ƒΘáÑ⌐ ƒΘΩÑ∩ß σ∩ Ü¡φΘ ƒΘστ∞ 001
تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة
)اضغط هنا للنتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على النترنت(
الكتاب :البحر المحيط في أصول الفقه
المؤلف :بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي
)المتوفى 794 :هـ(
المحقق :محمد محمد تامر
الناشر :دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان
الطبعة :الطبعة الولى1421 ،هـ 2000 /م
مصدر الكتاب :موقع مكتبة المدينة الرقمية
http://www.raqamiya.org
]ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي[
المجلد الول
مقدمة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ المام العلمة المحقق أفضل المتأخرين ،وبرهان المحققين ،كهف
الئأمة والفضلءا ،زبدة نحارير العلماءا ،شيخ السإلم وعمدة فضلءا الزمان ،بدر
الدين أبو عبد الله محمد بن الفقير إلى الله تعالى عبد الله الزركشي
الشافعي ،سإقى الله ثراه ،وفي دار الخلد مأواه:
الحمد لله الذي أسإس قواعد الشرع بأصول أسإاسإه ،وملك من شاءا قياد
قياسإه ،ووهب من اختصه بالسبق إليه على أفراد أفراسإه ،وأولى عنان العناية
من وفقه لقتباسإه.
وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له ،شهادة يتقوم منها الحد بفصوله
وأجناسإه.
وأشهد أن سإيدنا محمدا عبده ورسإوله الذي رقى إلى السبع الطباق ببديع
جناسإه ،وآنس من العل نورا هدى المة بإيناسإه ،صلى الله عليه وعلى آله
وصحبه وسإلم تسليما كثيرا ما قامت النصوص بنفائأس أنفاسإه ،واسإتخرجت
المعاني من مشكاة نبراسإه.
أما بعد :فإن أولى ما صرفت الهمم إلى تمهيده ،وأحرى ما عنيت بتسديد
قواعده وتشييده ،العلم الذي هو قوام الدين ،والمرقى إلى درجات المتقين.
وكان علم أصول الفقه جواده الذي ل يلحق ،وحبله المتين الذي هو أقوى
وأوثق ،فإنه قاعدة الشرع ،وأصل يرد إليه كل فرع .وقد أشار المصطفى صلى
الله عليه وسإلم في جوامع كلمه إليه ،ونبه أرباب اللسان عليه ،فصدر في
الصدر الول منه جملة سإنية ،ورموز خفية ،حتى جاءا المام المجتهد محمد بن
إدريس الشافعي -رضي الله عنه -فاهتدى بمناره ،ومشى إلى ضوءا ناره،
فشمر عن سإاعد الجتهاد ،وجاهد في تحصيل هذا الغرض السني حق الجهاد،
وأظهر دفائأنه وكنوزه وأوضح إشاراته ورموزه ،وأبرز مخبآته وكانت مستورة،
وأبرزها في أكمل معنى وأجمل صورة ،حتى نور بعلم الصول دجى الفاق،
وأعاد سإوقه بعد الكساد إلى نفاق .وجاءا من بعده ،فبينوا وأوضحوا وبسطوا
وشرحوا ،حتى جاءا القاضيان :قاضي السنة أبو بكر بن الطيب وقاضي المعتزلة
عبد الجبار ،فوسإعا العبارات ،وفكا الشارات ،وبينا الجمال ،ورفعا الشكال.
واقتفى الناس بآثارهم،
) (1/3
وسإاروا على لحب نارهم ،فحرروا وقرروا ،وصوروا ،فجزاهم الله خير الجزاءا،
ومنحهم بكل مسرة وهناءا .ثم جاءات أخرى من المتأخرين ،فحجروا ما كان
واسإعا ،وأبعدوا ما كان شاسإعا ،واقتصروا على بعض رءاوس المسائأل ،وكثروا
من الشبه والدلئأل ،واقتصروا على نقل مذاهب المخالفين من الفرق ،وتركوا
أقوال من لهذا الفن أصل ،وإلى حقيقته وصل ،فكاد يعود أمره إلى الول،
وتذهب عنه بهجة المعول ،فيقولون :خلفا لبي هاشم ،أو وفاقا للجبائأي،
وتكون للشافعي منصوصة ،وبين أصحابه بالعتناءا مخصوصة ،وفاتهم من كلم
السابقين عبارات رائأقة ،وتقريرات فائأقة ،ونقول غريبة ،ومباحث عجيبة.
]منهج المؤلف ومصادره[ وقد اجتمع عندي بحمد الله من مصنفات القدمين
في هذا الفن ما يربو على المئين ،وما برحت لي همة تهم في جمع أشتات
كلماتهم وتجول ،ومن دونها عوائأق الحال تحول ،إلى أن من الله سإبحانه بنيل
المراد ،وأمد بلطفه بكثير من المواد ،فمخضت زبد كتب القدماءا ،ووردت
شرائأع المتأخرين من العلماءا ،وجمعت ما انتهى إلي من أقوالهم ،ونسجت
على منوالهم ،وفتحت منه ما كان مقفل ،وفصلت ما كان مجمل ،بعبارة
تستعذب ،وإشارة ل تستصعب.
وزدت في هذا الفن من المسائأل ما ينيف على اللوف ،وولدت من الغرائأب
غير المألوف ،ورددت كل فرع إلى أصله وشكل قد حيل بينه وبين شكله،
وأتيت فيه بما لم أسإبق إليه ،وجمعت شوارده المتفرقات عليه بما يقضى منه
العجب ،وإن الله يهب لعباده ما يشاءا أن يهب ،وأنظم فيه بحمد الله ما لم
ينتظم قبله في سإلك ،ول حصل لمالك في ملك ،وكان من المهم تحرير مذهب
الشافعي وخلف أصحابه وكذلك سإائأر المخالفين من أرباب المذاهب
المتبوعة.
ولقد رأيت في كتب المتأخرين الخلل في ذلك ،والزلل في كثير من التقريرات
والمسالك ،فأتيت البيوت من أبوابها ،وشافهت كل مسألة من كتابها ،وربما
أسإوقها بعباراتهم لشتمالها على فوائأد ،وتنبيها على خلل ناقل وما تضمنته من
المآخذ والمقاصد.
فمن كتب المام الشافعي رضي الله عنه الرسإالة ،و اختلف الحديث وأحكام
القرآن ،ومواضع متفرقة من الم وشرح الرسإالة للصيرفي وللقفال الشاشي
وللجويني ولبي الوليد النيسابوري وكتاب القياس للمزني .وكتاب الرد على
داود في إنكاره القياس لبن سإريج ،وكتاب العذار والنذار له أيضا ،وكتاب
الدلئأل والعلم للصيرفي،
) (1/4
وكتاب القفال الشاشي ،وأبي الحسين بن القطان ،وأبي علي بن أبي هريرة
وأبي إسإحاق المروزي ،وأبي العباس بن القاضي في رياض المتعلمين وأبي
عبد الله الزبيري وأبي الحسين محمد بن يحيى بن سإراقة العامري ،وأبي
القاسإم بن كج ،وأبي بكر بن فورك ،والسإتاذ أبي إسإحاق السإفراييني ،والشيخ
أبي حامد السإفراييني ،وسإليم الرازي في التقريب في الصول والتحصيل
للسإتاذ أبي منصور البغدادي ،وشرح الكفاية والجدل للقاضي أبي الطيب
الطبري ،واللمع وشرحها للشيخ أبي إسإحاق ،والتبصرة والملخص ،والمعونة،
والحدود وغيرها من كتبه ،وكتاب الشيخ أبي نصر بن القشيري ،وكتاب أبي
الحسين السهيلي من أصحابنا ،والوسإط لبن برهان ،والوجيز له ،والقواطع
لبي المظفر بن السمعاني وهو أجل كتاب للشافعية في أصول الفقه نقلت
وحجاجا ،وكتاب التقريب والرشاد للقاضي أبي بكر وهو أجل كتاب صنف في
هذا العلم مطلقا ،والتلخيص من هذا الكتاب لمام الحرمين أمله بمكة شرفها
الله ،و البرهان للمام وشروحه ،وقد اعتنى به المالكيون .المازري ،والبياري،
وابن العلف ،وابن المنير ،ونكت عليه الشيخ تقي الدين المقترح جد الشيخ
تقي الدين بن دقيق العيد لمه ،ومختصر النكت لبن عطاءا الله السإكندراني،
ومختصره لبن المنير ،والمستصفى للغزالي ،وقد اعتنى به المالكية أيضا،
فشرحه أبو عبد الله العبدري في كتابه المسمى بالمستوفى ،ونكت عليه ابن
الحاج الشبيلي وغيره ،واختصره ابن رشد وابن شاس صاحب الجواهر ،وابن
رشيق ،والمحصول ومختصراته وشروحه للصفهاني والقرافي ،والحكام
للمدي ،ومختصر ابن الحاجب ،والنهاية للصفي الهندي ،والفائأق والرسإالة
السيفية له ،وابن دقيق العيد في العنوان ،وشرح العمدة وشرح اللمام وبه
ختم التحقيق في هذا الفن ،وفي موضع من شرح اللمام يقول :أصول الفقه
هو الذي يقضي ول يقضى عليه.
ومن كتب الحنفية كتاب أبي بكر الرازي ،واللباب لبي الحسن البستي
الجرجاني ،وكتاب شمس الئأمة السرخسي ،وتقويم الدلة لبي زيد ،والميزان
للسمرقندي والكبريت الحمر لبي الفضل الخوارزمي ،وكتاب العالمي والبديع
لبن الساعاتي وكان أعلم أهل زمانه بأصول الفقه.
ومن كتب المالكية الجامع لبي عبد الله محمد بن أحمد بن مجاهد بن خويز
منداد المالكي البصري ،ونقلت عنه بالواسإطة والملخص للقاضي عبد الوهاب
والفادة والجوبة الفاخرة له ،والفصول لبي الوليد الباجي ،والمحصول لبن
العربي ،وكتاب أبي العباس القرطبي شارح مسلم ،والقواعد للقرافي وغيره.
) (1/5
ومن كتب الحنابلة التمهيد لبي الخطاب ،والواضح لبن عقيل ،والروضة
للمقدسإي ومختصرها للطوفي وغيرهم.
ومن كتب الظاهرية كتاب أصول الفتوى لبي عبد الله محمد بن سإعيد الداودي
وهو عمدة الظاهرية فيما صح عن داود ،وكتاب الحكام لبن حزم.
ومن كتب المعتزلة "العمدة" لبي الحسين والمعتمد له ،والواضح لبي يوسإف
عبد السلم ،والنكت لبن العارض بالعين المهملة.
ومن كتب الشيعة الذريعة للشريف الرضي ،والمصادر لمحمود بن علي
الحمصي وهو على مذهب المامية ،وغير ذلك مما هو مبين في مواضعه.
وسإميته البحر المحيط والله أسإأل أن يجعله خالصا لوجهه الكريم مقربا للفوز
بجنات النعيم ،بمنه وكرمه.
***
) (1/6
مقدمات أصول الفقه
فصل :في أول من صنف في الصول
...
فصل] :أول من صنف في الصول[
الشافعي رضي الله عنه أول من صنف في أصول الفقه صنف فيه كتاب
الرسإالة ،وكتاب أحكام القرآن ،واختلف الحديث ،وإبطال السإتحسان وكتاب
جماع العلم وكتاب القياس الذي ذكر فيه تضليل المعتزلة ورجوعه عن قبول
شهادتهم ،ثم تبعه المصنفون في الصول .قال المام أحمد بن حنبل :لم نكن
نعرف الخصوص والعموم حتى ورد الشافعي .وقال الجويني في شرح
الرسإالة :لم يسبق الشافعي أحد في تصانيف الصول ومعرفتها.
وقد حكي عن ابن عباس تخصيص عموم ،وعن بعضهم القول بالمفهوم ،ومن
بعدهم لم يقل في الصول شيئا ،ولم يكن لهم فيه قدم .فإنا رأينا كتب السلف
من التابعين وتابعي التابعين وغيرهم فما رأيناهم صنفوا فيه .أل ترى أن أحمد
بن حنبل كان أكبر سإنا منه ،وكان متقدما في العلم ،وكان يأخذ بركابه فيتبعه،
ويتعلم منه .ا هـ .وليس كما قال بل هو أصغر من الشافعي بأربع عشرة سإنة.
واعلم أن الشيخ أبا الحسن الشعري كان يتبع الشافعي في الفروع والصول
وربما يخالفه في الصول ،كقوله بتصويب المجتهدين في الفروع ،وليس ذلك
مذهب الشافعي ،وكقوله :ل صيغة للعموم.
قال الشيخ أبو محمد الجويني .ونقل مخالفته أصول الشافعي ونصوصه وربما
ينسب المبتدعون إليه ما هو بريءا منه كما نسبوا إليه أنه يقول :ليس في
المصحف قرآن ،ول في القبور نبي ،وكذلك السإتثناءا في اليمان ونفي قدرة
الخالق في الزل ،وتكفير العوام ،وإيجاب علم الدليل عليهم .وقد تصفحت ما
تصحفت من كتبه ،وتأملت نصوصه في هذه المسائأل فوجدتها كلها خلف ما
نسب إليه.
وقال ابن فورك في كتاب شرح كتاب المقالت للشعري في مسألة تصويب
المجتهدين :اعلم أن شيخنا أبا الحسن الشعري يذهب في الفقه ومسائأل
الفروع وأصول الفقه أيضا مذهب الشافعي ونص قوله في كتاب التفسير في
باب إيجاب قراءاة الفاتحة على المأموم :خلف قول أبي حنيفة ،والجهر
بالبسملة :خلف قول مالك ،وفي إثبات آية البسملة في كل سإورة آية منها
قرآنا منزل فيها ،ولذلك قال في كتابه في أصول الفقه بموافقة أصوله.
) (1/7
فصل :في بيان شرف علم الصول
اعلم أن العلوم ثلثة أصناف:
الول :عقلي محض ،كالحساب والهندسإة.
والثاني :لغوي ،كعلم اللغة والنحو والصرف والمعاني والبيان والعروض.
والثالث :الشرعي وهو علم القرآن والسنة ،ول شك أنه أشرف الصناف ،ثم
أشرف العلوم بعد العتقاد الصحيح معرفة الحكام العملية ،ومعرفة ذلك
بالتقليد ونقل الفروع المجردة يستفرغ جمام الذهن ول ينشرح بها الصدر،
لعدم أخذه بالدليل ،وشتان بين من يأتي بالعبادة تقليدا لمامه بمعقوله وبين
من يأتي بها وقد ثلج صدره عن الله ورسإوله ،وهذا ل يحصل إل بالجتهاد،
والناس في حضيض عن ذلك ،إل من تغلغل بأصول الفقه ،وكرع من مناهله
الصافية ،وأدرع ملبسه الضافية ،وسإبح في بحره ،وربح من مكنون دره .قال
إمام الحرمين في كتاب المدارك وهو من أنفس كتبه :والوجه لكل متصد
للقلل بأعباءا الشريعة أن يجعل الحاطة بالصول شوقه الكد ،وينص مسائأل
الفقه عليها نص من يحاول بإيرادها تهذيب الصول ،ول ينزف جمام الذهن في
وضع الوقائأع مع العلم بأنها ل تنحصر مع الذهول عن الصول .وقال الغزالي
في "المستصفى" :1خير العلم ما ازدوج فيه العقل والسمع واصطحب فيه
الرأي والشرع علم الفقه ،وأصول الفقه من هذا القبيل ،فإنه يأخذ من صفو
العقل والشرع سإواءا السبيل ،فل هو تصرف بمحض العقول بحيث ل يتلقاه
الشرع بالقبول ،ول هو مبني على التقليد الذي ل يشهد له العقل بالتأييد
والتسديد ،ولجل شرف علم أصول الفقه ورفعته وفر الله دواعي الخلق على
طلبته ،وكان العلماءا به أرفع مكانا ،وأجلهم شأنا ،وأكثرهم أتباعا وأعوانا .وقال
أبو بكر القفال الشاشي في كتابه الصول :اعلم أن النص على حكم كل حادثة
عينا معدوم ،وأن للحكام أصول وفروعا ،وأن الفروع ل تدرك إل بأصولها ،وأن
النتائأج ل تعرف حقائأقها إل بعد تحصيل العلم بمقدماتها ،فحق أن يبدأ بالبانة
عن الصول لتكون سإببا إلى معرفة الفروع.
ثم اختلف في نسبة الصول إلى الفقه ،فقيل :علم الصول بمجرده كالميلق
ـــــــ
1انظر المستصفى ص "."4
) (1/8
الذي يختبر به جيد الذهب من رديئه ،والفقه كالذهب ،فالفقيه الذي ل أصول
عنده ككاسإب مال ل يعرف حقيقته ،ول ما يدخر منه مما ل يدخر ،والصولي
الذي ل فقه عنده كصاحب الميلق الذي ل ذهب عنده ،فإنه ل يجد ما يختبره
على ميلقه .وقيل :الصولي كالطبيب الذي ل عقار عنده ،والفقيه كالعطار
الذي عنده كل عقار ،ولكن ل يعرف ما يضر ول ما ينفع .وقيل :الصولي كصانع
السلح ،وهو جبان ل يحسن القتال به ،والفقيه كصاحب سإلح ولكن ل يحسن
إصلحها إذا فسدت ،ول جماعها إذا صدعت.
فإن قيل :هل أصول الفقه إل نبذ جمعت من علوم متفرقة؟ نبذة من النحو
كالكلم على معاني الحروف التي يحتاج الفقيه إليها ،والكلم في السإتثناءا،
وعود الضمير للبعض ،وعطف الخاص على العام ونحوه ،ونبذة من علم الكلم
كالكلم في الحسن والقبح ،وكون الحكم قديما ،والكلم على إثبات النسخ،
وعلى الفعال ونحوه ،ونبذة من اللغة ،كالكلم في موضوع المر والنهي وصيغ
العموم ،والمجمل والمبين ،والمطلق والمقيد ،ونبذة من علم الحديث كالكلم
في الخبار ،فالعارف بهذه العلوم ل يحتاج إلى أصول الفقه في شيءا من ذلك،
وغير العارف بها ل يغنيه أصول الفقه في الحاطة بها ،فلم يبق من أصول الفقه
إل الكلم في الجماع ،والقياس ،والتعارض ،والجتهاد ،وبعض الكلم في
الجماع من أصول الدين أيضا ،وبعض الكلم في القياس والتعارض مما يستقل
به الفقيه ،ففائأدة أصول الفقه بالذات حينئذ قليلة.
فالجواب :منع ذلك ،فإن الصوليين دققوا النظر في فهم أشياءا من كلم
العرب لم تصل إليها النحاة ول اللغويون ،فإن كلم العرب متسع ،والنظر فيه
متشعب ،فكتب اللغة تضبط اللفاظ ومعانيها الظاهرة دون المعاني الدقيقة
التي تحتاج إلى نظر الصولي باسإتقراءا زائأد على اسإتقراءا اللغوي.
مثاله :دللة صيغة افعل على الوجوب ،و ل تفعل على التحريم ،وكون كل
وأخواتها للعموم ،ونحوه مما نص هذا السؤال على كونه من اللغة لو فتشت لم
تجد فيها شيئا من ذلك غالبا وكذلك في كتب النحاة في السإتثناءا من أن
الخراج قبل الحكم أو بعده ،وغير ذلك من الدقائأق التي تعرض لها الصوليون
وأخذوها من كلم العرب باسإتقراءا خاص ،وأدلة خاصة ل تقتضيها صناعة النحو،
وسإيمر بك منه في هذا الكتاب العجب العجاب.
***
) (1/9
المقدمات
]تعريف أصول الفقه[
أصول الفقه :مركب تتوقف معرفته على معرفة مفرداته من حيث التركيب ل
من حيث كل وجه.
]تعريف الصل[ فالصول :جمع أصل ،وأصل الشيءا ،ما منه الشيءا ،أي:
مادته ،كالوالد للولد ،والشجرة للغصن.
ورده القرافي باشتراك من بين البتداءا والتبعيض ،وبأنه ل يصح هنا معنى من
معانيها.
وأجاب الصفهاني عن الول :بأن الشتراك لزم لكن يصار إليه في الحدود
حيث ل يمكن التعبير بغيره ،وعن الثاني :بأن من لبتداءا الغاية.
وقال المدي :ما اسإتند الشيءا في تحقيقه إليه .وقال أبو الحسين :ما يبنى
عليه غيره ،وتبعه ابن الحاجب في باب القياس ،ورد بأنه ل يقال :إن الولد يبنى
على الوالد ،بل يقال :فرعه.
وقال المام :هو المحتاج إليه ،ورد بأنه إن أريد احتياج الثر إلى المؤثر لزم
إطلقه على الله تعالى ،وإن أريد ما يتوقف عليه الشيءا لزم إطلقه على
الجزاءا والشرط .وقد التزمه في المباحث المشرقية فقال :ل تبعد تسمية
الشروط واندفاع الموانع أصول باعتبار توقف وجود الشيءا عليها .وقال أبو بكر
الصيرفي في كتاب الدلئأل والعلم :كل ما أثمر معرفة شيءا ونبه عليه فهو
أصل له ،فعلوم الحس أصل ،لنها تثمر معرفة حقائأق الشياءا ،وما عداه فرع
له.
وقال القفال الشاشي :الصل :ما تفرع عنه غيره ،والفرع :ما تفرع عن غيره،
وهذا أسإد الحدود ،فعلى هذا ل يقال في الكتاب :إنه فرع أصله الحس ،لن الله
تعالى توله وجعله أصل دل العقل عليه.
قال :والكتاب والسنة أصل ،لن غيرهما يتفرع عنهما ،وأما القياس فيجوز أن
يكون أصل على معنى أن له فروقا تنشأ عنه ،ويتوصل إلى معرفتها من جهته،
كالكتاب أصل لما ينبني عليه ،وكالسنة أصل لما يعرف من جهتها ،وهو فرع
على معنى أنه إنما عرف بغيره وهو الكتاب أو غيره ،وكذلك السنة والجماع.
قال :وقيل :إن القياس ل يقال له :أصل ول فرع ،لنه فعل القائأس ،ول توصف
الفعال بالصل
) (1/10
والفرع .وقال السإتاذ أبو منصور البغدادي :الصل ما عرف به حكم غيره،
والفرع ما عرف بحكم غيره قياسإا عليه.
وقال الماوردي في الحاوي :قيل :الصل ما دل عليه غيره ،والفرع ما دل على
غيره ،فعلى هذا يجوز أن يقال في الكتاب :إنه فرع لعلم الحس ،لنه الدال
على صحته.
هذا العتراض يصلح أن يدخل به كثير من العبارات السالفة على اختلفها
فليتأمل.
وقال ابن السمعاني في القواطع :قيل :الصل ما انبنى عليه غيره ،وقيل :ما
يقع التوصل به إلى معرفة ما وراءاه وهما مدخولن ،لن من أصول الشرع ما
هو عقيم ل يقبل الفرع ،ول يقع به التوصل إلى ما وراءاه بحال ،كدية الجنين
والقسامة ،وتحمل العاقلة ،فهذه أصول ليست لها فروع ،فالولى أن يقال:
الصل كل ما ثبت دليل في إيجاب حكم من الحكام ليتناول ما جلب فرعا أو لم
يجلب.
ويطلق في الصطلح على أمور:
أحدها :الصورة المقيس عليها على الخلف التي -إن شاءا الله تعالى -في
القياس في تفسير الصل.
الثاني :الرجحان ،كقولهم :الصل في الكلم الحقيقة ،أي :الراجح عند السامع
هو الحقيقة ل المجاز.
الثالث :الدليل ،كقولهم :أصل هذه المسألة من الكتاب والسنة أي :دليلها،
ومنه أصول الفقه أي :أدلته.
الرابع :القاعدة المستمرة ،كقولهم :إباحة الميتة للمضطر على خلف الصل.
وهذه الربعة ذكرها القرافي وفيه نظر ،لن الصورة المقيس عليها ليست
معنى زائأدا ،لن أصل القياس اختلف فيه هل هو محل الحكم أو دليله أو
حكمه؟ وأيا ما كان فليس معنى زائأدا ،لنه إن كان أصل القياس دليله فهو
المعنى السابق ،وإن كان محله أو حكمه فهما يسميان أيضا دليل مجازا ،فلم
يخرج الصل عن معنى الدليل.
وبقي عليه أمور:
أحدها :التعبد ،كقولهم :إيجاب الطهارة بخروج الخارج على خلف الصل.
يريدون أنه ل يهتدي إليه القياس.
) (1/11
الثاني :الغالب في الشرع ،ول يمكن ذلك إل باسإتقراءا موارد الشرع.
الثالث :اسإتمرار الحكم السابق ،كقولهم :الصل بقاءا ما كان على ما كان حتى
يوجد المزيل له.
الرابع :المخرج ،كقول الفرضيين :أصل المسألة من كذا.
]عدد الصول التي يبنى الفقه عليها[ ثم اختلفوا في عدد الصول ،فالجمهور
على أنها أربعة :الكتاب ،والسنة ،والجماع ،والقياس.
قال الرافعي في باب القضاءا :وقد يقتصر على الكتاب والسنة ،ويقال :الجماع
يصدر عن أحدهما ،والقياس الرد إلى أحدهما فهما أصلن .قال في المطلب:
وفيه منازعة لمن جوز انعقاد الجماع ل عن أمارة ،ول عن دللة ،وجوز القياس
على المحل المجمع عليه .واختصر بعضهم فقال :أصل ومعقول أصل ،فالصل
للكتاب ،والسنة ،والجماع ،ومعقول الصل هو القياس.
قال ابن السمعاني :وأشار الشافعي إلى أن جماع الصول نص ومعنى،
فالكتاب والسنة والجماع داخل تحت النص ،والمعنى هو القياس ،وزاد بعضهم
العقل فجعلها خمسة .وقال أبو العباس بن القاص :الصول سإبعة :الحس،
والعقل ،والكتاب ،والسنة ،والجماع ،والقياس ،واللغة.
والصحيح :أنها أربعة.
وأما العقل :فليس بدليل يوجب شيئا أو يمنعه ،وإنما تدرك به المور فحسب،
إذ هو آلة العارف ،وكذلك الحس ل يكون دليل بحال ،لنه يقع به درك الشياءا
الحاضرة.
وأما اللغة :فهي مدركة اللسان ،ومطية لمعاني الكلم ،وأكثر ما فيه معرفة
سإمات الشياءا ول حظ له في إيجاب شيءا.
وقال الجيلي في العجاز :أربعة :الكتاب ،والسنة ،والقياس ،ودليل البقاءا على
النفي الصلي ،وردها القفال الشاشي إلى واحد فقال :أصل السمع هو كتاب
الله تعالى ،وأما السنة والجماع ،والقياس فمضاف إلى بيان الكتاب ،لقوله
تعالى }ت تب بييانا ا ل تك ك ل
ل ي
ن
ب ت
يءْءا{ٍ ]النحل [89 :وقوله } :ي
ما فيررط بينا تفي ال بك تيتا ت
م ب
ش ب
ي
يءْءا{ٍ ]النعام [38 :وروي عن ابن مسعود أنه لعن الواصلة والمستوصلة،
ش ب
وقال :ما لي ل ألعن من لعنه الله؟ فقالت امرأة :قرأت كتاب الله فلم أجد فيه
ما تقول ،فقال :إن كنت
) (1/12
سإو ك
خ ك
ه يفان بت يكهوا{ٍ
ل في ك
م الرر ك
م ع ين ب ك
ما ن ييهاك ك ب
ذوه ك وي ي
ما آيتاك ك ك
قرأتيه فقد وجدتيه }وي ي
]الحشر" [7 :وأن النبي صلى الله عليه وسإلم لعن الواصلة والمستوصلة" .1
فأضاف عبد الله بن مسعود بلطيف حكمته قول الرسإول إلى كتاب الله ،وعلى
هذا إضافة ما أجمع عليه مما ل يوجد في الكتاب والسنة نصا.
قلت :ووقع مثل ذلك للشافعي في مسألة قتل المحرم للزنبور .قال السإتاذ
أبو منصور :وفي هذا دليل على أن الحكم المأخوذ من السنة ،أو الجماع أو
القياس مأخوذ من كتابه سإبحانه ،لدللة كتابه على وجوب اتباع ذلك كله.
]تعريف الفقه[ والفقه لغة :اختلف فيه ،فقال ابن فارس في المجمل :هو
العلم ،وجرى عليه إمام الحرمين في التلخيص ،وإلكيا الهراسإي ،وأبو نصر بن
القشيري ،والماوردي إل أن حملة الشرع خصصوه بضرب من العلوم.
ونقل ابن السمعاني عن ابن فارس :أنه إدراك علم الشيءا وقال الجوهري
وغيره :هو الفهم .وقال الراغب :هو التوسإل إلى علم غائأب بعلم شاهد فهو
أخص من العلم .وفي المحكم لبن سإيده :الفقه العلم بالشيءا والفهم له
والظاهر أن مراده بهما واحد وهو الفهم ،لنه فسر الفهم بمعرفة الشيءا
بالقلب ،ومعرفة الشيءا بالقلب هو العلم به ،ومثله قول الزهري :فهمت
الشيءا عقلته وعرفته ،وأصرح منه قول الجوهري :فهمت الشيءا فهما علمته.
وظهر بهذا أن الفهم المفسر به الفقه ليس فهم المعنى من اللفظ ،ول فهم
غرض المتكلم.
ونقل الفقه إلى علم الفروع بغلبة السإتعمال كما أشار إليه ابن سإيده حيث
قال :غلب على علم الدين لسيادته وشرفه كالنجم على الثريا ،والعود على
المندل.
قال ابن سإراقة :وقيل :حده في اللغة العبارة عن كل معلوم تيقنه العالم به
عن فكر .وقال أبو الحسين في المعتمد ،وتبعه في المحصول :فهم غرض
المتكلم ،ورد بأنه يوصف بالفهم حيث ل كلم ،وبأنه لو كان كذلك لم يكن في
نل
نفي الفقه عنهم منقصة ول تعيير ،لنه غير متصور ،وقد قال تعالى} :ويل يك ت ب
م{ٍ ]السإراءا.[44 :
ف ي
تي ب
ستبي ي
قكهو ي
ن تي ب
حهك ب
ـــــــ
ك
ي
ك
ك
ه{ٍ ،
ذو
خ
ف
ل
سإو
ر
ال
م
ك
تا
آ
ما
و
}
باب
القرآن
تفسير
كتاب
البخاري،
رواه
1
ك
ي ي ي ك ر ك
ك
حديث " ,"4886رواه مسلم " "3/1678كتاب اللباس والزينة ،باب تحريم
فعل الواصلة والمستوصلة والواشمة ،...حديث "."2125
) (1/13
وقال ابن دقيق العيد :وهذا تقييد للمطلق بما ل يتقيد به.
وقال الشيخ أبو إسإحاق وصاحب اللباب .من الحنفية :فهم الشياءا الدقيقة ،فل
يقال :فقهت أن السماءا فوقنا .قال القرافي :وهذا أولى ،ولهذا خصصوا اسإم
الفقه بالعلوم النظرية ،فيشترط كونه في مظنة الخفاءا ،فل يحسن أن يقال:
فهمت أن الثنين أكثر من الواحد ،ومن ثم لم يسم العالم بما هو من ضروريات
الحكام الشرعية فقيها ،فإن احتج له بقوله تعالى} :يقاكلوا ييا ك
ه
ف ي
ما ن ي ب
شعيي ب ك
ق ك
ب ي
قوبم ت ل ي ي ي
قو ك
ل هي ك
ن
ف ي
ن يي ب
ؤلتءا ال ب ي
ما ت ي ك
ك يتثيرا ا ت
قكهو ي
دو ي
كا ك
ل{ٍ ]هود [91 :وقوله} :في ي
م ر
ما ت
ديثاا{ٍ ]النساءا.[78 :
ح ت
ي
قلنا :هذا يدل على أن الفهم من الخطاب يسمى فقها ،ل على أنه ل يسمى
ب
ن
فقها إل ما ما كان كذلك ،وقد قال تعالى} :ويل ي ي
م ك يتثيرا ا ت
قد ب ذ ييرأينا ل ت ي
ن ال ب ت
جهين ر ي
ج ل
م ي
ب
ن ب تيها{ٍ ]العراف [179 :وهذا ل يختص بالفهم من
ف ي
ب ل يي ب
قكهو ي
م قككلو ب
س ل يهك ب
يوال تن ب ت
الخطاب ،بل عدم الفهم مطلقا من الدلة العقلية والسمعية ،وطرق العتبار،
ثم المراد من الفهم :الدراك ،ل جودة الذهن من جهة تهيئته لقتناص ما يرد
عليه من المطالب خلفا للمدي.
]الذهن[ والذهن :عبارة عن قوة النفس المستعدة لكتسابها الحدود الوسإطى
والراءا .وقال ابن سإراقة :الفهم عبارة عن إتقان الشيءا ،والثقة به على الوجه
الذي هو به عن نظر ،ولذلك يقال :نظرت ففهمت ،ول يقال في صفات الله
سإبحانه :فهم.
يقال :فقه -بالكسر -فهو فاقه إذا فهم ،وفقه -بالفتح -فهو فاقه أيضا إذا
سإبق غيره إلى الفهم ،وفقه -بالضم -فهو فقيه إذا صار الفقه له سإجية،
واسإتعمل لسإم فاعله فقيه ،لن فعيل قياس في اسإم فاعل فعل ،ووقع في
عبارة بعضهم :أنه اختير له فعيل ،لن فعيل للمبالغة ،فاسإتعمالها فيمن صار
الفقه له سإجية أولى.
وهذا ليس بصحيح .أعني دعوى أن فعيل هاهنا للمبالغة ،لن اللفاظ المستعملة
للمبالغة هي التي كانت على صيغة ،فحولت عنها إلى تلك اللفاظ للمبالغة،
ولذلك يقع في كلمهم ما حول للمبالغة من فاعل] ،إلى[ مفعال أو فعيل أو
فعول ،أو فعل ،وأما فقيه فهو قياس ،لن فعيل ،مقيس في فعل ،فهو مستعمل
فيما هو قياسإه من غير تحويل ،نحو عليم و شفيع ،فإن المتكلم يحولهما عن
شافع وعالم ،لقصد المبالغة ،ول مخلص عن هذا إل أن يدعى أنه خولف تقديرا
) (1/14
بمعنى أن الواضع ،حوله عن فاعل لقصد المبالغة.
فإن قلت :ليس من شرط الفقيه أن يكون له سإجية ،ولهذا قال الرافعي في
الوقف على الفقهاءا :إنه يدخل فيه من حصل منه شيئا ،وإن قل ،وقضية هذا
حصوله بمسمى مسألة واحدة.
قلت :ليس كذلك لما سإأذكره من كلم الشيخ أبي إسإحاق ،والغزالي ،وابن
السمعاني ،وغيرهم من الئأمة ،ولعل مراده من حصل حتى صار له سإجية وإن
قلت.
]الفقه في الصطلح[ :وأما في اصطلح الصوليين :فالعلم بالحكام الشرعية
العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية.
فالعلم جنس ،والمراد به الصناعة ،كما تقول :علم النحو أي :صناعته ،وحينئذ
فيندرج فيه الظن واليقين ،وعلى هذا فل يرد سإؤال الفقه من باب الظنون،
ومن أورده فهو اختيار منه لختصاص العلم بالقطعي.
وخرج بالحكام :العلم بالذوات ،والصفات ،والفعال.
وبالشرعية :العقلية ،والمراد بها ما يتوقف معرفتها على الشرع.
وبالعملية :عن العلمية ،ككون الجماع وخبر الواحد حجة .قاله المام .وقال
الصفهاني :خرج به أصول الفقه ،فإنه ليس بعملي ،أي :ليس علما بكيفية
عمل .قال ابن دقيق العيد :وفيه نظر ،لن الغاية المطلوبة منها العمل ،فكيف
يخرج بالعملية؟ وقال الباجي :هو احتراز عن أصول الدين.
واعلم أن أصول الدين منه ما ثبت بالعقل وحده كوجود الباري ،ومنه ما ثبت
بكل من العقل والسمع كالوحدانية ،وهذان خارجان بقوله :الشرعية ،ومنه ما ل
يثبت إل بالسمع كمسألة أن الجنة مخلوقة ،وأن الصراط حق ،وهذا من الفقه
لوجوب اعتقاده ،وعدل المدي ،وابن الحاجب عن لفظ العملية إلى الفرعية،
لن النية من مسائأل الفقه وليست عمل ،وليس بجيد ،لنها عمل .والظاهر أن
لفظ العملية أشمل لدخول وجوب اعتقاد مسائأل الديانات التي ل تثبت إل
بالسمع ،فإنها من الفقه كما سإبق بخلف الفرعية.
وبالمكتسب :علم الله تعالى ،وما يلقيه في قلب النبياءا والملئأكة من الحكام
بل اكتساب .وبالخير :عن اعتقاد المقلد ،فإنه مكتسب من دليل إجمالي :قاله
المام .وقيل :علم المقلد لم يدخل في الحد بل هو احتراز عن علم الخلف.
وأما عند
) (1/15
الفقهاءا :فقال القاضي الحسين :الفقه افتتاح علم الحوادث على النسان .أو
افتتاح شعب أحكام الحوادث على النسان حكاه البغوي عنه في تعليقه.
وقال ابن سإراقة :حده في الشرع :عبارة عن اعتقاد علم الفروع في الشرع،
ولذلك ل يقال في صفاته سإبحانه وتعالى :فقيه .قال :وحقيقة الفقه عندي:
ست ين بب ت ك
م{ٍ ]النساءا.[83 :
ه ت
ه ال ر ت
ن يي ب
من بهك ب
طون ي ك
م ك
السإتنباط .قال الله تعالى} :ل يعيل ت ي
ذي ي
واختيار ابن السمعاني في القواطع أنه اسإتنباط حكم المشكل من الواضح.
قال :وقوله صلى الله عليه وسإلم" :رب حامل فقه غير فقيه" 1أي :غير
مستنبط ومعناه :أنه يحمل الرواية من غير أن يكون له اسإتدلل واسإتنباط
فيها .وقال في ديباجة كتابه :وما أشبه الفقيه إل بغواص في بحر در كلما غاص
في بحر فطنته اسإتخرج درا ،وغيره مستخرج آجرا.
ومن المحاسإن قول المام أبي حنيفة :الفقه معرفة النفس ما لها وما عليها.
ت{ٍ ]البقرة:
ما اك بت ي ي
ما ك ي ي
سب ي ب
ت ويع يل يي بيها ي
سب ي ب
قيل :وأخذه من قوله تعالى} :ل ييها ي
.[286
وقال الغزالي في الحياءا في بيان تبديل أسإامي العلوم :إن الناس تصرفوا في
اسإم الفقه ،فخصوه بعلم الفتاوى والوقوف على وقائأعها ،وإنما هو في العصر
الول اسإم لمعرفة دقائأق آفات النفوس ،والطلع على الخرة وحقارة الدنيا.
ن ويل تي كن بذ تكروا{ٍ ]التوب [122 :والنذار بهذا النوع
ف ر
قال تعالى} :ل تي يت ي ي
قكهوا تفي ال ل
دي ت
من العلم دون تفاريع السلم والجارة.
وعن أبي الدرداءا .ل يفقه العبد كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله ،ثم
يقبل على نفسه فيكون لها أشد مقتا.
وسإأل فرقد السنجي الحسن عن شيءا :فقال :إن الفقهاءا يخالفونك ،فقال
الحسن :ثكلتك أمك وهل رأيت فقيها بعينك؟ إنما الفقيه هو الزاهد في الدنيا.
الراغب في الخرة .البصير بذنبه .المداوم على عبادة ربه .الورع الكاف.
ولذلك قال الحليمي في المنهاج :إن تخصيص
)اضغط هنا للنتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على النترنت(
الكتاب :البحر المحيط في أصول الفقه
المؤلف :بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي
)المتوفى 794 :هـ(
المحقق :محمد محمد تامر
الناشر :دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان
الطبعة :الطبعة الولى1421 ،هـ 2000 /م
مصدر الكتاب :موقع مكتبة المدينة الرقمية
http://www.raqamiya.org
]ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي[
المجلد الول
مقدمة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ المام العلمة المحقق أفضل المتأخرين ،وبرهان المحققين ،كهف
الئأمة والفضلءا ،زبدة نحارير العلماءا ،شيخ السإلم وعمدة فضلءا الزمان ،بدر
الدين أبو عبد الله محمد بن الفقير إلى الله تعالى عبد الله الزركشي
الشافعي ،سإقى الله ثراه ،وفي دار الخلد مأواه:
الحمد لله الذي أسإس قواعد الشرع بأصول أسإاسإه ،وملك من شاءا قياد
قياسإه ،ووهب من اختصه بالسبق إليه على أفراد أفراسإه ،وأولى عنان العناية
من وفقه لقتباسإه.
وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له ،شهادة يتقوم منها الحد بفصوله
وأجناسإه.
وأشهد أن سإيدنا محمدا عبده ورسإوله الذي رقى إلى السبع الطباق ببديع
جناسإه ،وآنس من العل نورا هدى المة بإيناسإه ،صلى الله عليه وعلى آله
وصحبه وسإلم تسليما كثيرا ما قامت النصوص بنفائأس أنفاسإه ،واسإتخرجت
المعاني من مشكاة نبراسإه.
أما بعد :فإن أولى ما صرفت الهمم إلى تمهيده ،وأحرى ما عنيت بتسديد
قواعده وتشييده ،العلم الذي هو قوام الدين ،والمرقى إلى درجات المتقين.
وكان علم أصول الفقه جواده الذي ل يلحق ،وحبله المتين الذي هو أقوى
وأوثق ،فإنه قاعدة الشرع ،وأصل يرد إليه كل فرع .وقد أشار المصطفى صلى
الله عليه وسإلم في جوامع كلمه إليه ،ونبه أرباب اللسان عليه ،فصدر في
الصدر الول منه جملة سإنية ،ورموز خفية ،حتى جاءا المام المجتهد محمد بن
إدريس الشافعي -رضي الله عنه -فاهتدى بمناره ،ومشى إلى ضوءا ناره،
فشمر عن سإاعد الجتهاد ،وجاهد في تحصيل هذا الغرض السني حق الجهاد،
وأظهر دفائأنه وكنوزه وأوضح إشاراته ورموزه ،وأبرز مخبآته وكانت مستورة،
وأبرزها في أكمل معنى وأجمل صورة ،حتى نور بعلم الصول دجى الفاق،
وأعاد سإوقه بعد الكساد إلى نفاق .وجاءا من بعده ،فبينوا وأوضحوا وبسطوا
وشرحوا ،حتى جاءا القاضيان :قاضي السنة أبو بكر بن الطيب وقاضي المعتزلة
عبد الجبار ،فوسإعا العبارات ،وفكا الشارات ،وبينا الجمال ،ورفعا الشكال.
واقتفى الناس بآثارهم،
) (1/3
وسإاروا على لحب نارهم ،فحرروا وقرروا ،وصوروا ،فجزاهم الله خير الجزاءا،
ومنحهم بكل مسرة وهناءا .ثم جاءات أخرى من المتأخرين ،فحجروا ما كان
واسإعا ،وأبعدوا ما كان شاسإعا ،واقتصروا على بعض رءاوس المسائأل ،وكثروا
من الشبه والدلئأل ،واقتصروا على نقل مذاهب المخالفين من الفرق ،وتركوا
أقوال من لهذا الفن أصل ،وإلى حقيقته وصل ،فكاد يعود أمره إلى الول،
وتذهب عنه بهجة المعول ،فيقولون :خلفا لبي هاشم ،أو وفاقا للجبائأي،
وتكون للشافعي منصوصة ،وبين أصحابه بالعتناءا مخصوصة ،وفاتهم من كلم
السابقين عبارات رائأقة ،وتقريرات فائأقة ،ونقول غريبة ،ومباحث عجيبة.
]منهج المؤلف ومصادره[ وقد اجتمع عندي بحمد الله من مصنفات القدمين
في هذا الفن ما يربو على المئين ،وما برحت لي همة تهم في جمع أشتات
كلماتهم وتجول ،ومن دونها عوائأق الحال تحول ،إلى أن من الله سإبحانه بنيل
المراد ،وأمد بلطفه بكثير من المواد ،فمخضت زبد كتب القدماءا ،ووردت
شرائأع المتأخرين من العلماءا ،وجمعت ما انتهى إلي من أقوالهم ،ونسجت
على منوالهم ،وفتحت منه ما كان مقفل ،وفصلت ما كان مجمل ،بعبارة
تستعذب ،وإشارة ل تستصعب.
وزدت في هذا الفن من المسائأل ما ينيف على اللوف ،وولدت من الغرائأب
غير المألوف ،ورددت كل فرع إلى أصله وشكل قد حيل بينه وبين شكله،
وأتيت فيه بما لم أسإبق إليه ،وجمعت شوارده المتفرقات عليه بما يقضى منه
العجب ،وإن الله يهب لعباده ما يشاءا أن يهب ،وأنظم فيه بحمد الله ما لم
ينتظم قبله في سإلك ،ول حصل لمالك في ملك ،وكان من المهم تحرير مذهب
الشافعي وخلف أصحابه وكذلك سإائأر المخالفين من أرباب المذاهب
المتبوعة.
ولقد رأيت في كتب المتأخرين الخلل في ذلك ،والزلل في كثير من التقريرات
والمسالك ،فأتيت البيوت من أبوابها ،وشافهت كل مسألة من كتابها ،وربما
أسإوقها بعباراتهم لشتمالها على فوائأد ،وتنبيها على خلل ناقل وما تضمنته من
المآخذ والمقاصد.
فمن كتب المام الشافعي رضي الله عنه الرسإالة ،و اختلف الحديث وأحكام
القرآن ،ومواضع متفرقة من الم وشرح الرسإالة للصيرفي وللقفال الشاشي
وللجويني ولبي الوليد النيسابوري وكتاب القياس للمزني .وكتاب الرد على
داود في إنكاره القياس لبن سإريج ،وكتاب العذار والنذار له أيضا ،وكتاب
الدلئأل والعلم للصيرفي،
) (1/4
وكتاب القفال الشاشي ،وأبي الحسين بن القطان ،وأبي علي بن أبي هريرة
وأبي إسإحاق المروزي ،وأبي العباس بن القاضي في رياض المتعلمين وأبي
عبد الله الزبيري وأبي الحسين محمد بن يحيى بن سإراقة العامري ،وأبي
القاسإم بن كج ،وأبي بكر بن فورك ،والسإتاذ أبي إسإحاق السإفراييني ،والشيخ
أبي حامد السإفراييني ،وسإليم الرازي في التقريب في الصول والتحصيل
للسإتاذ أبي منصور البغدادي ،وشرح الكفاية والجدل للقاضي أبي الطيب
الطبري ،واللمع وشرحها للشيخ أبي إسإحاق ،والتبصرة والملخص ،والمعونة،
والحدود وغيرها من كتبه ،وكتاب الشيخ أبي نصر بن القشيري ،وكتاب أبي
الحسين السهيلي من أصحابنا ،والوسإط لبن برهان ،والوجيز له ،والقواطع
لبي المظفر بن السمعاني وهو أجل كتاب للشافعية في أصول الفقه نقلت
وحجاجا ،وكتاب التقريب والرشاد للقاضي أبي بكر وهو أجل كتاب صنف في
هذا العلم مطلقا ،والتلخيص من هذا الكتاب لمام الحرمين أمله بمكة شرفها
الله ،و البرهان للمام وشروحه ،وقد اعتنى به المالكيون .المازري ،والبياري،
وابن العلف ،وابن المنير ،ونكت عليه الشيخ تقي الدين المقترح جد الشيخ
تقي الدين بن دقيق العيد لمه ،ومختصر النكت لبن عطاءا الله السإكندراني،
ومختصره لبن المنير ،والمستصفى للغزالي ،وقد اعتنى به المالكية أيضا،
فشرحه أبو عبد الله العبدري في كتابه المسمى بالمستوفى ،ونكت عليه ابن
الحاج الشبيلي وغيره ،واختصره ابن رشد وابن شاس صاحب الجواهر ،وابن
رشيق ،والمحصول ومختصراته وشروحه للصفهاني والقرافي ،والحكام
للمدي ،ومختصر ابن الحاجب ،والنهاية للصفي الهندي ،والفائأق والرسإالة
السيفية له ،وابن دقيق العيد في العنوان ،وشرح العمدة وشرح اللمام وبه
ختم التحقيق في هذا الفن ،وفي موضع من شرح اللمام يقول :أصول الفقه
هو الذي يقضي ول يقضى عليه.
ومن كتب الحنفية كتاب أبي بكر الرازي ،واللباب لبي الحسن البستي
الجرجاني ،وكتاب شمس الئأمة السرخسي ،وتقويم الدلة لبي زيد ،والميزان
للسمرقندي والكبريت الحمر لبي الفضل الخوارزمي ،وكتاب العالمي والبديع
لبن الساعاتي وكان أعلم أهل زمانه بأصول الفقه.
ومن كتب المالكية الجامع لبي عبد الله محمد بن أحمد بن مجاهد بن خويز
منداد المالكي البصري ،ونقلت عنه بالواسإطة والملخص للقاضي عبد الوهاب
والفادة والجوبة الفاخرة له ،والفصول لبي الوليد الباجي ،والمحصول لبن
العربي ،وكتاب أبي العباس القرطبي شارح مسلم ،والقواعد للقرافي وغيره.
) (1/5
ومن كتب الحنابلة التمهيد لبي الخطاب ،والواضح لبن عقيل ،والروضة
للمقدسإي ومختصرها للطوفي وغيرهم.
ومن كتب الظاهرية كتاب أصول الفتوى لبي عبد الله محمد بن سإعيد الداودي
وهو عمدة الظاهرية فيما صح عن داود ،وكتاب الحكام لبن حزم.
ومن كتب المعتزلة "العمدة" لبي الحسين والمعتمد له ،والواضح لبي يوسإف
عبد السلم ،والنكت لبن العارض بالعين المهملة.
ومن كتب الشيعة الذريعة للشريف الرضي ،والمصادر لمحمود بن علي
الحمصي وهو على مذهب المامية ،وغير ذلك مما هو مبين في مواضعه.
وسإميته البحر المحيط والله أسإأل أن يجعله خالصا لوجهه الكريم مقربا للفوز
بجنات النعيم ،بمنه وكرمه.
***
) (1/6
مقدمات أصول الفقه
فصل :في أول من صنف في الصول
...
فصل] :أول من صنف في الصول[
الشافعي رضي الله عنه أول من صنف في أصول الفقه صنف فيه كتاب
الرسإالة ،وكتاب أحكام القرآن ،واختلف الحديث ،وإبطال السإتحسان وكتاب
جماع العلم وكتاب القياس الذي ذكر فيه تضليل المعتزلة ورجوعه عن قبول
شهادتهم ،ثم تبعه المصنفون في الصول .قال المام أحمد بن حنبل :لم نكن
نعرف الخصوص والعموم حتى ورد الشافعي .وقال الجويني في شرح
الرسإالة :لم يسبق الشافعي أحد في تصانيف الصول ومعرفتها.
وقد حكي عن ابن عباس تخصيص عموم ،وعن بعضهم القول بالمفهوم ،ومن
بعدهم لم يقل في الصول شيئا ،ولم يكن لهم فيه قدم .فإنا رأينا كتب السلف
من التابعين وتابعي التابعين وغيرهم فما رأيناهم صنفوا فيه .أل ترى أن أحمد
بن حنبل كان أكبر سإنا منه ،وكان متقدما في العلم ،وكان يأخذ بركابه فيتبعه،
ويتعلم منه .ا هـ .وليس كما قال بل هو أصغر من الشافعي بأربع عشرة سإنة.
واعلم أن الشيخ أبا الحسن الشعري كان يتبع الشافعي في الفروع والصول
وربما يخالفه في الصول ،كقوله بتصويب المجتهدين في الفروع ،وليس ذلك
مذهب الشافعي ،وكقوله :ل صيغة للعموم.
قال الشيخ أبو محمد الجويني .ونقل مخالفته أصول الشافعي ونصوصه وربما
ينسب المبتدعون إليه ما هو بريءا منه كما نسبوا إليه أنه يقول :ليس في
المصحف قرآن ،ول في القبور نبي ،وكذلك السإتثناءا في اليمان ونفي قدرة
الخالق في الزل ،وتكفير العوام ،وإيجاب علم الدليل عليهم .وقد تصفحت ما
تصحفت من كتبه ،وتأملت نصوصه في هذه المسائأل فوجدتها كلها خلف ما
نسب إليه.
وقال ابن فورك في كتاب شرح كتاب المقالت للشعري في مسألة تصويب
المجتهدين :اعلم أن شيخنا أبا الحسن الشعري يذهب في الفقه ومسائأل
الفروع وأصول الفقه أيضا مذهب الشافعي ونص قوله في كتاب التفسير في
باب إيجاب قراءاة الفاتحة على المأموم :خلف قول أبي حنيفة ،والجهر
بالبسملة :خلف قول مالك ،وفي إثبات آية البسملة في كل سإورة آية منها
قرآنا منزل فيها ،ولذلك قال في كتابه في أصول الفقه بموافقة أصوله.
) (1/7
فصل :في بيان شرف علم الصول
اعلم أن العلوم ثلثة أصناف:
الول :عقلي محض ،كالحساب والهندسإة.
والثاني :لغوي ،كعلم اللغة والنحو والصرف والمعاني والبيان والعروض.
والثالث :الشرعي وهو علم القرآن والسنة ،ول شك أنه أشرف الصناف ،ثم
أشرف العلوم بعد العتقاد الصحيح معرفة الحكام العملية ،ومعرفة ذلك
بالتقليد ونقل الفروع المجردة يستفرغ جمام الذهن ول ينشرح بها الصدر،
لعدم أخذه بالدليل ،وشتان بين من يأتي بالعبادة تقليدا لمامه بمعقوله وبين
من يأتي بها وقد ثلج صدره عن الله ورسإوله ،وهذا ل يحصل إل بالجتهاد،
والناس في حضيض عن ذلك ،إل من تغلغل بأصول الفقه ،وكرع من مناهله
الصافية ،وأدرع ملبسه الضافية ،وسإبح في بحره ،وربح من مكنون دره .قال
إمام الحرمين في كتاب المدارك وهو من أنفس كتبه :والوجه لكل متصد
للقلل بأعباءا الشريعة أن يجعل الحاطة بالصول شوقه الكد ،وينص مسائأل
الفقه عليها نص من يحاول بإيرادها تهذيب الصول ،ول ينزف جمام الذهن في
وضع الوقائأع مع العلم بأنها ل تنحصر مع الذهول عن الصول .وقال الغزالي
في "المستصفى" :1خير العلم ما ازدوج فيه العقل والسمع واصطحب فيه
الرأي والشرع علم الفقه ،وأصول الفقه من هذا القبيل ،فإنه يأخذ من صفو
العقل والشرع سإواءا السبيل ،فل هو تصرف بمحض العقول بحيث ل يتلقاه
الشرع بالقبول ،ول هو مبني على التقليد الذي ل يشهد له العقل بالتأييد
والتسديد ،ولجل شرف علم أصول الفقه ورفعته وفر الله دواعي الخلق على
طلبته ،وكان العلماءا به أرفع مكانا ،وأجلهم شأنا ،وأكثرهم أتباعا وأعوانا .وقال
أبو بكر القفال الشاشي في كتابه الصول :اعلم أن النص على حكم كل حادثة
عينا معدوم ،وأن للحكام أصول وفروعا ،وأن الفروع ل تدرك إل بأصولها ،وأن
النتائأج ل تعرف حقائأقها إل بعد تحصيل العلم بمقدماتها ،فحق أن يبدأ بالبانة
عن الصول لتكون سإببا إلى معرفة الفروع.
ثم اختلف في نسبة الصول إلى الفقه ،فقيل :علم الصول بمجرده كالميلق
ـــــــ
1انظر المستصفى ص "."4
) (1/8
الذي يختبر به جيد الذهب من رديئه ،والفقه كالذهب ،فالفقيه الذي ل أصول
عنده ككاسإب مال ل يعرف حقيقته ،ول ما يدخر منه مما ل يدخر ،والصولي
الذي ل فقه عنده كصاحب الميلق الذي ل ذهب عنده ،فإنه ل يجد ما يختبره
على ميلقه .وقيل :الصولي كالطبيب الذي ل عقار عنده ،والفقيه كالعطار
الذي عنده كل عقار ،ولكن ل يعرف ما يضر ول ما ينفع .وقيل :الصولي كصانع
السلح ،وهو جبان ل يحسن القتال به ،والفقيه كصاحب سإلح ولكن ل يحسن
إصلحها إذا فسدت ،ول جماعها إذا صدعت.
فإن قيل :هل أصول الفقه إل نبذ جمعت من علوم متفرقة؟ نبذة من النحو
كالكلم على معاني الحروف التي يحتاج الفقيه إليها ،والكلم في السإتثناءا،
وعود الضمير للبعض ،وعطف الخاص على العام ونحوه ،ونبذة من علم الكلم
كالكلم في الحسن والقبح ،وكون الحكم قديما ،والكلم على إثبات النسخ،
وعلى الفعال ونحوه ،ونبذة من اللغة ،كالكلم في موضوع المر والنهي وصيغ
العموم ،والمجمل والمبين ،والمطلق والمقيد ،ونبذة من علم الحديث كالكلم
في الخبار ،فالعارف بهذه العلوم ل يحتاج إلى أصول الفقه في شيءا من ذلك،
وغير العارف بها ل يغنيه أصول الفقه في الحاطة بها ،فلم يبق من أصول الفقه
إل الكلم في الجماع ،والقياس ،والتعارض ،والجتهاد ،وبعض الكلم في
الجماع من أصول الدين أيضا ،وبعض الكلم في القياس والتعارض مما يستقل
به الفقيه ،ففائأدة أصول الفقه بالذات حينئذ قليلة.
فالجواب :منع ذلك ،فإن الصوليين دققوا النظر في فهم أشياءا من كلم
العرب لم تصل إليها النحاة ول اللغويون ،فإن كلم العرب متسع ،والنظر فيه
متشعب ،فكتب اللغة تضبط اللفاظ ومعانيها الظاهرة دون المعاني الدقيقة
التي تحتاج إلى نظر الصولي باسإتقراءا زائأد على اسإتقراءا اللغوي.
مثاله :دللة صيغة افعل على الوجوب ،و ل تفعل على التحريم ،وكون كل
وأخواتها للعموم ،ونحوه مما نص هذا السؤال على كونه من اللغة لو فتشت لم
تجد فيها شيئا من ذلك غالبا وكذلك في كتب النحاة في السإتثناءا من أن
الخراج قبل الحكم أو بعده ،وغير ذلك من الدقائأق التي تعرض لها الصوليون
وأخذوها من كلم العرب باسإتقراءا خاص ،وأدلة خاصة ل تقتضيها صناعة النحو،
وسإيمر بك منه في هذا الكتاب العجب العجاب.
***
) (1/9
المقدمات
]تعريف أصول الفقه[
أصول الفقه :مركب تتوقف معرفته على معرفة مفرداته من حيث التركيب ل
من حيث كل وجه.
]تعريف الصل[ فالصول :جمع أصل ،وأصل الشيءا ،ما منه الشيءا ،أي:
مادته ،كالوالد للولد ،والشجرة للغصن.
ورده القرافي باشتراك من بين البتداءا والتبعيض ،وبأنه ل يصح هنا معنى من
معانيها.
وأجاب الصفهاني عن الول :بأن الشتراك لزم لكن يصار إليه في الحدود
حيث ل يمكن التعبير بغيره ،وعن الثاني :بأن من لبتداءا الغاية.
وقال المدي :ما اسإتند الشيءا في تحقيقه إليه .وقال أبو الحسين :ما يبنى
عليه غيره ،وتبعه ابن الحاجب في باب القياس ،ورد بأنه ل يقال :إن الولد يبنى
على الوالد ،بل يقال :فرعه.
وقال المام :هو المحتاج إليه ،ورد بأنه إن أريد احتياج الثر إلى المؤثر لزم
إطلقه على الله تعالى ،وإن أريد ما يتوقف عليه الشيءا لزم إطلقه على
الجزاءا والشرط .وقد التزمه في المباحث المشرقية فقال :ل تبعد تسمية
الشروط واندفاع الموانع أصول باعتبار توقف وجود الشيءا عليها .وقال أبو بكر
الصيرفي في كتاب الدلئأل والعلم :كل ما أثمر معرفة شيءا ونبه عليه فهو
أصل له ،فعلوم الحس أصل ،لنها تثمر معرفة حقائأق الشياءا ،وما عداه فرع
له.
وقال القفال الشاشي :الصل :ما تفرع عنه غيره ،والفرع :ما تفرع عن غيره،
وهذا أسإد الحدود ،فعلى هذا ل يقال في الكتاب :إنه فرع أصله الحس ،لن الله
تعالى توله وجعله أصل دل العقل عليه.
قال :والكتاب والسنة أصل ،لن غيرهما يتفرع عنهما ،وأما القياس فيجوز أن
يكون أصل على معنى أن له فروقا تنشأ عنه ،ويتوصل إلى معرفتها من جهته،
كالكتاب أصل لما ينبني عليه ،وكالسنة أصل لما يعرف من جهتها ،وهو فرع
على معنى أنه إنما عرف بغيره وهو الكتاب أو غيره ،وكذلك السنة والجماع.
قال :وقيل :إن القياس ل يقال له :أصل ول فرع ،لنه فعل القائأس ،ول توصف
الفعال بالصل
) (1/10
والفرع .وقال السإتاذ أبو منصور البغدادي :الصل ما عرف به حكم غيره،
والفرع ما عرف بحكم غيره قياسإا عليه.
وقال الماوردي في الحاوي :قيل :الصل ما دل عليه غيره ،والفرع ما دل على
غيره ،فعلى هذا يجوز أن يقال في الكتاب :إنه فرع لعلم الحس ،لنه الدال
على صحته.
هذا العتراض يصلح أن يدخل به كثير من العبارات السالفة على اختلفها
فليتأمل.
وقال ابن السمعاني في القواطع :قيل :الصل ما انبنى عليه غيره ،وقيل :ما
يقع التوصل به إلى معرفة ما وراءاه وهما مدخولن ،لن من أصول الشرع ما
هو عقيم ل يقبل الفرع ،ول يقع به التوصل إلى ما وراءاه بحال ،كدية الجنين
والقسامة ،وتحمل العاقلة ،فهذه أصول ليست لها فروع ،فالولى أن يقال:
الصل كل ما ثبت دليل في إيجاب حكم من الحكام ليتناول ما جلب فرعا أو لم
يجلب.
ويطلق في الصطلح على أمور:
أحدها :الصورة المقيس عليها على الخلف التي -إن شاءا الله تعالى -في
القياس في تفسير الصل.
الثاني :الرجحان ،كقولهم :الصل في الكلم الحقيقة ،أي :الراجح عند السامع
هو الحقيقة ل المجاز.
الثالث :الدليل ،كقولهم :أصل هذه المسألة من الكتاب والسنة أي :دليلها،
ومنه أصول الفقه أي :أدلته.
الرابع :القاعدة المستمرة ،كقولهم :إباحة الميتة للمضطر على خلف الصل.
وهذه الربعة ذكرها القرافي وفيه نظر ،لن الصورة المقيس عليها ليست
معنى زائأدا ،لن أصل القياس اختلف فيه هل هو محل الحكم أو دليله أو
حكمه؟ وأيا ما كان فليس معنى زائأدا ،لنه إن كان أصل القياس دليله فهو
المعنى السابق ،وإن كان محله أو حكمه فهما يسميان أيضا دليل مجازا ،فلم
يخرج الصل عن معنى الدليل.
وبقي عليه أمور:
أحدها :التعبد ،كقولهم :إيجاب الطهارة بخروج الخارج على خلف الصل.
يريدون أنه ل يهتدي إليه القياس.
) (1/11
الثاني :الغالب في الشرع ،ول يمكن ذلك إل باسإتقراءا موارد الشرع.
الثالث :اسإتمرار الحكم السابق ،كقولهم :الصل بقاءا ما كان على ما كان حتى
يوجد المزيل له.
الرابع :المخرج ،كقول الفرضيين :أصل المسألة من كذا.
]عدد الصول التي يبنى الفقه عليها[ ثم اختلفوا في عدد الصول ،فالجمهور
على أنها أربعة :الكتاب ،والسنة ،والجماع ،والقياس.
قال الرافعي في باب القضاءا :وقد يقتصر على الكتاب والسنة ،ويقال :الجماع
يصدر عن أحدهما ،والقياس الرد إلى أحدهما فهما أصلن .قال في المطلب:
وفيه منازعة لمن جوز انعقاد الجماع ل عن أمارة ،ول عن دللة ،وجوز القياس
على المحل المجمع عليه .واختصر بعضهم فقال :أصل ومعقول أصل ،فالصل
للكتاب ،والسنة ،والجماع ،ومعقول الصل هو القياس.
قال ابن السمعاني :وأشار الشافعي إلى أن جماع الصول نص ومعنى،
فالكتاب والسنة والجماع داخل تحت النص ،والمعنى هو القياس ،وزاد بعضهم
العقل فجعلها خمسة .وقال أبو العباس بن القاص :الصول سإبعة :الحس،
والعقل ،والكتاب ،والسنة ،والجماع ،والقياس ،واللغة.
والصحيح :أنها أربعة.
وأما العقل :فليس بدليل يوجب شيئا أو يمنعه ،وإنما تدرك به المور فحسب،
إذ هو آلة العارف ،وكذلك الحس ل يكون دليل بحال ،لنه يقع به درك الشياءا
الحاضرة.
وأما اللغة :فهي مدركة اللسان ،ومطية لمعاني الكلم ،وأكثر ما فيه معرفة
سإمات الشياءا ول حظ له في إيجاب شيءا.
وقال الجيلي في العجاز :أربعة :الكتاب ،والسنة ،والقياس ،ودليل البقاءا على
النفي الصلي ،وردها القفال الشاشي إلى واحد فقال :أصل السمع هو كتاب
الله تعالى ،وأما السنة والجماع ،والقياس فمضاف إلى بيان الكتاب ،لقوله
تعالى }ت تب بييانا ا ل تك ك ل
ل ي
ن
ب ت
يءْءا{ٍ ]النحل [89 :وقوله } :ي
ما فيررط بينا تفي ال بك تيتا ت
م ب
ش ب
ي
يءْءا{ٍ ]النعام [38 :وروي عن ابن مسعود أنه لعن الواصلة والمستوصلة،
ش ب
وقال :ما لي ل ألعن من لعنه الله؟ فقالت امرأة :قرأت كتاب الله فلم أجد فيه
ما تقول ،فقال :إن كنت
) (1/12
سإو ك
خ ك
ه يفان بت يكهوا{ٍ
ل في ك
م الرر ك
م ع ين ب ك
ما ن ييهاك ك ب
ذوه ك وي ي
ما آيتاك ك ك
قرأتيه فقد وجدتيه }وي ي
]الحشر" [7 :وأن النبي صلى الله عليه وسإلم لعن الواصلة والمستوصلة" .1
فأضاف عبد الله بن مسعود بلطيف حكمته قول الرسإول إلى كتاب الله ،وعلى
هذا إضافة ما أجمع عليه مما ل يوجد في الكتاب والسنة نصا.
قلت :ووقع مثل ذلك للشافعي في مسألة قتل المحرم للزنبور .قال السإتاذ
أبو منصور :وفي هذا دليل على أن الحكم المأخوذ من السنة ،أو الجماع أو
القياس مأخوذ من كتابه سإبحانه ،لدللة كتابه على وجوب اتباع ذلك كله.
]تعريف الفقه[ والفقه لغة :اختلف فيه ،فقال ابن فارس في المجمل :هو
العلم ،وجرى عليه إمام الحرمين في التلخيص ،وإلكيا الهراسإي ،وأبو نصر بن
القشيري ،والماوردي إل أن حملة الشرع خصصوه بضرب من العلوم.
ونقل ابن السمعاني عن ابن فارس :أنه إدراك علم الشيءا وقال الجوهري
وغيره :هو الفهم .وقال الراغب :هو التوسإل إلى علم غائأب بعلم شاهد فهو
أخص من العلم .وفي المحكم لبن سإيده :الفقه العلم بالشيءا والفهم له
والظاهر أن مراده بهما واحد وهو الفهم ،لنه فسر الفهم بمعرفة الشيءا
بالقلب ،ومعرفة الشيءا بالقلب هو العلم به ،ومثله قول الزهري :فهمت
الشيءا عقلته وعرفته ،وأصرح منه قول الجوهري :فهمت الشيءا فهما علمته.
وظهر بهذا أن الفهم المفسر به الفقه ليس فهم المعنى من اللفظ ،ول فهم
غرض المتكلم.
ونقل الفقه إلى علم الفروع بغلبة السإتعمال كما أشار إليه ابن سإيده حيث
قال :غلب على علم الدين لسيادته وشرفه كالنجم على الثريا ،والعود على
المندل.
قال ابن سإراقة :وقيل :حده في اللغة العبارة عن كل معلوم تيقنه العالم به
عن فكر .وقال أبو الحسين في المعتمد ،وتبعه في المحصول :فهم غرض
المتكلم ،ورد بأنه يوصف بالفهم حيث ل كلم ،وبأنه لو كان كذلك لم يكن في
نل
نفي الفقه عنهم منقصة ول تعيير ،لنه غير متصور ،وقد قال تعالى} :ويل يك ت ب
م{ٍ ]السإراءا.[44 :
ف ي
تي ب
ستبي ي
قكهو ي
ن تي ب
حهك ب
ـــــــ
ك
ي
ك
ك
ه{ٍ ،
ذو
خ
ف
ل
سإو
ر
ال
م
ك
تا
آ
ما
و
}
باب
القرآن
تفسير
كتاب
البخاري،
رواه
1
ك
ي ي ي ك ر ك
ك
حديث " ,"4886رواه مسلم " "3/1678كتاب اللباس والزينة ،باب تحريم
فعل الواصلة والمستوصلة والواشمة ،...حديث "."2125
) (1/13
وقال ابن دقيق العيد :وهذا تقييد للمطلق بما ل يتقيد به.
وقال الشيخ أبو إسإحاق وصاحب اللباب .من الحنفية :فهم الشياءا الدقيقة ،فل
يقال :فقهت أن السماءا فوقنا .قال القرافي :وهذا أولى ،ولهذا خصصوا اسإم
الفقه بالعلوم النظرية ،فيشترط كونه في مظنة الخفاءا ،فل يحسن أن يقال:
فهمت أن الثنين أكثر من الواحد ،ومن ثم لم يسم العالم بما هو من ضروريات
الحكام الشرعية فقيها ،فإن احتج له بقوله تعالى} :يقاكلوا ييا ك
ه
ف ي
ما ن ي ب
شعيي ب ك
ق ك
ب ي
قوبم ت ل ي ي ي
قو ك
ل هي ك
ن
ف ي
ن يي ب
ؤلتءا ال ب ي
ما ت ي ك
ك يتثيرا ا ت
قكهو ي
دو ي
كا ك
ل{ٍ ]هود [91 :وقوله} :في ي
م ر
ما ت
ديثاا{ٍ ]النساءا.[78 :
ح ت
ي
قلنا :هذا يدل على أن الفهم من الخطاب يسمى فقها ،ل على أنه ل يسمى
ب
ن
فقها إل ما ما كان كذلك ،وقد قال تعالى} :ويل ي ي
م ك يتثيرا ا ت
قد ب ذ ييرأينا ل ت ي
ن ال ب ت
جهين ر ي
ج ل
م ي
ب
ن ب تيها{ٍ ]العراف [179 :وهذا ل يختص بالفهم من
ف ي
ب ل يي ب
قكهو ي
م قككلو ب
س ل يهك ب
يوال تن ب ت
الخطاب ،بل عدم الفهم مطلقا من الدلة العقلية والسمعية ،وطرق العتبار،
ثم المراد من الفهم :الدراك ،ل جودة الذهن من جهة تهيئته لقتناص ما يرد
عليه من المطالب خلفا للمدي.
]الذهن[ والذهن :عبارة عن قوة النفس المستعدة لكتسابها الحدود الوسإطى
والراءا .وقال ابن سإراقة :الفهم عبارة عن إتقان الشيءا ،والثقة به على الوجه
الذي هو به عن نظر ،ولذلك يقال :نظرت ففهمت ،ول يقال في صفات الله
سإبحانه :فهم.
يقال :فقه -بالكسر -فهو فاقه إذا فهم ،وفقه -بالفتح -فهو فاقه أيضا إذا
سإبق غيره إلى الفهم ،وفقه -بالضم -فهو فقيه إذا صار الفقه له سإجية،
واسإتعمل لسإم فاعله فقيه ،لن فعيل قياس في اسإم فاعل فعل ،ووقع في
عبارة بعضهم :أنه اختير له فعيل ،لن فعيل للمبالغة ،فاسإتعمالها فيمن صار
الفقه له سإجية أولى.
وهذا ليس بصحيح .أعني دعوى أن فعيل هاهنا للمبالغة ،لن اللفاظ المستعملة
للمبالغة هي التي كانت على صيغة ،فحولت عنها إلى تلك اللفاظ للمبالغة،
ولذلك يقع في كلمهم ما حول للمبالغة من فاعل] ،إلى[ مفعال أو فعيل أو
فعول ،أو فعل ،وأما فقيه فهو قياس ،لن فعيل ،مقيس في فعل ،فهو مستعمل
فيما هو قياسإه من غير تحويل ،نحو عليم و شفيع ،فإن المتكلم يحولهما عن
شافع وعالم ،لقصد المبالغة ،ول مخلص عن هذا إل أن يدعى أنه خولف تقديرا
) (1/14
بمعنى أن الواضع ،حوله عن فاعل لقصد المبالغة.
فإن قلت :ليس من شرط الفقيه أن يكون له سإجية ،ولهذا قال الرافعي في
الوقف على الفقهاءا :إنه يدخل فيه من حصل منه شيئا ،وإن قل ،وقضية هذا
حصوله بمسمى مسألة واحدة.
قلت :ليس كذلك لما سإأذكره من كلم الشيخ أبي إسإحاق ،والغزالي ،وابن
السمعاني ،وغيرهم من الئأمة ،ولعل مراده من حصل حتى صار له سإجية وإن
قلت.
]الفقه في الصطلح[ :وأما في اصطلح الصوليين :فالعلم بالحكام الشرعية
العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية.
فالعلم جنس ،والمراد به الصناعة ،كما تقول :علم النحو أي :صناعته ،وحينئذ
فيندرج فيه الظن واليقين ،وعلى هذا فل يرد سإؤال الفقه من باب الظنون،
ومن أورده فهو اختيار منه لختصاص العلم بالقطعي.
وخرج بالحكام :العلم بالذوات ،والصفات ،والفعال.
وبالشرعية :العقلية ،والمراد بها ما يتوقف معرفتها على الشرع.
وبالعملية :عن العلمية ،ككون الجماع وخبر الواحد حجة .قاله المام .وقال
الصفهاني :خرج به أصول الفقه ،فإنه ليس بعملي ،أي :ليس علما بكيفية
عمل .قال ابن دقيق العيد :وفيه نظر ،لن الغاية المطلوبة منها العمل ،فكيف
يخرج بالعملية؟ وقال الباجي :هو احتراز عن أصول الدين.
واعلم أن أصول الدين منه ما ثبت بالعقل وحده كوجود الباري ،ومنه ما ثبت
بكل من العقل والسمع كالوحدانية ،وهذان خارجان بقوله :الشرعية ،ومنه ما ل
يثبت إل بالسمع كمسألة أن الجنة مخلوقة ،وأن الصراط حق ،وهذا من الفقه
لوجوب اعتقاده ،وعدل المدي ،وابن الحاجب عن لفظ العملية إلى الفرعية،
لن النية من مسائأل الفقه وليست عمل ،وليس بجيد ،لنها عمل .والظاهر أن
لفظ العملية أشمل لدخول وجوب اعتقاد مسائأل الديانات التي ل تثبت إل
بالسمع ،فإنها من الفقه كما سإبق بخلف الفرعية.
وبالمكتسب :علم الله تعالى ،وما يلقيه في قلب النبياءا والملئأكة من الحكام
بل اكتساب .وبالخير :عن اعتقاد المقلد ،فإنه مكتسب من دليل إجمالي :قاله
المام .وقيل :علم المقلد لم يدخل في الحد بل هو احتراز عن علم الخلف.
وأما عند
) (1/15
الفقهاءا :فقال القاضي الحسين :الفقه افتتاح علم الحوادث على النسان .أو
افتتاح شعب أحكام الحوادث على النسان حكاه البغوي عنه في تعليقه.
وقال ابن سإراقة :حده في الشرع :عبارة عن اعتقاد علم الفروع في الشرع،
ولذلك ل يقال في صفاته سإبحانه وتعالى :فقيه .قال :وحقيقة الفقه عندي:
ست ين بب ت ك
م{ٍ ]النساءا.[83 :
ه ت
ه ال ر ت
ن يي ب
من بهك ب
طون ي ك
م ك
السإتنباط .قال الله تعالى} :ل يعيل ت ي
ذي ي
واختيار ابن السمعاني في القواطع أنه اسإتنباط حكم المشكل من الواضح.
قال :وقوله صلى الله عليه وسإلم" :رب حامل فقه غير فقيه" 1أي :غير
مستنبط ومعناه :أنه يحمل الرواية من غير أن يكون له اسإتدلل واسإتنباط
فيها .وقال في ديباجة كتابه :وما أشبه الفقيه إل بغواص في بحر در كلما غاص
في بحر فطنته اسإتخرج درا ،وغيره مستخرج آجرا.
ومن المحاسإن قول المام أبي حنيفة :الفقه معرفة النفس ما لها وما عليها.
ت{ٍ ]البقرة:
ما اك بت ي ي
ما ك ي ي
سب ي ب
ت ويع يل يي بيها ي
سب ي ب
قيل :وأخذه من قوله تعالى} :ل ييها ي
.[286
وقال الغزالي في الحياءا في بيان تبديل أسإامي العلوم :إن الناس تصرفوا في
اسإم الفقه ،فخصوه بعلم الفتاوى والوقوف على وقائأعها ،وإنما هو في العصر
الول اسإم لمعرفة دقائأق آفات النفوس ،والطلع على الخرة وحقارة الدنيا.
ن ويل تي كن بذ تكروا{ٍ ]التوب [122 :والنذار بهذا النوع
ف ر
قال تعالى} :ل تي يت ي ي
قكهوا تفي ال ل
دي ت
من العلم دون تفاريع السلم والجارة.
وعن أبي الدرداءا .ل يفقه العبد كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله ،ثم
يقبل على نفسه فيكون لها أشد مقتا.
وسإأل فرقد السنجي الحسن عن شيءا :فقال :إن الفقهاءا يخالفونك ،فقال
الحسن :ثكلتك أمك وهل رأيت فقيها بعينك؟ إنما الفقيه هو الزاهد في الدنيا.
الراغب في الخرة .البصير بذنبه .المداوم على عبادة ربه .الورع الكاف.
ولذلك قال الحليمي في المنهاج :إن تخصيص