبي بكر‪ ،‬وعبد الجبار‪ ،‬والجبائيين أبي علي وابنه‪ ،‬وأبي‬
‫عبد الله البصري‪ .‬قال ابن برهان‪ :‬إل أن الجبائيين ادعيا الجمال من وجه‪،‬‬
‫والقاضي من وجه آخآر‪ .‬وقال ابن البياري‪ :‬إنما صار القاضي إلى الجمال‪ ،‬لنه‬
‫نفى السماءا الشرعية‪ ،‬والذي دل اللفظ على نفيه موجود‪ ،‬فافتقر إلى التقدير‪،‬‬
‫وتعدد المقدر‪ .‬ونقله الستاذ أبو منصور عن أهل الرأي‪ .‬ونقل المازري عن‬
‫القاضي أبي بكر الوقف‪ .‬قال‪ :‬وهو غير مذهب الجمال‪،‬‬
‫ـــــــ‬
‫‪ 1‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب الذان‪ ،‬باب‪ :‬وجوب القراءاة للمام والمأمةم في‬
‫الصلة‪ ،‬برقم ‪ 756‬بلفظ‪ :‬عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪" :‬ل صلة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" ورواه مسلم ‪ 1/295‬كتاب‬
‫الصلة‪ ،‬باب وجوب قراءاة الفاتحة في كل ركعة‪ ،‬برقم ‪.394‬‬
‫‪ 2‬حديث صحيح‪ ،‬سبق تخريجه‪.‬‬
‫‪ 3‬حديث صحيح‪ ،‬سبق تخريجه‪.‬‬
‫‪ 4‬رواه الدارقطني في سننه من حديث جابر ‪ .1/419‬وهو حديث ضعيف‪.‬‬

‫) ‪(3/54‬‬


‫فيقول‪ :‬يحتمل عندي نفي الجزاءا ونفي الكمال ل أكثر من ذلك‪ ،‬حتى يقوم‬
‫دليل على أحد المرين‪ :‬والقائل بالجمال يقول‪ :‬إنه يستغرق جميع الشياءا‬
‫الصالحة للنفي‪ .‬قلت‪ :‬وهذا ظاهر كلم القاضي في "التقريب"‪ .‬بل صرح في‬
‫صدر كلمه بأنه بمجمل‪.‬‬

‫وذهب الجمهور إلى أنها عامة‪ ،‬منهم‪ :‬القفال الشاشي‪ ،‬والستاذ أبو إسحاق‪،‬‬
‫ونقله إمام الحرمين في "التلخيص"‪ ،‬وابن القشيري عن معظم الفقهاءا‪،‬‬
‫وصححه ابن برهان‪ ،‬وابن السمعاني‪ ،‬وحكاه عن الصحاب‪ ،‬وقال ابن القطان‪:‬‬
‫إنه الظاهر‪ .‬قال‪ :‬وتجاهل قوم فقالوا‪ :‬ليس فيه دللة على دفعه‪.‬‬
‫قال شارح "اللمع"‪ :‬واخآتلفوا إلى ماذا يعود النفي على وجهين‪ :‬أحدهما‪ :‬إلى‬
‫نفي المذكور‪ ،‬وهو النكاح الشرعي‪ ،‬والصلة الشرعية‪ ،‬والصوم الشرعي‪ ،‬لنه‬
‫الذي ورده به الشرع‪ ،‬وذلك لم يوجد مع شرطه المذكور‪ ،‬فاستغنى هذا عن‬
‫دعوى العموم في المضمر‪ ،‬وعن حمل الكلم على التناقض‪ ،‬وعلى معنيين‬
‫مختلفين‪ ،‬لن النبي عليه السلم بعث لبيان الشرعيات‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬بل يرجع إلى الصفات التي يقع بها العتداد في الكفاية‪ ،‬كما يرجع النفي‬
‫عند أهل اللسان في قول القائل ليس في البلد سلطان‪ ،‬على نفي الصفات‬
‫التي يقع بما الكفاية‪ ،‬وهذه الصفات وإن لم تكن مذكورة‪ ،‬فهي معقولة من‬
‫ظاهر اللفظ فنزلت منزلة الملفوظ به‪.‬‬
‫وقال بعض المتأخآرين‪ :‬اخآتلف الصوليون في النفي إذا وقع في الشرع على‬

‫ماذا يحمل‪ ،‬فقال بعضهم يلحق بالمجملت‪ ،‬لن نفيه يقتضي نفي الذوات‪،‬‬
‫ومعلوم ثبوتها حسا‪ ،‬فقد صار المراد مجهول‪ .‬وهذا الذي قالوه خآطأ‪ ،‬فإن‬
‫المعلوم من عادة العرب أنها ل تضع هذا النفي للذات في كل مكان‪ ،‬وإنما‬
‫تورده مبالغة‪ ،‬فتذكر الذات‪ ،‬ليحصل لها ما أرادت من المبالغة‪.‬‬
‫وقال آخآرون‪ :‬بل يحمل على نفي الذات‪ ،‬وسائر أحكامها‪ ،‬ويخص الذات بالدليل‬
‫على أن النبي عليه السلم لم يرده‪.‬‬
‫وقال قوم‪ :‬لم تقصد العرب إلى نفي الذات‪ ،‬ولكن لنفي أحكامها‪ ،‬ومن أحكامها‬
‫الكمال والجزاءا‪ ،‬فيحمل اللفظ على العموم فيها‪ .‬وأنكر هذا بعض المحققين‪،‬‬
‫لن العموم ل يصح دعواه فيما يتنافى‪ ،‬ول شك أن نفي الكمال يشعر بحصول‬
‫الجزاءا‪ ،‬فإذا قدر الجزاءا منفيا لتحقق العموم‪ ،‬قدر ثابتا لتحقق إشعار نفي‬
‫الكمال بثبوته‪ ،‬وهذا يتناقض‪ ،‬وما يتناقض ل يحتمل الكمال‪ ،‬وصار المحققون‬
‫إلى التوقف بين نفي الجزاءا‬

‫) ‪(3/55‬‬

‫ونفي الكمال‪ ،‬وادعوا الحتمال من هذه الجهة‪ ،‬ل بما قال الولون‪ ،‬فعلى هذه‬
‫المذاهب يخرج "ل صلة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" ‪.‬‬
‫والقائلون اخآتلفوا في سببه على ثلثة مذاهب‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬أنها ظاهرة في نفي الوجود‪ ،‬وهو ل يمكن‪ ،‬لنه واقع قطعا‪ ،‬فاقتضت‬
‫إيهاما‪.‬‬

‫والثاني ‪ :‬أنها ظاهرة في نفي الوجود‪ ،‬ونفي الحكم‪ ،‬فصار مجمل‪.‬‬
‫والثالث ‪ :‬أنها مترددة بين نفي الجواز ونفي الوجود‪ .‬قال المقترح‪ :‬وهو الليق‬
‫بمذهب القاضي‪ .‬قلت‪ :‬قد سبق التصريح به عنه في كتاب "التقريب"‪ .‬وصرح‬
‫بنقله عنه ابن القشيري‪ ،‬ورده‪.‬‬
‫وقال القاضي أبو الطيب‪ :‬الصحيح حمل اللفظ على نفي المنطوق به‪ ،‬دون‬
‫صفته لنه ظاهر اللفظ‪ ،‬ويغني عن دعوى العموم فيه‪ ،‬يعني أنه يلزم من نفي‬
‫الصل نفي صفته‪ .‬وقال الستاذ أبو منصور‪ :‬الصحيح عندنا أن لفظ النفي في‬
‫الشرع يقتضي نفي العين‪ ،‬كقوله‪" :‬ل نكاح إل بولي" ‪ ،‬و "ل صلة إل بطهور"‬

‫فأما قوله‪" :‬ل وضوءا لمن لم يذكر اسم الله" ‪ 1‬فإنما أراد ذكر القلب‪ ،‬ول يصح‬
‫بدونه‪ .‬وقوله‪" :‬ل صلة لجار المسجد إل في المسجد" أراد بالمسجد المكان‬
‫الطاهر‪ ،‬بدليل قوله‪" :‬جعلت لي الرض كلها مسجدا" ‪ 2‬انتهى‪.‬‬
‫وأجاز الشيخ أبو حامد تقدير نفي الصحة‪ ،‬وحكى عن أهل العراق نفي الكمال‪،‬‬
‫وعن بعض أصحابنا أنه يقتضي نفي المرين جميعا‪.‬‬
‫واخآتار إمام الحرمين والغزالي أن النفي ظاهر في الجزاءا ‪ .3‬محتمل على‬
‫الخفاءا لنفي الكمال‪ ،‬فإن عضده دليل قوي يزيد على قوة الظهور انصرفا إلى‬
‫الكمال وإل فهو ظاهر في الجزاءا‪ .‬فعرفا الشرع عندهم عرفا مقصود‪ ،‬وله‬
‫في اللفاظ اللغوية تصرفا‪ ،‬ومعنى الجزاءا عندهم أسماءا الصورة الشرعية‪.‬‬
‫ـــــــ‬
‫‪ 1‬جزءا من حديث‪ :‬رواه أبو داود ‪ ،1/25‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب‪ :‬في التسمية على‬

‫الوضوءا‪ ،‬برقم ‪ ،101‬وابن ماجة ‪ ،1/139‬برقم ‪ ،397‬وهو حديث حسن‪.‬‬
‫‪ 2‬رواه الترمذي ‪ ،2/131‬كتاب الصلة‪ ،‬باب‪ :‬ما جاءا أن الرض كلها مسجد إل‬
‫المقبرة والحمام‪ ،‬برقم ‪ ،317‬بلفظ‪" :‬جعلت لي الرض مسجدا وطهورا""‬
‫ورواه النسائي‪ ،‬كتاب المساجد‪ ،‬باب‪ :‬الرخآصة في ذلك‪ ،‬برقم ‪ ،736‬بلفظ‬
‫الترمذي‪ .‬وابن ماجة‪ ،‬برقم ‪ 567‬بلفظ الترمذي‪ .‬وهو حديث صحيح‪.‬‬
‫‪ 3‬انظر البرهان ‪.307 ،1/304‬‬

‫) ‪(3/56‬‬

‫وقال الماوردي‪ :‬إذا كان الحكم مطلقا يحتمل الجواز‪ ،‬ونفي الكمال‪ .‬قال‪:‬‬
‫ويجري على مذهب من قال‪" :‬يوقف المحتمل" يجعل هذا موقوفا‪ ،‬لنه‬
‫محتمل‪ ،‬والقائلون بالعموم اخآتلفوا‪ :‬هل النفي انصب إلى العيان والحكام فهو‬
‫عام فيهما‪ ،‬ثم خآصت العيان بدليل الحس أو العقل‪ ،‬وبقيت الحكام على‬
‫موجبها‪ ،‬ويجري ذلك مجرى تخصيص اللفظ العام‪ ،‬أو انصب إلى الحكام فقط‪،‬‬
‫ول يقدر دخآول العيان ليحتاج إلى تخصيصه‪ ،‬لنه عليه السلم لم يتعرض‬
‫للمحسوسات‪ ،‬فهو عام بالنسبة إلى أفراد الحكام على قولين حكاهما إمام‬
‫الحرمين وغيره‪.‬‬
‫قال ابن القشيري‪ :‬والمختار أن اللفظ ظاهر في نفي الجواز‪ ،‬مؤول في نفي‬
‫الكمال‪ ،‬فيحمل عند الطلق على نفي الجواز‪ ،‬ول يحمل على نفي الكمال إل‬
‫بدليل‪ ،‬وهكذا اخآتاره الشيخ أبو إسحاق السفراييني‪ ،‬والمام في "البرهان"‪،‬‬
‫والغزالي في "المنخول"‪ ،‬والماوردي‪ ،‬والروياني في كتاب القضاءا‪ ،‬ونقله أبو‬
‫بكر الرازي في كتابه عن عيسى بن أبان‪ ،‬ثم قال‪ :‬إنه الصحيح‪ .‬وجزم به ابن‬
‫القطان‪ .‬قال‪ :‬وللتعبير عنه طريقان‪ :‬إما أن يقول‪ :‬هو باطل‪ ،‬أو يقول‪ :‬ل كذا‬
‫إل بكذا‪ ،‬فظاهر البطلن إل أن يقوم دليل يصرفه عنه إلى الكمال والفضيلة‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهذا من آكد ما يخاطب به في إيجاب الشيءا‪.‬‬
‫ثم قال إمام الحرمين في "التلخيص" تبعا للقاضي‪ :‬الذي نرتضيه إلحاق اللفظ‬
‫بالمحتملت لتردد اللفظ بين الجواز والكمال‪ ،‬ويستحيل الحمل عليهما جميعا‪،‬‬
‫ول طريق إلى التوقف لتعين لفظ المحتملين‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬هذا هو المذهب الول في ادعاءا الجمال‪ .‬قلنا‪ :‬الفرق بينهما أن‬
‫الذين ادعوا الجمال أول استندوا إلى توقع نفي العيان‪ ،‬وهو مستحيل‪ ،‬ونحن‬
‫أسندنا ادعاءا البهام إلى الحكام‪ .‬قال‪ :‬ثم هذا كله إذا قلنا بإثبات صيغ العموم‪،‬‬

‫فإن منعناه لم نحتج إلى إيضاح وجه الجمال‪.‬‬
‫قال الستاذ أبو إسحاق‪ :‬فقوله‪" :‬ل صلة إل بطهور" من قال‪ :‬إن النفي تعلق‬
‫بالعين‪ ،‬منع من الستدلل به على جواز الصلة وفسادها‪ .‬وقال‪ :‬إن النفي‬
‫يتعلق بالصورة‪ ،‬وقد وجدت‪ ،‬والمصير إلى الجواز والكمال ل بد له من دليل‪،‬‬
‫ومن جعله عاما في الجميع زعم أنه يوجب نفي الحكم‪ ،‬وثبوت العين بالدليل ل‬
‫يمنع من استعمال الظاهر فيما بعده‪ .‬وقال‪ :‬هذا هو الصحيح‪ .‬ا هـ‪.‬‬
‫والمختار‪ ،‬وعليه جماعة أنه إن دخآل على مسمى شرعي‪ ،‬كالصلة‪ ،‬فالمراد‬
‫نفي‬

‫) ‪(3/57‬‬

‫الصحة لمكان حمله عليه‪ ،‬فل إجمال‪ ،‬وإن دخآل على مسمى حقيقي‪ ،‬نظر فيه‬
‫فإن لم يكن إل حكم واحد تعين كقوله‪ :‬ل شهادة لمجلود في قذفا ‪ ،1‬إذ ل يراد‬
‫به نفي الفضيلة‪ ،‬وإن كان حكمان‪ :‬الفضيلة‪ ،‬والجواز فهو مجمل‪ ،‬لعدم التعين‪،‬‬
‫وي{ْ ]النساءا‪ [95 :‬ل يسمى مجمل عند من ل يقول بعمومه‪.‬‬
‫ونحو‪} :‬ل ي س م‬
‫ست س س‬
‫فائدة‬
‫المقدر في قوله ]ل صلة لجار المسجد[‬
‫منع ابن الدهان النحوي تقدير من قدر "ل صلة لجار المسجد" ‪ ،‬بقوله‪ :‬ل صلة‬
‫كاملة‪ :‬من جهة الصناعة‪ ،‬لن الصناعة ل يجوز حذفها‪ ،‬فل يجوز حذفا بعضها‪.‬‬
‫قال‪ :‬وإنما التقدير ل كمال صلة‪ ،‬فحذفا المضافا فأقام المضافا إليه مقامه‪،‬‬
‫وكذا قال العبدري في "شرح المستصفى"‪ :‬من قدر ل صيام صحيح أو مجمل‪،‬‬
‫فقد أبعد‪ .‬لن حذفا الصفة وإبقاءا الموصوفا غير معروفا في كلم العرب‪ ،‬لم‬
‫يأت إل في قولهم‪ :‬سيري سير‪ ،‬وألفاظ قليلة‪ ،‬وإنما المعروفا‪ ،‬وهو حذفا‬
‫الموصوفا وإبقاءا الصفة‪.‬‬
‫ـــــــ‬
‫‪ 1‬لم أجده‪.‬‬

‫) ‪(3/58‬‬

‫مسألة ‪] :‬المقدر في مثل قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬رفع عن أمتي الخطأ"[‬
‫وهذا الخلفا يجري في الرفع أيضا‪ ،‬نحو‪" :‬رفع عن أمتي الخطأ والنسيان" ‪،‬‬
‫"رفع القلم عن الصبي" قال الغزالي‪ .‬قضية اللفظ رفع نفس الخطأ والنسيان‪،‬‬
‫وهو غير معقول‪ ،‬فالمراد به رفع حكمه ل على الطلق‪ ،‬بل الحكم الذي علم‬
‫بعرفا الستعمال قبل الشرع إرادته بهذا اللفظ‪ ،‬وهو دفع الثم فليس بعام في‬
‫جميع أحكامه من الضمان‪ ،‬ولزوم القضاءا وغيره‪ ،‬ول هو يحمل بين المؤاخآذة‬
‫التي ترجع إلى الذم ناجزا وإلى العقوبات آجل‪ ،‬وبين الغرم والقضاءا ل صيغة‬
‫م‬
‫لعمومه حتى يجعل عاما في كل حكم‪ ،‬كما لم يجعل قوله‪ } :‬ح‬
‫ت ع سل سي مك ح م‬
‫م م‬
‫حرر س‬
‫ح‬
‫م {ْ ]النساءا‪ [23 :‬عاما في كل فعل مع أنه ل بد من إضمار الفعل‪ .‬ثم‬
‫مسهات حك ح م‬
‫أ ل‬
‫قال‪ :‬فأما إذا ورد في موضع ل عين فيه فهو مجمل يحتمل نفي الثر مطلقا‪ ،‬أو‬
‫نفي البعض‪.‬‬

‫) ‪(3/58‬‬

‫وحكى شارح "اللمع" في هذا وجهين‪ :‬أحدهما‪ :‬أنه مجمل‪ ،‬لنه يقتضي رفع‬
‫الفعال المذكورة‪ ،‬وهو محال لنها موجودة‪ ،‬فوجب الرجوع إلى ما ليس‬
‫بمذكور‪ ،‬وهو إما الثم أو الحكم‪ ،‬ول يحمل على شيءا إل بدليل‪ .‬ومن أصحابنا‬
‫من قال‪ :‬نحمله على موضع الخلفا‪ ،‬ومنهم من يحمله على العم فائدة‪ .‬قال‪:‬‬
‫والصحيح أنه ليس بمجمل‪ ،‬لنه معقول لغة‪ ،‬فإن السيد لو قال لعبده‪ :‬رفعت‬
‫عنك جنايتك‪ ،‬عقل منه رفع المؤاخآذ عن كل ما يتعلق بالجناية‪ ،‬فعلى هذا ]هل[‬
‫يرجع الرفع إلى الثم والحرج‪ ،‬أو إلى جميع الحكام إل ما أخآرجه دليل فيه‬
‫وجهان‪ ،‬حكاهما في "الرشاد"‪.‬‬
‫وجمع الصفهاني شارح "المحصول" ثلثة مذاهب‪ :‬أحدها‪ :‬أنه مجمل‪ .‬والثاني‪:‬‬
‫الحمل على رفع العقاب آجل والثم ناجزا‪ ،‬وهو مذهب الغزالي لنه المفهوم‬
‫منه في العرفا‪ ،‬وليس بعام في نفي الضمان‪ .‬الثالث‪ :‬واخآتاره الرازي في‬
‫"المحصول" حمله على رفع جميع الحكام الشرعية‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وممن حكى الثلثة القاضي عبد الوهاب في "الملخص "‪ ،‬ونسب الثالث‬
‫لكثر الفقهاءا من أصحابنا وأصحابهم‪ ،‬واخآتار هو الثاني أعني أنه محمول على‬
‫نفي الثم والحرج خآاصة‪.‬‬

‫) ‪(3/59‬‬

‫مسألة ‪ :‬في أن لفظ الشارع إذا دار بين مدلولين‬
‫إن حمل على أحدهما أفاد معنى واحدا‪ ،‬وإن حمل على الخآر أفاد معنيين‪،‬‬
‫وليس هو أظهر بالنسبة إلى أحدهما‪ ،‬فهل هو مجمل بالنسبة إلى كل واحد‬
‫منهما أم هو ظاهر بالنسبة إلى إفادة المعنيين؟ا قال الهندي‪ :‬ذهب الكثرون‬
‫إلى الثاني‪ ،‬وذهب القلون منهم الغزالي إلى أنه مجمل بالنسبة إلى كل واحد‬
‫منهما‪.‬‬
‫قلت‪ :‬واخآتاره ابن الحاجب‪ ،‬والول اخآتيار المدي تكثيرا للفائدة‪ ،‬ولما فيه من‬
‫رفع الجمال الذي هو خآلفا الصل‪ ،‬فمن لم‪ .‬يجعله مجمل يجعله حقيقة في‬
‫المعنيين مجازا في الواحد‪ .‬واللفظ الدائر بين الحقيقة والمجاز ليس بمجمل‬
‫بالنسبة إلى كل منهما‪ ،‬بل هو ظاهر بالنسبة إلى الحقيقة‪ ،‬ومن جعله مجمل ل‬
‫يجعله حقيقة في أحدهما عينا‪ ،‬بل يحتمل غيره احتمال سواءا‪ ،‬أو يكون حقيقة‬
‫في المعنى الواحد‪ ،‬مجازا في المعنيين وبالعكس‪ ،‬وأن يكون حقيقة فيهما‪ ،‬ول‬
‫يرجع لسبب إفادة المعنيين‪ ،‬ثم قال المدي والهندي‪ :‬محل الخلفا إنما هو‬
‫فيما إذا لم يكن حقيقة في المعنيين‪ ،‬فإنه يكون‬

‫) ‪(3/59‬‬

‫مسألة ‪] :‬الذي له مسمى شرعي هل هو مجمل؟ا[‬
‫ما له مسمى شرعي كالصوم والصلة ليس بمجمل عند الكثرين‪ ،‬بل اللفظ‬

‫محمول على الشرعي‪ ،‬لنه عليه السلم بعث لبيان الشريعة ل اللغة‪ ،‬ولن‬
‫الشرع طارئ على اللغة وناسخ لها‪ ،‬فالحمل الناسخ المتأخآر أولى‪ ،‬ولهذا‬
‫ضعفوا قول من حمل الوضوءا من أكل لحم الجزور على النظافة بغسل اليد‪.‬‬
‫وثانيها ‪ :‬أنه مجمل‪ ،‬ونقله الستاذ أبو منصور عن أكثر أصحابنا‪ ،‬وبه قال‬
‫القاضي‪ .‬وقال الغزالي‪ :‬ولعله فرعه على مذهب من يثبت السامي الشرعية‪،‬‬
‫وإل فهو منكر لها‪.‬‬
‫وثالثها ‪ :‬وهو المختار عند الغزالي‪ ،‬التفصيل بين أن يرد مثبتا فيحمل على‬
‫الشرعي‪ ،‬كقوله‪" :‬إني إذن صائم" ‪ 1‬فيستفاد منه صحة نية النهار‪ ،‬وإن ورد‬
‫منفيا فمجمل لتردده بينهما كالنهي عن صيام يوم النحر‪ ،‬وأيام التشريق‪ ،‬فل‬
‫يستفاد منه صحة صومهما من جهة أن النهي عن الممتنع ممتنع‪ .‬وهذا منه بناءا‬
‫على أصله أن النهي ل يقتضي الفساد‪ ،‬ثم هو مع ذلك ل يقول بأنه يقتضي‬
‫الصحة‪.‬‬
‫ورابعها ‪ :‬ل إجمال أيضا‪ ،‬والمراد في الثبات الشرعي‪ ،‬وفي النهي اللغوي‪،‬‬
‫واخآتاره المدي لتعذر حمله على الشرعي‪ ،‬لن الشرعي يستلزم الصحة‪،‬‬
‫والنهي غير صحيح‪ ،‬والصحيح الول‪ ،‬ولهذا اتفقوا على حمل قوله‪" :‬دعي‬
‫الصلة أيام أقرائك" ‪ 2‬على المعنى الشرعي‪ ،‬مع أنه في معنى النهي‪.‬‬
‫تفريع‪] :‬إذا تعذر الحمل على الشرعي[ ‪:‬‬
‫إن قلنا بالصح أنه يحمل على الشرعي‪ ،‬فلو تعذر ولم يمكن الرد إليه إل بضرب‬
‫ـــــــ‬
‫‪ 1‬رواه الترمذي حديث ‪ 734‬بلفظ "إني صائم" والحديث رواه مسلم ‪،2/808‬‬
‫برقم ‪.1154‬‬
‫‪ 2‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب الحيض‪ ،‬باب إذا حاضت في شهر ثلثا حيض‪ ،‬برقم‬
‫‪ 325‬بلفظ عن عائشة أن فاطمة بنت أبي حبيش سألت النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪ :‬إني استحاض فل أطهر أفأدع الصلة؟ا فقال‪" :‬ل‪ ،‬إن ذلك عرق‪،‬‬
‫ولكن دعي الصلة قدر اليام التي كنت زتحيضين فيها‪ ،‬ثم اغتسلي وصلي" وهو‬
‫عند أحمد بلفظ "دعي الصلة أيام حيضك ثم اغتسلي وتوضئي عند كل صلة‬
‫وإن قطر على الحصير" ‪ ،6/42‬حديث ‪.24191‬‬

‫) ‪(3/61‬‬

‫من التجوز‪ ،‬فهل يحمل على اللغوي‪ .‬أو يكون مجمل‪ ،‬أو يرد إلى الشرعي؟ا فيه‬
‫ثلثة مذاهب‪ ،‬واخآتار الغزالي الجمال‪ .‬قال‪ :‬ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم لم ينطق بالحكم العقلي‪ ،‬ول بالسم اللغوي‪ ،‬ول بالحكم الصلي‪ ،‬فترجيح‬
‫الشرعي تحكم‪.‬‬
‫وتمثل المسألة بـ "الطوافا بالبيت صلة" ‪ 1‬وبـ "الثنين فما فوقهما جماعة" ‪2‬‬
‫قال‪ :‬فإنه يحتمل أن يكون المراد أنه يسمى جماعة‪ ،‬وانعقاد الجماعة وحصول‬
‫فضيلتها‪ ،‬والكثرون منهم ابن الحاجب أنه يحمل على الشرعي‪ ،‬لن الشارع‬
‫بعث لبيان الشرعيات‪ ،‬وهو الغلب‪.‬‬
‫وقال الشيخ عز الدين في كتاب "المجاز"‪ :‬أما قوله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫"أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها" فمحمول على صيغة إيجاب النكاح اللغوية‬
‫دون الشرعية‪ ،‬وذلك حقيقة بالنسبة إلى اللغة دون الشرع‪ ،‬كالصلة المحمولة‬
‫على الدعاءا في قوله‪" :‬وإن كان صائما فليصل" ‪ 3‬أي فليدع‪ ،‬وكذلك نهيه عن‬

‫بيع الحر‪ ،‬فإنه محمول على اللغوي دون الشرعي‪ ،‬وأما نهي الحائض عن‬
‫الصلة فليست الصلة فيه محمولة على العرفا الشرعي لتعذره‪ ،‬ول على‬
‫اللغوي الذي هو الدعاءا‪ ،‬لنه خآلفا الجماع‪ ،‬وإنما هو مجاز تشبيه‪ ،‬لن صورة‬
‫صلتها شبيهة بصورة الصلة الشرعية فهو مجاز عن حقيقة شرعية‪ .‬والمختار‪:‬‬
‫أن صلتها مجاز عن مجاز شرعي بالنسبة إلى اللغة‪ ،‬لن الظهر أن تسمية‬
‫الصلة الشرعية بهذا اللفظ من مجاز تسمية الكل باسم جزئه‪ ،‬لن الدعاءا جزءا‬
‫من أجزاءا الصلة‪ ،‬فتجوز به عنها‪ ،‬كما تجوز عنها بالقيام والركوع والسجود‪.‬‬
‫مسألة‬
‫ما له مسمى عرفي وشرعي علم يحمل عند الطلق؟ا وجهان خآرجهما بعض‬
‫المتأخآرين من الخلفا فيمن نذر عتق رقبة‪ ،‬هل يجزئ ما يقع عليه السم في‬
‫العرفا‪ ،‬أو ل يجزئ إل ما يجزئ في الكفارة؟ا فيه وجهان مشهوران‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الراجح الحمل على الحقيقة الشرعية أول‪ ،‬ثم العرفية‪ ،‬ويشهد له ما لو‬
‫ـــــــ‬
‫‪ 1‬الترمذي ‪ ،3/281‬كتاب الحج‪ ،‬باب ما جاءا في الكلم في الطوافا‪.960 ،‬‬
‫وهو حديث صحيح‪.‬‬
‫‪ 2‬رواه ابن ماجة ‪ 1/312‬كتاب إقامة الصلة‪ ،‬حديث ‪ 972‬وهو حديث ضعيف‪.‬‬
‫‪ 3‬جزءا من حديث‪ :‬رواه مسلم ‪ 2/1054‬كتاب النكاح‪ ،‬باب‪ :‬المر بإجابة‬
‫الداعي‪ ، ...‬برقم ‪ 1431‬بلفظ عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان صائما فليصل وإن كان مفطرا‬
‫فليطعم" ‪ .‬وهو عند الترمذي برقم ‪ 780‬وأبو داود ‪.2460‬‬

‫) ‪(3/62‬‬

‫وقف أو أوصى للفقراءا والمساكين ولسبيل الله‪ ،‬فإنه يعتبر من اعتبره الشرع‬
‫في الزكاة‪ ،‬وكذا لو حلف ل يبيع الخمر فإنه ل يحنث ببيعه‪ .‬وكذا لو قال‪ :‬إن‬
‫رأيت الهلل فأنت طالق؟ا فهو محمول على العلم‪.‬‬

‫) ‪(3/63‬‬

‫مسألة ‪] :‬إذا تردد اللفظ بين المسمى العرفي واللغوي أيهما يقدم؟ا[‬
‫إذا تردد اللفظ بين المسمى العرفي واللغوي‪ ،‬قدم العرفي المطرد‪ ،‬ثم‬
‫اللغوي‪ .‬كذا قاله الصوليون‪ .‬ويخالفه قول الفقهاءا‪ :‬ما ليس له حد في الشرع‪،‬‬
‫ول في اللغة‪ ،‬يرجع فيه إلى العرفا‪ .‬فإنه صريح في تأخآير العرفا عن اللغة‪.‬‬
‫وجمع بينهما بوجوه‪ :‬منها‪ :‬عدم ورودهما على محل واحد‪ ،‬فكلم الفقهاءا في‬
‫الضوابط‪ ،‬وهي في اللغة أضبط‪ ،‬فتقدم اللغة بالنسبة إليها‪ ،‬وكلم الصوليين‬
‫في أصل المعنى‪ ،‬وهو في العرفا أظهر‪ ،‬فيقدم بالنسبة إليه‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن كلم الصوليين في اللفظ الصادر من الشارع ينظر فيه إلى عرفه‪،‬‬
‫وهو الشرعي‪ ،‬ثم عرفا الناس‪ ،‬لن الظاهر أنه يخاطبهم بما يتعارفونه‪ ،‬ثم‬
‫اللغوي‪ ،‬وكلم الفقهاءا في الصادر من غيره‪ ،‬ولهذا قال الرافعي في باب‬
‫الطلق‪ :‬إذا تعارض المدلول اللغوي والعرفي فكلم الصحاب يميل إلى اعتبار‬
‫الوضع‪ ،‬والمام‪ ،‬والغزالي يريان اتباع العرفا‪ ،‬وصحح الول لن العرفا ل يكاد‬

‫ينضبط‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬قال الشيخ علءا الدين الباجي‪ :‬مراد الصوليين العرفا الكائن في زمنه‬
‫عليه السلم‪ .‬ومراد الفقهاءا غيره‪ .‬قلت‪ :‬ويظهر أن مراد الصوليين ما إذا‬
‫تعارض معناه في اللغة والعرفا يقدم العرفا‪ .‬ومراد الفقهاءا ما إذا لم يعرفا‬
‫حده في اللغة‪ ،‬فإنا نرجع فيه إلى العرفا‪ ،‬أل ترى إلى قولهم ليس له حد في‬
‫اللغة‪ ،‬ولم يقولوا‪ :‬ليس له معنى‪.‬‬

‫) ‪(3/63‬‬

‫البيان والمبين‬
‫مدخآل‬
‫‪...‬‬
‫البيان والمبين‬
‫قال الغزالي‪ :‬جرت عادة الصوليين بعقد كتاب له‪ .‬وليس النظر فيه مما يجب‬
‫أن يسمى كتابا‪ ،‬فالخطب فيه يسير‪ ،‬والمر فيه قريب‪ ،‬وأولى المواضع به أن‬
‫يذكر عقب المجمل‪ ،‬فإنه المفتقر إلى البيان‪ .‬ا هـ‪ .‬وأمره ليس بالسهل‪ ،‬فإنه‬
‫من جملة أساليب الخطاب‪ ،‬بل هو من أهمها‪ ،‬ولهذا صدر به الشافعي كتاب‬
‫"الرسالة"‪.1‬‬
‫والبيان لغة ‪ :‬اسم مصدر بين إذا أظهر‪ ،‬يقال‪ :‬بين بيانا وتبيانا‪ ،‬ك كلم يكلم‬
‫كلما‪ ،‬وتكليما‪ ،‬قال ابن فورك في كتابه‪ :‬مشتق من البين‪ ،‬وهو الفراق‪ ،‬شبه‬
‫البيان به‪ ،‬لنه يوضح الشيءا‪ ،‬ويزيل إشكاله‪.‬‬
‫وقال أبو بكر الرازي‪ :‬سمي بيانا لنفصاله مما يلتبس به من المعاني‪ ،‬ويشكل‬
‫من أجله‪.‬‬
‫وأما في الصطلح ‪ :‬فيطلق على الدال على المراد بخطاب ثم يستقل بإفادته‪،‬‬
‫ويطلق ويراد به الدليل على المراد‪ ،‬ويطلق على فعل المبين‪.‬‬
‫ولجل إطلقه على المعاني الثلثة اخآتلفوا في تفسيره بالنظر إليها‪ ،‬فلحظ‬
‫الصيرفي فعل المبين‪ ،‬فقال‪ :‬البيان إخآراج الشيءا من حيز الشكال إلى حيز‬
‫التجلي‪.‬‬
‫وقال القاضي في "مختصر التقريب"‪ :‬وهذا ما ارتضاه من خآاض في الصول‬
‫من أصحاب الشافعي‪ .‬وقال القاضي أبو الطيب الطبري‪ :‬إنه الصحيح عندنا‪،‬‬
‫لن كل ما كان إيضاحا لمعنى وإظهارا له‪ ،‬فهو بيان له‪.‬‬
‫واعترضه ابن السمعاني بأن لفظ البيان أظهر من لفظ إخآراج الشيءا من حيز‬
‫الشكال إلى حيز التجلي‪ .‬وللصيرفي منع ذلك‪.‬‬
‫ونقض أيضا بالنصوص الواردة في الحكم المبتدأ من غير سبق إشكال‪ ،‬فإنه‬
‫ربما ورد من الله تعالى بيان لم يخطر ببال أحد‪.‬‬
‫ويخرج منه بيان المعدوم‪ ،‬فإنه ل يقال عليه شيءا‪ ،‬وبيان المعلم لمن ل يفهم‬
‫عنه لقصوره‪ .‬ولعله يمنع تسمية ما كان ظاهرا ابتداءا بيانا‪ .‬وقال الغزالي‪ :‬هذا‬
‫الحد لفرع من البيان‪ ،‬وهو بيان المجمل خآاصة‪ ،‬والبيان يكون فيه وفي غيره‪ .‬ا‬
‫هـ‪.‬‬
‫ـــــــ‬
‫‪ 1‬انظر الرسالة ص‪.21 :‬‬

‫) ‪(3/64‬‬

‫ولحظ القاضي‪ ،‬وإمام الحرمين‪ ،‬والغزالي‪ ،‬والمدي‪ ،‬والمام الرازي‪ ،‬وأكثر‬
‫المعتزلة كأبي هاشم‪ ،‬وأبي الحسين‪ :‬أنه الدليل فحدوه بأنه الدليل الموصل‬
‫بصحيح النظر فيه إلى العلم أو الظن بالمطلوب‪ .‬ا هـ‪.‬‬
‫ولحظ أبو عبد الله البصري أنه نفس العلم أو الظن الحاصل من الدليل‪ ،‬فحده‬
‫بأنه تبيين الشيءا‪ ،‬فهو والبيان عنده واحد‪ .‬كذا قاله الهندي تبعا للغزالي‪.‬‬
‫وحكى أبو الحسين عنه أنه العلم الحادثا‪ ،‬لن البيان هو ما به يتبين الشيءا‪،‬‬
‫والذي به تبين هو العلم الحادثا‪.‬‬
‫قال‪ :‬ولهذا ل يوصف الله سبحانه بأنه مبين‪ ،‬لما كان علمه لذاته ل بعلم حادثا‪.‬‬
‫وقال العبدري بعد حكاية المذاهب‪ :‬الصواب أن البيان هو مجموع هذه المور‬
‫الثلثة‪ ،‬فعلى هذا يكون حده‪ :‬أنه انتقال ما في نفس المعلم إلى نفس المتعلم‬
‫بواسطة الدليل‪ .‬لكن الصطلح إنما وقع على ما رسم به القاضي‪ ،‬وذلك أن‬
‫الدليل هو أقوى المور الثلثة‪ ،‬وأكثرها حظا من إفادة البيان والمبين‪.‬‬
‫وقال الماوردي‪ :‬الذي عليه جمهور الفقهاءا أن البيان إظهار المراد بالكلم الذي‬
‫ل يفهم منه المراد إل به‪ .‬قال ابن السمعاني‪ :‬وهذا الحد أحسن الحدود‪ ،‬ويرد‬
‫عليه ما أورده هو على الصيرفي‪ ،‬أعني الوارد ابتداءا من غير سبق إجمال‪.‬‬
‫وقال شمس الئمة السرخآسي من الحنفية في كتابه‪ :‬اخآتلف أصحابنا في‬
‫معنى البيان‪ ،‬فقال أكثرهم‪ :‬هو إظهار المعنى وإيضاحه للمخاطب منفصل عما‬
‫يستر به‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬هو ظهور المراد للمخاطب‪ ،‬والعلم بالمر الذي حصل‬
‫له عند الخطاب‪ .‬قال‪ :‬وهو اخآتيار أصحاب الشافعي‪ ،‬لن الرجل يقول‪" :‬بان‬
‫هذا المعنى" أي ظهر‪ .‬والصح الول أي الظهار‪ .‬ا هـ‪.‬‬
‫وقال الستاذ أبو إسحاق السفراييني‪ :‬قال أصحابنا في البيان‪ :‬إنه الفهام بأي‬
‫لفظ كان‪ .‬وقال أبو بكر الدقاق‪ :‬إنه العلم الذي يتبين به المعلوم‪ ،‬حكاه‬
‫القاضي أبو الطيب‪.‬‬
‫وذكر الشافعي في "الرسالة"‪ :‬أن البيان اسم جامع لمور متفقة الصول‬
‫متشعبة الفروع‪ ،‬وأقل ما فيه أنه بيان لمن نزل القرآن بلسانه‪ ،‬فاعترض عليه‬
‫أبو بكر بن داود‪ ،‬وقال‪ :‬البيان أبين من التفسير الذي فسره به‪.‬‬
‫قال القاضي أبو الطيب‪ :‬وهذا ل يصح‪ ،‬لن الشافعي لم يقصد حد البيان‬
‫وتفسير معناه‪ ،‬وإنما قصد به أن البيان اسم عام جامع لنواع مختلفة من‬
‫البيان‪ ،‬وهي‬

‫) ‪(3/65‬‬

‫متفقة في أن اسم البيان يقع عليها‪ ،‬ومختلفة في مراتبها‪ ،‬فبعضها أجلى وأبين‬
‫من بعض‪ ،‬لن منه ما يدرك معناه من غير تدبر وتفكر‪ ،‬ومنه ما يحتاج إلى دليل‪،‬‬
‫ولهذا قال عليه السلم‪" :‬إن من البيان لسحرا" ‪ 1‬فأخآبر أن بعض البيان أبلغ‬
‫من بعض‪ ،‬وهذا كالخطاب بالنص والعموم والظاهر‪ ،‬ودليل الخطاب‪ ،‬ونحوه‪،‬‬
‫فجميع ذلك بيان‪ .‬وإن اخآتلفت مراتبها فيه‪ .‬ا هـ‪.‬‬
‫وكذا قال الصيرفي‪ ،‬وابن فورك‪ :‬مراد الشافعي أن اسم البي