ƒΘáÑ⌐ ƒΘΩÑ∩ß σ∩ Ü¡φΘ ƒΘστ∞ 004
تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة
)اضغط هنا للنتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على النترنت(
الكتاب :البحر المحيط في أصول الفقه
المؤلف :بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي
)المتوفى 794 :هـ(
المحقق :محمد محمد تامر
الناشر :دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان
الطبعة :الطبعة الولى1421 ،هـ 2000 /م
مصدر الكتاب :موقع مكتبة المدينة الرقمية
http://www.raqamiya.org
]ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي[
الخآر ،ول يجوز دعوى العموم فيهما ،لن العموم لللفاظ ،فيجب التوقف فيه.
والثاني :ليس بمجمل ،لنه قصد بيان الشرع دون اللغة ،وإضمار أحدهما خآلفا
الصل ،فيجب العموم .قال :وقلت :أما إذا ثبت أنه قصد بيان الشرع ،وجب أن
تكون النية شرطا في العمل دون صفته ،فل يصح العمل شرعا إل بالنية ،وهذا
الجواب يغني عن دعوى العموم فيه.
وقال أبو الحسين بن القطان :إذا قيل" :إنما العمال بالنيات" " ،وإنما الولءا
لمن أعتق" أفاد شيئين :أحدهما :إذا وقع بهذا صح ،وإذا لم يأت به لم يصح.
وهذا معقول الخطاب .وقيل :أراد الكمال ل الصحة .ولنا إذا بطل الصحة ،بطل
الكمال أيضا .فهو أكثر عموما فهو أكثر فائدة .قال :وكان ابن أبي هريرة يقول:
قوله" :إنما العمال بالنيات" ،ليس المراد إخآراجه من العدم إلى الوجود،
فتعين أن يكون المراد به صحته أو كماله ،لكن حمله على الصحة أولى ،لنه
إنما يكون عامل بنيته.
ح
حوا ب سحر ح
م{ْ ]المائدة [6 :ذهب بعض الحنفية
ؤو س
س ح
م س
سك م
ومنها :قوله تعالى} :سوا م
إلى أنه مجمل .لتردده بين الكل والبعض ،والسنة بينت البعض .وحكاه في
المعتمد عن أبي عبد الله البصري ،وقال آخآرون :ل إجمال ،ثم اخآتلفوا ،فقالت
المالكية :يقتضي مسح الجميع ،لن الرأس حقيقة في جميعهما ،والباءا إنما
دخآلت لللصاق.
وقال الشريف المرتضى فيما حكاه "صاحب المصادر" :إنه يقتضي التبعيض.
قال :لن المسح فعل متعد بنفسه غير محتاج إلى حرفا التعدية ،بدليل قوله:
مسحته كله ،فينبغي أن يفيد دخآوله الباءا فائدة جديدة ،فلو لم يفد التبعيض
لبقي اللفظ عاريا عن الفائدة.
وقالت طائفة :إنها حقيقة فيما ينطلق عليه السم ،وهو القدر المشترك بين
مسح الكل والبعض ،فيصدق بمسح البعض .ونسبه في "المحصول" للشافعي.
قال البيضاوي هنا :وهو الحق وهو مخالف لثباته مجيءا الباءا للتبعيض.
ونقل ابن الحاجب عن الشافعي وأبي الحسين وعبد الجبار ثبوت التبعيض
بالعرفا ،والذي في المعتمد لبي الحسين عن عبد الجبار أنها تفيد في اللغة
تعميم مسح الجميع ،لنه متعلق بما يسمى رأسا ،وهو اسم للجملة ل للبعض،
لكن العرفا يقتضي إلحاق المسح بالرأس إما جميعه ،وإما بعضه ،فيحمل المر
عليه ثم قال :إنه الولى ،ثم قال ابن الحاجب :وعلى قول الشافعي ومن وافقه
ل إجمال .ا هـ.
قلت :وعبارة الشافعي في كتاب "أحكام القرآن" :فكان معقول في الية أن
) (3/52
من مسح من رأسه شيئا ،فقد مسح برأسه ،ولم تحتمل الية إل هذا ،وهذا
أظهر معانيها ،أو مسح الرأس كله .قال :فدلت السنة على أن ليس على المرءا
مسح رأسه كله ،وإذا دلت السنة على ذلك فمعنى الية :أن من مسح شيئا من
رأسه أجزأه .ا هـ .فلم يثبت التبعيض بالعرفا كما زعم ابن الحاجب.
وقال صاحب "المصادر" :ينبغي على قول الشافعية أن يكون مجمل ،لنه إذا
أفاد إلصاق المسح بالرأس من غير تعميم أو تبعيض صار محتمل لهما ،فيصير
مجمل.
وقولهم :إنه صار مفيدا للتبعيض ممنوع .وقال الصفهاني :مذهب الولين
أقرب إلى النص ،ومذهب الشافعي ،وأبي حنيفة أقرب إلى الفعل.
ومنها قال بعض الحنفية :آية السرقة مجملة ،إذ اليد للعضو من المنكب
والمرفق والكوع لستعمالها فيها ،والقطع للبانة والشق ،لنه استعمل فيهما
ومنعه الجمهور ،بل اليد حقيقة في العضو إلى المنكب ،ولما دونه مجاز ،لصحة
بعض اليد ،ولفهم الصحابة إذ مسحوا إلى الباط لما نزلت آية التيمم ،والمجاز
خآير من الشتراك.
وقال بعضهم :اليد في الشرع تستعمل مطلقة ومقيدة ،فالمطلقة تنصرفا
إلى الكوع بدليل آية التيمم ،وآية السرقة وآية المحاربة .وقوله" :فل يغمس
يده حتى يغسلها ثلثا" وقوله" :إذا أفضى بيده إلى فرجه فليتوضأ" 1والمقيدة
بحسب ما قيدت به ،كآية الوضوءا ،فل إجمال ،والقطع حقيقة في البانة،
وإطلقه على الشق لوجودها فيه ،والتواطؤ خآير من الشتراك.
ص{ْ
صا
ق
ح
رو
ومنها :ما ورد من الوامر بصيغة الخبر ،كقوله تعالى} :سوال م ح
ج ح س س س ص
ن{ْ ]البقرة [228 :قوله عليه
مط سل ل س
قا ح
]المائدة [45 :وقوله} :سوال م ح
ت ي ست سسرب ل م
ص س
السلم" :الثيب تشاور" 2فذهب الجمهور إلى أنها تفيد اليجاب ،وقال قوم من
الصوليين
ـــــــ
1الحديث رواه البيهقي في سننه 1/133حديث 631عن أبي هريرة موقوفا
بلفظ "من أفضى بيده إلى فرجه فليتوضأ" ورواه الحاكم في المستدرك
1/231حديث 473عن بسرة بنت صفوان مرفوعا بلفظ "من مس فرجه
فليتوضأ" ورواه أبو داود ،1/46كتاب الطهارة باب :الوضوءا من مس الذكر،
برقم ،181ولفظه "من مس ذكحره فليتوضأ" والترمذي ،1/126برقم 82
بلفظ "من مس ذكره فل يصل حتى يتوضأ" وهو حديث صحيح.
2ذكره ابن حجر في فتح الباري .قال :وقد وقع في رواية الوزاعي عن يحيى
في هذا الحديث عند ابن المنذر والدارمي والدارتقطني "ل تنكح الثيب" .ووقع
عند ابن المنذر في رواية عمر بن أبي سلمة عن أبيه في هذا الحديث "الثيب
تشاور" ا .هـ انظر فتح الباري .99-9/98قلت :ولم أجده في سنن الدارمي
ول في سنن الدارقطني المطبوزعين ،فلعلها في نسخة أخآرى لم تصلنا.
) (3/53
وأصحاب الشافعي :إنه موقوفا فيه إلى دليل يعين جهة من الجهات ،لنه يتعذر
الحمل على ظاهره ،وهو الخبر لنا نجد مطلقة ل تتربص ،وجرحا ل يقتص ،وثيبا
ل تشاور .واللفظ ل يتعرض لجهة أخآرى بالنص فل بد في تعيين الجهة من دليل.
وحجة الجمهور أنها خآير من الله .فلو حمل على حقيقة الخبر ،لزم الخلف في
خآبر الله ،فوجب حملها على إرادة المر ،كذا حكاه صاحب "الكبريت الحمر"
وأدخآله في باب الجمال..
) (3/54
مسألة :حرفا النفي قد يدخآل على الماهية
م
ا
ا
س
ن سفيسها لمغوا سول ت سأسثيما{ْ ]الواقعة[25:
محعو س
والمراد نفي الصل ،كقوله} :ل ي س م
س س
من مسها{ْ ]الجاثية [35 :وقد يراد به نفي الكمال مع
م ل يح م
ن س
جو س
خسر ح
وقوله} :سفال مي سوم س
س
ن{ْ ]التوبة [12 :ثم
م ي سن مت سحهو س
ما س
م ل سعسل لهح م
ن ل سهح م
م ل أي م س
بقاءا الصل ،كقوله تعالى} :إ سن لهح م
س
م{ْ ]التوبة [13 :فنفاها أول ،ثم أثبتها ثانيا،
قال} :سأل ت ح س
قات سحلو س
مان سهح م
وما ا ن سك سحثوا أي م س
ن قس م
فدل على أنه لم يرد نفي الصل ،بل نفي الكمال .وهذا كله إنما أخآذ من
القرينة ،فأما عند الطلق كقوله" :ل صلة إل بفاتحة الكتاب" 1و "ل صيام
لمن لم يبيت الصيام من الليل" 2و "ل نكاح إل بولي" ،3و "ل صلة لجار
المسجد إل في المسجد" 4ونحوه ،فاخآتلفوا هل هي مجملة أم ل؟ا فنقل
الجمال عن القاضيين أبي بكر ،وعبد الجبار ،والجبائيين أبي علي وابنه ،وأبي
عبد الله البصري .قال ابن برهان :إل أن الجبائيين ادعيا الجمال من وجه،
والقاضي من وجه آخآر .وقال ابن البياري :إنما صار القاضي إلى الجمال ،لنه
نفى السماءا الشرعية ،والذي دل اللفظ على نفيه موجود ،فافتقر إلى التقدير،
وتعدد المقدر .ونقله الستاذ أبو منصور عن أهل الرأي .ونقل المازري عن
القاضي أبي بكر الوقف .قال :وهو غير مذهب الجمال،
ـــــــ
1رواه البخاري ،كتاب الذان ،باب :وجوب القراءاة للمام والمأمةم في
الصلة ،برقم 756بلفظ :عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال" :ل صلة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" ورواه مسلم 1/295كتاب
الصلة ،باب وجوب قراءاة الفاتحة في كل ركعة ،برقم .394
2حديث صحيح ،سبق تخريجه.
3حديث صحيح ،سبق تخريجه.
4رواه الدارقطني في سننه من حديث جابر .1/419وهو حديث ضعيف.
) (3/54
فيقول :يحتمل عندي نفي الجزاءا ونفي الكمال ل أكثر من ذلك ،حتى يقوم
دليل على أحد المرين :والقائل بالجمال يقول :إنه يستغرق جميع الشياءا
الصالحة للنفي .قلت :وهذا ظاهر كلم القاضي في "التقريب" .بل صرح في
صدر كلمه بأنه بمجمل.
وذهب الجمهور إلى أنها عامة ،منهم :القفال الشاشي ،والستاذ أبو إسحاق،
ونقله إمام الحرمين في "التلخيص" ،وابن القشيري عن معظم الفقهاءا،
وصححه ابن برهان ،وابن السمعاني ،وحكاه عن الصحاب ،وقال ابن القطان:
إنه الظاهر .قال :وتجاهل قوم فقالوا :ليس فيه دللة على دفعه.
قال شارح "اللمع" :واخآتلفوا إلى ماذا يعود النفي على وجهين :أحدهما :إلى
نفي المذكور ،وهو النكاح الشرعي ،والصلة الشرعية ،والصوم الشرعي ،لنه
الذي ورده به الشرع ،وذلك لم يوجد مع شرطه المذكور ،فاستغنى هذا عن
دعوى العموم في المضمر ،وعن حمل الكلم على التناقض ،وعلى معنيين
مختلفين ،لن النبي عليه السلم بعث لبيان الشرعيات.
وقيل :بل يرجع إلى الصفات التي يقع بها العتداد في الكفاية ،كما يرجع النفي
عند أهل اللسان في قول القائل ليس في البلد سلطان ،على نفي الصفات
التي يقع بما الكفاية ،وهذه الصفات وإن لم تكن مذكورة ،فهي معقولة من
ظاهر اللفظ فنزلت منزلة الملفوظ به.
وقال بعض المتأخآرين :اخآتلف الصوليون في النفي إذا وقع في الشرع على
ماذا يحمل ،فقال بعضهم يلحق بالمجملت ،لن نفيه يقتضي نفي الذوات،
ومعلوم ثبوتها حسا ،فقد صار المراد مجهول .وهذا الذي قالوه خآطأ ،فإن
المعلوم من عادة العرب أنها ل تضع هذا النفي للذات في كل مكان ،وإنما
تورده مبالغة ،فتذكر الذات ،ليحصل لها ما أرادت من المبالغة.
وقال آخآرون :بل يحمل على نفي الذات ،وسائر أحكامها ،ويخص الذات بالدليل
على أن النبي عليه السلم لم يرده.
وقال قوم :لم تقصد العرب إلى نفي الذات ،ولكن لنفي أحكامها ،ومن أحكامها
الكمال والجزاءا ،فيحمل اللفظ على العموم فيها .وأنكر هذا بعض المحققين،
لن العموم ل يصح دعواه فيما يتنافى ،ول شك أن نفي الكمال يشعر بحصول
الجزاءا ،فإذا قدر الجزاءا منفيا لتحقق العموم ،قدر ثابتا لتحقق إشعار نفي
الكمال بثبوته ،وهذا يتناقض ،وما يتناقض ل يحتمل الكمال ،وصار المحققون
إلى التوقف بين نفي الجزاءا
) (3/55
ونفي الكمال ،وادعوا الحتمال من هذه الجهة ،ل بما قال الولون ،فعلى هذه
المذاهب يخرج "ل صلة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" .
والقائلون اخآتلفوا في سببه على ثلثة مذاهب:
أحدها :أنها ظاهرة في نفي الوجود ،وهو ل يمكن ،لنه واقع قطعا ،فاقتضت
إيهاما.
والثاني :أنها ظاهرة في نفي الوجود ،ونفي الحكم ،فصار مجمل.
والثالث :أنها مترددة بين نفي الجواز ونفي الوجود .قال المقترح :وهو الليق
بمذهب القاضي .قلت :قد سبق التصريح به عنه في كتاب "التقريب" .وصرح
بنقله عنه ابن القشيري ،ورده.
وقال القاضي أبو الطيب :الصحيح حمل اللفظ على نفي المنطوق به ،دون
صفته لنه ظاهر اللفظ ،ويغني عن دعوى العموم فيه ،يعني أنه يلزم من نفي
الصل نفي صفته .وقال الستاذ أبو منصور :الصحيح عندنا أن لفظ النفي في
الشرع يقتضي نفي العين ،كقوله" :ل نكاح إل بولي" ،و "ل صلة إل بطهور"
فأما قوله" :ل وضوءا لمن لم يذكر اسم الله" 1فإنما أراد ذكر القلب ،ول يصح
بدونه .وقوله" :ل صلة لجار المسجد إل في المسجد" أراد بالمسجد المكان
الطاهر ،بدليل قوله" :جعلت لي الرض كلها مسجدا" 2انتهى.
وأجاز الشيخ أبو حامد تقدير نفي الصحة ،وحكى عن أهل العراق نفي الكمال،
وعن بعض أصحابنا أنه يقتضي نفي المرين جميعا.
واخآتار إمام الحرمين والغزالي أن النفي ظاهر في الجزاءا .3محتمل على
الخفاءا لنفي الكمال ،فإن عضده دليل قوي يزيد على قوة الظهور انصرفا إلى
الكمال وإل فهو ظاهر في الجزاءا .فعرفا الشرع عندهم عرفا مقصود ،وله
في اللفاظ اللغوية تصرفا ،ومعنى الجزاءا عندهم أسماءا الصورة الشرعية.
ـــــــ
1جزءا من حديث :رواه أبو داود ،1/25كتاب الطهارة ،باب :في التسمية على
الوضوءا ،برقم ،101وابن ماجة ،1/139برقم ،397وهو حديث حسن.
2رواه الترمذي ،2/131كتاب الصلة ،باب :ما جاءا أن الرض كلها مسجد إل
المقبرة والحمام ،برقم ،317بلفظ" :جعلت لي الرض مسجدا وطهورا""
ورواه النسائي ،كتاب المساجد ،باب :الرخآصة في ذلك ،برقم ،736بلفظ
الترمذي .وابن ماجة ،برقم 567بلفظ الترمذي .وهو حديث صحيح.
3انظر البرهان .307 ،1/304
) (3/56
وقال الماوردي :إذا كان الحكم مطلقا يحتمل الجواز ،ونفي الكمال .قال:
ويجري على مذهب من قال" :يوقف المحتمل" يجعل هذا موقوفا ،لنه
محتمل ،والقائلون بالعموم اخآتلفوا :هل النفي انصب إلى العيان والحكام فهو
عام فيهما ،ثم خآصت العيان بدليل الحس أو العقل ،وبقيت الحكام على
موجبها ،ويجري ذلك مجرى تخصيص اللفظ العام ،أو انصب إلى الحكام فقط،
ول يقدر دخآول العيان ليحتاج إلى تخصيصه ،لنه عليه السلم لم يتعرض
للمحسوسات ،فهو عام بالنسبة إلى أفراد الحكام على قولين حكاهما إمام
الحرمين وغيره.
قال ابن القشيري :والمختار أن اللفظ ظاهر في نفي الجواز ،مؤول في نفي
الكمال ،فيحمل عند الطلق على نفي الجواز ،ول يحمل على نفي الكمال إل
بدليل ،وهكذا اخآتاره الشيخ أبو إسحاق السفراييني ،والمام في "البرهان"،
والغزالي في "المنخول" ،والماوردي ،والروياني في كتاب القضاءا ،ونقله أبو
بكر الرازي في كتابه عن عيسى بن أبان ،ثم قال :إنه الصحيح .وجزم به ابن
القطان .قال :وللتعبير عنه طريقان :إما أن يقول :هو باطل ،أو يقول :ل كذا
إل بكذا ،فظاهر البطلن إل أن يقوم دليل يصرفه عنه إلى الكمال والفضيلة.
قال :وهذا من آكد ما يخاطب به في إيجاب الشيءا.
ثم قال إمام الحرمين في "التلخيص" تبعا للقاضي :الذي نرتضيه إلحاق اللفظ
بالمحتملت لتردد اللفظ بين الجواز والكمال ،ويستحيل الحمل عليهما جميعا،
ول طريق إلى التوقف لتعين لفظ المحتملين.
فإن قيل :هذا هو المذهب الول في ادعاءا الجمال .قلنا :الفرق بينهما أن
الذين ادعوا الجمال أول استندوا إلى توقع نفي العيان ،وهو مستحيل ،ونحن
أسندنا ادعاءا البهام إلى الحكام .قال :ثم هذا كله إذا قلنا بإثبات صيغ العموم،
فإن منعناه لم نحتج إلى إيضاح وجه الجمال.
قال الستاذ أبو إسحاق :فقوله" :ل صلة إل بطهور" من قال :إن النفي تعلق
بالعين ،منع من الستدلل به على جواز الصلة وفسادها .وقال :إن النفي
يتعلق بالصورة ،وقد وجدت ،والمصير إلى الجواز والكمال ل بد له من دليل،
ومن جعله عاما في الجميع زعم أنه يوجب نفي الحكم ،وثبوت العين بالدليل ل
يمنع من استعمال الظاهر فيما بعده .وقال :هذا هو الصحيح .ا هـ.
والمختار ،وعليه جماعة أنه إن دخآل على مسمى شرعي ،كالصلة ،فالمراد
نفي
) (3/57
الصحة لمكان حمله عليه ،فل إجمال ،وإن دخآل على مسمى حقيقي ،نظر فيه
فإن لم يكن إل حكم واحد تعين كقوله :ل شهادة لمجلود في قذفا ،1إذ ل يراد
به نفي الفضيلة ،وإن كان حكمان :الفضيلة ،والجواز فهو مجمل ،لعدم التعين،
وي{ْ ]النساءا [95 :ل يسمى مجمل عند من ل يقول بعمومه.
ونحو} :ل ي س م
ست س س
فائدة
المقدر في قوله ]ل صلة لجار المسجد[
منع ابن الدهان النحوي تقدير من قدر "ل صلة لجار المسجد" ،بقوله :ل صلة
كاملة :من جهة الصناعة ،لن الصناعة ل يجوز حذفها ،فل يجوز حذفا بعضها.
قال :وإنما التقدير ل كمال صلة ،فحذفا المضافا فأقام المضافا إليه مقامه،
وكذا قال العبدري في "شرح المستصفى" :من قدر ل صيام صحيح أو مجمل،
فقد أبعد .لن حذفا الصفة وإبقاءا الموصوفا غير معروفا في كلم العرب ،لم
يأت إل في قولهم :سيري سير ،وألفاظ قليلة ،وإنما المعروفا ،وهو حذفا
الموصوفا وإبقاءا الصفة.
ـــــــ
1لم أجده.
) (3/58
مسألة ] :المقدر في مثل قوله صلى الله عليه وسلم" :رفع عن أمتي الخطأ"[
وهذا الخلفا يجري في الرفع أيضا ،نحو" :رفع عن أمتي الخطأ والنسيان" ،
"رفع القلم عن الصبي" قال الغزالي .قضية اللفظ رفع نفس الخطأ والنسيان،
وهو غير معقول ،فالمراد به رفع حكمه ل على الطلق ،بل الحكم الذي علم
بعرفا الستعمال قبل الشرع إرادته بهذا اللفظ ،وهو دفع الثم فليس بعام في
جميع أحكامه من الضمان ،ولزوم القضاءا وغيره ،ول هو يحمل بين المؤاخآذة
التي ترجع إلى الذم ناجزا وإلى العقوبات آجل ،وبين الغرم والقضاءا ل صيغة
م
لعمومه حتى يجعل عاما في كل حكم ،كما لم يجعل قوله } :ح
ت ع سل سي مك ح م
م م
حرر س
ح
م {ْ ]النساءا [23 :عاما في كل فعل مع أنه ل بد من إضمار الفعل .ثم
مسهات حك ح م
أ ل
قال :فأما إذا ورد في موضع ل عين فيه فهو مجمل يحتمل نفي الثر مطلقا ،أو
نفي البعض.
) (3/58
وحكى شارح "اللمع" في هذا وجهين :أحدهما :أنه مجمل ،لنه يقتضي رفع
الفعال المذكورة ،وهو محال لنها موجودة ،فوجب الرجوع إلى ما ليس
بمذكور ،وهو إما الثم أو الحكم ،ول يحمل على شيءا إل بدليل .ومن أصحابنا
من قال :نحمله على موضع الخلفا ،ومنهم من يحمله على العم فائدة .قال:
والصحيح أنه ليس بمجمل ،لنه معقول لغة ،فإن السيد لو قال لعبده :رفعت
عنك جنايتك ،عقل منه رفع المؤاخآذ عن كل ما يتعلق بالجناية ،فعلى هذا ]هل[
يرجع الرفع إلى الثم والحرج ،أو إلى جميع الحكام إل ما أخآرجه دليل فيه
وجهان ،حكاهما في "الرشاد".
وجمع الصفهاني شارح "المحصول" ثلثة مذاهب :أحدها :أنه مجمل .والثاني:
الحمل على رفع العقاب آجل والثم ناجزا ،وهو مذهب الغزالي لنه المفهوم
منه في العرفا ،وليس بعام في نفي الضمان .الثالث :واخآتاره الرازي في
"المحصول" حمله على رفع جميع الحكام الشرعية.
قلت :وممن حكى الثلثة القاضي عبد الوهاب في "الملخص " ،ونسب الثالث
لكثر الفقهاءا من أصحابنا وأصحابهم ،واخآتار هو الثاني أعني أنه محمول على
نفي الثم والحرج خآاصة.
) (3/59
مسألة :في أن لفظ الشارع إذا دار بين مدلولين
إن حمل على أحدهما أفاد معنى واحدا ،وإن حمل على الخآر أفاد معنيين،
وليس هو أظهر بالنسبة إلى أحدهما ،فهل هو مجمل بالنسبة إلى كل واحد
منهما أم هو ظاهر بالنسبة إلى إفادة المعنيين؟ا قال الهندي :ذهب الكثرون
إلى الثاني ،وذهب القلون منهم الغزالي إلى أنه مجمل بالنسبة إلى كل واحد
منهما.
قلت :واخآتاره ابن الحاجب ،والول اخآتيار المدي تكثيرا للفائدة ،ولما فيه من
رفع الجمال الذي هو خآلفا الصل ،فمن لم .يجعله مجمل يجعله حقيقة في
المعنيين مجازا في الواحد .واللفظ الدائر بين الحقيقة والمجاز ليس بمجمل
بالنسبة إلى كل منهما ،بل هو ظاهر بالنسبة إلى الحقيقة ،ومن جعله مجمل ل
يجعله حقيقة في أحدهما عينا ،بل يحتمل غيره احتمال سواءا ،أو يكون حقيقة
في المعنى الواحد ،مجازا في المعنيين وبالعكس ،وأن يكون حقيقة فيهما ،ول
يرجع لسبب إفادة المعنيين ،ثم قال المدي والهندي :محل الخلفا إنما هو
فيما إذا لم يكن حقيقة في المعنيين ،فإنه يكون
) (3/59
مسألة ] :الذي له مسمى شرعي هل هو مجمل؟ا[
ما له مسمى شرعي كالصوم والصلة ليس بمجمل عند الكثرين ،بل اللفظ
محمول على الشرعي ،لنه عليه السلم بعث لبيان الشريعة ل اللغة ،ولن
الشرع طارئ على اللغة وناسخ لها ،فالحمل الناسخ المتأخآر أولى ،ولهذا
ضعفوا قول من حمل الوضوءا من أكل لحم الجزور على النظافة بغسل اليد.
وثانيها :أنه مجمل ،ونقله الستاذ أبو منصور عن أكثر أصحابنا ،وبه قال
القاضي .وقال الغزالي :ولعله فرعه على مذهب من يثبت السامي الشرعية،
وإل فهو منكر لها.
وثالثها :وهو المختار عند الغزالي ،التفصيل بين أن يرد مثبتا فيحمل على
الشرعي ،كقوله" :إني إذن صائم" 1فيستفاد منه صحة نية النهار ،وإن ورد
منفيا فمجمل لتردده بينهما كالنهي عن صيام يوم النحر ،وأيام التشريق ،فل
يستفاد منه صحة صومهما من جهة أن النهي عن الممتنع ممتنع .وهذا منه بناءا
على أصله أن النهي ل يقتضي الفساد ،ثم هو مع ذلك ل يقول بأنه يقتضي
الصحة.
ورابعها :ل إجمال أيضا ،والمراد في الثبات الشرعي ،وفي النهي اللغوي،
واخآتاره المدي لتعذر حمله على الشرعي ،لن الشرعي يستلزم الصحة،
والنهي غير صحيح ،والصحيح الول ،ولهذا اتفقوا على حمل قوله" :دعي
الصلة أيام أقرائك" 2على المعنى الشرعي ،مع أنه في معنى النهي.
تفريع] :إذا تعذر الحمل على الشرعي[ :
إن قلنا بالصح أنه يحمل على الشرعي ،فلو تعذر ولم يمكن الرد إليه إل بضرب
ـــــــ
1رواه الترمذي حديث 734بلفظ "إني صائم" والحديث رواه مسلم ،2/808
برقم .1154
2رواه البخاري ،كتاب الحيض ،باب إذا حاضت في شهر ثلثا حيض ،برقم
325بلفظ عن عائشة أن فاطمة بنت أبي حبيش سألت النبي صلى الله عليه
وسلم قال :إني استحاض فل أطهر أفأدع الصلة؟ا فقال" :ل ،إن ذلك عرق،
ولكن دعي الصلة قدر اليام التي كنت زتحيضين فيها ،ثم اغتسلي وصلي" وهو
عند أحمد بلفظ "دعي الصلة أيام حيضك ثم اغتسلي وتوضئي عند كل صلة
وإن قطر على الحصير" ،6/42حديث .24191
) (3/61
من التجوز ،فهل يحمل على اللغوي .أو يكون مجمل ،أو يرد إلى الشرعي؟ا فيه
ثلثة مذاهب ،واخآتار الغزالي الجمال .قال :ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه
وسلم لم ينطق بالحكم العقلي ،ول بالسم اللغوي ،ول بالحكم الصلي ،فترجيح
الشرعي تحكم.
وتمثل المسألة بـ "الطوافا بالبيت صلة" 1وبـ "الثنين فما فوقهما جماعة" 2
قال :فإنه يحتمل أن يكون المراد أنه يسمى جماعة ،وانعقاد الجماعة وحصول
فضيلتها ،والكثرون منهم ابن الحاجب أنه يحمل على الشرعي ،لن الشارع
بعث لبيان الشرعيات ،وهو الغلب.
وقال الشيخ عز الدين في كتاب "المجاز" :أما قوله صلى الله عليه وسلم.
"أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها" فمحمول على صيغة إيجاب النكاح اللغوية
دون الشرعية ،وذلك حقيقة بالنسبة إلى اللغة دون الشرع ،كالصلة المحمولة
على الدعاءا في قوله" :وإن كان صائما فليصل" 3أي فليدع ،وكذلك نهيه عن
بيع الحر ،فإنه محمول على اللغوي دون الشرعي ،وأما نهي الحائض عن
الصلة فليست الصلة فيه محمولة على العرفا الشرعي لتعذره ،ول على
اللغوي الذي هو الدعاءا ،لنه خآلفا الجماع ،وإنما هو مجاز تشبيه ،لن صورة
صلتها شبيهة بصورة الصلة الشرعية فهو مجاز عن حقيقة شرعية .والمختار:
أن صلتها مجاز عن مجاز شرعي بالنسبة إلى اللغة ،لن الظهر أن تسمية
الصلة الشرعية بهذا اللفظ من مجاز تسمية الكل باسم جزئه ،لن الدعاءا جزءا
من أجزاءا الصلة ،فتجوز به عنها ،كما تجوز عنها بالقيام والركوع والسجود.
مسألة
ما له مسمى عرفي وشرعي علم يحمل عند الطلق؟ا وجهان خآرجهما بعض
المتأخآرين من الخلفا فيمن نذر عتق رقبة ،هل يجزئ ما يقع عليه السم في
العرفا ،أو ل يجزئ إل ما يجزئ في الكفارة؟ا فيه وجهان مشهوران.
قلت :الراجح الحمل على الحقيقة الشرعية أول ،ثم العرفية ،ويشهد له ما لو
ـــــــ
1الترمذي ،3/281كتاب الحج ،باب ما جاءا في الكلم في الطوافا.960 ،
وهو حديث صحيح.
2رواه ابن ماجة 1/312كتاب إقامة الصلة ،حديث 972وهو حديث ضعيف.
3جزءا من حديث :رواه مسلم 2/1054كتاب النكاح ،باب :المر بإجابة
الداعي ، ...برقم 1431بلفظ عن أبي هريرة قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم" :إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان صائما فليصل وإن كان مفطرا
فليطعم" .وهو عند الترمذي برقم 780وأبو داود .2460
) (3/62
وقف أو أوصى للفقراءا والمساكين ولسبيل الله ،فإنه يعتبر من اعتبره الشرع
في الزكاة ،وكذا لو حلف ل يبيع الخمر فإنه ل يحنث ببيعه .وكذا لو قال :إن
رأيت الهلل فأنت طالق؟ا فهو محمول على العلم.
) (3/63
مسألة ] :إذا تردد اللفظ بين المسمى العرفي واللغوي أيهما يقدم؟ا[
إذا تردد اللفظ بين المسمى العرفي واللغوي ،قدم العرفي المطرد ،ثم
اللغوي .كذا قاله الصوليون .ويخالفه قول الفقهاءا :ما ليس له حد في الشرع،
ول في اللغة ،يرجع فيه إلى العرفا .فإنه صريح في تأخآير العرفا عن اللغة.
وجمع بينهما بوجوه :منها :عدم ورودهما على محل واحد ،فكلم الفقهاءا في
الضوابط ،وهي في اللغة أضبط ،فتقدم اللغة بالنسبة إليها ،وكلم الصوليين
في أصل المعنى ،وهو في العرفا أظهر ،فيقدم بالنسبة إليه.
ومنها :أن كلم الصوليين في اللفظ الصادر من الشارع ينظر فيه إلى عرفه،
وهو الشرعي ،ثم عرفا الناس ،لن الظاهر أنه يخاطبهم بما يتعارفونه ،ثم
اللغوي ،وكلم الفقهاءا في الصادر من غيره ،ولهذا قال الرافعي في باب
الطلق :إذا تعارض المدلول اللغوي والعرفي فكلم الصحاب يميل إلى اعتبار
الوضع ،والمام ،والغزالي يريان اتباع العرفا ،وصحح الول لن العرفا ل يكاد
ينضبط.
ومنها :قال الشيخ علءا الدين الباجي :مراد الصوليين العرفا الكائن في زمنه
عليه السلم .ومراد الفقهاءا غيره .قلت :ويظهر أن مراد الصوليين ما إذا
تعارض معناه في اللغة والعرفا يقدم العرفا .ومراد الفقهاءا ما إذا لم يعرفا
حده في اللغة ،فإنا نرجع فيه إلى العرفا ،أل ترى إلى قولهم ليس له حد في
اللغة ،ولم يقولوا :ليس له معنى.
) (3/63
البيان والمبين
مدخآل
...
البيان والمبين
قال الغزالي :جرت عادة الصوليين بعقد كتاب له .وليس النظر فيه مما يجب
أن يسمى كتابا ،فالخطب فيه يسير ،والمر فيه قريب ،وأولى المواضع به أن
يذكر عقب المجمل ،فإنه المفتقر إلى البيان .ا هـ .وأمره ليس بالسهل ،فإنه
من جملة أساليب الخطاب ،بل هو من أهمها ،ولهذا صدر به الشافعي كتاب
"الرسالة".1
والبيان لغة :اسم مصدر بين إذا أظهر ،يقال :بين بيانا وتبيانا ،ك كلم يكلم
كلما ،وتكليما ،قال ابن فورك في كتابه :مشتق من البين ،وهو الفراق ،شبه
البيان به ،لنه يوضح الشيءا ،ويزيل إشكاله.
وقال أبو بكر الرازي :سمي بيانا لنفصاله مما يلتبس به من المعاني ،ويشكل
من أجله.
وأما في الصطلح :فيطلق على الدال على المراد بخطاب ثم يستقل بإفادته،
ويطلق ويراد به الدليل على المراد ،ويطلق على فعل المبين.
ولجل إطلقه على المعاني الثلثة اخآتلفوا في تفسيره بالنظر إليها ،فلحظ
الصيرفي فعل المبين ،فقال :البيان إخآراج الشيءا من حيز الشكال إلى حيز
التجلي.
وقال القاضي في "مختصر التقريب" :وهذا ما ارتضاه من خآاض في الصول
من أصحاب الشافعي .وقال القاضي أبو الطيب الطبري :إنه الصحيح عندنا،
لن كل ما كان إيضاحا لمعنى وإظهارا له ،فهو بيان له.
واعترضه ابن السمعاني بأن لفظ البيان أظهر من لفظ إخآراج الشيءا من حيز
الشكال إلى حيز التجلي .وللصيرفي منع ذلك.
ونقض أيضا بالنصوص الواردة في الحكم المبتدأ من غير سبق إشكال ،فإنه
ربما ورد من الله تعالى بيان لم يخطر ببال أحد.
ويخرج منه بيان المعدوم ،فإنه ل يقال عليه شيءا ،وبيان المعلم لمن ل يفهم
عنه لقصوره .ولعله يمنع تسمية ما كان ظاهرا ابتداءا بيانا .وقال الغزالي :هذا
الحد لفرع من البيان ،وهو بيان المجمل خآاصة ،والبيان يكون فيه وفي غيره .ا
هـ.
ـــــــ
1انظر الرسالة ص.21 :
) (3/64
ولحظ القاضي ،وإمام الحرمين ،والغزالي ،والمدي ،والمام الرازي ،وأكثر
المعتزلة كأبي هاشم ،وأبي الحسين :أنه الدليل فحدوه بأنه الدليل الموصل
بصحيح النظر فيه إلى العلم أو الظن بالمطلوب .ا هـ.
ولحظ أبو عبد الله البصري أنه نفس العلم أو الظن الحاصل من الدليل ،فحده
بأنه تبيين الشيءا ،فهو والبيان عنده واحد .كذا قاله الهندي تبعا للغزالي.
وحكى أبو الحسين عنه أنه العلم الحادثا ،لن البيان هو ما به يتبين الشيءا،
والذي به تبين هو العلم الحادثا.
قال :ولهذا ل يوصف الله سبحانه بأنه مبين ،لما كان علمه لذاته ل بعلم حادثا.
وقال العبدري بعد حكاية المذاهب :الصواب أن البيان هو مجموع هذه المور
الثلثة ،فعلى هذا يكون حده :أنه انتقال ما في نفس المعلم إلى نفس المتعلم
بواسطة الدليل .لكن الصطلح إنما وقع على ما رسم به القاضي ،وذلك أن
الدليل هو أقوى المور الثلثة ،وأكثرها حظا من إفادة البيان والمبين.
وقال الماوردي :الذي عليه جمهور الفقهاءا أن البيان إظهار المراد بالكلم الذي
ل يفهم منه المراد إل به .قال ابن السمعاني :وهذا الحد أحسن الحدود ،ويرد
عليه ما أورده هو على الصيرفي ،أعني الوارد ابتداءا من غير سبق إجمال.
وقال شمس الئمة السرخآسي من الحنفية في كتابه :اخآتلف أصحابنا في
معنى البيان ،فقال أكثرهم :هو إظهار المعنى وإيضاحه للمخاطب منفصل عما
يستر به .وقال بعضهم :هو ظهور المراد للمخاطب ،والعلم بالمر الذي حصل
له عند الخطاب .قال :وهو اخآتيار أصحاب الشافعي ،لن الرجل يقول" :بان
هذا المعنى" أي ظهر .والصح الول أي الظهار .ا هـ.
وقال الستاذ أبو إسحاق السفراييني :قال أصحابنا في البيان :إنه الفهام بأي
لفظ كان .وقال أبو بكر الدقاق :إنه العلم الذي يتبين به المعلوم ،حكاه
القاضي أبو الطيب.
وذكر الشافعي في "الرسالة" :أن البيان اسم جامع لمور متفقة الصول
متشعبة الفروع ،وأقل ما فيه أنه بيان لمن نزل القرآن بلسانه ،فاعترض عليه
أبو بكر بن داود ،وقال :البيان أبين من التفسير الذي فسره به.
قال القاضي أبو الطيب :وهذا ل يصح ،لن الشافعي لم يقصد حد البيان
وتفسير معناه ،وإنما قصد به أن البيان اسم عام جامع لنواع مختلفة من
البيان ،وهي
) (3/65
متفقة في أن اسم البيان يقع عليها ،ومختلفة في مراتبها ،فبعضها أجلى وأبين
من بعض ،لن منه ما يدرك معناه من غير تدبر وتفكر ،ومنه ما يحتاج إلى دليل،
ولهذا قال عليه السلم" :إن من البيان لسحرا" 1فأخآبر أن بعض البيان أبلغ
من بعض ،وهذا كالخطاب بالنص والعموم والظاهر ،ودليل الخطاب ،ونحوه،
فجميع ذلك بيان .وإن اخآتلفت مراتبها فيه .ا هـ.
وكذا قال الصيرفي ،وابن فورك :مراد الشافعي أن اسم البي
)اضغط هنا للنتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على النترنت(
الكتاب :البحر المحيط في أصول الفقه
المؤلف :بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي
)المتوفى 794 :هـ(
المحقق :محمد محمد تامر
الناشر :دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان
الطبعة :الطبعة الولى1421 ،هـ 2000 /م
مصدر الكتاب :موقع مكتبة المدينة الرقمية
http://www.raqamiya.org
]ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي[
الخآر ،ول يجوز دعوى العموم فيهما ،لن العموم لللفاظ ،فيجب التوقف فيه.
والثاني :ليس بمجمل ،لنه قصد بيان الشرع دون اللغة ،وإضمار أحدهما خآلفا
الصل ،فيجب العموم .قال :وقلت :أما إذا ثبت أنه قصد بيان الشرع ،وجب أن
تكون النية شرطا في العمل دون صفته ،فل يصح العمل شرعا إل بالنية ،وهذا
الجواب يغني عن دعوى العموم فيه.
وقال أبو الحسين بن القطان :إذا قيل" :إنما العمال بالنيات" " ،وإنما الولءا
لمن أعتق" أفاد شيئين :أحدهما :إذا وقع بهذا صح ،وإذا لم يأت به لم يصح.
وهذا معقول الخطاب .وقيل :أراد الكمال ل الصحة .ولنا إذا بطل الصحة ،بطل
الكمال أيضا .فهو أكثر عموما فهو أكثر فائدة .قال :وكان ابن أبي هريرة يقول:
قوله" :إنما العمال بالنيات" ،ليس المراد إخآراجه من العدم إلى الوجود،
فتعين أن يكون المراد به صحته أو كماله ،لكن حمله على الصحة أولى ،لنه
إنما يكون عامل بنيته.
ح
حوا ب سحر ح
م{ْ ]المائدة [6 :ذهب بعض الحنفية
ؤو س
س ح
م س
سك م
ومنها :قوله تعالى} :سوا م
إلى أنه مجمل .لتردده بين الكل والبعض ،والسنة بينت البعض .وحكاه في
المعتمد عن أبي عبد الله البصري ،وقال آخآرون :ل إجمال ،ثم اخآتلفوا ،فقالت
المالكية :يقتضي مسح الجميع ،لن الرأس حقيقة في جميعهما ،والباءا إنما
دخآلت لللصاق.
وقال الشريف المرتضى فيما حكاه "صاحب المصادر" :إنه يقتضي التبعيض.
قال :لن المسح فعل متعد بنفسه غير محتاج إلى حرفا التعدية ،بدليل قوله:
مسحته كله ،فينبغي أن يفيد دخآوله الباءا فائدة جديدة ،فلو لم يفد التبعيض
لبقي اللفظ عاريا عن الفائدة.
وقالت طائفة :إنها حقيقة فيما ينطلق عليه السم ،وهو القدر المشترك بين
مسح الكل والبعض ،فيصدق بمسح البعض .ونسبه في "المحصول" للشافعي.
قال البيضاوي هنا :وهو الحق وهو مخالف لثباته مجيءا الباءا للتبعيض.
ونقل ابن الحاجب عن الشافعي وأبي الحسين وعبد الجبار ثبوت التبعيض
بالعرفا ،والذي في المعتمد لبي الحسين عن عبد الجبار أنها تفيد في اللغة
تعميم مسح الجميع ،لنه متعلق بما يسمى رأسا ،وهو اسم للجملة ل للبعض،
لكن العرفا يقتضي إلحاق المسح بالرأس إما جميعه ،وإما بعضه ،فيحمل المر
عليه ثم قال :إنه الولى ،ثم قال ابن الحاجب :وعلى قول الشافعي ومن وافقه
ل إجمال .ا هـ.
قلت :وعبارة الشافعي في كتاب "أحكام القرآن" :فكان معقول في الية أن
) (3/52
من مسح من رأسه شيئا ،فقد مسح برأسه ،ولم تحتمل الية إل هذا ،وهذا
أظهر معانيها ،أو مسح الرأس كله .قال :فدلت السنة على أن ليس على المرءا
مسح رأسه كله ،وإذا دلت السنة على ذلك فمعنى الية :أن من مسح شيئا من
رأسه أجزأه .ا هـ .فلم يثبت التبعيض بالعرفا كما زعم ابن الحاجب.
وقال صاحب "المصادر" :ينبغي على قول الشافعية أن يكون مجمل ،لنه إذا
أفاد إلصاق المسح بالرأس من غير تعميم أو تبعيض صار محتمل لهما ،فيصير
مجمل.
وقولهم :إنه صار مفيدا للتبعيض ممنوع .وقال الصفهاني :مذهب الولين
أقرب إلى النص ،ومذهب الشافعي ،وأبي حنيفة أقرب إلى الفعل.
ومنها قال بعض الحنفية :آية السرقة مجملة ،إذ اليد للعضو من المنكب
والمرفق والكوع لستعمالها فيها ،والقطع للبانة والشق ،لنه استعمل فيهما
ومنعه الجمهور ،بل اليد حقيقة في العضو إلى المنكب ،ولما دونه مجاز ،لصحة
بعض اليد ،ولفهم الصحابة إذ مسحوا إلى الباط لما نزلت آية التيمم ،والمجاز
خآير من الشتراك.
وقال بعضهم :اليد في الشرع تستعمل مطلقة ومقيدة ،فالمطلقة تنصرفا
إلى الكوع بدليل آية التيمم ،وآية السرقة وآية المحاربة .وقوله" :فل يغمس
يده حتى يغسلها ثلثا" وقوله" :إذا أفضى بيده إلى فرجه فليتوضأ" 1والمقيدة
بحسب ما قيدت به ،كآية الوضوءا ،فل إجمال ،والقطع حقيقة في البانة،
وإطلقه على الشق لوجودها فيه ،والتواطؤ خآير من الشتراك.
ص{ْ
صا
ق
ح
رو
ومنها :ما ورد من الوامر بصيغة الخبر ،كقوله تعالى} :سوال م ح
ج ح س س س ص
ن{ْ ]البقرة [228 :قوله عليه
مط سل ل س
قا ح
]المائدة [45 :وقوله} :سوال م ح
ت ي ست سسرب ل م
ص س
السلم" :الثيب تشاور" 2فذهب الجمهور إلى أنها تفيد اليجاب ،وقال قوم من
الصوليين
ـــــــ
1الحديث رواه البيهقي في سننه 1/133حديث 631عن أبي هريرة موقوفا
بلفظ "من أفضى بيده إلى فرجه فليتوضأ" ورواه الحاكم في المستدرك
1/231حديث 473عن بسرة بنت صفوان مرفوعا بلفظ "من مس فرجه
فليتوضأ" ورواه أبو داود ،1/46كتاب الطهارة باب :الوضوءا من مس الذكر،
برقم ،181ولفظه "من مس ذكحره فليتوضأ" والترمذي ،1/126برقم 82
بلفظ "من مس ذكره فل يصل حتى يتوضأ" وهو حديث صحيح.
2ذكره ابن حجر في فتح الباري .قال :وقد وقع في رواية الوزاعي عن يحيى
في هذا الحديث عند ابن المنذر والدارمي والدارتقطني "ل تنكح الثيب" .ووقع
عند ابن المنذر في رواية عمر بن أبي سلمة عن أبيه في هذا الحديث "الثيب
تشاور" ا .هـ انظر فتح الباري .99-9/98قلت :ولم أجده في سنن الدارمي
ول في سنن الدارقطني المطبوزعين ،فلعلها في نسخة أخآرى لم تصلنا.
) (3/53
وأصحاب الشافعي :إنه موقوفا فيه إلى دليل يعين جهة من الجهات ،لنه يتعذر
الحمل على ظاهره ،وهو الخبر لنا نجد مطلقة ل تتربص ،وجرحا ل يقتص ،وثيبا
ل تشاور .واللفظ ل يتعرض لجهة أخآرى بالنص فل بد في تعيين الجهة من دليل.
وحجة الجمهور أنها خآير من الله .فلو حمل على حقيقة الخبر ،لزم الخلف في
خآبر الله ،فوجب حملها على إرادة المر ،كذا حكاه صاحب "الكبريت الحمر"
وأدخآله في باب الجمال..
) (3/54
مسألة :حرفا النفي قد يدخآل على الماهية
م
ا
ا
س
ن سفيسها لمغوا سول ت سأسثيما{ْ ]الواقعة[25:
محعو س
والمراد نفي الصل ،كقوله} :ل ي س م
س س
من مسها{ْ ]الجاثية [35 :وقد يراد به نفي الكمال مع
م ل يح م
ن س
جو س
خسر ح
وقوله} :سفال مي سوم س
س
ن{ْ ]التوبة [12 :ثم
م ي سن مت سحهو س
ما س
م ل سعسل لهح م
ن ل سهح م
م ل أي م س
بقاءا الصل ،كقوله تعالى} :إ سن لهح م
س
م{ْ ]التوبة [13 :فنفاها أول ،ثم أثبتها ثانيا،
قال} :سأل ت ح س
قات سحلو س
مان سهح م
وما ا ن سك سحثوا أي م س
ن قس م
فدل على أنه لم يرد نفي الصل ،بل نفي الكمال .وهذا كله إنما أخآذ من
القرينة ،فأما عند الطلق كقوله" :ل صلة إل بفاتحة الكتاب" 1و "ل صيام
لمن لم يبيت الصيام من الليل" 2و "ل نكاح إل بولي" ،3و "ل صلة لجار
المسجد إل في المسجد" 4ونحوه ،فاخآتلفوا هل هي مجملة أم ل؟ا فنقل
الجمال عن القاضيين أبي بكر ،وعبد الجبار ،والجبائيين أبي علي وابنه ،وأبي
عبد الله البصري .قال ابن برهان :إل أن الجبائيين ادعيا الجمال من وجه،
والقاضي من وجه آخآر .وقال ابن البياري :إنما صار القاضي إلى الجمال ،لنه
نفى السماءا الشرعية ،والذي دل اللفظ على نفيه موجود ،فافتقر إلى التقدير،
وتعدد المقدر .ونقله الستاذ أبو منصور عن أهل الرأي .ونقل المازري عن
القاضي أبي بكر الوقف .قال :وهو غير مذهب الجمال،
ـــــــ
1رواه البخاري ،كتاب الذان ،باب :وجوب القراءاة للمام والمأمةم في
الصلة ،برقم 756بلفظ :عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال" :ل صلة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" ورواه مسلم 1/295كتاب
الصلة ،باب وجوب قراءاة الفاتحة في كل ركعة ،برقم .394
2حديث صحيح ،سبق تخريجه.
3حديث صحيح ،سبق تخريجه.
4رواه الدارقطني في سننه من حديث جابر .1/419وهو حديث ضعيف.
) (3/54
فيقول :يحتمل عندي نفي الجزاءا ونفي الكمال ل أكثر من ذلك ،حتى يقوم
دليل على أحد المرين :والقائل بالجمال يقول :إنه يستغرق جميع الشياءا
الصالحة للنفي .قلت :وهذا ظاهر كلم القاضي في "التقريب" .بل صرح في
صدر كلمه بأنه بمجمل.
وذهب الجمهور إلى أنها عامة ،منهم :القفال الشاشي ،والستاذ أبو إسحاق،
ونقله إمام الحرمين في "التلخيص" ،وابن القشيري عن معظم الفقهاءا،
وصححه ابن برهان ،وابن السمعاني ،وحكاه عن الصحاب ،وقال ابن القطان:
إنه الظاهر .قال :وتجاهل قوم فقالوا :ليس فيه دللة على دفعه.
قال شارح "اللمع" :واخآتلفوا إلى ماذا يعود النفي على وجهين :أحدهما :إلى
نفي المذكور ،وهو النكاح الشرعي ،والصلة الشرعية ،والصوم الشرعي ،لنه
الذي ورده به الشرع ،وذلك لم يوجد مع شرطه المذكور ،فاستغنى هذا عن
دعوى العموم في المضمر ،وعن حمل الكلم على التناقض ،وعلى معنيين
مختلفين ،لن النبي عليه السلم بعث لبيان الشرعيات.
وقيل :بل يرجع إلى الصفات التي يقع بها العتداد في الكفاية ،كما يرجع النفي
عند أهل اللسان في قول القائل ليس في البلد سلطان ،على نفي الصفات
التي يقع بما الكفاية ،وهذه الصفات وإن لم تكن مذكورة ،فهي معقولة من
ظاهر اللفظ فنزلت منزلة الملفوظ به.
وقال بعض المتأخآرين :اخآتلف الصوليون في النفي إذا وقع في الشرع على
ماذا يحمل ،فقال بعضهم يلحق بالمجملت ،لن نفيه يقتضي نفي الذوات،
ومعلوم ثبوتها حسا ،فقد صار المراد مجهول .وهذا الذي قالوه خآطأ ،فإن
المعلوم من عادة العرب أنها ل تضع هذا النفي للذات في كل مكان ،وإنما
تورده مبالغة ،فتذكر الذات ،ليحصل لها ما أرادت من المبالغة.
وقال آخآرون :بل يحمل على نفي الذات ،وسائر أحكامها ،ويخص الذات بالدليل
على أن النبي عليه السلم لم يرده.
وقال قوم :لم تقصد العرب إلى نفي الذات ،ولكن لنفي أحكامها ،ومن أحكامها
الكمال والجزاءا ،فيحمل اللفظ على العموم فيها .وأنكر هذا بعض المحققين،
لن العموم ل يصح دعواه فيما يتنافى ،ول شك أن نفي الكمال يشعر بحصول
الجزاءا ،فإذا قدر الجزاءا منفيا لتحقق العموم ،قدر ثابتا لتحقق إشعار نفي
الكمال بثبوته ،وهذا يتناقض ،وما يتناقض ل يحتمل الكمال ،وصار المحققون
إلى التوقف بين نفي الجزاءا
) (3/55
ونفي الكمال ،وادعوا الحتمال من هذه الجهة ،ل بما قال الولون ،فعلى هذه
المذاهب يخرج "ل صلة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" .
والقائلون اخآتلفوا في سببه على ثلثة مذاهب:
أحدها :أنها ظاهرة في نفي الوجود ،وهو ل يمكن ،لنه واقع قطعا ،فاقتضت
إيهاما.
والثاني :أنها ظاهرة في نفي الوجود ،ونفي الحكم ،فصار مجمل.
والثالث :أنها مترددة بين نفي الجواز ونفي الوجود .قال المقترح :وهو الليق
بمذهب القاضي .قلت :قد سبق التصريح به عنه في كتاب "التقريب" .وصرح
بنقله عنه ابن القشيري ،ورده.
وقال القاضي أبو الطيب :الصحيح حمل اللفظ على نفي المنطوق به ،دون
صفته لنه ظاهر اللفظ ،ويغني عن دعوى العموم فيه ،يعني أنه يلزم من نفي
الصل نفي صفته .وقال الستاذ أبو منصور :الصحيح عندنا أن لفظ النفي في
الشرع يقتضي نفي العين ،كقوله" :ل نكاح إل بولي" ،و "ل صلة إل بطهور"
فأما قوله" :ل وضوءا لمن لم يذكر اسم الله" 1فإنما أراد ذكر القلب ،ول يصح
بدونه .وقوله" :ل صلة لجار المسجد إل في المسجد" أراد بالمسجد المكان
الطاهر ،بدليل قوله" :جعلت لي الرض كلها مسجدا" 2انتهى.
وأجاز الشيخ أبو حامد تقدير نفي الصحة ،وحكى عن أهل العراق نفي الكمال،
وعن بعض أصحابنا أنه يقتضي نفي المرين جميعا.
واخآتار إمام الحرمين والغزالي أن النفي ظاهر في الجزاءا .3محتمل على
الخفاءا لنفي الكمال ،فإن عضده دليل قوي يزيد على قوة الظهور انصرفا إلى
الكمال وإل فهو ظاهر في الجزاءا .فعرفا الشرع عندهم عرفا مقصود ،وله
في اللفاظ اللغوية تصرفا ،ومعنى الجزاءا عندهم أسماءا الصورة الشرعية.
ـــــــ
1جزءا من حديث :رواه أبو داود ،1/25كتاب الطهارة ،باب :في التسمية على
الوضوءا ،برقم ،101وابن ماجة ،1/139برقم ،397وهو حديث حسن.
2رواه الترمذي ،2/131كتاب الصلة ،باب :ما جاءا أن الرض كلها مسجد إل
المقبرة والحمام ،برقم ،317بلفظ" :جعلت لي الرض مسجدا وطهورا""
ورواه النسائي ،كتاب المساجد ،باب :الرخآصة في ذلك ،برقم ،736بلفظ
الترمذي .وابن ماجة ،برقم 567بلفظ الترمذي .وهو حديث صحيح.
3انظر البرهان .307 ،1/304
) (3/56
وقال الماوردي :إذا كان الحكم مطلقا يحتمل الجواز ،ونفي الكمال .قال:
ويجري على مذهب من قال" :يوقف المحتمل" يجعل هذا موقوفا ،لنه
محتمل ،والقائلون بالعموم اخآتلفوا :هل النفي انصب إلى العيان والحكام فهو
عام فيهما ،ثم خآصت العيان بدليل الحس أو العقل ،وبقيت الحكام على
موجبها ،ويجري ذلك مجرى تخصيص اللفظ العام ،أو انصب إلى الحكام فقط،
ول يقدر دخآول العيان ليحتاج إلى تخصيصه ،لنه عليه السلم لم يتعرض
للمحسوسات ،فهو عام بالنسبة إلى أفراد الحكام على قولين حكاهما إمام
الحرمين وغيره.
قال ابن القشيري :والمختار أن اللفظ ظاهر في نفي الجواز ،مؤول في نفي
الكمال ،فيحمل عند الطلق على نفي الجواز ،ول يحمل على نفي الكمال إل
بدليل ،وهكذا اخآتاره الشيخ أبو إسحاق السفراييني ،والمام في "البرهان"،
والغزالي في "المنخول" ،والماوردي ،والروياني في كتاب القضاءا ،ونقله أبو
بكر الرازي في كتابه عن عيسى بن أبان ،ثم قال :إنه الصحيح .وجزم به ابن
القطان .قال :وللتعبير عنه طريقان :إما أن يقول :هو باطل ،أو يقول :ل كذا
إل بكذا ،فظاهر البطلن إل أن يقوم دليل يصرفه عنه إلى الكمال والفضيلة.
قال :وهذا من آكد ما يخاطب به في إيجاب الشيءا.
ثم قال إمام الحرمين في "التلخيص" تبعا للقاضي :الذي نرتضيه إلحاق اللفظ
بالمحتملت لتردد اللفظ بين الجواز والكمال ،ويستحيل الحمل عليهما جميعا،
ول طريق إلى التوقف لتعين لفظ المحتملين.
فإن قيل :هذا هو المذهب الول في ادعاءا الجمال .قلنا :الفرق بينهما أن
الذين ادعوا الجمال أول استندوا إلى توقع نفي العيان ،وهو مستحيل ،ونحن
أسندنا ادعاءا البهام إلى الحكام .قال :ثم هذا كله إذا قلنا بإثبات صيغ العموم،
فإن منعناه لم نحتج إلى إيضاح وجه الجمال.
قال الستاذ أبو إسحاق :فقوله" :ل صلة إل بطهور" من قال :إن النفي تعلق
بالعين ،منع من الستدلل به على جواز الصلة وفسادها .وقال :إن النفي
يتعلق بالصورة ،وقد وجدت ،والمصير إلى الجواز والكمال ل بد له من دليل،
ومن جعله عاما في الجميع زعم أنه يوجب نفي الحكم ،وثبوت العين بالدليل ل
يمنع من استعمال الظاهر فيما بعده .وقال :هذا هو الصحيح .ا هـ.
والمختار ،وعليه جماعة أنه إن دخآل على مسمى شرعي ،كالصلة ،فالمراد
نفي
) (3/57
الصحة لمكان حمله عليه ،فل إجمال ،وإن دخآل على مسمى حقيقي ،نظر فيه
فإن لم يكن إل حكم واحد تعين كقوله :ل شهادة لمجلود في قذفا ،1إذ ل يراد
به نفي الفضيلة ،وإن كان حكمان :الفضيلة ،والجواز فهو مجمل ،لعدم التعين،
وي{ْ ]النساءا [95 :ل يسمى مجمل عند من ل يقول بعمومه.
ونحو} :ل ي س م
ست س س
فائدة
المقدر في قوله ]ل صلة لجار المسجد[
منع ابن الدهان النحوي تقدير من قدر "ل صلة لجار المسجد" ،بقوله :ل صلة
كاملة :من جهة الصناعة ،لن الصناعة ل يجوز حذفها ،فل يجوز حذفا بعضها.
قال :وإنما التقدير ل كمال صلة ،فحذفا المضافا فأقام المضافا إليه مقامه،
وكذا قال العبدري في "شرح المستصفى" :من قدر ل صيام صحيح أو مجمل،
فقد أبعد .لن حذفا الصفة وإبقاءا الموصوفا غير معروفا في كلم العرب ،لم
يأت إل في قولهم :سيري سير ،وألفاظ قليلة ،وإنما المعروفا ،وهو حذفا
الموصوفا وإبقاءا الصفة.
ـــــــ
1لم أجده.
) (3/58
مسألة ] :المقدر في مثل قوله صلى الله عليه وسلم" :رفع عن أمتي الخطأ"[
وهذا الخلفا يجري في الرفع أيضا ،نحو" :رفع عن أمتي الخطأ والنسيان" ،
"رفع القلم عن الصبي" قال الغزالي .قضية اللفظ رفع نفس الخطأ والنسيان،
وهو غير معقول ،فالمراد به رفع حكمه ل على الطلق ،بل الحكم الذي علم
بعرفا الستعمال قبل الشرع إرادته بهذا اللفظ ،وهو دفع الثم فليس بعام في
جميع أحكامه من الضمان ،ولزوم القضاءا وغيره ،ول هو يحمل بين المؤاخآذة
التي ترجع إلى الذم ناجزا وإلى العقوبات آجل ،وبين الغرم والقضاءا ل صيغة
م
لعمومه حتى يجعل عاما في كل حكم ،كما لم يجعل قوله } :ح
ت ع سل سي مك ح م
م م
حرر س
ح
م {ْ ]النساءا [23 :عاما في كل فعل مع أنه ل بد من إضمار الفعل .ثم
مسهات حك ح م
أ ل
قال :فأما إذا ورد في موضع ل عين فيه فهو مجمل يحتمل نفي الثر مطلقا ،أو
نفي البعض.
) (3/58
وحكى شارح "اللمع" في هذا وجهين :أحدهما :أنه مجمل ،لنه يقتضي رفع
الفعال المذكورة ،وهو محال لنها موجودة ،فوجب الرجوع إلى ما ليس
بمذكور ،وهو إما الثم أو الحكم ،ول يحمل على شيءا إل بدليل .ومن أصحابنا
من قال :نحمله على موضع الخلفا ،ومنهم من يحمله على العم فائدة .قال:
والصحيح أنه ليس بمجمل ،لنه معقول لغة ،فإن السيد لو قال لعبده :رفعت
عنك جنايتك ،عقل منه رفع المؤاخآذ عن كل ما يتعلق بالجناية ،فعلى هذا ]هل[
يرجع الرفع إلى الثم والحرج ،أو إلى جميع الحكام إل ما أخآرجه دليل فيه
وجهان ،حكاهما في "الرشاد".
وجمع الصفهاني شارح "المحصول" ثلثة مذاهب :أحدها :أنه مجمل .والثاني:
الحمل على رفع العقاب آجل والثم ناجزا ،وهو مذهب الغزالي لنه المفهوم
منه في العرفا ،وليس بعام في نفي الضمان .الثالث :واخآتاره الرازي في
"المحصول" حمله على رفع جميع الحكام الشرعية.
قلت :وممن حكى الثلثة القاضي عبد الوهاب في "الملخص " ،ونسب الثالث
لكثر الفقهاءا من أصحابنا وأصحابهم ،واخآتار هو الثاني أعني أنه محمول على
نفي الثم والحرج خآاصة.
) (3/59
مسألة :في أن لفظ الشارع إذا دار بين مدلولين
إن حمل على أحدهما أفاد معنى واحدا ،وإن حمل على الخآر أفاد معنيين،
وليس هو أظهر بالنسبة إلى أحدهما ،فهل هو مجمل بالنسبة إلى كل واحد
منهما أم هو ظاهر بالنسبة إلى إفادة المعنيين؟ا قال الهندي :ذهب الكثرون
إلى الثاني ،وذهب القلون منهم الغزالي إلى أنه مجمل بالنسبة إلى كل واحد
منهما.
قلت :واخآتاره ابن الحاجب ،والول اخآتيار المدي تكثيرا للفائدة ،ولما فيه من
رفع الجمال الذي هو خآلفا الصل ،فمن لم .يجعله مجمل يجعله حقيقة في
المعنيين مجازا في الواحد .واللفظ الدائر بين الحقيقة والمجاز ليس بمجمل
بالنسبة إلى كل منهما ،بل هو ظاهر بالنسبة إلى الحقيقة ،ومن جعله مجمل ل
يجعله حقيقة في أحدهما عينا ،بل يحتمل غيره احتمال سواءا ،أو يكون حقيقة
في المعنى الواحد ،مجازا في المعنيين وبالعكس ،وأن يكون حقيقة فيهما ،ول
يرجع لسبب إفادة المعنيين ،ثم قال المدي والهندي :محل الخلفا إنما هو
فيما إذا لم يكن حقيقة في المعنيين ،فإنه يكون
) (3/59
مسألة ] :الذي له مسمى شرعي هل هو مجمل؟ا[
ما له مسمى شرعي كالصوم والصلة ليس بمجمل عند الكثرين ،بل اللفظ
محمول على الشرعي ،لنه عليه السلم بعث لبيان الشريعة ل اللغة ،ولن
الشرع طارئ على اللغة وناسخ لها ،فالحمل الناسخ المتأخآر أولى ،ولهذا
ضعفوا قول من حمل الوضوءا من أكل لحم الجزور على النظافة بغسل اليد.
وثانيها :أنه مجمل ،ونقله الستاذ أبو منصور عن أكثر أصحابنا ،وبه قال
القاضي .وقال الغزالي :ولعله فرعه على مذهب من يثبت السامي الشرعية،
وإل فهو منكر لها.
وثالثها :وهو المختار عند الغزالي ،التفصيل بين أن يرد مثبتا فيحمل على
الشرعي ،كقوله" :إني إذن صائم" 1فيستفاد منه صحة نية النهار ،وإن ورد
منفيا فمجمل لتردده بينهما كالنهي عن صيام يوم النحر ،وأيام التشريق ،فل
يستفاد منه صحة صومهما من جهة أن النهي عن الممتنع ممتنع .وهذا منه بناءا
على أصله أن النهي ل يقتضي الفساد ،ثم هو مع ذلك ل يقول بأنه يقتضي
الصحة.
ورابعها :ل إجمال أيضا ،والمراد في الثبات الشرعي ،وفي النهي اللغوي،
واخآتاره المدي لتعذر حمله على الشرعي ،لن الشرعي يستلزم الصحة،
والنهي غير صحيح ،والصحيح الول ،ولهذا اتفقوا على حمل قوله" :دعي
الصلة أيام أقرائك" 2على المعنى الشرعي ،مع أنه في معنى النهي.
تفريع] :إذا تعذر الحمل على الشرعي[ :
إن قلنا بالصح أنه يحمل على الشرعي ،فلو تعذر ولم يمكن الرد إليه إل بضرب
ـــــــ
1رواه الترمذي حديث 734بلفظ "إني صائم" والحديث رواه مسلم ،2/808
برقم .1154
2رواه البخاري ،كتاب الحيض ،باب إذا حاضت في شهر ثلثا حيض ،برقم
325بلفظ عن عائشة أن فاطمة بنت أبي حبيش سألت النبي صلى الله عليه
وسلم قال :إني استحاض فل أطهر أفأدع الصلة؟ا فقال" :ل ،إن ذلك عرق،
ولكن دعي الصلة قدر اليام التي كنت زتحيضين فيها ،ثم اغتسلي وصلي" وهو
عند أحمد بلفظ "دعي الصلة أيام حيضك ثم اغتسلي وتوضئي عند كل صلة
وإن قطر على الحصير" ،6/42حديث .24191
) (3/61
من التجوز ،فهل يحمل على اللغوي .أو يكون مجمل ،أو يرد إلى الشرعي؟ا فيه
ثلثة مذاهب ،واخآتار الغزالي الجمال .قال :ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه
وسلم لم ينطق بالحكم العقلي ،ول بالسم اللغوي ،ول بالحكم الصلي ،فترجيح
الشرعي تحكم.
وتمثل المسألة بـ "الطوافا بالبيت صلة" 1وبـ "الثنين فما فوقهما جماعة" 2
قال :فإنه يحتمل أن يكون المراد أنه يسمى جماعة ،وانعقاد الجماعة وحصول
فضيلتها ،والكثرون منهم ابن الحاجب أنه يحمل على الشرعي ،لن الشارع
بعث لبيان الشرعيات ،وهو الغلب.
وقال الشيخ عز الدين في كتاب "المجاز" :أما قوله صلى الله عليه وسلم.
"أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها" فمحمول على صيغة إيجاب النكاح اللغوية
دون الشرعية ،وذلك حقيقة بالنسبة إلى اللغة دون الشرع ،كالصلة المحمولة
على الدعاءا في قوله" :وإن كان صائما فليصل" 3أي فليدع ،وكذلك نهيه عن
بيع الحر ،فإنه محمول على اللغوي دون الشرعي ،وأما نهي الحائض عن
الصلة فليست الصلة فيه محمولة على العرفا الشرعي لتعذره ،ول على
اللغوي الذي هو الدعاءا ،لنه خآلفا الجماع ،وإنما هو مجاز تشبيه ،لن صورة
صلتها شبيهة بصورة الصلة الشرعية فهو مجاز عن حقيقة شرعية .والمختار:
أن صلتها مجاز عن مجاز شرعي بالنسبة إلى اللغة ،لن الظهر أن تسمية
الصلة الشرعية بهذا اللفظ من مجاز تسمية الكل باسم جزئه ،لن الدعاءا جزءا
من أجزاءا الصلة ،فتجوز به عنها ،كما تجوز عنها بالقيام والركوع والسجود.
مسألة
ما له مسمى عرفي وشرعي علم يحمل عند الطلق؟ا وجهان خآرجهما بعض
المتأخآرين من الخلفا فيمن نذر عتق رقبة ،هل يجزئ ما يقع عليه السم في
العرفا ،أو ل يجزئ إل ما يجزئ في الكفارة؟ا فيه وجهان مشهوران.
قلت :الراجح الحمل على الحقيقة الشرعية أول ،ثم العرفية ،ويشهد له ما لو
ـــــــ
1الترمذي ،3/281كتاب الحج ،باب ما جاءا في الكلم في الطوافا.960 ،
وهو حديث صحيح.
2رواه ابن ماجة 1/312كتاب إقامة الصلة ،حديث 972وهو حديث ضعيف.
3جزءا من حديث :رواه مسلم 2/1054كتاب النكاح ،باب :المر بإجابة
الداعي ، ...برقم 1431بلفظ عن أبي هريرة قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم" :إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان صائما فليصل وإن كان مفطرا
فليطعم" .وهو عند الترمذي برقم 780وأبو داود .2460
) (3/62
وقف أو أوصى للفقراءا والمساكين ولسبيل الله ،فإنه يعتبر من اعتبره الشرع
في الزكاة ،وكذا لو حلف ل يبيع الخمر فإنه ل يحنث ببيعه .وكذا لو قال :إن
رأيت الهلل فأنت طالق؟ا فهو محمول على العلم.
) (3/63
مسألة ] :إذا تردد اللفظ بين المسمى العرفي واللغوي أيهما يقدم؟ا[
إذا تردد اللفظ بين المسمى العرفي واللغوي ،قدم العرفي المطرد ،ثم
اللغوي .كذا قاله الصوليون .ويخالفه قول الفقهاءا :ما ليس له حد في الشرع،
ول في اللغة ،يرجع فيه إلى العرفا .فإنه صريح في تأخآير العرفا عن اللغة.
وجمع بينهما بوجوه :منها :عدم ورودهما على محل واحد ،فكلم الفقهاءا في
الضوابط ،وهي في اللغة أضبط ،فتقدم اللغة بالنسبة إليها ،وكلم الصوليين
في أصل المعنى ،وهو في العرفا أظهر ،فيقدم بالنسبة إليه.
ومنها :أن كلم الصوليين في اللفظ الصادر من الشارع ينظر فيه إلى عرفه،
وهو الشرعي ،ثم عرفا الناس ،لن الظاهر أنه يخاطبهم بما يتعارفونه ،ثم
اللغوي ،وكلم الفقهاءا في الصادر من غيره ،ولهذا قال الرافعي في باب
الطلق :إذا تعارض المدلول اللغوي والعرفي فكلم الصحاب يميل إلى اعتبار
الوضع ،والمام ،والغزالي يريان اتباع العرفا ،وصحح الول لن العرفا ل يكاد
ينضبط.
ومنها :قال الشيخ علءا الدين الباجي :مراد الصوليين العرفا الكائن في زمنه
عليه السلم .ومراد الفقهاءا غيره .قلت :ويظهر أن مراد الصوليين ما إذا
تعارض معناه في اللغة والعرفا يقدم العرفا .ومراد الفقهاءا ما إذا لم يعرفا
حده في اللغة ،فإنا نرجع فيه إلى العرفا ،أل ترى إلى قولهم ليس له حد في
اللغة ،ولم يقولوا :ليس له معنى.
) (3/63
البيان والمبين
مدخآل
...
البيان والمبين
قال الغزالي :جرت عادة الصوليين بعقد كتاب له .وليس النظر فيه مما يجب
أن يسمى كتابا ،فالخطب فيه يسير ،والمر فيه قريب ،وأولى المواضع به أن
يذكر عقب المجمل ،فإنه المفتقر إلى البيان .ا هـ .وأمره ليس بالسهل ،فإنه
من جملة أساليب الخطاب ،بل هو من أهمها ،ولهذا صدر به الشافعي كتاب
"الرسالة".1
والبيان لغة :اسم مصدر بين إذا أظهر ،يقال :بين بيانا وتبيانا ،ك كلم يكلم
كلما ،وتكليما ،قال ابن فورك في كتابه :مشتق من البين ،وهو الفراق ،شبه
البيان به ،لنه يوضح الشيءا ،ويزيل إشكاله.
وقال أبو بكر الرازي :سمي بيانا لنفصاله مما يلتبس به من المعاني ،ويشكل
من أجله.
وأما في الصطلح :فيطلق على الدال على المراد بخطاب ثم يستقل بإفادته،
ويطلق ويراد به الدليل على المراد ،ويطلق على فعل المبين.
ولجل إطلقه على المعاني الثلثة اخآتلفوا في تفسيره بالنظر إليها ،فلحظ
الصيرفي فعل المبين ،فقال :البيان إخآراج الشيءا من حيز الشكال إلى حيز
التجلي.
وقال القاضي في "مختصر التقريب" :وهذا ما ارتضاه من خآاض في الصول
من أصحاب الشافعي .وقال القاضي أبو الطيب الطبري :إنه الصحيح عندنا،
لن كل ما كان إيضاحا لمعنى وإظهارا له ،فهو بيان له.
واعترضه ابن السمعاني بأن لفظ البيان أظهر من لفظ إخآراج الشيءا من حيز
الشكال إلى حيز التجلي .وللصيرفي منع ذلك.
ونقض أيضا بالنصوص الواردة في الحكم المبتدأ من غير سبق إشكال ،فإنه
ربما ورد من الله تعالى بيان لم يخطر ببال أحد.
ويخرج منه بيان المعدوم ،فإنه ل يقال عليه شيءا ،وبيان المعلم لمن ل يفهم
عنه لقصوره .ولعله يمنع تسمية ما كان ظاهرا ابتداءا بيانا .وقال الغزالي :هذا
الحد لفرع من البيان ،وهو بيان المجمل خآاصة ،والبيان يكون فيه وفي غيره .ا
هـ.
ـــــــ
1انظر الرسالة ص.21 :
) (3/64
ولحظ القاضي ،وإمام الحرمين ،والغزالي ،والمدي ،والمام الرازي ،وأكثر
المعتزلة كأبي هاشم ،وأبي الحسين :أنه الدليل فحدوه بأنه الدليل الموصل
بصحيح النظر فيه إلى العلم أو الظن بالمطلوب .ا هـ.
ولحظ أبو عبد الله البصري أنه نفس العلم أو الظن الحاصل من الدليل ،فحده
بأنه تبيين الشيءا ،فهو والبيان عنده واحد .كذا قاله الهندي تبعا للغزالي.
وحكى أبو الحسين عنه أنه العلم الحادثا ،لن البيان هو ما به يتبين الشيءا،
والذي به تبين هو العلم الحادثا.
قال :ولهذا ل يوصف الله سبحانه بأنه مبين ،لما كان علمه لذاته ل بعلم حادثا.
وقال العبدري بعد حكاية المذاهب :الصواب أن البيان هو مجموع هذه المور
الثلثة ،فعلى هذا يكون حده :أنه انتقال ما في نفس المعلم إلى نفس المتعلم
بواسطة الدليل .لكن الصطلح إنما وقع على ما رسم به القاضي ،وذلك أن
الدليل هو أقوى المور الثلثة ،وأكثرها حظا من إفادة البيان والمبين.
وقال الماوردي :الذي عليه جمهور الفقهاءا أن البيان إظهار المراد بالكلم الذي
ل يفهم منه المراد إل به .قال ابن السمعاني :وهذا الحد أحسن الحدود ،ويرد
عليه ما أورده هو على الصيرفي ،أعني الوارد ابتداءا من غير سبق إجمال.
وقال شمس الئمة السرخآسي من الحنفية في كتابه :اخآتلف أصحابنا في
معنى البيان ،فقال أكثرهم :هو إظهار المعنى وإيضاحه للمخاطب منفصل عما
يستر به .وقال بعضهم :هو ظهور المراد للمخاطب ،والعلم بالمر الذي حصل
له عند الخطاب .قال :وهو اخآتيار أصحاب الشافعي ،لن الرجل يقول" :بان
هذا المعنى" أي ظهر .والصح الول أي الظهار .ا هـ.
وقال الستاذ أبو إسحاق السفراييني :قال أصحابنا في البيان :إنه الفهام بأي
لفظ كان .وقال أبو بكر الدقاق :إنه العلم الذي يتبين به المعلوم ،حكاه
القاضي أبو الطيب.
وذكر الشافعي في "الرسالة" :أن البيان اسم جامع لمور متفقة الصول
متشعبة الفروع ،وأقل ما فيه أنه بيان لمن نزل القرآن بلسانه ،فاعترض عليه
أبو بكر بن داود ،وقال :البيان أبين من التفسير الذي فسره به.
قال القاضي أبو الطيب :وهذا ل يصح ،لن الشافعي لم يقصد حد البيان
وتفسير معناه ،وإنما قصد به أن البيان اسم عام جامع لنواع مختلفة من
البيان ،وهي
) (3/65
متفقة في أن اسم البيان يقع عليها ،ومختلفة في مراتبها ،فبعضها أجلى وأبين
من بعض ،لن منه ما يدرك معناه من غير تدبر وتفكر ،ومنه ما يحتاج إلى دليل،
ولهذا قال عليه السلم" :إن من البيان لسحرا" 1فأخآبر أن بعض البيان أبلغ
من بعض ،وهذا كالخطاب بالنص والعموم والظاهر ،ودليل الخطاب ،ونحوه،
فجميع ذلك بيان .وإن اخآتلفت مراتبها فيه .ا هـ.
وكذا قال الصيرفي ،وابن فورك :مراد الشافعي أن اسم البي