PUBLIKASI PENDIDIKAN: Kumpulan Kitab Islam Klasik ƒΘΩñΩφπ 013

‫‪http://www.shamela.ws‬‬
‫تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة‬
‫المجموع‬
‫النووي‬
‫سنة الولدة ‪ /‬سنة الوفاة‬
‫تحقيق‬
‫الناشر دار الفكر‬
‫سنة النشر ‪1997‬م‬
‫مكان النشر بيروت‬
‫عدد الجأزاء ‪1‬‬
‫خبطها بحيث يؤذى قشورها ‪ .‬قال أصحابنا ‪ :‬قال الشافعي‬
‫في القديم ‪ :‬يجوز أخذ الورق من شجر الحرم وقطع‬
‫الغأصان الصغار للسواك وقال في الملء ‪ :‬ل يجوز ذلك‬
‫قال أصحابنا ‪ :‬ليست على قولين بل على حالين فالموضع‬
‫الذي قال ‪ .‬يجوز أراد إذا لقط الورق بيده وكسر الغأصان‬
‫الصغار بيده بحيث ل تتأذى نفس الشجرة ‪ ،‬والموضع الذي‬
‫قال ل يجوز أراد إذا خبط الشجرة حتى تساقط الورق‬
‫وتكسرت الغأصان ‪ ،‬لن ذلك يضر بالشجرة هكذا ذكر هذا‬
‫التأويل للحصر والجمع بينهما الشيخ أبو حامد في تعليقه‬
‫وأبو علي البندنيجي والمحاملي في كتابيه المجموع و‬
‫التجريد ‪ ،‬وآخرون ‪ ،‬ونقله صاحب البيان عن الصحاب والله‬

‫أعلم ‪ .‬واتفق أصحابنا على جأواز أخذ ثمار شجر الحرم ‪ ،‬وإن‬
‫كانت أشجارا مباحة كالراك ‪ ،‬ويقال لثمرة الراك الكباث‬
‫بكاف مفتوحة ثم باء موحدة مخففة ثم ثاء مثلثة واتفقوا‬
‫على أخذ عود السواك ونحوه ‪ ،‬وسبق في الباب الماضي‬
‫الفرق بين أخذ الوراق وأخذ شعر الصيد ‪ ،‬فإنه مضمون ‪،‬‬
‫لن أخذه يضر الحيوان في الحر والبرد ‪ .‬فرع ‪ :‬هل يعم‬
‫التحريم والضمان ما ينبت من الشجار بنفسه وما يستنبت‬
‫أم يختص بما نبت بنفسه فيه طريقان حكاهما الشيخ أبو‬
‫حامد وأبو على البندنيجي وآخرون أصحهما ‪ :‬وأشهرهما‬
‫على قولين ‪ ،‬وبهذا قطع المصنف والجمهور وأصح ‪:‬‬
‫القولين عند المصنف وسائر العراقيين والجمهور من‬
‫غأيرهم التعميم والثاني ‪ :‬التخصيص ‪ ،‬وبه قطع إمام‬
‫الحرمين ‪ .‬والغزالي والطريق الثاني ‪ :‬القطع بالتعميم وهو‬
‫الذي اختاره الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب في‬

‫تعليقهما وآخرون ‪ ،‬قال أبو حامد ‪ :‬وشجر الحرم حرام سواء‬
‫نبت بنفسه أو أنبته آدمي ‪ .‬قال ‪ :‬وحكم بعض أصحابنا عن‬
‫الشافعي أنه قال ‪ :‬إنما يحرم ما نبت بنفسه دون ما أنبته‬
‫آدمي ‪ .‬قال أبو حامد ‪ :‬وإنما أخذ هذا من قول الشافعي في‬
‫الملء ‪ :‬ولو قطع شجرة من شجر الحرم فعليه الجزاء إذا‬

‫كان ل مالك له فمفهومه أنه إذا كان له مالك فل جأزاء ‪ .‬قال‬
‫أبو حامد ‪ :‬وهذا ليس بشىء لنه إنما خص الشجر الذي ل‬
‫مالك له فتبين أن الواجأب فيه الجزاء فقط ‪ ،‬ولم يذكر ماله‬
‫مالك لن فيه الجزاء أو القيمة ‪ .‬هذا كلم أبي حامد ‪ ،‬وقطع‬
‫الماسرجأسي والدارمي والماوردي بأن ما زرعه الدمي من‬
‫التمر كالعنب والنخل والتفاح والتين ونحوها فل ضمان فيه‬
‫‪ ،‬ول يحرم قطعه ‪ ،‬وأنكر القاضي أبو الطيب في المجرد هذا‬
‫عليهم ‪ ،‬وقال ‪ :‬هذا خلف نص الشافعي ‪ ،‬وخلف قول أكثر‬
‫أصحابنا ‪ ،‬فإن التحريم والضمان عام في الجميع ‪ ،‬وهكذا‬
‫نقل أبو علي البندنيجي عن نص الشافعي في عامة كتبه أنه‬
‫يجب الضمان في شجر السفرجأل والتفاح ‪ ،‬وسائر ما أنبته‬
‫الرض من الثمار‬
‫____________________‬

‫) ‪(7/379‬‬

‫فالحاصل أن المذهب التعميم ‪ ،‬فإذا قلنا بالضعيف وهو‬
‫التخصيص ‪ ،‬زيد في الضابط الذي قدمناه قيد آخر ‪ ،‬وهو كون‬
‫الشجر مما ينبت بنفسه ‪ ،‬وعلى هذا القول يحرم الراك‬
‫والطرفا وغأيرهما من أشجار البوادي ‪ ،‬دون التين والعنب‬

‫والتفاح والصنوبر وسائر ما ينبته الدمي ‪ ،‬سواء كان مثمرا‬
‫كما ذكرنا أو غأيره ‪ ،‬كالخلف ‪ .‬وأدرج إمام الحرمين في هذا‬
‫القسم العوسج ‪ .‬وأنكر الصحاب ذلك عليه لنه ذو شوك ‪،‬‬
‫وقد سبق اتفاق الجمهور على أن ماله شوك ل يحرم ول‬
‫ضمان فيه ‪ .‬وعلى القول الضعيف ‪ ،‬وهو التخصيص لو نبت‬
‫ما يستنبت أو عكسه فوجأهان الصحيح ‪ :‬الذي قطع به‬
‫الجمهور أن العتبار بالجنس ‪ ،‬فيجب الضمان في الثاني‬
‫دون الول والثاني ‪ :‬وهو قول أبي العباس بن القاص في‬
‫التلخيص أن العتبار بالقصد ‪ ،‬فينعكس الحكم وإن قلنا‬
‫بالمذهب وهو التعميم ‪ ،‬فجميع الشجر حرام سواء ما نبت‬
‫بنفسه وما أنبته آدمي ‪ ،‬والمثمر وغأيره ‪ ،‬إل العوسج وسائر‬
‫شجر الشوك ‪ .‬وكذا ما قطع من الحل ‪ ،‬وغأرس في الحرم ‪،‬‬
‫فإنه ل يحرم كما سبق والله أعلم قال صاحب البيان ‪ :‬صورة‬

‫مسألة الخلف فيما أنبته الدمي أن يأخذ غأصنا من شجرة‬
‫حرمية فيغرسه في موضع من الحرم أما إذا أخذ شجرة أو‬
‫غأصنا من الحل فغرسه في الحرم ثم قلعها هو أو غأيره فل‬
‫شىء عليه بل خلف كما سبق ‪ .‬فرع ‪ :‬لو انتشرت أغأصان‬
‫شجرة حرمية ومنعت الناس الطريق ‪ ،‬أو آذتهم ‪ ،‬جأاز قطع‬
‫المؤذى منها ‪ .‬هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور ‪ ،‬وممن‬

‫قطع به أبو الحسن بن المرزبان ‪ ،‬والقاضي أبو الطيب في‬
‫كتابه المجرد ‪ ،‬والروياني وآخرون ‪ ،‬وحكاه الدارمي عن ابن‬
‫المرزبان ثم قال ‪ :‬ويحتمل عندي الضمان ‪ .‬فرع ‪ :‬قال‬
‫الشافعي والصحاب حيث وجأب ضمان الشجر ‪ ،‬فإن كانت‬
‫شجرة كبيرة ضمنها ببقرة ‪ ،‬وإن شاء ببدنة ‪ ،‬وما دونها بشاة‬
‫‪ .‬قال إمام الحرمين وغأيره ‪ :‬والمضمونة بشاة ما كانت‬
‫قريبة من سبع الكبيرة ‪ ،‬فإن صغرت جأدا فالواجأب القيمة ‪.‬‬
‫قال أصحابنا ‪ :‬ثم البقرة والشاة والقيمة ‪ .‬على التعديل‬
‫والتخيير كالصيد ‪ ،‬فإن شاء أخرج البقرة فذبحها وفرق‬
‫لحمها ‪ ،‬وإن شاء قومها دراهم وأخرج بقيمتها طعاما ‪ ،‬وإن‬
‫شاء صام عن كل مد يوما إل أن يكون المتلف كافرا فإنه ل‬
‫يدخل ذلك صيامه كما سبق والله أعلم ‪ .‬قال الشيخ أبو حامد‬
‫‪ :‬الدوحة هي الشجرة الكبيرة ذات الغأصان ‪ ،‬والجزلة التي‬
‫ل أغأصان لها ‪ ،‬وأطلق أكثر الصحاب أن الجزلة هي الصغيرة‬
‫‪ .‬الضرب الثاني ‪ :‬من نبات الحرم غأير الشجر ‪ ،‬وهو نوعان‬
‫أحدهما ‪ :‬ما زرعه الدمي كالحنطة والشعير والذرة‬
‫والقطفرة والبقول‬
‫____________________‬

‫) ‪(7/380‬‬


‫والخضراوات فيجوز لمالكه قطعه ول جأزاء عليه ‪ ،‬وإن قطعه‬
‫غأيره فعليه قيمته لمالكه ‪ ،‬ول شىء عليه للمساكين ‪ ،‬وهذا‬
‫ل خلف فيه ‪ ،‬صرح به الماوردي وابن الصباغ وصاحب البيان‬
‫وآخرون النوع الثاني ‪ :‬ما لم ينبته الدمي وهو أربعة أصناف‬
‫الول ‪ :‬الذخر ‪ ،‬وهو مباح ‪ ،‬فيجوز قلعه وقطعه بل خلف‬
‫لحديث ابن عباس ‪ ،‬ولعموم الحاجأة إليه والثاني ‪ :‬الشوك‬
‫فيجوز قطعه وقلعه كما سبق في العوسج وشجر الشوك ‪،‬‬
‫وممن صرح به هنا الماوردي الثالث ‪ :‬ما كان دواء كالسنا‬
‫ونحوه ‪ ،‬وفيه طريقان ‪ .‬أحدهما ‪ :‬القطع بجوازه لنه مما‬
‫يحتاج إليه ‪ ،‬فألحق بالذخر ‪ ،‬وقد أباح النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم الذخر للحاجأة وهذا في معناه ‪ .‬وممن جأزم بهذا‬

‫الطريق الماوردي ‪ .‬والطريق الثاني ‪ :‬فيه وجأهان أصحهما ‪:‬‬
‫الجواز والثاني ‪ :‬المنع ‪ .‬وممن حكى هذا الطريق الشيخ أبو‬
‫على السنجي في شرح التلخيص ‪ ،‬وإمام الحرمين والبغوي‬
‫وآخرون ‪ ،‬لكن خص هؤلء الخلف بما إذا احتاج إلى ذلك‬
‫للدواء ‪ ،‬ولم يخصه الماوردي بل عممه وجأعله مباحا مطلقا‬
‫كالذخر الرابع ‪ :‬الكل ‪ ،‬فيحرم قطعه وقلعه إن كان رطبا ‪،‬‬
‫فإن قلعه لزمته القيمة وهو مخير بين إخراجأها طعاما‬

‫والصيام كما سبق في الشجرة والصيد ‪ .‬هذا إذا لم يخلف‬
‫المقلع فإن أخلف فل ضمان على الصحيح ‪ ،‬وبه قطع‬
‫المصنف والجمهور ‪ ،‬لن الغالب هنا الخلف ‪ ،‬فهو كسن‬
‫الصبي ‪ ،‬فإنها إذا قلعت فنبتت فل ضمان قول واحدا هكذا‬
‫ذكر الصحاب في الطريقتين الحكم والدليل ‪ .‬وشذ عنهم‬
‫القاضي أبو الطيب فقال في تعليقه ‪ :‬إذا قطع الحشيش ثم‬
‫نبت ضمنه قول واحدا ‪ ،‬ول يكون على القولين في الغصن‬
‫إذا عاد ‪ ،‬قال ‪ :‬والفرق أن الحشيش يخلف في العادة ‪ ،‬فلو‬
‫أسقطنا الضمان عن قاطعه بعوده أدى ذلك إلى الغأراء‬
‫بقطعه بخلف الغصن ‪ ،‬فإنه قد يعود وقد ل يعود ‪ ،‬هذا كلم‬
‫القاضي في تعليقه ‪ ،‬وجأزم هو في كتابه المجرد بسقوط‬
‫الضمان إذا نبت الحشيش كما قاله الصحاب وهو المذهب ‪.‬‬
‫هذا إذا عاد كما كان فإن عاد ناقصا ضمن ما نقص بل خلف‬
‫والله أعلم ‪ .‬هذا كله في غأير اليابس أما اليابس فقال‬
‫البغوي ‪ :‬إن كان قطعه فل شىء عليه ‪ ،‬كما سبق في الشجر‬
‫اليابس ‪ ،‬وإن قلعه لزمه الضمان ‪ ،‬لنه لو لم يقلعه عليه‬
‫الرافعي ‪ .‬وقال الماوردي ‪ :‬إذا جأف الحشيش ومات جأاز‬
‫قلعه وأخذه ‪ ،‬وهذا ل يخالف قول البغوي ‪ ،‬إن القلع يوجأب‬
‫الضمان فيما إذا كان اليابس لم يمت ‪ ،‬بل هو مما ينبت لول‬
‫القلع ولم يفسد أصله ‪ ،‬وقول الماوردي ‪ :‬إنما هو فيما مات‬

‫‪ ،‬ول يرجأى نباته لو بقي والله أعلم ‪ .‬واتفق أصحابنا على‬
‫جأواز تسريح البهائم في كل الحرم لترعى ‪ ،‬واستدلوا بحديث‬
‫ابن عباس قال ‪ :‬أقبلت راكبا على أتان فوجأدت النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم يصلي بالناس‬
‫____________________‬

‫) ‪(7/381‬‬

‫بمنى إلى غأير جأدار ‪ ،‬فدخلت في الصف وأرسلت التان‬
‫يرتع رواه البخاري ومسلم ‪ ،‬ومنى من الحرم ‪ .‬ولو أخذ الكل‬
‫لعلف البهائم ففي جأوازه وجأهان ‪ ،‬حكاهما الشيخ أبو علي‬

‫السنجي في شرح التلخيص ‪ .‬وإمام الحرمين والبغوي‬
‫والرافعي وآخرون أحدهما ‪ :‬التحريم ووجأوب الضمان ‪،‬‬
‫لعموم قوله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬ول يختلى خلها والثاني‬
‫‪ :‬الجواز ول ضمان قال الرافعي ‪ :‬وهو الصح كما لو أرسل‬
‫دابته ترعى ‪ ،‬ولن تحريم الحتشاش إنما كان لتوفير الكل‬
‫للبهائم والصيود وقال المام ‪ :‬وهذا القائل يقول ‪ :‬إنما‬
‫يحرم الختل والحتشاش للبيع وغأيره من الغأراض ‪ ،‬سوى‬
‫العلف ‪ ،‬والله أعلم ‪ .‬فرع ‪ :‬قال أهل اللغة ‪ :‬العشب والخل‬

‫مقصور اسم للرطب ‪ ،‬والحشيش اسم لليابس ‪ .‬وقد ذكر‬
‫ابن مكي وغأيره في لحن العوام إطلقهم الحشيش على‬
‫الرطب ‪ ،‬قالوا ‪ :‬والصواب اختصاص الحشيش باليابس ‪،‬‬
‫قالوا ‪ :‬والكل مهموز يقع على الرطب واليابس وهذا يصح‬
‫على المجاز ‪ ،‬فسمى الرطب حشيشا باسم ما يئول إليه‬
‫لكونه أقرب إلى افهام أهل العرف ‪ ،‬والله أعلم ‪.‬‬
‫قال المصنف رحمه الله تعالى ‪ :‬ول يجوز إخراج تراب الحرم‬
‫وأحجاره ‪ ،‬لما روى عن ابن عباس وابن عمر رضي الله‬
‫عنهما أنهما كانا يكرهان أن يخرج من تراب الحرم إلى الحل‬
‫‪ ،‬أو يدخل من تراب الحل إلى الحرم ‪ .‬وروى عبد العلى بن‬
‫عبد الله ابن عامر قال ‪ :‬قدمت مع أمي أو مع جأدتي مكة‬
‫فأتينا صفية بنت شيبة ‪ ،‬فأرسلت إلى الصفا فقطعت حجرا‬
‫من جأنابة فخرجأنا به ‪ ،‬فنزلنا أول منزل ‪ ،‬فذكر من علتهم‬
‫جأميعا ‪ ،‬فقالت أمي أو جأدتي ‪ :‬ما أرانا أتينا إل أنا أخرجأنا‬
‫هذه القطعة من الحرم ‪ ،‬قال ‪ :‬وكنت أنا أمثلهم ‪ ،‬فقالت لي‬
‫‪ :‬انطلق بهذه القطعة إلى صفية فردها ‪ ،‬وقل لها ‪ :‬إن الله‬
‫عز وجأل وضع في حرمه شيئا ل ينبغي أن يخرج منه ‪ ،‬قال‬
‫عبد العلى ‪ :‬فما هو إل أن نحينا ذلك فكأنما أنشطنا من‬
‫عقال ويجوز إخراج ماء زمزم ‪ ،‬لما روى أن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم استهدى راوية من ماء زمزم ‪ ،‬فبعث إليه‬

‫براوية من ماء ‪ ،‬ولن الماء يستخلف بخلف التراب والحجار‬
‫‪(1) .‬‬
‫____________________‬
‫‪ -1‬الشرح ‪ :‬أما حديث ماء زمزم فروى البيهقي بإسناده عن‬
‫ابن عباس رضي الله عنه قال‬

‫) ‪(7/382‬‬

‫استهدى النبي صلى الله عليه وسلم سهيل بن عمرو من‬
‫ماء زمزم وبإسناده عن جأابر رضي الله عنه قال ‪ :‬أرسلني‬

‫صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة قبل أن يفتح مكة إلى‬
‫سهل بن عمرو أن أهد لنا من ماء زمزم ول تترك ‪ ،‬فبعث‬
‫إليه بمزادتين وعن عروة بن الزبين أن عائشة رضي الله‬
‫عنها كانت تحمل ماء زمزم ‪ ،‬وتخبر أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم كان يفعله رواه الترمذي وقال ‪ :‬حديث حسن‬
‫السناد ورواه البيهقي هكذا ثم قال ‪ :‬وفي رواية ‪ :‬حمله‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم في الداوى والقرب ‪،‬‬
‫وكان يصب على المرضى ويسقيهم ‪ .‬وأما تراب الحرم‬
‫وأحجاره فروى الشافعي والبيهقي عن ابن عباس وابن‬

‫عمر أنهما كرها أن يخرج من تراب الحرم وحجارته إلى الحل‬
‫شىء وأما حديث عبد العلى الذي ذكره المصنف فرواه‬
‫الشافعي والبيهقي بلفظ يخالف رواية المصنف ‪ ،‬فلفظهما‬
‫عن عبد العلى قال ‪ :‬قدمت مع أمي ‪ ،‬أو قال جأدتي فأتتها‬
‫صفية بنت شيبة فأكرمتها ‪ ،‬وفعلت بها قالت صفية ‪ :‬ما‬
‫أدري ما أكافئها به فأرسلت إليها بقطعة من الركن فخرجأنا‬
‫بها ‪ ،‬فنزلنا أول منزل ‪ ،‬فذكرنا من مرضهم وعلتهم جأميعا‬
‫قال فقالت أمي أو جأدتي ما أرانا أتينا إل أنا أخرجأنا هذه‬
‫القطعة من الحرم ‪ ،‬فقالت لي وكنت أمثلهم انطلق بهذه‬
‫القطعة إلى صفية فردها ‪ ،‬وقل لها ‪ :‬إن الله تعالى قد وضع‬
‫في حرمه شيئا فل ينبغي أن يخرج منه قال عبد العلى ‪:‬‬
‫فقالوا لي ‪ :‬فما هو إل أن نجينا بدخولك الحرم ‪ ،‬فكأنما‬
‫أنشطنا من عقل هذا لفظ رواية الشافعي والبيهقي‬
‫وغأيرهما ‪ .‬وذكر أبو الوليد الزرقي في كتاب مكة في مضل‬
‫الحجر السود أنها أعطتهم قطعة من الحجر السود ‪ ،‬كانت‬
‫عندها أصابتها حين اقتلع الحجر في زمن ابن الزبير ‪ ،‬حين‬
‫حاصر الحجاج ‪ ،‬وهذامعنى رواية الشافعي قطعة من الركن‬
‫أي الركن السود ‪ ،‬والمراد الحجر السود والله أعلم وعبد‬
‫العلى هذا تابعي قريشي وأما صفية هذه في صحابية‬
‫قريشية عبدرية وهي صفية بنت شيبه الصحابي ‪ ،‬حاجأب‬

‫الكعبة ‪ ،‬وهو شيبة بن عثمان بن طلحة ابن أبي طلحة ‪.‬‬
‫واسم طلحة هذا عبد الله بن عثمان بن عبد الدار بن قصي ‪،‬‬
‫قالت صفية ‪ :‬رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستلم‬
‫الركن بمحجن رواه أبو داود ‪ ،‬ولها في الصحيحين خمسة‬
‫أحاديث عن عائشة ‪.‬‬
‫____________________‬

‫) ‪(7/383‬‬

‫أما الحكام ‪ :‬ففيه مسائل إحداها ‪ :‬اتفقت نصوص‬
‫الشافعي والصحاب على جأواز نقل ماء زمزم إلى جأميع‬
‫البلد ‪ ،‬واستحباب أخذه للتبرك ‪ ،‬ودليله ما ذكره المصنف مع‬
‫ما ذكرته الثانية ‪ :‬اتفقوا على أن الولى أن ل يدخل تراب‬
‫الحل وأحجاره الحرم ‪ ،‬لئل يحدث لها حرمة لم تكن ‪ ،‬ول‬
‫يقال ‪ :‬إنه مكروه ‪ ،‬لنه لم يرد فيه نهى صحيح صريح ‪ ،‬وأما‬
‫قول صاحب البيان ‪ :‬قال الشيخ أبو إسحاق ‪ :‬ل يجوز إدخال‬
‫شىء من تراب الحل وأحجاره إلى الحرم فغلط منه ‪ ،‬ولم‬
‫يذكر الشيخ أبو إسحاق هذا الذي ادعاه الثالثة ‪ :‬قال‬
‫المصنف ل يجوز إخراج تراب الحرم وأحجاره إلى الحل ‪ ،‬هذه‬
‫عبارة المصنف ‪ ،‬وكذا قال المحاملي في كتابيه المجموع و‬
‫التجريد ‪ :‬ل يجوز إخراجأهما ‪ ،‬وتابعهما صاحب البيان في‬
‫هذه العبارة ‪ ،‬وقال صاحب الحاوي ‪ :‬يمنع من إخراجأهما ‪،‬‬
‫وقال الدارمي ‪ :‬ل يخرجأهما ‪ ،‬وقال كثيرون ‪ ،‬أو الكثرون‬
‫من أصحابنا ‪ :‬يكره إخراجأهما ‪ ،‬فأطلقوا لفظ الكراهية ‪.‬‬
‫ممن قال يكره ‪ :‬الشيخ أبو حامد في تعليقه ‪ ،‬وأبو علي‬
‫البندنيجي ‪ ،‬والقاضي حسين والبغوي والمتولي وصاحب‬
‫العدة والرافعي وآخرون ‪ .‬وقال القاضي أبو الطيب في‬
‫كتابه المجرد ‪ :‬قال الشافعي في الجامع الكبير ول أجأيز في‬
‫أن يخرج من حجارة الحرم وترابه شيئا إلى الحل ‪ ،‬لن له‬
‫حرمة قال ‪ :‬وقال في القديم ‪ :‬ثم أكره إخراجأهما ‪ ،‬قال‬
‫الشافعي ‪ :‬ورخص بعض الناس في ذلك ‪ ،‬واحتج بشراء‬
‫البرام من مكة ‪ ،‬قال الشافعي ‪ :‬هذا غألط فإن البرام ليست‬
‫من حجارة الحرم ‪ ،‬بل تحمل من مسيرة يومين أو ثلثة من‬
‫الحرم ‪ .‬هذا نقل القاضي ‪ .‬وهكذا نقل الصحاب عن‬
‫الشافعي نحو هذا فحصل خلف للصحاب في أن إخراجأهما‬
‫مكروه أو حرم ‪ ،‬قال المحاملي وغأيره ‪ :‬فإن أخرجأه فل‬
‫ضمان ‪ ،‬قال الماوردي وغأيره ‪ :‬وإذا أخرجأه فعليه رده إلى‬
‫الحرم قال الشيخ في موضع آخر ‪ ،‬وهو آخر الحج من تعلقيه‬
‫‪ :‬ذكر الشافعي هذه المسألة في المالي القديمة ‪ ،‬وعللها‬
‫بأن الحرم بقعة تخالف سائر البقاع ‪ ،‬ولها شرف على غأيرها‬
‫بدليل اختصاص النسكين بها ووجأوب الجزاء في صيدها فل‬
‫تفوت هذه الحرمة لترابها ‪ ،‬والله أعلم ‪ .‬فرع ‪ :‬في حكم‬
‫سترة الكعبة ‪ ،‬قال صاحب التلخيص ‪ :‬ل يجوز بيع أستار‬
‫الكعبة ‪ ،‬وكذا قال أبو الفضل بن عبدان من أصحابنا ‪ :‬ل‬
‫يجوز قطع أستار الكعبة ‪ ،‬ول قطع شىء من ذلك ‪ ،‬قال ول‬
‫يجوز نقله ول بيعه وشراؤه ‪ ،‬خلف ما يفعله العامة ‪:‬‬
‫يشترونها من بني شيبة ‪ ،‬وربما وضعوه في أوراق‬
‫المصاحف ‪ ،‬قال ‪ :‬ومن حمل منه شيئا لزمه رده ‪ .‬وحكى‬

‫الرافعي قول ابن عبدان وسكت عليه ولم يذكر غأيره ‪ ،‬فكأنه‬
‫ارتضاه ووافقه عليه ‪ ،‬وكذا قال‬
‫____________________‬

‫) ‪(7/384‬‬

‫أبو عبد الله الحليمي من أئمة أصحابنا ‪ :‬ل ينبغي أن يؤخذ‬
‫منها شىء ‪ ،‬وحكى الشيخ أبو عمرو بن الصلح قول‬
‫الحليمي وابن عبدان ثم قال ‪ :‬المر فيها إلى المام‬
‫يصرفها في بعض مصارف بيت المال بيعا وعطاء ‪ ،‬واحتج‬
‫بما رواه الزرقي صاحب كتاب مكة ‪ ،‬أن عمر بن الخطاب‬
‫رضي الله عنه كان ينزع كسوة البيت كل سنة ‪ ،‬فيقسمها‬
‫على الحاج ‪ ،‬وهذا الذي اختاره الشيخ أبو عمرو حسن متعين‬
‫‪ ،‬لئل يؤدي إلى تلفها بطول الزمان ‪ .‬وقد روى الزرقي عن‬
‫عمر رضي الله عنه ما سبق ‪ ،‬وروى الزرقي أيضا عن ابن‬
‫عباس وعائشة رضي الله عنهما أنهما قال ‪ :‬تباع كسوتها‬
‫ويجعل ثمنها في سبيل الله والمساكين وابن السبيل ‪ ،‬قال‬
‫ابن عباس وعائشة وأم سلمة ‪ :‬ل بأس أن يلبس كسوتها من‬
‫صارت إليه من حائض وجأنب وغأيرهما ‪ ،‬والله علم ‪ .‬فرع ‪ :‬ل‬
‫يجوز أخذ شىء من طيب الكعبة ل للتبرك ول لغيره ‪ ،‬ومن‬
‫أخذ شيئا منه لزمه رده إليها ‪ ،‬فإن أراد التبرك أتى بطيب‬
‫من عنده فمسحها به ثم أخذه ‪ ،‬والله أعلم ‪ .‬فرع ‪ :‬مهم في‬
‫بيان حدود حرم مكة الذي يحرم فيه الصيد والنبات ‪ ،‬ويمنع‬
‫أخذ ترابه وأحجاره ‪ ،‬وبيان ما يتعلق به من الحكام وما‬
‫يخالف فيه غأيره من الرض ‪ ،‬وفيه مسائل إحداها ‪ :‬في‬
‫حدود الحرم ‪ ،‬وقد ذكرها المصنف في أواخر كتاب الجزية‬
‫مختصرة والله أعلم أن الحرم هو مكة ‪ ،‬وما أحاط بها من‬
‫جأوانبها جأعل الله تعالى لها حكمها في الحرمة تشريفا لها ‪،‬‬
‫ومعرفة حدود الحرم من أهم ما يعتني به لكثرة ما يتعلق به‬
‫من الحكام وقد اجأتهدت في إيضاحه وتتبع كلم الئمة في‬
‫اتقانه على أكمل وجأوهه بحمد الله تعالى ‪ ،‬فحد الحرم من‬
‫جأهة المدينة دون التنعيم عند بيوت بني نفار ‪ ،‬على ثلثة‬
‫أميال من مكة ‪ ،‬ومن طريق اليمن ‪ ،‬طرف اضاة لبن على‬
‫سبعة أميال من مكة ‪ ،‬ومن طريق الطائف على عرفات من‬
‫بطن نمرة على سبعة أميال ‪ ،‬ومن طريق العراق على ثنية‬
‫جأبل بالمقطع على سبعة أميال ومن طريق الجعرانة في‬
‫شعب آل عبد الله بن خالد على تسعة أميال ‪ ،‬ومن طريق‬
‫جأدة منقطع العشاش على عشرة أميال من مكة ‪ .‬هكذا ذكر‬

‫هذه الحدود أبو الوليد الزرقي في كتاب مكة ‪ ،‬وأبو الوليد‬
‫هذا أحد أصحاب الشافعي الخذين عنه ‪ ،‬الذين رووا عنه‬
‫الحديث والفقه ‪ .‬وكذا ذكر هذه الحدود الماوردي صاحب‬
‫الحاوي في كتابه الحكام السلطانية وكذا ذكرها المصنف‬
‫وأصحابنا في كتب المذهب ‪ ،‬إل أن عبارة بعضهم أوضح من‬
‫بعض ‪ ،‬لكن الزرقي قال في حده من طريق الطائف أحد‬
‫عشرة ميل ‪ ،‬والذي قاله الجمهور سبعة فقط ‪ ،‬بتقديم‬
‫السين على الباء ‪ ،‬وفي هذه الحدود ألفاظ غأريبة ينبغي‬
‫ضبطها فقولهم ‪ :‬بيوت نفار هو‬
‫____________________‬

‫) ‪(7/385‬‬

‫بكسر النون وبالفاء وقولهم أضاة لبن بفتح الهمزة وبالضاد‬
‫المعجمة على وزن القناة ‪ ،‬وهي مستنقع الماء وأما لبن‬
‫فبلم مكسورة ثم باء موحدة ساكنة كذا ضبطها المام‬
‫الحافظ أبو بكر الحازمي المتأخر في كتابه المؤتلف‬
‫والمختلف في أسماء الماكن وقولهم ‪ :‬العشاش هو بفتح‬
‫الهمزة وبشينين معجمتين جأمع عش وقولهم ‪ :‬في جأدة من‬
‫جأهة الجعرانة تسعة أميال هو بتقديم التاى على السين وأما‬
‫الحدود الثلثة الباقية فإنها بتقديم السين ‪ .‬وأعلم أن الحرم‬
‫عليه عاملت منصوبة في جأميع جأوانبه ذكر الزرقي وغأيره‬
‫بأسانيدهم أن إبراهيم الخليل عليه السلم علمها ‪ ،‬ونصب‬
‫العلمات فيها وكان جأبريل عليه السلم يريه مواضعها ‪ ،‬ثم‬
‫أمر نبينا صلى الله عليه وسلم بتحديدها ثم عمر ثم عثمان‬
‫ثم معاوية رضي الله عنهم ‪ ،‬وهي إلى الن بينة ولله الحمد‬
‫قال الزرقي في آخر كتاب مكة ‪ :‬أنصاب الحرم التي على‬
‫رأس الثنية ما كان من وجأوهها في هذا الشق فهو حرم ‪،‬‬
‫وما كان في ظهرها فهو حل قال ‪ :‬وبعض العشاش في‬
‫الحل وبعضه في الحرم ‪ .‬المسألة الثانية ‪ :‬حكى الماوردي‬
‫خلفا للعلماء في أن مكة مع حرمتها هل صارت حرما آمنا‬
‫بقول إبراهيم عليه السلم أم كانت قبله كذلك فمنهم من‬
‫قال ‪ :‬لم تزل حرما ‪ ،‬ومنهم من قال ‪ :‬كانت مكة حلل قبل‬
‫دعوة إبراهيم عليه السلم كسائر البلد ‪ ،‬وإنما صارت حرما‬
‫بدعوته ‪ ،‬كما صارت المدينة حرما بتحريم النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم بعد أن كانت حلل واحتج هؤلء بحديث أبي سعيد‬
‫الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال في جأملة حديث طويل ‪ :‬اللهم إن إبراهيم حرم مكة‬

‫فجعلها حراما ‪ ،‬وإني حرمت المدينة حراما مأزميها أن ل‬
‫يراق فيها دم ‪ ،‬ول يحمل فيها سلح لقتال ‪ ،‬ول يخبط فيها‬
‫شجرة إل لعلف رواه مسلم في آخر كتاب الحج من صحيحه ‪،‬‬
‫وفي رواية لمسلم عن أبي سعيد أيضا أنه سمع النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم يقول ‪ :‬إني حرمت ما بين لبتي المدينة كما‬
‫حرم إبراهيم مكة وعن جأابر رضي الله عنه قال ‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬إن إبراهيم حرم مكة ‪،‬‬
‫وإني حرمت المدينة ‪ ،‬ما بين لبتيها ل يعضد غأضاهها ول‬
‫يصاد صيدها رواه مسلم ‪ .‬وعن أنس أن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم قال ‪ :‬اللهم إن إبراهيم حرم مكة وإني أحرم‬
‫المدينة ‪ ،‬وما بين لبتيها رواه البخاري ومسلم هذا‬
‫____________________‬

‫) ‪(7/386‬‬

‫لفظ البخاري ‪ ،‬ولفظ مسلم ‪ ،‬وفي رواية للبخاري أن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم لما أشرف على المدينة قال ‪ :‬اللهم‬
‫إني أحرم ما بين جأبليها ‪ ،‬مثل ما حرم به إبراهيم مكة ‪ .‬وعن‬
‫رافع بن خديج قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫إن إبراهيم حرم مكة وإني أحرم ما بين لبتيها ‪ ،‬يريد المدينة‬
‫رواه مسلم ‪ ،‬وعن عبد الله بن زيد بن عاصم أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قال إن إبراهيم حرم مكة ودعا لهلها‬
‫‪ ،‬وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة ‪ ،‬وإني دعوت‬
‫في صاعها ومدها بمثل ما دعا به إبراهيم لهل مكة رواه‬
‫البخاري ومسلم ‪ .‬واحتج القائلون بأن تحريمها لم يزل من‬
‫حين خلق الله السموات والرض بحديث ابن عباس أن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة ‪ :‬هذا بلد حرمه الله‬
‫تعالى يوم خلق السموات والرض ‪ ،‬وهو حرام بحرمة الله‬
‫إلى يوم القيامة رواه البخاري ومسلم وعن أبي شريح‬
‫الخزاعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‬
‫‪ :‬إن مكة حرمها الله ‪ ،‬ولم يحرمها الناس رواه البخاري‬
‫ومسلم ‪ ،‬ومن قال بهذا أجأاب عن الحاديث السابقة بأن‬
‫إبراهيم عليه السلم أظهر تحريمها بعد أن كان خفيا‬
‫مهجورا ل يعلم ‪ ،‬ل أنه ابتدأه ‪ ،‬ومن قال بالمذهب الول‬
‫أجأاب عن حديث ابن عباس بأن المراد أن الله تعالى كتب‬
‫في اللوح المحفوظ أو غأيره أن مكة سيحرمها إبراهيم ‪ ،‬أو‬
‫أظهر ذلك للملئكة والصح ‪ :‬من القولين أنها ما زالت‬
‫محرمة من حين خلق الله تعالى السموات والرض والله‬

‫أعلم ‪ .‬المسألة الثالثة ‪ :‬مذهبنا أنه يجوز بيع دور مكة‬
‫وإجأاراتها وسائر المعاملت عليها ‪ ،‬وكذا سائر الحرم كما‬
‫يجوز في غأيرها ‪ ،‬وستأتي المسألة مبسوطة بدلئلها‬
‫وفروعها ‪ ،‬حيث ذكرها الصحاب في آخر باب ما يجوز بيعه‬
‫إن شاء الله تعالى ‪ .‬الرابعة ‪ :‬مذهبنا أن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم فتح مكة صلحا ل عنوة ‪ ،‬لكن دخلها صلى الله‬
‫عليه وسلم متأهبا للقتال خوفا من غأدر أهلها وستأتي‬
‫المسألة بدلئلها وفروعها حيث ذكرها المصنف في كتاب‬
‫السير والغنائم إن شاء الله تعالى ‪.‬‬
‫____________________‬

‫) ‪(7/387‬‬

‫الخامسة ‪ :‬مذهبنا جأواز إقامة الحدود والقصاص في الحرم ‪،‬‬
‫سواء كان قتل أو قطعا ‪ ،‬سواء كانت الجناية في الحرم أو‬
‫خارجأه ‪ ،‬ثم لجأ إليه وستأتي المسألة بأدلتها وفروعها حيث‬
‫ذكرها المصنف في آخر باب استيفاء القصاص إن شاء الله‬
‫تعالى ‪ .‬السادسة ‪ :‬في الحكام التي يخالف الحرم فيها‬
‫غأيره من البلد ‪ ،‬وهي كثيرة ‪ ،‬نذكر منها أطرافا أحدها ‪ :‬أنه‬
‫ينبغي أن ل يدخله أحد إل بإحرام ‪ ،‬وهل ذلك واجأب أم‬
‫مستحب فيه خلف سبق الصح ‪ :‬مستحق الثاني ‪ :‬يحرم‬
‫صيده على جأميع الناس حتى أهل الحرم والمحلين الثالث ‪:‬‬
‫يحرم شجره وخلفه الرابع ‪ :‬منع إخراج ترابه وأحجاره ‪،‬‬
‫وهل هو منع كراهة أو تحريم فيه الخلف السابق الخامس ‪:‬‬
‫أنه يمنع كل كافر من دخوله مقيما كان أو مارا هذا مذهبنا‬
‫ومذهب الجمهور ‪ ،‬وجأوزه أبو حنيفة ما لم يستوطنه ‪،‬‬
‫وستأتي المسألة بأدلتها وفروعها حيث ذكرها المصنف في‬
‫كتاب الجزية إن شاء الله تعالى السادس ‪ :‬ل تحل لقطته‬
‫لمتملك ‪ ،‬ول تحل إل لمنشد ‪ ،‬هذا هو المذهب ‪ ،‬وفيه وجأه‬
‫ضعيف السابع ‪ :‬تغليظ الدية بالقتل فيه الثامن ‪ :‬تحريم‬
‫دفن المشرك فيه ويجب نبشه منه التاسع ‪ :‬تخصيص ذبح‬
‫دماء الجزاءات في الحج والهدايا العاشر ‪ :‬ل دم على‬
‫المتمتع والقارن إذا كان من أهل الحادي عشر ‪ :‬ل يكره‬
‫صلة النفل التي ل سبب لها في وقت من الوقات في‬
‫الحرم سواء في مكة وسائر الحرم ‪ ،‬وفيما عدا مكة وجأه شاذ‬
‫سبق بيانه في بابه ‪ .‬الثاني عشر ‪ :‬إذا نذر قصده لزمه‬
‫الذهاب إليه بحج أو عمرة ‪ ،‬بخلف غأيره من المساجأد فإنه ل‬
‫يجب الذهاب إليه إذا نذره ‪ ،‬إل مسجد رسول الله صلى الله‬

‫عليه وسلم والمسجد القصى على أحد القولين فيهما ‪.‬‬
‫الثالث عشر ‪ :‬إذا نذر النحر وحده بمكة لزمه النحر بها ‪،‬‬
‫وتفرقة اللحم على مساكين الحرم ‪ ،‬ولو نذر ذلك في بلد‬
‫آخر لم ينعقد نذره في أصح الوجأهين الرابع عشر ‪ :‬يحرم‬
‫استقبال الكعبة واستدبارها بالبول والغائط في الصحراء‬
‫الخامس عشر ‪ :‬تضعيف الجأر في الصلوات بالمسجد الحرام‬
‫‪ ،‬وكذا سائر الطاعات السادس عشر ‪ :‬يستحب لهل مكة أن‬
‫يصلوا العيد في المسجد الحرام وأما غأيرهم فهل الفضل‬
‫صلتهم في مسجدهم أم في الصحراء فيه خلف سبق في‬
‫باب صلة العيد السابع عشر ‪ :‬ل يجوز إحرام المقيم في‬
‫الحرم بالحج خارجأه ‪ .‬المسألة السابعة ‪ :‬مكة عندنا أفضل‬
‫الرض ‪ ،‬وبه قال علماء مكة والكوفة وابن وهب وابن حبيب‬
‫المالكيان وجأمهور العلماء قال العبدري ‪ :‬هو قول أكثر‬
‫الفقهاء ‪ ،‬وهو مذهب أحمد في أصح الروايتين عنه وقال‬
‫مالك وجأماعة ‪ :‬المدينة أفضل وأجأمعوا على أن مكة‬
‫____________________‬

‫) ‪(7/388‬‬

‫والمدينة أفضل الرض ‪ ،‬وإنما اختلفوا في أيهما أفضل ‪،‬‬
‫دليلنا حديث عبد الله بن عدي بن الحمراء رضي الله عنه أنه‬
‫سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف على راحلته‬
‫بمكة يقول لمكة ‪ :‬والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض إلى‬
‫الله ولول أني أخرجأت منك ما خرجأت رواه الترمذي‬
‫والنسائي وغأيرهما ‪ ،‬ذكره الترمذي في جأامعه في كتاب‬
‫المناقب وقال ‪ :‬هذا حديث حسن صحيح وسنزيد المسألة‬
‫بسطا وإيضاحا إن شاء الله تعالى حيث ذكرها المصنف في‬
‫كتاب النذر ‪ ،‬فيمن نذر الهدى إلى أفضل البلد ‪ .‬وعن ابن‬
‫الزبير قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلة في‬
‫مسجدي هذا أفضل من ألف صلة فيما سواه من المساجأد‬
‫إل المسجد الحرام وصلة في المسجد الحرام أفضل من‬
‫مائة صلة في مسجدي حديث حسن رواه أحمد في مسنده‬
‫والبيهقي مسلم إجأماع المسلمين على أن موضع قبر‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الرض ‪ ،‬وأن‬
‫الخلف فيما سواه ‪ .‬الثامنة ‪ :‬يكره حمل السلح بمكة لغير‬
‫حاجأة ‪ .‬لحديث جأابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ :‬ل‬
‫يحل أن يحمل السلح بمكة رواه مسلم ‪ .‬التاسعة ‪ :‬قال‬
‫أصحابنا ‪ :‬من فروض الكفاية أن تحج الكعبة في كل سنة فل‬

‫تعطل وليس لعدد المحصلين لهذا الغرض قدر متعين ‪ ،‬بل‬
‫الغرض وجأود حجها كل سنة من بعض المكلفين ‪ ،‬وستأتي‬
‫المسألة مبسوطة في أول كتاب السير حيث ذكر الشافعي‬
‫والمزني والصحاب فروض الكفاية إن شاء الله تعالى ‪.‬‬
‫العاشرة ‪ :‬عن أبي ذر رضي الله عنه قال ‪ :‬سألت رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم عن أول مسجد وضع في الرض‬
‫قال ‪ :‬المسجد الحرام ‪ ،‬قلت ‪ :‬ثم أي قال ‪ :‬المسجد القصى‬
‫قلت ‪ :‬كم بينهما قال أربعون عاما رواه البخاري ومسلم ‪.‬‬
‫____________________‬

‫) ‪(7/389‬‬

‫الحادية عشر ‪ :‬قال الماوردي في الحكام السلطانية في‬
‫خصائص الحرم ‪ :‬ل يحارب أهله فإن بغوا على أهل العدل‬
‫فقد قال بعض الفقهاء ‪ :‬يحرم قتالهم بل يضيق عليهم حتى‬
‫يرجأعوا عن البغي ‪ ،‬ويدخلوا في أحكام أهل العدل ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫وقال جأمهور الفقهاء ‪ :‬يقاتلون على بغيهم إذا لم يمكن‬
‫ردهم عن البغي إل بالقتال ‪ ،‬لن قتال البغاة من حقوق الله‬
‫تعالى التي ل تجوز إضاعتها ‪ ،‬فحفظها في الحرم أولى من‬
‫إضاعتها ‪ .‬هذا كلم الماوردي ‪ ،‬وهذا الذي نقله عن أكثر‬
‫الفقهاء هو الصواب ‪ ،‬وقد نص عليه الشافعي في كتاب‬
‫اختلف الحديث من كتب الم ونص عليه الشافعي في آخر‬
‫كتابه المسمى بسير الواقدي من كتب الم ‪ .‬وقال القفال‬
‫المروزي ‪ ،‬في كتابه شرح التلخيص في أول كتاب النكاح‬
‫في ذكر الخصائص ‪ :‬ل يجوز القتال بمكة ‪ ،‬قال ‪ :‬حتى لو‬
‫تحصن جأماعة من الكفار فيها لم يجز لنا قتالهم فيها ‪ ،‬وهذا‬
‫الذي قاله القفال غألط نبهت عليه لئل يغتر به ‪ .‬فإن قيل ‪:‬‬
‫فقد ثبت عن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه أنه سمع‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي بعد يوم فتح مكة‬
‫يقول ‪ :‬إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس ‪ ،‬ول يحل‬
‫لمرىء يؤمن بالله واليوم الخر أن يسفك بها دما ‪ ،‬ول‬
‫يعضد بها شجرة ‪ ،‬فإن أحد ترخص لقتال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم فيها فقولوا له ‪ :‬إن الله قد أذن لرسوله ‪،‬‬
‫ولم يأذن لكم ‪ ،‬وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار ثم عادت‬
‫اليوم كحرمتها بالمس ‪ ،‬وليبلغ الشاهد الغائب رواه البخاري‬
‫ومسلم ‪ .‬وفي الصحيحين أحاديث كثيرة بمعناه في تحريم‬
‫القتال بمكة ‪ ،‬وأنها لم يحل القتال بها إل ساعة للنبي صلى‬
‫الله عليه وسلم فالجواب ‪ :‬أن معنى الحديث تحريم نصب‬

‫القتال عليهم وقتالهم بما يعم كالمنجنيق وغأيره ‪ ،‬إذا أمكن‬
‫إصلح الحال بدون ذلك ‪ ،‬بخلف ما إذا تحصن كفار في بلد‬
‫تحصن كفار في بلد آخر ‪ ،‬فإنه يجوز قتالهم على كل وجأه‬
‫بكل شىء ‪ ،‬وقد نص الشافعي رضي الله عنه على هذا‬
‫التأويل في آخر كتابه المعروف بسير الواقدي من كتب الم‬
‫والله أعلم ‪ .‬الثانية عشرة ‪ :‬سدانة الكعبة وحجابتها هي‬
‫وليتها وخدمتها وفتحها وإغألقها ونحو ذلك ‪ ،‬وهذا حق‬
‫مستحق لبني طلحة الحجبيين من بني عبد الدار بن قصى ‪،‬‬
‫اتفق العلماء على هذا ‪ ،‬وممن نقله عن العلماء القاضي‬
‫عياض في أواخر كتاب الحج من شرح صحيح مسلم ‪ ،‬وذكرته‬
‫أنا هناك في شرح صحيح مسلم ‪ ،‬وأوضحته بدليله ‪ ،‬قال‬
‫العلماء فهي ولية لهم عليها من رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فتبقى دائمة أبدا ولهم ولذرياتهم ‪ ،‬ل تحل لحد‬
‫منازعتهم فيها‬
‫____________________‬

‫) ‪(7/390‬‬

‫ما داموا موجأودين صالحين لذلك ‪ ،‬وقد ثبت في الصحيح أن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ :‬كل مأثرة كانت في‬
‫الجاهلية فهي تحت قدمي إل سقاية الحاج وسدانة البيت ‪.‬‬
‫فرع ‪ :‬ذكر العلماء أن الكعبة الكريمة بنيت خمس مرات‬
‫إحداها ‪ :‬بنتها الملئكة قبل آدم ‪ ،‬وحجها آدم فمن بعده من‬
‫النبياء صلوات الله وسلمه عليهم الثانية ‪ :‬بناها إبراهيم‬
‫صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى ‪ } :‬وإذ بوأنا لبراهيم‬
‫مكان البيت { وقال تعالى ‪ } :‬وإذ يرفع إبراهيم القواعد‬
‫من البيت { الية الثالثة ‪ :‬بنتها قريش في الجاهلية وحضر‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم هذا البناء قبل النبوة ‪ ،‬ثبت ذلك‬
‫في الصحيحين ‪ ،‬وكان له صلى الله عليه وسلم حينئذ خمس‬
‫وعشرون سنة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬خمس وثلثون الرابعة ‪ :‬بناها ابن‬
‫الزبير ثبت ذلك في الصحيحين الخامسة ‪ :‬بناها الحجاج بن‬
‫يوسف في خلفة عبد الملك بن مروان ‪ ،‬ثبت ذلك في‬
‫الصحيح ‪ ،‬واستقر بناؤها الذي بناه‬
‫____________________‬

‫) ‪(7/391‬‬

‫الحجاج إلى الن ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إنها بنيت مرتين أخرتين قبل بناء‬
‫قريش ‪ ،‬وقد أوضحته في كتاب المناسك الكبير ‪ ،‬قال‬
‫القاضي أبو الطيب في تعليقه في باب دخول مكة في آخر‬
‫مسألة افتتاح الطواف بالستلم ‪ :‬قال الشافعي ‪ :‬أحب أن‬
‫تترك الكعبة على حالها فل تهدم ‪ ،‬لن هدمها يذهب حرمتها‬
‫‪ ،‬و