ƒΘáÑ⌐ ƒΘΩÑ∩ß σ∩ Ü¡φΘ ƒΘστ∞ 001

‫تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة‬
‫)اضغط هنا للنتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على النترنت(‬
‫الكتاب ‪ :‬البحر المحيط في أصول الفقه‬
‫المؤلف ‪ :‬بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي‬
‫)المتوفى ‪794 :‬هـ(‬
‫المحقق ‪ :‬محمد محمد تامر‬
‫الناشر ‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‬
‫الطبعة ‪ :‬الطبعة الولى‪1421 ،‬هـ ‪2000 /‬م‬
‫مصدر الكتاب ‪ :‬موقع مكتبة المدينة الرقمية‬
‫‪http://www.raqamiya.org‬‬
‫]ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي[‬
‫المجلد الول‬
‫مقدمة‬
‫‪...‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫قال الشيخ المام العلمة المحقق أفضل المتأخرين‪ ،‬وبرهان المحققين‪ ،‬كهف‬
‫الئأمة والفضلءا‪ ،‬زبدة نحارير العلماءا‪ ،‬شيخ السإلم وعمدة فضلءا الزمان‪ ،‬بدر‬
‫الدين أبو عبد الله محمد بن الفقير إلى الله تعالى عبد الله الزركشي‬
‫الشافعي‪ ،‬سإقى الله ثراه‪ ،‬وفي دار الخلد مأواه‪:‬‬
‫الحمد لله الذي أسإس قواعد الشرع بأصول أسإاسإه‪ ،‬وملك من شاءا قياد‬
‫قياسإه‪ ،‬ووهب من اختصه بالسبق إليه على أفراد أفراسإه‪ ،‬وأولى عنان العناية‬

‫من وفقه لقتباسإه‪.‬‬
‫وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬شهادة يتقوم منها الحد بفصوله‬
‫وأجناسإه‪.‬‬
‫وأشهد أن سإيدنا محمدا عبده ورسإوله الذي رقى إلى السبع الطباق ببديع‬
‫جناسإه‪ ،‬وآنس من العل نورا هدى المة بإيناسإه‪ ،‬صلى الله عليه وعلى آله‬
‫وصحبه وسإلم تسليما كثيرا ما قامت النصوص بنفائأس أنفاسإه‪ ،‬واسإتخرجت‬
‫المعاني من مشكاة نبراسإه‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬فإن أولى ما صرفت الهمم إلى تمهيده‪ ،‬وأحرى ما عنيت بتسديد‬
‫قواعده وتشييده‪ ،‬العلم الذي هو قوام الدين‪ ،‬والمرقى إلى درجات المتقين‪.‬‬
‫وكان علم أصول الفقه جواده الذي ل يلحق‪ ،‬وحبله المتين الذي هو أقوى‬
‫وأوثق‪ ،‬فإنه قاعدة الشرع‪ ،‬وأصل يرد إليه كل فرع‪ .‬وقد أشار المصطفى صلى‬
‫الله عليه وسإلم في جوامع كلمه إليه‪ ،‬ونبه أرباب اللسان عليه‪ ،‬فصدر في‬
‫الصدر الول منه جملة سإنية‪ ،‬ورموز خفية‪ ،‬حتى جاءا المام المجتهد محمد بن‬
‫إدريس الشافعي ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬فاهتدى بمناره‪ ،‬ومشى إلى ضوءا ناره‪،‬‬
‫فشمر عن سإاعد الجتهاد‪ ،‬وجاهد في تحصيل هذا الغرض السني حق الجهاد‪،‬‬
‫وأظهر دفائأنه وكنوزه وأوضح إشاراته ورموزه‪ ،‬وأبرز مخبآته وكانت مستورة‪،‬‬
‫وأبرزها في أكمل معنى وأجمل صورة‪ ،‬حتى نور بعلم الصول دجى الفاق‪،‬‬
‫وأعاد سإوقه بعد الكساد إلى نفاق‪ .‬وجاءا من بعده‪ ،‬فبينوا وأوضحوا وبسطوا‬
‫وشرحوا‪ ،‬حتى جاءا القاضيان‪ :‬قاضي السنة أبو بكر بن الطيب وقاضي المعتزلة‬


‫عبد الجبار‪ ،‬فوسإعا العبارات‪ ،‬وفكا الشارات‪ ،‬وبينا الجمال‪ ،‬ورفعا الشكال‪.‬‬
‫واقتفى الناس بآثارهم‪،‬‬

‫) ‪(1/3‬‬

‫وسإاروا على لحب نارهم‪ ،‬فحرروا وقرروا‪ ،‬وصوروا‪ ،‬فجزاهم الله خير الجزاءا‪،‬‬
‫ومنحهم بكل مسرة وهناءا‪ .‬ثم جاءات أخرى من المتأخرين‪ ،‬فحجروا ما كان‬
‫واسإعا‪ ،‬وأبعدوا ما كان شاسإعا‪ ،‬واقتصروا على بعض رءاوس المسائأل‪ ،‬وكثروا‬
‫من الشبه والدلئأل‪ ،‬واقتصروا على نقل مذاهب المخالفين من الفرق‪ ،‬وتركوا‬
‫أقوال من لهذا الفن أصل‪ ،‬وإلى حقيقته وصل‪ ،‬فكاد يعود أمره إلى الول‪،‬‬
‫وتذهب عنه بهجة المعول‪ ،‬فيقولون‪ :‬خلفا لبي هاشم‪ ،‬أو وفاقا للجبائأي‪،‬‬
‫وتكون للشافعي منصوصة‪ ،‬وبين أصحابه بالعتناءا مخصوصة‪ ،‬وفاتهم من كلم‬
‫السابقين عبارات رائأقة‪ ،‬وتقريرات فائأقة‪ ،‬ونقول غريبة‪ ،‬ومباحث عجيبة‪.‬‬
‫]منهج المؤلف ومصادره[ وقد اجتمع عندي بحمد الله من مصنفات القدمين‬
‫في هذا الفن ما يربو على المئين‪ ،‬وما برحت لي همة تهم في جمع أشتات‬
‫كلماتهم وتجول‪ ،‬ومن دونها عوائأق الحال تحول‪ ،‬إلى أن من الله سإبحانه بنيل‬
‫المراد‪ ،‬وأمد بلطفه بكثير من المواد‪ ،‬فمخضت زبد كتب القدماءا‪ ،‬ووردت‬
‫شرائأع المتأخرين من العلماءا‪ ،‬وجمعت ما انتهى إلي من أقوالهم‪ ،‬ونسجت‬
‫على منوالهم‪ ،‬وفتحت منه ما كان مقفل‪ ،‬وفصلت ما كان مجمل‪ ،‬بعبارة‬
‫تستعذب‪ ،‬وإشارة ل تستصعب‪.‬‬

‫وزدت في هذا الفن من المسائأل ما ينيف على اللوف‪ ،‬وولدت من الغرائأب‬
‫غير المألوف‪ ،‬ورددت كل فرع إلى أصله وشكل قد حيل بينه وبين شكله‪،‬‬
‫وأتيت فيه بما لم أسإبق إليه‪ ،‬وجمعت شوارده المتفرقات عليه بما يقضى منه‬
‫العجب‪ ،‬وإن الله يهب لعباده ما يشاءا أن يهب‪ ،‬وأنظم فيه بحمد الله ما لم‬
‫ينتظم قبله في سإلك‪ ،‬ول حصل لمالك في ملك‪ ،‬وكان من المهم تحرير مذهب‬
‫الشافعي وخلف أصحابه وكذلك سإائأر المخالفين من أرباب المذاهب‬
‫المتبوعة‪.‬‬
‫ولقد رأيت في كتب المتأخرين الخلل في ذلك‪ ،‬والزلل في كثير من التقريرات‬
‫والمسالك‪ ،‬فأتيت البيوت من أبوابها‪ ،‬وشافهت كل مسألة من كتابها‪ ،‬وربما‬
‫أسإوقها بعباراتهم لشتمالها على فوائأد‪ ،‬وتنبيها على خلل ناقل وما تضمنته من‬
‫المآخذ والمقاصد‪.‬‬
‫فمن كتب المام الشافعي رضي الله عنه الرسإالة‪ ،‬و اختلف الحديث وأحكام‬
‫القرآن‪ ،‬ومواضع متفرقة من الم وشرح الرسإالة للصيرفي وللقفال الشاشي‬
‫وللجويني ولبي الوليد النيسابوري وكتاب القياس للمزني‪ .‬وكتاب الرد على‬
‫داود في إنكاره القياس لبن سإريج‪ ،‬وكتاب العذار والنذار له أيضا‪ ،‬وكتاب‬
‫الدلئأل والعلم للصيرفي‪،‬‬

‫) ‪(1/4‬‬

‫وكتاب القفال الشاشي‪ ،‬وأبي الحسين بن القطان‪ ،‬وأبي علي بن أبي هريرة‬

‫وأبي إسإحاق المروزي‪ ،‬وأبي العباس بن القاضي في رياض المتعلمين وأبي‬

‫عبد الله الزبيري وأبي الحسين محمد بن يحيى بن سإراقة العامري‪ ،‬وأبي‬
‫القاسإم بن كج‪ ،‬وأبي بكر بن فورك‪ ،‬والسإتاذ أبي إسإحاق السإفراييني‪ ،‬والشيخ‬
‫أبي حامد السإفراييني‪ ،‬وسإليم الرازي في التقريب في الصول والتحصيل‬
‫للسإتاذ أبي منصور البغدادي‪ ،‬وشرح الكفاية والجدل للقاضي أبي الطيب‬
‫الطبري‪ ،‬واللمع وشرحها للشيخ أبي إسإحاق‪ ،‬والتبصرة والملخص‪ ،‬والمعونة‪،‬‬
‫والحدود وغيرها من كتبه‪ ،‬وكتاب الشيخ أبي نصر بن القشيري‪ ،‬وكتاب أبي‬
‫الحسين السهيلي من أصحابنا‪ ،‬والوسإط لبن برهان‪ ،‬والوجيز له‪ ،‬والقواطع‬
‫لبي المظفر بن السمعاني وهو أجل كتاب للشافعية في أصول الفقه نقلت‬
‫وحجاجا‪ ،‬وكتاب التقريب والرشاد للقاضي أبي بكر وهو أجل كتاب صنف في‬
‫هذا العلم مطلقا‪ ،‬والتلخيص من هذا الكتاب لمام الحرمين أمله بمكة شرفها‬
‫الله‪ ،‬و البرهان للمام وشروحه‪ ،‬وقد اعتنى به المالكيون‪ .‬المازري‪ ،‬والبياري‪،‬‬
‫وابن العلف‪ ،‬وابن المنير‪ ،‬ونكت عليه الشيخ تقي الدين المقترح جد الشيخ‬
‫تقي الدين بن دقيق العيد لمه‪ ،‬ومختصر النكت لبن عطاءا الله السإكندراني‪،‬‬
‫ومختصره لبن المنير‪ ،‬والمستصفى للغزالي‪ ،‬وقد اعتنى به المالكية أيضا‪،‬‬
‫فشرحه أبو عبد الله العبدري في كتابه المسمى بالمستوفى‪ ،‬ونكت عليه ابن‬
‫الحاج الشبيلي وغيره‪ ،‬واختصره ابن رشد وابن شاس صاحب الجواهر‪ ،‬وابن‬
‫رشيق‪ ،‬والمحصول ومختصراته وشروحه للصفهاني والقرافي‪ ،‬والحكام‬
‫للمدي‪ ،‬ومختصر ابن الحاجب‪ ،‬والنهاية للصفي الهندي‪ ،‬والفائأق والرسإالة‬

‫السيفية له‪ ،‬وابن دقيق العيد في العنوان‪ ،‬وشرح العمدة وشرح اللمام وبه‬
‫ختم التحقيق في هذا الفن‪ ،‬وفي موضع من شرح اللمام يقول‪ :‬أصول الفقه‬
‫هو الذي يقضي ول يقضى عليه‪.‬‬
‫ومن كتب الحنفية كتاب أبي بكر الرازي‪ ،‬واللباب لبي الحسن البستي‬
‫الجرجاني‪ ،‬وكتاب شمس الئأمة السرخسي‪ ،‬وتقويم الدلة لبي زيد‪ ،‬والميزان‬
‫للسمرقندي والكبريت الحمر لبي الفضل الخوارزمي‪ ،‬وكتاب العالمي والبديع‬
‫لبن الساعاتي وكان أعلم أهل زمانه بأصول الفقه‪.‬‬
‫ومن كتب المالكية الجامع لبي عبد الله محمد بن أحمد بن مجاهد بن خويز‬
‫منداد المالكي البصري‪ ،‬ونقلت عنه بالواسإطة والملخص للقاضي عبد الوهاب‬
‫والفادة والجوبة الفاخرة له‪ ،‬والفصول لبي الوليد الباجي‪ ،‬والمحصول لبن‬
‫العربي‪ ،‬وكتاب أبي العباس القرطبي شارح مسلم‪ ،‬والقواعد للقرافي وغيره‪.‬‬

‫) ‪(1/5‬‬

‫ومن كتب الحنابلة التمهيد لبي الخطاب‪ ،‬والواضح لبن عقيل‪ ،‬والروضة‬
‫للمقدسإي ومختصرها للطوفي وغيرهم‪.‬‬
‫ومن كتب الظاهرية كتاب أصول الفتوى لبي عبد الله محمد بن سإعيد الداودي‬
‫وهو عمدة الظاهرية فيما صح عن داود‪ ،‬وكتاب الحكام لبن حزم‪.‬‬
‫ومن كتب المعتزلة "العمدة" لبي الحسين والمعتمد له‪ ،‬والواضح لبي يوسإف‬
‫عبد السلم‪ ،‬والنكت لبن العارض بالعين المهملة‪.‬‬

‫ومن كتب الشيعة الذريعة للشريف الرضي‪ ،‬والمصادر لمحمود بن علي‬
‫الحمصي وهو على مذهب المامية‪ ،‬وغير ذلك مما هو مبين في مواضعه‪.‬‬
‫وسإميته البحر المحيط والله أسإأل أن يجعله خالصا لوجهه الكريم مقربا للفوز‬

‫بجنات النعيم‪ ،‬بمنه وكرمه‪.‬‬
‫***‬

‫) ‪(1/6‬‬

‫مقدمات أصول الفقه‬
‫فصل‪ :‬في أول من صنف في الصول‬
‫‪...‬‬
‫فصل‪] :‬أول من صنف في الصول[‬
‫الشافعي رضي الله عنه أول من صنف في أصول الفقه صنف فيه كتاب‬
‫الرسإالة‪ ،‬وكتاب أحكام القرآن‪ ،‬واختلف الحديث‪ ،‬وإبطال السإتحسان وكتاب‬
‫جماع العلم وكتاب القياس الذي ذكر فيه تضليل المعتزلة ورجوعه عن قبول‬
‫شهادتهم‪ ،‬ثم تبعه المصنفون في الصول‪ .‬قال المام أحمد بن حنبل‪ :‬لم نكن‬
‫نعرف الخصوص والعموم حتى ورد الشافعي‪ .‬وقال الجويني في شرح‬
‫الرسإالة‪ :‬لم يسبق الشافعي أحد في تصانيف الصول ومعرفتها‪.‬‬
‫وقد حكي عن ابن عباس تخصيص عموم‪ ،‬وعن بعضهم القول بالمفهوم‪ ،‬ومن‬

‫بعدهم لم يقل في الصول شيئا‪ ،‬ولم يكن لهم فيه قدم‪ .‬فإنا رأينا كتب السلف‬
‫من التابعين وتابعي التابعين وغيرهم فما رأيناهم صنفوا فيه‪ .‬أل ترى أن أحمد‬
‫بن حنبل كان أكبر سإنا منه‪ ،‬وكان متقدما في العلم‪ ،‬وكان يأخذ بركابه فيتبعه‪،‬‬
‫ويتعلم منه‪ .‬ا هـ‪ .‬وليس كما قال بل هو أصغر من الشافعي بأربع عشرة سإنة‪.‬‬
‫واعلم أن الشيخ أبا الحسن الشعري كان يتبع الشافعي في الفروع والصول‬
‫وربما يخالفه في الصول‪ ،‬كقوله بتصويب المجتهدين في الفروع‪ ،‬وليس ذلك‬
‫مذهب الشافعي‪ ،‬وكقوله‪ :‬ل صيغة للعموم‪.‬‬
‫قال الشيخ أبو محمد الجويني‪ .‬ونقل مخالفته أصول الشافعي ونصوصه وربما‬
‫ينسب المبتدعون إليه ما هو بريءا منه كما نسبوا إليه أنه يقول‪ :‬ليس في‬
‫المصحف قرآن‪ ،‬ول في القبور نبي‪ ،‬وكذلك السإتثناءا في اليمان ونفي قدرة‬
‫الخالق في الزل‪ ،‬وتكفير العوام‪ ،‬وإيجاب علم الدليل عليهم‪ .‬وقد تصفحت ما‬
‫تصحفت من كتبه‪ ،‬وتأملت نصوصه في هذه المسائأل فوجدتها كلها خلف ما‬
‫نسب إليه‪.‬‬
‫وقال ابن فورك في كتاب شرح كتاب المقالت للشعري في مسألة تصويب‬
‫المجتهدين‪ :‬اعلم أن شيخنا أبا الحسن الشعري يذهب في الفقه ومسائأل‬
‫الفروع وأصول الفقه أيضا مذهب الشافعي ونص قوله في كتاب التفسير في‬
‫باب إيجاب قراءاة الفاتحة على المأموم‪ :‬خلف قول أبي حنيفة‪ ،‬والجهر‬
‫بالبسملة‪ :‬خلف قول مالك‪ ،‬وفي إثبات آية البسملة في كل سإورة آية منها‬
‫قرآنا منزل فيها‪ ،‬ولذلك قال في كتابه في أصول الفقه بموافقة أصوله‪.‬‬


‫) ‪(1/7‬‬

‫فصل‪ :‬في بيان شرف علم الصول‬
‫اعلم أن العلوم ثلثة أصناف‪:‬‬
‫الول ‪ :‬عقلي محض‪ ،‬كالحساب والهندسإة‪.‬‬

‫والثاني ‪ :‬لغوي‪ ،‬كعلم اللغة والنحو والصرف والمعاني والبيان والعروض‪.‬‬
‫والثالث ‪ :‬الشرعي وهو علم القرآن والسنة‪ ،‬ول شك أنه أشرف الصناف‪ ،‬ثم‬
‫أشرف العلوم بعد العتقاد الصحيح معرفة الحكام العملية‪ ،‬ومعرفة ذلك‬
‫بالتقليد ونقل الفروع المجردة يستفرغ جمام الذهن ول ينشرح بها الصدر‪،‬‬
‫لعدم أخذه بالدليل‪ ،‬وشتان بين من يأتي بالعبادة تقليدا لمامه بمعقوله وبين‬
‫من يأتي بها وقد ثلج صدره عن الله ورسإوله‪ ،‬وهذا ل يحصل إل بالجتهاد‪،‬‬
‫والناس في حضيض عن ذلك‪ ،‬إل من تغلغل بأصول الفقه‪ ،‬وكرع من مناهله‬
‫الصافية‪ ،‬وأدرع ملبسه الضافية‪ ،‬وسإبح في بحره‪ ،‬وربح من مكنون دره‪ .‬قال‬
‫إمام الحرمين في كتاب المدارك وهو من أنفس كتبه‪ :‬والوجه لكل متصد‬
‫للقلل بأعباءا الشريعة أن يجعل الحاطة بالصول شوقه الكد‪ ،‬وينص مسائأل‬
‫الفقه عليها نص من يحاول بإيرادها تهذيب الصول‪ ،‬ول ينزف جمام الذهن في‬
‫وضع الوقائأع مع العلم بأنها ل تنحصر مع الذهول عن الصول‪ .‬وقال الغزالي‬
‫في "المستصفى"‪ :1‬خير العلم ما ازدوج فيه العقل والسمع واصطحب فيه‬
‫الرأي والشرع علم الفقه‪ ،‬وأصول الفقه من هذا القبيل‪ ،‬فإنه يأخذ من صفو‬

‫العقل والشرع سإواءا السبيل‪ ،‬فل هو تصرف بمحض العقول بحيث ل يتلقاه‬
‫الشرع بالقبول‪ ،‬ول هو مبني على التقليد الذي ل يشهد له العقل بالتأييد‬
‫والتسديد‪ ،‬ولجل شرف علم أصول الفقه ورفعته وفر الله دواعي الخلق على‬
‫طلبته‪ ،‬وكان العلماءا به أرفع مكانا‪ ،‬وأجلهم شأنا‪ ،‬وأكثرهم أتباعا وأعوانا‪ .‬وقال‬
‫أبو بكر القفال الشاشي في كتابه الصول‪ :‬اعلم أن النص على حكم كل حادثة‬
‫عينا معدوم‪ ،‬وأن للحكام أصول وفروعا‪ ،‬وأن الفروع ل تدرك إل بأصولها‪ ،‬وأن‬
‫النتائأج ل تعرف حقائأقها إل بعد تحصيل العلم بمقدماتها‪ ،‬فحق أن يبدأ بالبانة‬
‫عن الصول لتكون سإببا إلى معرفة الفروع‪.‬‬
‫ثم اختلف في نسبة الصول إلى الفقه‪ ،‬فقيل‪ :‬علم الصول بمجرده كالميلق‬
‫ـــــــ‬
‫‪ 1‬انظر المستصفى ص "‪."4‬‬

‫) ‪(1/8‬‬

‫الذي يختبر به جيد الذهب من رديئه‪ ،‬والفقه كالذهب‪ ،‬فالفقيه الذي ل أصول‬
‫عنده ككاسإب مال ل يعرف حقيقته‪ ،‬ول ما يدخر منه مما ل يدخر‪ ،‬والصولي‬
‫الذي ل فقه عنده كصاحب الميلق الذي ل ذهب عنده‪ ،‬فإنه ل يجد ما يختبره‬
‫على ميلقه‪ .‬وقيل‪ :‬الصولي كالطبيب الذي ل عقار عنده‪ ،‬والفقيه كالعطار‬
‫الذي عنده كل عقار‪ ،‬ولكن ل يعرف ما يضر ول ما ينفع‪ .‬وقيل‪ :‬الصولي كصانع‬
‫السلح‪ ،‬وهو جبان ل يحسن القتال به‪ ،‬والفقيه كصاحب سإلح ولكن ل يحسن‬

‫إصلحها إذا فسدت‪ ،‬ول جماعها إذا صدعت‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬هل أصول الفقه إل نبذ جمعت من علوم متفرقة؟ نبذة من النحو‬
‫كالكلم على معاني الحروف التي يحتاج الفقيه إليها‪ ،‬والكلم في السإتثناءا‪،‬‬
‫وعود الضمير للبعض‪ ،‬وعطف الخاص على العام ونحوه‪ ،‬ونبذة من علم الكلم‬
‫كالكلم في الحسن والقبح‪ ،‬وكون الحكم قديما‪ ،‬والكلم على إثبات النسخ‪،‬‬
‫وعلى الفعال ونحوه‪ ،‬ونبذة من اللغة‪ ،‬كالكلم في موضوع المر والنهي وصيغ‬
‫العموم‪ ،‬والمجمل والمبين‪ ،‬والمطلق والمقيد‪ ،‬ونبذة من علم الحديث كالكلم‬
‫في الخبار‪ ،‬فالعارف بهذه العلوم ل يحتاج إلى أصول الفقه في شيءا من ذلك‪،‬‬

‫وغير العارف بها ل يغنيه أصول الفقه في الحاطة بها‪ ،‬فلم يبق من أصول الفقه‬
‫إل الكلم في الجماع‪ ،‬والقياس‪ ،‬والتعارض‪ ،‬والجتهاد‪ ،‬وبعض الكلم في‬
‫الجماع من أصول الدين أيضا‪ ،‬وبعض الكلم في القياس والتعارض مما يستقل‬
‫به الفقيه‪ ،‬ففائأدة أصول الفقه بالذات حينئذ قليلة‪.‬‬
‫فالجواب ‪ :‬منع ذلك‪ ،‬فإن الصوليين دققوا النظر في فهم أشياءا من كلم‬
‫العرب لم تصل إليها النحاة ول اللغويون‪ ،‬فإن كلم العرب متسع‪ ،‬والنظر فيه‬
‫متشعب‪ ،‬فكتب اللغة تضبط اللفاظ ومعانيها الظاهرة دون المعاني الدقيقة‬
‫التي تحتاج إلى نظر الصولي باسإتقراءا زائأد على اسإتقراءا اللغوي‪.‬‬
‫مثاله ‪ :‬دللة صيغة افعل على الوجوب‪ ،‬و ل تفعل على التحريم‪ ،‬وكون كل‬
‫وأخواتها للعموم‪ ،‬ونحوه مما نص هذا السؤال على كونه من اللغة لو فتشت لم‬
‫تجد فيها شيئا من ذلك غالبا وكذلك في كتب النحاة في السإتثناءا من أن‬

‫الخراج قبل الحكم أو بعده‪ ،‬وغير ذلك من الدقائأق التي تعرض لها الصوليون‬
‫وأخذوها من كلم العرب باسإتقراءا خاص‪ ،‬وأدلة خاصة ل تقتضيها صناعة النحو‪،‬‬
‫وسإيمر بك منه في هذا الكتاب العجب العجاب‪.‬‬
‫***‬

‫) ‪(1/9‬‬

‫المقدمات‬
‫]تعريف أصول الفقه[‬
‫أصول الفقه‪ :‬مركب تتوقف معرفته على معرفة مفرداته من حيث التركيب ل‬
‫من حيث كل وجه‪.‬‬
‫]تعريف الصل[ فالصول‪ :‬جمع أصل‪ ،‬وأصل الشيءا‪ ،‬ما منه الشيءا‪ ،‬أي‪:‬‬
‫مادته‪ ،‬كالوالد للولد‪ ،‬والشجرة للغصن‪.‬‬
‫ورده القرافي باشتراك من بين البتداءا والتبعيض‪ ،‬وبأنه ل يصح هنا معنى من‬
‫معانيها‪.‬‬
‫وأجاب الصفهاني عن الول‪ :‬بأن الشتراك لزم لكن يصار إليه في الحدود‬
‫حيث ل يمكن التعبير بغيره‪ ،‬وعن الثاني‪ :‬بأن من لبتداءا الغاية‪.‬‬
‫وقال المدي‪ :‬ما اسإتند الشيءا في تحقيقه إليه‪ .‬وقال أبو الحسين‪ :‬ما يبنى‬
‫عليه غيره‪ ،‬وتبعه ابن الحاجب في باب القياس‪ ،‬ورد بأنه ل يقال‪ :‬إن الولد يبنى‬
‫على الوالد‪ ،‬بل يقال‪ :‬فرعه‪.‬‬
‫وقال المام‪ :‬هو المحتاج إليه‪ ،‬ورد بأنه إن أريد احتياج الثر إلى المؤثر لزم‬
‫إطلقه على الله تعالى‪ ،‬وإن أريد ما يتوقف عليه الشيءا لزم إطلقه على‬
‫الجزاءا والشرط‪ .‬وقد التزمه في المباحث المشرقية فقال‪ :‬ل تبعد تسمية‬
‫الشروط واندفاع الموانع أصول باعتبار توقف وجود الشيءا عليها‪ .‬وقال أبو بكر‬
‫الصيرفي في كتاب الدلئأل والعلم‪ :‬كل ما أثمر معرفة شيءا ونبه عليه فهو‬
‫أصل له‪ ،‬فعلوم الحس أصل‪ ،‬لنها تثمر معرفة حقائأق الشياءا‪ ،‬وما عداه فرع‬
‫له‪.‬‬
‫وقال القفال الشاشي‪ :‬الصل‪ :‬ما تفرع عنه غيره‪ ،‬والفرع‪ :‬ما تفرع عن غيره‪،‬‬
‫وهذا أسإد الحدود‪ ،‬فعلى هذا ل يقال في الكتاب‪ :‬إنه فرع أصله الحس‪ ،‬لن الله‬
‫تعالى توله وجعله أصل دل العقل عليه‪.‬‬
‫قال‪ :‬والكتاب والسنة أصل‪ ،‬لن غيرهما يتفرع عنهما‪ ،‬وأما القياس فيجوز أن‬

‫يكون أصل على معنى أن له فروقا تنشأ عنه‪ ،‬ويتوصل إلى معرفتها من جهته‪،‬‬
‫كالكتاب أصل لما ينبني عليه‪ ،‬وكالسنة أصل لما يعرف من جهتها‪ ،‬وهو فرع‬
‫على معنى أنه إنما عرف بغيره وهو الكتاب أو غيره‪ ،‬وكذلك السنة والجماع‪.‬‬
‫قال‪ :‬وقيل‪ :‬إن القياس ل يقال له‪ :‬أصل ول فرع‪ ،‬لنه فعل القائأس‪ ،‬ول توصف‬
‫الفعال بالصل‬

‫) ‪(1/10‬‬

‫والفرع‪ .‬وقال السإتاذ أبو منصور البغدادي‪ :‬الصل ما عرف به حكم غيره‪،‬‬
‫والفرع ما عرف بحكم غيره قياسإا عليه‪.‬‬
‫وقال الماوردي في الحاوي‪ :‬قيل‪ :‬الصل ما دل عليه غيره‪ ،‬والفرع ما دل على‬
‫غيره‪ ،‬فعلى هذا يجوز أن يقال في الكتاب‪ :‬إنه فرع لعلم الحس‪ ،‬لنه الدال‬
‫على صحته‪.‬‬
‫هذا العتراض يصلح أن يدخل به كثير من العبارات السالفة على اختلفها‬
‫فليتأمل‪.‬‬
‫وقال ابن السمعاني في القواطع‪ :‬قيل‪ :‬الصل ما انبنى عليه غيره‪ ،‬وقيل‪ :‬ما‬
‫يقع التوصل به إلى معرفة ما وراءاه وهما مدخولن‪ ،‬لن من أصول الشرع ما‬
‫هو عقيم ل يقبل الفرع‪ ،‬ول يقع به التوصل إلى ما وراءاه بحال‪ ،‬كدية الجنين‬
‫والقسامة‪ ،‬وتحمل العاقلة‪ ،‬فهذه أصول ليست لها فروع‪ ،‬فالولى أن يقال‪:‬‬
‫الصل كل ما ثبت دليل في إيجاب حكم من الحكام ليتناول ما جلب فرعا أو لم‬
‫يجلب‪.‬‬
‫ويطلق في الصطلح على أمور‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬الصورة المقيس عليها على الخلف التي ‪ -‬إن شاءا الله تعالى ‪ -‬في‬
‫القياس في تفسير الصل‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬الرجحان‪ ،‬كقولهم‪ :‬الصل في الكلم الحقيقة‪ ،‬أي‪ :‬الراجح عند السامع‬
‫هو الحقيقة ل المجاز‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬الدليل‪ ،‬كقولهم‪ :‬أصل هذه المسألة من الكتاب والسنة أي‪ :‬دليلها‪،‬‬
‫ومنه أصول الفقه أي‪ :‬أدلته‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬القاعدة المستمرة‪ ،‬كقولهم‪ :‬إباحة الميتة للمضطر على خلف الصل‪.‬‬
‫وهذه الربعة ذكرها القرافي وفيه نظر‪ ،‬لن الصورة المقيس عليها ليست‬
‫معنى زائأدا‪ ،‬لن أصل القياس اختلف فيه هل هو محل الحكم أو دليله أو‬
‫حكمه؟ وأيا ما كان فليس معنى زائأدا‪ ،‬لنه إن كان أصل القياس دليله فهو‬
‫المعنى السابق‪ ،‬وإن كان محله أو حكمه فهما يسميان أيضا دليل مجازا‪ ،‬فلم‬
‫يخرج الصل عن معنى الدليل‪.‬‬
‫وبقي عليه أمور‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬التعبد‪ ،‬كقولهم‪ :‬إيجاب الطهارة بخروج الخارج على خلف الصل‪.‬‬
‫يريدون أنه ل يهتدي إليه القياس‪.‬‬

‫) ‪(1/11‬‬

‫الثاني ‪ :‬الغالب في الشرع‪ ،‬ول يمكن ذلك إل باسإتقراءا موارد الشرع‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬اسإتمرار الحكم السابق‪ ،‬كقولهم‪ :‬الصل بقاءا ما كان على ما كان حتى‬
‫يوجد المزيل له‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬المخرج‪ ،‬كقول الفرضيين‪ :‬أصل المسألة من كذا‪.‬‬
‫]عدد الصول التي يبنى الفقه عليها[ ثم اختلفوا في عدد الصول‪ ،‬فالجمهور‬
‫على أنها أربعة‪ :‬الكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬والجماع‪ ،‬والقياس‪.‬‬
‫قال الرافعي في باب القضاءا‪ :‬وقد يقتصر على الكتاب والسنة‪ ،‬ويقال‪ :‬الجماع‬
‫يصدر عن أحدهما‪ ،‬والقياس الرد إلى أحدهما فهما أصلن‪ .‬قال في المطلب‪:‬‬
‫وفيه منازعة لمن جوز انعقاد الجماع ل عن أمارة‪ ،‬ول عن دللة‪ ،‬وجوز القياس‬
‫على المحل المجمع عليه‪ .‬واختصر بعضهم فقال‪ :‬أصل ومعقول أصل‪ ،‬فالصل‬
‫للكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬والجماع‪ ،‬ومعقول الصل هو القياس‪.‬‬
‫قال ابن السمعاني‪ :‬وأشار الشافعي إلى أن جماع الصول نص ومعنى‪،‬‬
‫فالكتاب والسنة والجماع داخل تحت النص‪ ،‬والمعنى هو القياس‪ ،‬وزاد بعضهم‬
‫العقل فجعلها خمسة‪ .‬وقال أبو العباس بن القاص‪ :‬الصول سإبعة‪ :‬الحس‪،‬‬
‫والعقل‪ ،‬والكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬والجماع‪ ،‬والقياس‪ ،‬واللغة‪.‬‬
‫والصحيح‪ :‬أنها أربعة‪.‬‬
‫وأما العقل‪ :‬فليس بدليل يوجب شيئا أو يمنعه‪ ،‬وإنما تدرك به المور فحسب‪،‬‬
‫إذ هو آلة العارف‪ ،‬وكذلك الحس ل يكون دليل بحال‪ ،‬لنه يقع به درك الشياءا‬
‫الحاضرة‪.‬‬
‫وأما اللغة‪ :‬فهي مدركة اللسان‪ ،‬ومطية لمعاني الكلم‪ ،‬وأكثر ما فيه معرفة‬
‫سإمات الشياءا ول حظ له في إيجاب شيءا‪.‬‬
‫وقال الجيلي في العجاز‪ :‬أربعة‪ :‬الكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬والقياس‪ ،‬ودليل البقاءا على‬
‫النفي الصلي‪ ،‬وردها القفال الشاشي إلى واحد فقال‪ :‬أصل السمع هو كتاب‬
‫الله تعالى‪ ،‬وأما السنة والجماع‪ ،‬والقياس فمضاف إلى بيان الكتاب‪ ،‬لقوله‬
‫تعالى }ت تب بييانا ا ل تك ك ل‬
‫ل ي‬
‫ن‬
‫ب ت‬
‫يءْءا{ٍ ]النحل‪ [89 :‬وقوله‪ } :‬ي‬
‫ما فيررط بينا تفي ال بك تيتا ت‬
‫م ب‬
‫ش ب‬
‫ي‬
‫يءْءا{ٍ ]النعام‪ [38 :‬وروي عن ابن مسعود أنه لعن الواصلة والمستوصلة‪،‬‬
‫ش ب‬
‫وقال‪ :‬ما لي ل ألعن من لعنه الله؟ فقالت امرأة‪ :‬قرأت كتاب الله فلم أجد فيه‬
‫ما تقول‪ ،‬فقال‪ :‬إن كنت‬

‫) ‪(1/12‬‬

‫سإو ك‬
‫خ ك‬
‫ه يفان بت يكهوا{ٍ‬
‫ل في ك‬
‫م الرر ك‬
‫م ع ين ب ك‬
‫ما ن ييهاك ك ب‬
‫ذوه ك وي ي‬
‫ما آيتاك ك ك‬
‫قرأتيه فقد وجدتيه }وي ي‬
‫]الحشر‪" [7 :‬وأن النبي صلى الله عليه وسإلم لعن الواصلة والمستوصلة" ‪.1‬‬
‫فأضاف عبد الله بن مسعود بلطيف حكمته قول الرسإول إلى كتاب الله‪ ،‬وعلى‬
‫هذا إضافة ما أجمع عليه مما ل يوجد في الكتاب والسنة نصا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ووقع مثل ذلك للشافعي في مسألة قتل المحرم للزنبور‪ .‬قال السإتاذ‬
‫أبو منصور‪ :‬وفي هذا دليل على أن الحكم المأخوذ من السنة‪ ،‬أو الجماع أو‬
‫القياس مأخوذ من كتابه سإبحانه‪ ،‬لدللة كتابه على وجوب اتباع ذلك كله‪.‬‬
‫]تعريف الفقه[ والفقه لغة‪ :‬اختلف فيه‪ ،‬فقال ابن فارس في المجمل‪ :‬هو‬
‫العلم‪ ،‬وجرى عليه إمام الحرمين في التلخيص‪ ،‬وإلكيا الهراسإي‪ ،‬وأبو نصر بن‬
‫القشيري‪ ،‬والماوردي إل أن حملة الشرع خصصوه بضرب من العلوم‪.‬‬
‫ونقل ابن السمعاني عن ابن فارس‪ :‬أنه إدراك علم الشيءا وقال الجوهري‬

‫وغيره‪ :‬هو الفهم‪ .‬وقال الراغب‪ :‬هو التوسإل إلى علم غائأب بعلم شاهد فهو‬
‫أخص من العلم‪ .‬وفي المحكم لبن سإيده‪ :‬الفقه العلم بالشيءا والفهم له‬
‫والظاهر أن مراده بهما واحد وهو الفهم‪ ،‬لنه فسر الفهم بمعرفة الشيءا‬
‫بالقلب‪ ،‬ومعرفة الشيءا بالقلب هو العلم به‪ ،‬ومثله قول الزهري‪ :‬فهمت‬
‫الشيءا عقلته وعرفته‪ ،‬وأصرح منه قول الجوهري‪ :‬فهمت الشيءا فهما علمته‪.‬‬
‫وظهر بهذا أن الفهم المفسر به الفقه ليس فهم المعنى من اللفظ‪ ،‬ول فهم‬
‫غرض المتكلم‪.‬‬
‫ونقل الفقه إلى علم الفروع بغلبة السإتعمال كما أشار إليه ابن سإيده حيث‬
‫قال‪ :‬غلب على علم الدين لسيادته وشرفه كالنجم على الثريا‪ ،‬والعود على‬
‫المندل‪.‬‬
‫قال ابن سإراقة‪ :‬وقيل‪ :‬حده في اللغة العبارة عن كل معلوم تيقنه العالم به‬
‫عن فكر‪ .‬وقال أبو الحسين في المعتمد‪ ،‬وتبعه في المحصول‪ :‬فهم غرض‬
‫المتكلم‪ ،‬ورد بأنه يوصف بالفهم حيث ل كلم‪ ،‬وبأنه لو كان كذلك لم يكن في‬
‫نل‬
‫نفي الفقه عنهم منقصة ول تعيير‪ ،‬لنه غير متصور‪ ،‬وقد قال تعالى‪} :‬ويل يك ت ب‬
‫م{ٍ ]السإراءا‪.[44 :‬‬
‫ف ي‬
‫تي ب‬
‫ستبي ي‬
‫قكهو ي‬
‫ن تي ب‬
‫حهك ب‬
‫ـــــــ‬
‫ك‬
‫ي‬
‫ك‬
‫ك‬
‫ه{ٍ ‪،‬‬
‫ذو‬
‫خ‬
‫ف‬
‫ل‬
‫سإو‬
‫ر‬
‫ال‬
‫م‬
‫ك‬
‫تا‬
‫آ‬
‫ما‬
‫و‬
‫}‬
‫باب‬
‫القرآن‬
‫تفسير‬
‫كتاب‬
‫البخاري‪،‬‬
‫رواه‬
‫‪1‬‬
‫ك‬
‫ي ي ي ك ر ك‬
‫ك‬
‫حديث "‪ ,"4886‬رواه مسلم "‪ "3/1678‬كتاب اللباس والزينة‪ ،‬باب تحريم‬
‫فعل الواصلة والمستوصلة والواشمة‪ ،...‬حديث "‪."2125‬‬

‫) ‪(1/13‬‬

‫وقال ابن دقيق العيد‪ :‬وهذا تقييد للمطلق بما ل يتقيد به‪.‬‬
‫وقال الشيخ أبو إسإحاق وصاحب اللباب‪ .‬من الحنفية‪ :‬فهم الشياءا الدقيقة‪ ،‬فل‬
‫يقال‪ :‬فقهت أن السماءا فوقنا‪ .‬قال القرافي‪ :‬وهذا أولى‪ ،‬ولهذا خصصوا اسإم‬
‫الفقه بالعلوم النظرية‪ ،‬فيشترط كونه في مظنة الخفاءا‪ ،‬فل يحسن أن يقال‪:‬‬
‫فهمت أن الثنين أكثر من الواحد‪ ،‬ومن ثم لم يسم العالم بما هو من ضروريات‬
‫الحكام الشرعية فقيها‪ ،‬فإن احتج له بقوله تعالى‪} :‬يقاكلوا ييا ك‬
‫ه‬
‫ف ي‬
‫ما ن ي ب‬
‫شعيي ب ك‬
‫ق ك‬
‫ب ي‬
‫قوبم ت ل ي ي ي‬
‫قو ك‬
‫ل هي ك‬
‫ن‬
‫ف ي‬
‫ن يي ب‬
‫ؤلتءا ال ب ي‬
‫ما ت ي ك‬
‫ك يتثيرا ا ت‬
‫قكهو ي‬
‫دو ي‬
‫كا ك‬
‫ل{ٍ ]هود‪ [91 :‬وقوله‪} :‬في ي‬
‫م ر‬
‫ما ت‬
‫ديثاا{ٍ ]النساءا‪.[78 :‬‬
‫ح ت‬
‫ي‬
‫قلنا‪ :‬هذا يدل على أن الفهم من الخطاب يسمى فقها‪ ،‬ل على أنه ل يسمى‬
‫ب‬
‫ن‬
‫فقها إل ما ما كان كذلك‪ ،‬وقد قال تعالى‪} :‬ويل ي ي‬
‫م ك يتثيرا ا ت‬
‫قد ب ذ ييرأينا ل ت ي‬
‫ن ال ب ت‬
‫جهين ر ي‬
‫ج ل‬
‫م ي‬
‫ب‬
‫ن ب تيها{ٍ ]العراف‪ [179 :‬وهذا ل يختص بالفهم من‬
‫ف ي‬
‫ب ل يي ب‬
‫قكهو ي‬
‫م قككلو ب‬
‫س ل يهك ب‬
‫يوال تن ب ت‬
‫الخطاب‪ ،‬بل عدم الفهم مطلقا من الدلة العقلية والسمعية‪ ،‬وطرق العتبار‪،‬‬
‫ثم المراد من الفهم‪ :‬الدراك‪ ،‬ل جودة الذهن من جهة تهيئته لقتناص ما يرد‬
‫عليه من المطالب خلفا للمدي‪.‬‬
‫]الذهن[ والذهن‪ :‬عبارة عن قوة النفس المستعدة لكتسابها الحدود الوسإطى‬
‫والراءا‪ .‬وقال ابن سإراقة‪ :‬الفهم عبارة عن إتقان الشيءا‪ ،‬والثقة به على الوجه‬
‫الذي هو به عن نظر‪ ،‬ولذلك يقال‪ :‬نظرت ففهمت‪ ،‬ول يقال في صفات الله‬
‫سإبحانه‪ :‬فهم‪.‬‬
‫يقال‪ :‬فقه ‪ -‬بالكسر ‪ -‬فهو فاقه إذا فهم‪ ،‬وفقه ‪ -‬بالفتح ‪ -‬فهو فاقه أيضا إذا‬
‫سإبق غيره إلى الفهم‪ ،‬وفقه ‪ -‬بالضم ‪ -‬فهو فقيه إذا صار الفقه له سإجية‪،‬‬

‫واسإتعمل لسإم فاعله فقيه‪ ،‬لن فعيل قياس في اسإم فاعل فعل‪ ،‬ووقع في‬
‫عبارة بعضهم‪ :‬أنه اختير له فعيل‪ ،‬لن فعيل للمبالغة‪ ،‬فاسإتعمالها فيمن صار‬
‫الفقه له سإجية أولى‪.‬‬
‫وهذا ليس بصحيح‪ .‬أعني دعوى أن فعيل هاهنا للمبالغة‪ ،‬لن اللفاظ المستعملة‬
‫للمبالغة هي التي كانت على صيغة‪ ،‬فحولت عنها إلى تلك اللفاظ للمبالغة‪،‬‬
‫ولذلك يقع في كلمهم ما حول للمبالغة من فاعل‪] ،‬إلى[ مفعال أو فعيل أو‬
‫فعول‪ ،‬أو فعل‪ ،‬وأما فقيه فهو قياس‪ ،‬لن فعيل‪ ،‬مقيس في فعل‪ ،‬فهو مستعمل‬
‫فيما هو قياسإه من غير تحويل‪ ،‬نحو عليم و شفيع‪ ،‬فإن المتكلم يحولهما عن‬
‫شافع وعالم‪ ،‬لقصد المبالغة‪ ،‬ول مخلص عن هذا إل أن يدعى أنه خولف تقديرا‬

‫) ‪(1/14‬‬

‫بمعنى أن الواضع‪ ،‬حوله عن فاعل لقصد المبالغة‪.‬‬
‫فإن قلت‪ :‬ليس من شرط الفقيه أن يكون له سإجية‪ ،‬ولهذا قال الرافعي في‬
‫الوقف على الفقهاءا‪ :‬إنه يدخل فيه من حصل منه شيئا‪ ،‬وإن قل‪ ،‬وقضية هذا‬
‫حصوله بمسمى مسألة واحدة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ليس كذلك لما سإأذكره من كلم الشيخ أبي إسإحاق‪ ،‬والغزالي‪ ،‬وابن‬
‫السمعاني‪ ،‬وغيرهم من الئأمة‪ ،‬ولعل مراده من حصل حتى صار له سإجية وإن‬
‫قلت‪.‬‬
‫]الفقه في الصطلح[‪ :‬وأما في اصطلح الصوليين‪ :‬فالعلم بالحكام الشرعية‬
‫العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية‪.‬‬
‫فالعلم جنس‪ ،‬والمراد به الصناعة‪ ،‬كما تقول‪ :‬علم النحو أي‪ :‬صناعته‪ ،‬وحينئذ‬
‫فيندرج فيه الظن واليقين‪ ،‬وعلى هذا فل يرد سإؤال الفقه من باب الظنون‪،‬‬
‫ومن أورده فهو اختيار منه لختصاص العلم بالقطعي‪.‬‬
‫وخرج بالحكام‪ :‬العلم بالذوات‪ ،‬والصفات‪ ،‬والفعال‪.‬‬
‫وبالشرعية‪ :‬العقلية‪ ،‬والمراد بها ما يتوقف معرفتها على الشرع‪.‬‬
‫وبالعملية‪ :‬عن العلمية‪ ،‬ككون الجماع وخبر الواحد حجة‪ .‬قاله المام‪ .‬وقال‬
‫الصفهاني‪ :‬خرج به أصول الفقه‪ ،‬فإنه ليس بعملي‪ ،‬أي‪ :‬ليس علما بكيفية‬
‫عمل‪ .‬قال ابن دقيق العيد‪ :‬وفيه نظر‪ ،‬لن الغاية المطلوبة منها العمل‪ ،‬فكيف‬
‫يخرج بالعملية؟ وقال الباجي‪ :‬هو احتراز عن أصول الدين‪.‬‬
‫واعلم أن أصول الدين منه ما ثبت بالعقل وحده كوجود الباري‪ ،‬ومنه ما ثبت‬
‫بكل من العقل والسمع كالوحدانية‪ ،‬وهذان خارجان بقوله‪ :‬الشرعية‪ ،‬ومنه ما ل‬
‫يثبت إل بالسمع كمسألة أن الجنة مخلوقة‪ ،‬وأن الصراط حق‪ ،‬وهذا من الفقه‬
‫لوجوب اعتقاده‪ ،‬وعدل المدي‪ ،‬وابن الحاجب عن لفظ العملية إلى الفرعية‪،‬‬
‫لن النية من مسائأل الفقه وليست عمل‪ ،‬وليس بجيد‪ ،‬لنها عمل‪ .‬والظاهر أن‬
‫لفظ العملية أشمل لدخول وجوب اعتقاد مسائأل الديانات التي ل تثبت إل‬
‫بالسمع‪ ،‬فإنها من الفقه كما سإبق بخلف الفرعية‪.‬‬
‫وبالمكتسب‪ :‬علم الله تعالى‪ ،‬وما يلقيه في قلب النبياءا والملئأكة من الحكام‬
‫بل اكتساب‪ .‬وبالخير‪ :‬عن اعتقاد المقلد‪ ،‬فإنه مكتسب من دليل إجمالي‪ :‬قاله‬
‫المام‪ .‬وقيل‪ :‬علم المقلد لم يدخل في الحد بل هو احتراز عن علم الخلف‪.‬‬
‫وأما عند‬

‫) ‪(1/15‬‬

‫الفقهاءا‪ :‬فقال القاضي الحسين‪ :‬الفقه افتتاح علم الحوادث على النسان‪ .‬أو‬
‫افتتاح شعب أحكام الحوادث على النسان حكاه البغوي عنه في تعليقه‪.‬‬
‫وقال ابن سإراقة‪ :‬حده في الشرع‪ :‬عبارة عن اعتقاد علم الفروع في الشرع‪،‬‬
‫ولذلك ل يقال في صفاته سإبحانه وتعالى‪ :‬فقيه‪ .‬قال‪ :‬وحقيقة الفقه عندي‪:‬‬
‫ست ين بب ت ك‬
‫م{ٍ ]النساءا‪.[83 :‬‬
‫ه ت‬
‫ه ال ر ت‬
‫ن يي ب‬
‫من بهك ب‬
‫طون ي ك‬
‫م ك‬
‫السإتنباط‪ .‬قال الله تعالى‪} :‬ل يعيل ت ي‬
‫ذي ي‬
‫واختيار ابن السمعاني في القواطع أنه اسإتنباط حكم المشكل من الواضح‪.‬‬
‫قال‪ :‬وقوله صلى الله عليه وسإلم‪" :‬رب حامل فقه غير فقيه" ‪ 1‬أي‪ :‬غير‬
‫مستنبط ومعناه‪ :‬أنه يحمل الرواية من غير أن يكون له اسإتدلل واسإتنباط‬
‫فيها‪ .‬وقال في ديباجة كتابه‪ :‬وما أشبه الفقيه إل بغواص في بحر در كلما غاص‬
‫في بحر فطنته اسإتخرج درا‪ ،‬وغيره مستخرج آجرا‪.‬‬
‫ومن المحاسإن قول المام أبي حنيفة‪ :‬الفقه معرفة النفس ما لها وما عليها‪.‬‬
‫ت{ٍ ]البقرة‪:‬‬
‫ما اك بت ي ي‬
‫ما ك ي ي‬
‫سب ي ب‬
‫ت ويع يل يي بيها ي‬
‫سب ي ب‬
‫قيل‪ :‬وأخذه من قوله تعالى‪} :‬ل ييها ي‬
‫‪.[286‬‬
‫وقال الغزالي في الحياءا في بيان تبديل أسإامي العلوم‪ :‬إن الناس تصرفوا في‬
‫اسإم الفقه‪ ،‬فخصوه بعلم الفتاوى والوقوف على وقائأعها‪ ،‬وإنما هو في العصر‬
‫الول اسإم لمعرفة دقائأق آفات النفوس‪ ،‬والطلع على الخرة وحقارة الدنيا‪.‬‬
‫ن ويل تي كن بذ تكروا{ٍ ]التوب‪ [122 :‬والنذار بهذا النوع‬
‫ف ر‬
‫قال تعالى‪} :‬ل تي يت ي ي‬
‫قكهوا تفي ال ل‬
‫دي ت‬
‫من العلم دون تفاريع السلم والجارة‪.‬‬
‫وعن أبي الدرداءا‪ .‬ل يفقه العبد كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله‪ ،‬ثم‬
‫يقبل على نفسه فيكون لها أشد مقتا‪.‬‬
‫وسإأل فرقد السنجي الحسن عن شيءا‪ :‬فقال‪ :‬إن الفقهاءا يخالفونك‪ ،‬فقال‬
‫الحسن‪ :‬ثكلتك أمك وهل رأيت فقيها بعينك؟ إنما الفقيه هو الزاهد في الدنيا‪.‬‬
‫الراغب في الخرة‪ .‬البصير بذنبه‪ .‬المداوم على عبادة ربه‪ .‬الورع الكاف‪.‬‬
‫ولذلك قال الحليمي في المنهاج‪ :‬إن تخصيص