PUBLIKASI PENDIDIKAN: Kumpulan Kitab Islam Klasik ƒΘΩñΩφπ 001

‫‪http://www.shamela.ws‬‬
‫تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة‬
‫المجموع‬
‫النووي‬
‫سنة الولدة ‪ /‬سنة الوفاة‬
‫تحقيق‬
‫الناشر دار الفكر‬
‫سنة النشر ‪1997‬م‬
‫مكان النشر بيروت‬
‫عدد الجأزاء ‪1‬‬
‫المجموع للنووي‬
‫____________________‬

‫) ‪(1/1‬‬

‫= كتاب الطهارة =‬
‫قال المصنف رحمه الله تعالى ‪ & :‬باب ما يجوز به الطهارة‬
‫من المياه وما ل يجوز & )‪(1‬‬
‫____________________‬
‫‪ -1‬الشرح ‪ :‬أما الكتاب فسبق بيانه ‪ ،‬والباب هو الطريق إلى‬
‫الشيء والموصل إليه وباب المسجد والدار ما يدخل منه إليه‬

‫‪ ،‬وباب المياه ما يوصل به إلى أحكامها ‪ ،‬وقد يذكرون في‬
‫الباب أشياء لها تعلق بمقصود الباب وإن لم يكن مما ترجأم‬
‫له كإدخاله الختان وتقليم الظأفار وقص الشارب ونحوها‬
‫في باب السواك لكونها جأميعا من خصال الفطرة فيكون‬
‫التقدير باب السواك وما يتعلق به ويقاربه ‪ .‬وقوله ‪ :‬يجوز‬
‫الطهارة ‪ .‬لفظة يجوز يستعملونها تارة بمعنى يحل وتارة‬
‫بمعنى يصح وتارة تصلح للمرين ‪ ،‬وهذا الموضع مما يصلح‬
‫فيه للمرين ‪ .‬وأما الطهارة فهي في اللغة النظافة‬
‫والنزاهة عن الدناس ويقال طهر الشيء بفتح الهاء وطهر‬
‫بضمها والفتح أفصح يطهر بالضم والسم الطهر ‪ ،‬والطهور‬
‫بفتح الطاء اسم لما يتطهر به وبالضم فيهما طهارة اسم‬
‫للفعل هذه اللغة المشهورة التي عليها الكثرون من أهل‬
‫اللغة ‪ .‬واللغة الثانية بالفتح فيهما واقتصر عليها جأماعات‬

‫من كبار أهل اللغة ‪ ،‬وحكى صاحب مطالع النوار الضم‬
‫فيهما وهو غريب شاذ ضعيف ‪ ،‬وقد أوضحت هذا كله مفاضا‬
‫في تهذيب السماء واللغات ‪ .‬وأما الطهارة في اصطلح‬
‫الفقهاء فهي رفع حدث أو إزالة نجس أو ما في معناهما‬
‫وعلى صورتهما ‪ ،‬وقولنا في معناهما أردنا به التيمم‬
‫والغسال المسنونة كالجمعة وتجديد الوضوء والغسلة‬

‫الثانية والثالثة في الحدث والنجس أو مسح الذن‬
‫والمضمضة ونحوها من نوافل الطهارة ‪ ،‬وطهارة‬
‫المستحاضة وسلس البول ‪ ،‬فهذه كلها طهارات ول ترفع‬
‫حدثا ول نجسا وفي المستحاضة والسلس والمتيمم وجأه‬
‫ضعيف أنها ترفع ‪ .‬وأما المياه فجمع ماء وهو جأمع كثرة‬
‫وجأمعه في القلة أمواه وجأمع القل‬

‫) ‪(1/119‬‬

‫عشرة فما دونها والكثرة فوقها وأصل ماء موه وهو أصل‬
‫مرفوض ‪ ،‬والهمزة في ماء بدل من الهاء إبدال لزم عند‬
‫بعض النحويين وقد ذكر صاحب المحكم لغة أخرى فيه أن‬
‫يقال ماه على الصل وهذا يبطل دعوى لزوم البدال ‪ .‬وإنما‬
‫قال المصنف مياه وأتي بجمع الكثرة لن أنواع الماء زائدة‬
‫على العشرة فإنه طاهر وطهور ونجس ‪ ،‬والطهور ينقسم‬
‫إلى ماء السماء وماء الرض وماء السماء ينقسم إلى مطر‬
‫وذوب ثلج وبرد ‪ ،‬وماء الرض إلى ماء أنهار وبحار وآبار‬
‫ومشمس ومسخن ومتغير بالمكث وبما ل يمكن صونه منه‬
‫وبالتراب وغير ذلك من أنواعه ‪ ،‬وينقسم الطاهر والنجس‬
‫أقساما معروفة ‪ .‬وبدأ المصنف بكتاب الطهارة ثم باب‬

‫المياه وكذا فعله الشافعي والصحاب وكثيرون من العلماء‬
‫لمناسبة حسنة ذكرها صاحب التتمة وهو أبو سعيد بن عبد‬
‫الرحمن بن المأمون المتولى قال ‪ :‬بدأنا بذلك لحديث ابن‬
‫عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال ‪ :‬بني السلم على خمس شهادة أن ل إله إل الله وإقام‬
‫الصلة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان وفي رواية ‪:‬‬
‫وصوم رمضان والحج رواه البخاري ومسلم فبدأ صلى الله‬
‫عليه وسلم بعد اليمان بالصلة والعرب تبدأ بالهم فكان‬
‫تقديم الصلة أهم ‪ .‬وأما التوحيد فله كتب مستقلة وهو علم‬
‫الكلم وقدموا الصوم على الحج لنه جأاء في إحدى‬
‫الروايتين ولنه أعم وجأوبا من الحج فإنه يجب على كثيرين‬
‫ممن ل حج عليه ‪ ،‬ويجب أيضا على الفور ويتكرر وإذا ثبت‬

‫تقديم الصلة فينبغي تقديم مقدماتها ومنها الطهارة ثم‬
‫من الطهارة أعمها والصل فيها وهو الماء وبالله التوفيق ‪.‬‬
‫قال المصنف رحمه الله تعالى ‪ :‬يجوز رفع الحدث وإزالة‬
‫النجس بالماء المطلق وهو ما نزل من السماء أو نبع من‬
‫الرض فما نزل من السماء ماء المطر وذوب الثلج والبرد ‪،‬‬
‫والصل فيه قوله عز وجأل ‪ } :‬وينزل عليكم من السماء ماء‬
‫ليطهركم به { ‪(1) .‬‬

‫____________________‬
‫‪ -1‬الشرح ‪ :‬قوله عز وجأل ‪ } :‬وينزل { قرىء بالتشديد‬
‫والتخفيف قراءتان في السبع‬

‫) ‪(1/120‬‬

‫والنجس بفتح الجيم هو عين النجاسة كالبول ونحوه ‪ ،‬وأما‬
‫الماء المطلق فالصحيح في حده أنه العاري عن الضافة‬
‫اللزمة وإن شئت قلت هو ما كفى في تعريفه اسم ماء‬
‫وهذا الحد نص عليه الشافعي رحمه الله في البويطي ‪،‬‬
‫وقيل هو الباقي على وصف خلقته وغلطوا قائله لنه يخرج‬
‫عنه المتغير بما يتعذر صونه عنه أو بمكث أو تراب ونحو ذلك‬
‫‪ .‬واختلفوا في المستعمل هل هو مطلق أم ل على وجأهين‬
‫أصحهما وبه قطع المصنف في باب ما يفسد الماء من‬
‫الستعمال وآخرون من محققي أصحابنا أنه ليس بمطلق ‪،‬‬
‫والثاني أنه مطلق وبه قطع ابن القاص في التلخيص‬
‫والقفال في شرحه وقال صاحب التقريب ابن القفال‬
‫الشاشي ‪ :‬الصحيح أنه مطلق منع استعماله تعبدا ‪ .‬قال‬
‫القفال ‪ :‬وكونه مستعمل ل يخرجأه عن الطلقا لن‬
‫الستعمال نعت كالحرارة والبرودة وإنما يخرجأه عن الطلقا‬

‫ما يضاف إليه كماء الزعفران وسمي المطلق مطلقا لنه إذا‬
‫أطلق الماء انصرف إليه ‪ .‬وأما قوله نزل من السماء أو نبع‬
‫من الرض فكذا قاله غيره واعترض عليه بأن الكل من‬
‫السماء قال الله تعالى ‪ } :‬أنزل من السماء ماء فسلكه‬
‫ينابيع في الرض { والجواب من وجأهين ‪ :‬أحدهما ‪ :‬المراد‬
‫بنبع ما نشاهده ينبع ‪ .‬ولهذا فسره به فقال وما نبع من‬
‫الرض ماء البحار إلى آخره ‪ ،‬والثاني ليس في الية أن كل‬
‫الماء نزل من السماء لنه نكرة في الثبات ومعلوم أنها ل‬
‫تعم ‪ ،‬ويقال نبع ينبع بفتح الباء في المضارع وضمها‬
‫وكسرها والمصدر نبوع أي خرج ‪ .‬وذوب الثلج ذائبه وهو‬
‫مصدر يقال ذاب ذوبا وذوبانا وأذبته وذوبته وإنما ذكر‬

‫المصنف ذوب الثلج والبرد لن في استعمالهما على حالهما‬
‫تفصيل سنذكره في فرع قريبا إن شاء الله تعالى ‪ ،‬ووجأه‬
‫الدللة من الية لما استدل به المصنف هنا وهو جأواز‬
‫الطهارة بماء السماء ظأاهر وهذا الحكم مجمع عليه ‪،‬‬
‫واعترض بعض الغالطين على الفقهاء باستدللهم بها وقال‬
‫ماء نكرة ول عموم لها في الثبات ‪ .‬والجواب أن هذا خيال‬
‫فاسد وإنما ذكر الله تعالى هذا امتنانا علينا فلو لم نحمله‬
‫على العموم لفات المطلوب ‪ ،‬وإذا دل دليل على إرادة‬

‫العموم بالنكرة في الثبات أفادته ووجأب حملها عليها والله‬
‫أعلم ‪ .‬فرع ‪ :‬قال أصحابنا ‪ :‬إذا استعمل الثلج والبرد قبل‬
‫إذابتهما فإن كان بسيل على العضو لشدة حر وحرارة‬
‫الجسم ورخاوة الثلج صح الوضوء على الصحيح ‪ ،‬وبه قطع‬
‫الجمهور لحصول جأريان الماء على العضو ‪ ،‬وقيل ل يصح‬
‫لنه ل يسمى غسل ‪ ،‬حكاه جأماعة منهم‬
‫____________________‬

‫) ‪(1/121‬‬

‫أقضى القضاة أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي‬
‫البصري صاحب الحاوي وأبو الفرج محمد بن عبد الواحد بن‬
‫محمد الدارمي صاحب الستذكار وهما من كبار أئمتنا‬
‫العراقيين ‪ ،‬وعزاه الدارمي إلى أبي سعيد الصطخري ‪ ،‬وإن‬
‫كان ل يسيل لم يصح الغسل بل خلف ‪ .‬ويصح مسح‬
‫الممسوح وهو الرأس والخف والجبيرة هذا مذهبنا وحكى‬
‫أصحابنا عن الوزاعي جأواز الوضوء به وإن لم يسل ‪ ،‬ويجزيه‬
‫في المغسول والممسوح وهذا ضعيف أو باطل إن صح عنه‬
‫لنه ل يسمى غسل ول في معناه ‪ ،‬قال الدارمي ولو كان‬
‫معه ثلج أو برد ل يذوب ول يجد ما يسخنه به صلى بالتيمم ‪،‬‬

‫وفي العادة أوجأه ثالثها يعيد الحاضر دون المسافر بناء‬
‫على التيمم لشدة البرد ‪ ،‬ووجأه العادة ندور هذا الحال قلت‬
‫‪ :‬أصحها الثالث ‪ .‬فرع ‪ :‬استدلوا لجواز الطهارة بماء الثلج‬
‫والبرد بما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه‬
‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسكت بين تكبيرة‬
‫الحرام والقراءة سكتة يقول فيها أشياء منها اللهم اغسل‬
‫خطاياي بالماء والثلج والبرد وفي رواية بماء الثلج والبرد ‪.‬‬
‫قال المصنف رحمه الله تعالى ‪ :‬وما نبع من الرض ماء‬
‫البحار وماء النهار وماء البار ‪،‬‬
‫____________________‬

‫) ‪(1/122‬‬

‫والصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم في البحر هو‬
‫الطهور ماؤه الحل ميتته وروى أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم توضأ من بئر بضاعة ‪.‬‬
‫____________________‬

‫) ‪(1/123‬‬


‫)‪(1‬‬
‫____________________‬
‫‪ -1‬الشرح ‪ :‬هذان الحديثان صحيحان وهما بعضان من‬
‫حديثين ‪ ،‬أما الول فروى أبو هريرة قال سأل سائل رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول الله إنا نركب‬
‫البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا ‪،‬‬
‫أفنتوضأ بماء البحر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫هو الطهور ماؤه الحل ميتته حديث صحيح رواه مالك في‬
‫الموطأ والشافعي وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم ‪.‬‬
‫قال البخاري في صحيحه هو حديث صحيح وقال الترمذي‬
‫حديث حسن صحيح وروى الحل ميتته وروى الحلل وهما‬
‫بمعنى ‪ ،‬والطهور بفتح الطاء وميتته بفتح الميم ‪ .‬واسم‬
‫السائل عن ماء البحر عبيد وقيل عبد ‪ .‬وأما قول السمعاني‬
‫في النساب اسمه العركي ففيه إيهام أن العركي اسم علم‬
‫له وليس كذلك بل العركي وصف له وهو ملح السفينة ‪.‬‬
‫وأما الثاني فروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال قيل‬
‫يا رسول الله أتتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها‬
‫الحيض ‪ ،‬ولحم الكلب والنتن فقال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ :‬إن الماء طهور ل ينجسه شيء حديث صحيح‬
‫رواه الئمة الذين نقلنا عنهم رواية الول ‪ ،‬قال الترمذي‬

‫حديث حسن صحيح ‪ .‬وقوله ‪ :‬أتتوضأ بتائين مثناتين من فوقا‬
‫خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم معناه تتوضأ أنت يا‬
‫رسول الله من هذه البئر وتستعمل ماءها في وضوئك مع أن‬
‫حالها ما ذكرناه ‪ ،‬وإنما ضبطت كونه بالتاء لئل يصحف‬
‫فيقال أنتوضأ بالنون ‪ ،‬وقد رأيت من صفحه واستبعد كون‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم توضأ منها ‪ .‬وهذا غلط فاحش ‪،‬‬
‫وقد جأاء التصريح بوضوء النبي صلى الله عليه وسلم منها‬
‫في هذا الحديث من طرقا كثيرة ذكرها البيهقي في السنن‬

‫الكبير ورواها آخرون غيره ‪ .‬وفي رواية لبي داود قال‬
‫سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له إنه‬
‫يستقى لك من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها لحوم الكلب‬
‫‪ ،‬وهذا في معنى روايات البيهقي وغيره المصرحة بأنه‬
‫صلى الله عليه وسلم توضأ منها ‪ ،‬ولهذا قال المصنف وروى‬
‫أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ من بئر بضاعة ‪ .‬وفي‬
‫رواي‬

‫) ‪(1/124‬‬

‫الشافعي في مختصر المزني قيل يا رسول الله إنك تتوضأ‬

‫من بئر بضاعة ‪ ،‬وذكر تمام الحديث ‪ ،‬وروى النسائي عن أبي‬
‫سعيد الخدري قال ‪ :‬مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو‬
‫يتوضأ من بئر بضاعة فقلت أتتوضأ منها وهي يطرح فيها ما‬
‫يكره من النتن فقال ‪ :‬الماء ل ينجسه شيء فهذه الرواية‬
‫تقطع كل شك ونزاع ‪ .‬وبضاعة بضم الباء الموحدة ويقال‬
‫بكسرها لغتان مشهورتان حكاهما ابن فارس والجوهري‬
‫وآخرون والضم أشهر ولم يذكر جأماعة غيره ‪ ،‬ثم قيل هو‬
‫اسم لصاحب البئر وقيل اسم لموضعها ‪ .‬وقوله ‪ :‬يلقى فيها‬
‫الحيض بكسر الحاء وفتح الياء وفي رواية المحايض ومعناه‬
‫الخرقا التي يمسح بها دم الحيض قاله الزهري وغيره ‪ ،‬قال‬
‫المام أبو سليمان أحمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب‬
‫الخطابي ‪ :‬لم يكن القاء الحيض فيها تعمدا من آدمي بل‬
‫كانت البئر في حدود والسيول تكسح القذار من الفنية‬
‫وتلقيها فيها ول يؤثر في الماء لكثرته وكذا ذكر نحو هذا‬
‫المعنى آخرون ‪ ،‬وقيل ‪ :‬كانت الريح تلقى الحيض فيها حكاه‬
‫صاحب الحاوي وغيره ‪ ،‬ويجوز أن يكون السيل والريح‬
‫يلقيان قال صاحب الشامل ‪ :‬ويجوز أن المنافقين كانوا‬
‫يلقون ذلك ‪ .‬فرع ‪ :‬الحكم الذي ذكره وهو جأواز الطهارة بما‬
‫نبع من الرض مجمع عليه إل ما سأذكره إن شاء الله تعالى‬
‫في البحر وماء زمزم ‪ .‬فرع ‪ :‬ينكر على المصنف قوله في‬

‫الحديث الثاني ‪ :‬وروى بصيغة تمريض مع أنه حديث صحيح‬
‫كما سبق ‪ ،‬وقد سبق في الفصول في مقدمة الكتاب أنه ل‬
‫يقال في حديث صحيح روى بل يقال بصيغ الجزم فيقال هنا‬
‫‪ :‬وتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم من بئر بضاعة ‪ .‬وأما‬
‫قوله في الحديث الول ‪ :‬لقوله صلى الله عليه وسلم‬
‫فعبارة صحيحة لنها جأزم في حديث صحيح ‪ ،‬وهذان‬
‫الحديثان بعضان ‪ ،‬وقد سبق في المقدمة بيان جأواز اختصار‬

‫الحديث ‪.‬‬
‫____________________‬

‫) ‪(1/125‬‬

‫فرع ‪ :‬في فوائد الحديث الول إحداها ‪ :‬أنه أصل عظيم من‬
‫أصول الطهارة ذكر صاحب الحاوي عن الحميدي شيخ‬
‫البخاري وصاحب الشافعي قال قال الشافعي ‪ :‬هذا الحديث‬
‫نصف علم الطهارة الثانية ‪ :‬أن الطهور هو المطهر وسأفرد‬
‫له فرعا إن شاء الله تعالى الثالثة ‪ :‬جأواز الطهارة بماء البحر‬
‫الرابعة ‪ :‬أن الماء بما يتعذر صونه عنه طهور الخامسة ‪:‬‬
‫جأواز ركوب البحر ما لم يهج وسيأتي بسط المسألة في‬
‫كتاب الحج إن شاء الله تعالى حيث ذكرها المصنف‬
‫والصحاب السادسة ‪ :‬أن ميتات البحر كلها حلل إل ما خص‬
‫منها وهو الضفدع والسرطان ‪ ،‬وهذا هو الصحيح ‪ ،‬وفيه‬
‫خلف في باب الصيد والذبائح السابعة ‪ :‬أن الطافي من‬
‫حيوان البحر حلل وهو ما مات حتف أنفه وهذا مذهبنا‬
‫الثامنة ‪ :‬فيه أنه يستحب للعالم والمفتي إذا سئل عن شيء‬
‫وعلم أن بالسائل حاجأة إلى أمر آخر متعلق بالمسؤول عنه‬
‫لم يذكره السائل أن يذكره له ويعلمه إياه لنه سأل عن ماء‬
‫البحر فأجأيب بمائه وحكم ميتته لنهم يحتاجأون إلى الطعام‬
‫كالماء ‪ .‬قال الخطابي ‪ :‬وسبب هذا أن علم طهارة الماء‬
‫مستفيض عند الخاصة والعامة ‪ ،‬وعلم حل ميتة البحر تخفى‬
‫‪ ،‬فلما رآهم جأهلوا أظأهر المرين كان أخفاهما أولى ‪.‬‬
‫ونظيره حديث المسيىء صلته فإنه سأل النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم أن يعلمه الصلة فابتدأ بتعليمه الطهارة ثم‬
‫الصلة لن الصلة تفعل ظأاهرا والوضوء في خفاء غالبا‬
‫فلما جأهل الظأهر كان الخفى أولى والله أعلم ‪ .‬فرع ‪:‬‬
‫الطهور عندنا هو المطهر وبه قال أحمد بن حنبل وحكاه‬
‫بعض أصحابنا عن مالك ‪ ،‬وحكوا عن الحسن البصري‬
‫وسفيان وأبي بكر الصم وابن داوود وبعض أصحاب أبي‬
‫حنيفة وبعض أهل اللغة أن الطهور هو الطاهر واحتج لهم‬
‫بقوله تعالى ‪ } :‬وسقاهم ربهم شرابا طهورا { النسان ‪:‬‬
‫‪ 12‬ومعلوم أن أهل الجنة ل يحتاجأون إلى التطهير من حدث‬
‫ول نجس ‪،‬‬
‫____________________‬

‫) ‪(1/126‬‬

‫فعلم أن المراد بالطهور الطاهر ‪ ،‬وقال جأرير في وصف‬
‫النساء ‪ :‬عذاب الثنايا ريقهن طهور والريق ل يتطهر به‬
‫وإنما أراد طاهر ‪ ،‬واحتج أصحابنا بأن لفظة طهور حيث‬
‫جأاءت في الشرع المراد بها التطهير ‪ ،‬من ذلك قوله تعالى ‪:‬‬
‫} وأنزلنا من السماء ماء طهورا { الفرقان ‪ } 84 :‬وينزل‬
‫عليكم من السماء ماء ليطهركم به { النفال ‪ 11 :‬فهذه‬
‫مفسرة للمراد بالولى ‪ ،‬وقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم في الحديث الصحيح المذكور في الفصل ‪ :‬هو‬
‫الطهور ماؤه ومعلوم أنهم سألوا عن تطهير ماء البحر ل عن‬
‫طهارته ولول أنهم يفهمون من الطهور المطهر لم يحصل‬
‫الجواب وقوله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬طهور إناء أحدكم إذا‬
‫ولغ فيه الكلب أن يغسله سبعا رواه مسلم من رواية أبي‬
‫____________________‬

‫) ‪(1/127‬‬

‫هريرة ‪ ،‬أي مطهرة ‪ .‬وقوله صلى الله عليه وسلم جأعلت لي‬
‫الرض مسجدا وطهورا واه مسلم وغيره ‪ .‬من رواية حذيفة‬
‫والمراد مطهرة وبكونها مطهرة اختصت هذه المة ل بكونها‬
‫طاهرة ‪ .‬فإن قيل ‪ :‬يرد عليكم حديث ‪ :‬الماء طهور قلنا ل‬
‫نسلم كونه مخالفا وأجأاب أصحابنا عن قوله تعالى ‪ } :‬شرابا‬
‫طهورا { بأنه تعالى وصفه بأعلى الصفات وهي التطهير ‪،‬‬
‫وكذا قول جأرير حجة لنا لنه قصد تفضيلهن على سائر‬
‫النساء فوصف ريقهن بأنه مطهر يتطهر به لكمالهن وطيب‬
‫ريقهن وامتيازه على غيره ‪ ،‬ول يصح حمله على ظأاهره ‪،‬‬
‫فإنه ل مزية لهن في ذلك ‪ ،‬فإن كل النساء ريقهن طاهر ‪،‬‬
‫بل البقر والغنم وكل حيوان غير الكلب والخنزير ‪ ،‬وفرع‬
‫أحدهما ريقه طاهر والله أعلم ‪ .‬فرع ‪ :‬قال أصحابنا ‪ :‬حديث‬
‫بئر بضاعة ل يخالف حديث القلتين لن ماءها كان كثيرا ل‬
‫يغيره وقوع هذه الشياء فيه ‪ ،‬قال أبو داوود السجستاني‬
‫في سننه سمعت قتيبة بن سعيد يقول ‪ :‬سألت قيم بئر‬
‫بضاعة عن عمقها قال ‪ :‬أكثر ما يكون الماء فيها إلى العانة‬
‫قلت ‪ :‬فإذا نقص قال دون العورة قال أبو داود ‪ :‬قدرت بئر‬
‫بضاعة بردائي مددته عليها ثم ذرعته فإذا عرضها ست أذرع‬
‫وقال لي الذي فتح لي الباب ‪ ،‬يعني باب البستان الذي هي‬
‫فيه لم يغير بناؤها عما كانت عليه ‪ ،‬قال ‪ :‬ورأيت فيها ماء‬
‫متغير اللون ‪ .‬قوله ‪ :‬متغير اللون يعني بطول المكث وبأصل‬

‫المنبع ل بشيء أجأنبي وهذه صفتها في زمن أبي داود ‪ ،‬ل‬
‫يلزم أن يكون كانت هكذا في زمن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ .‬واعلم أن حديث بئر بضاعة عام مخصوص خص منه‬
‫المتغير بنجاسة فإنه نجس للجأماع ‪ ،‬وخص منه أيضا ما دون‬
‫قلتين إذا لقته نجاسة كما سنوضحه‬
‫____________________‬

‫) ‪(1/128‬‬

‫في موضعه إن شاء الله تعالى ‪ ،‬فالمراد الماء الكثير الذي لم‬
‫تغيره نجاسة ل ينجسه شيء ‪ ،‬وهذه كانت صفة بئر بضاعة‬
‫والله أعلم ‪ .‬فرع ‪ :‬قوله ‪ :‬ماء البئار وهو بإسكان الباء‬
‫وبعدها همزة ومن العرب من يقول ‪ :‬آبار بهمزة ممدودة‬
‫في أوله وفتح الباء ول همزة بعدها ‪ .‬وهو جأمع بئر جأمع قلة‬
‫‪ ،‬ويجمع أيضا في القلة أبؤر بإسكان الباء وبعدها همزة‬
‫مضمومة وفي الكثرة بئار بكسر الباء وبعدها همزة والبئر‬
‫مؤنثة مهموزة يجوز تخفيفها بقلب الهمزة ياء ‪ .‬فرع ‪ :‬قال‬
‫المزني في المختصر ‪ :‬قال الشافعي ‪ :‬فكل ماء من بحر‬
‫عذب أو مالح أو بئر أو سماء أو ثلج أو برد مسخن وغير‬
‫مسخن فسواء والتطهر به جأائز ‪ ،‬واعترض عليه وقالوا ‪:‬‬
‫مالح خطأ وصوابه ملح قال الله تعالى ‪ } .‬وهذا ملح أجأاج {‬
‫الفرقان ‪ 35 :‬والجواب أن هذا العتراض جأهالة من قائله‬
‫بل فيه أربع لغات ماء ملح ومالح ومليح وملح بضم الميم‬
‫وتخفيف اللم ‪ ،‬حكاهن الخطابي وآخرون من الئمة وقد‬
‫جأمعت ذلك بدلئله وأقوال الئمة فيه وإنشاد العرب فيه في‬
‫تهذيب السماء واللغات ‪ ،‬فمن البيات قول عمر بن أبي‬
‫ربيعة ‪ ) :‬ولو تفلت في البحر والبحر مالح ‪ %‬لصبح ماء‬
‫البحر من ريقها عذبا ( وقول محمد بن حازم ‪ ) :‬تلونت ألوانا‬
‫على كثيره ‪ %‬وخالط عذبا من إخائك مالح ( فهذا هو الجواب‬
‫الذي نختاره ونعتقده ‪ ،‬وذكر أصحابنا جأوابين أحدهما هذا ‪،‬‬
‫والثاني أن هذه العبارة ليست للشافعي بل للمزني ‪،‬‬
‫وعبارة الشافعي في الم عذب أو أجأاج وهذا الجواب ضعيف‬
‫جأدا لوجأهين ‪ :‬أحدهما أن المزني ثقة وقد نقله عن‬
‫الشافعي ول يلزم من كونه ذكر في الم ‪ .‬عبارة أن ل يذكر‬
‫غيرها في موضع آخر ول أن ل يسمعها المزني شفاها ‪،‬‬
‫والثاني ‪ :‬أن هذا الجواب يتضمن تغليظ المزني في النقل‬
‫ونسبته إلى اللحن ‪ ،‬ول ضرورة بنا‬
‫____________________‬

‫) ‪(1/129‬‬

‫إلى واحد منهما ‪ ،‬ثم وجأدت في رسالة للبيهقي إلى الشيخ‬
‫أبي محمد الجويني أن أكثر أصحابنا ينسبون المزني في هذا‬
‫إلى الغلط ويزعمون أن هذه اللفظة لم توجأد للشافعي ‪.‬‬
‫قال البيهقي ‪ :‬وقد سمى الشافعي البحر مالحا في كتابين‬
‫أحدهما في أمالي الحج في مسألة كون صيد البحر حلل‬
‫للمحرم ‪ ،‬والثاني في المناسك الكبير وبالله التوفيق ‪.‬‬
‫قال المصنف رحمه الله تعالى ‪ :‬ول يكره من ذلك إل ما قصد‬
‫إلى تشميسه فإنه يكره الوضوء به ‪ ،‬ومن أصحابنا من قال ‪:‬‬
‫ل يكره كما ل يكره بماء تشمس في البرك والنهار ‪،‬‬
‫والمذهب الول ‪ ،‬والدليل عليه ما روى أن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم قال لعائشة وقد سخنت ماء بالشمس ‪ :‬يا‬
‫حميراء ل تفعلي هذا فإنه يورث البرص ‪(1) .‬‬
‫____________________‬
‫‪ -1‬الشرح ‪ :‬هذا الحديث المذكور ضعيف باتفاقا المحدثين ‪،‬‬
‫وقد رواه البيهقي من طرقا وبين ضعفها كلها ‪ ،‬ومنهم من‬
‫يجعله موضوعا ‪ ،‬وقد روى الشافعي في الم بإسناده عن‬
‫عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يكره الغتسال‬
‫بالماء المشمس وقال ‪ :‬إنه يورث البرص‬

‫) ‪(1/130‬‬

‫وهذا ضعيف أيضا باتفاقا المحدثين فإنه من رواية إبراهيم‬
‫بن محمد بن أبي يحيى وقد اتفقوا على تضعيفه وجأرحوه ‪.‬‬
‫وبينوا أسباب الجرح إل الشافعي رحمه الله فإنه وثقه ‪،‬‬
‫فحصل من هذا أن المشمس ل أصل لكراهته ‪ .‬ولم يثبت عن‬
‫الطباء فيه شيء ‪ ،‬فالصواب الجزم بأنه ل كراهة فيه ‪ .‬وهذا‬
‫هو الوجأه الذي حكاه المصنف وضعفه ‪ ،‬وكذا ضعفه غيره‬
‫وليس بضعيف ‪ ،‬بل هو الصواب الموافق للدليل ولنص‬
‫الشافعي فإنه قال في الم ل أكره المشمس إل أن يكوه‬
‫من جأهة الطب ‪ ،‬كذا رأيته في الم ‪ ،‬وكذا نقله البيهقي‬
‫بإسناده في كتابه معرفة السنن والثار عن الشافعي ‪ ،‬وأما‬
‫قوله في مختصر المزني ‪ :‬إل من جأهة الطب لكراهة عمر‬
‫لذلك وقوله ‪ :‬أنه يورث البرص فليس صريحا في مخالفة‬
‫نصه في الم ‪ ،‬بل يمكن حمله عليه ‪ ،‬فيكون معناه ل أكرهه‬
‫إل من جأهة الطب أن قال أهل الطب ‪ :‬أنه يورث البرص‬

‫فهذا ما نعتقده في المسألة وما هو كلم الشافعي ‪.‬‬
‫ومذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد وداود والجمهور أنه ل‬
‫كراهة كما هو المختار ‪ .‬وأما الصحاب فمجموع ما ذكروا‬
‫فيه سبعة أوجأه أحدها ل يكره مطلقا كما سبق والثاني يكره‬
‫في كل الواني والبلد بشرط القصد إلى تشميسه وهو‬
‫الشهر عند العراقيين وزعم صاحب البيان أنه المنصوص‬
‫وبه قطع المنصف في التنبيه والقاضي أبو علي الحسن بن‬
‫عمر البندنيجي من كبار العراقيين في كتاب الجامع ‪.‬‬
‫والثالث ‪ :‬يكره مطلقا ول يشترط القصد وهو المختار عند‬
‫صاحب الحاوي قال ‪ :‬ومن اعتبر القصد فقد غلط والرابع ‪:‬‬
‫يكره في البلد الحارة في الواني المنطبعة وهي المطرقة‬
‫‪ ،‬ول يشترط القصد ول تغطية رأس الناء وهذا هو الشهر‬
‫عند الخراسانيين وغلط إمام الحرمين العراقيين في‬
‫اشتراط القصد ‪ ،‬وعلى هذا فالمراد بالمنطبعة أوجأه أحدها ‪:‬‬
‫جأميع ما يطرقا وهو قول الشيخ أبي محمد الجويني ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬أنها النحاس خاصة وهو قول الصيدلني والثالث ‪:‬‬
‫كل ما يطرقا إل الذهب والفضة لصفائهما واختاره إمام‬
‫الحرمين ‪ .‬الخامس ‪ :‬يكره في المنطبعة بشرط تغطية رأس‬
‫الناء حكاه البغوي وجأزم به شيخه القاضي حسين وصاحب‬
‫التتمة والسادس ‪ :‬إن قال طبيبان يورث البرص كره وإل فل‬
‫‪،‬‬
‫____________________‬

‫) ‪(1/131‬‬

‫حكاه صاحب البيان وغيره وضعفوه وزعموا أن الحديث لم‬
‫يفرقا فيه ولم يقيد بسؤال الطباء ‪ .‬وهذا التضعيف غلط بل‬
‫هذا الوجأه هو الصواب إن لم يجزم بعدم الكراهة وهو موافق‬
‫لنصه في الم ‪ ،‬لكن اشتراط طبيبين ضعيف بل يكفي واحد‬
‫فإنه من باب الخبار والسابع ‪ :‬يكره في البدن دون الثوب ‪،‬‬
‫حكاه صاحب البيان وهو ضعيف أو غلط فإنه يوهم أن الوجأه‬
‫السابقة عامة للبدن والثوب وليس كذلك بل الصواب ما قاله‬
‫صاحب الحاوي أن الكراهة تختص باستعماله في البدن في‬
‫طهارة حدث أو نجس أو تبرد أو تنظف أو شرب ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫وسواء لقى البدن في عبادة أم غيرها قال ‪ :‬ول كراهة في‬
‫استعماله فيما ل يلقي البدن من غسل ثوب وإناء وأرض‬
‫لن الكراهة للبرص ‪ ،‬وهذا مختص بالجسد ‪ ،‬قال ‪ :‬فإن‬
‫استعمله في طعام وأراد أكله فإن كان مائعا كالمرقا كره‬

‫وإن لم يبق مائعا كالخبز والرز المطبوخ به لم يكره ‪ ،‬هذا‬
‫كلم صاحب الحاوي وذكر مثله صاحب البحر وهو المام أبو‬
‫المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني ‪ .‬وإذا قلنا‬
‫بالكراهة فتبرد ‪ ،‬ففي زوالها أوجأه حكاها الروياني وغيره‬
‫ثالثها إن قال طبيبان ‪ :‬يورث البرص كره وإل فل ‪ .‬وحيث‬
‫أثبتنا الكراهة فهي كراهة تنزيه وهل هي شرعية يتعلق‬
‫الثواب بتركها وإن لم يعاقب على فعلها أم إرشادية‬
‫لمصلحة دنيوية ل ثواب ول عقاب في فعلها ول بتركها فيه‬
‫وجأهان ذكرهما الشيخ أبو عمرو بن الصلح ‪ ،‬قال ‪ :‬واختار‬
‫الغزالي الرشادية وصرح الغزالي به في درسه قال ‪ :‬وهو‬
‫ظأاهر نص الشافعي قال ‪ :‬والظأهر واختيار صاحبي الحاوي‬
‫والمهذب وغيرهما الشرعية ‪ .‬قلت ‪ :‬هذا الثاني هو‬
‫المشهور عن الصحاب والله أعلم ‪ .‬فرع ‪ :‬قوله ‪ :‬روى أن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها ‪.‬‬
‫هذه عبارة جأيدة لنه حديث ضعيف ‪ ،‬فيقال فيه روى بصيغة‬
‫التمريض ‪،‬‬
‫____________________‬

‫) ‪(1/132‬‬

‫وعائشة رضي الله عنها تكنى أم عبد الله كنيت بابن أختها‬
‫أسماء عبد الله بن الزبير ‪ ،‬وهي عائشة بنت أبي بكر عبد الله‬
‫بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن‬
‫مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشية التيمية تلتقي مع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب ‪ ،‬وسبق‬
‫باقي نسبها في نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم أول‬
‫الكتاب ‪ ،‬ومناقب عائشة كثيرة مشهورة ذكرت منها جأملة‬
‫صالحة في تهذيب السماء ‪ .‬توفيت سنة ثمان وقيل ‪ :‬تسع‬
‫وقيل ‪ :‬سبع وخمسين بالمدينة ‪ ،‬ولم يتزوج النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم بكرا غيرها ‪ ،‬وأقامت عنده تسع سنين وتوفي‬
‫وهي بنت ثمان عشرة ‪ .‬وقول المصنف ‪ :‬قصد إلى تشميسه‬
‫صحيح وزعم بعض الغالطين أنه ل يقال قصد إلى كذا بل‬
‫قصد كذا ‪ ،‬وهذا خطأ بل يقال ‪ :‬قصدته وقصدت إليه‬
‫وقصدت له ‪ ،‬ثلث لغات حكاهن ابن القطاع وغيره ‪ .‬ومن‬
‫أظأرف الشياء أن اللغات الثلث اجأتمعت متوالية في حديث‬
‫واحد في صحيح مسلم في نحو سطر ‪ ،‬عن جأندب البجلي‬
‫رضي الله عنه ‪ :‬أن رجأل من المشركين كان إذا شاء أن‬
‫يقصد إلى رجأل من المسلمين قصد له فقتله ‪ .‬وأن رجأل من‬

‫المسلمين قصد غفلته وهذا نصه بحروفه والله أعلم ‪ ،‬وأما‬
‫قوله ‪ :‬كما ل يكره ماء تشمس في البرك والنهار متفق‬
‫عليه لعدم إمكان الصيانة وتأثير الشمس ‪.‬‬
‫قال المصنف رحمه الله تعالى ‪ :‬فإن تطهر منه صحت‬
‫طهارته ‪ ،‬لن المنع لخوف الضرر وذلك ل يمنع صحة الوضوء‬
‫كما لو توضأ بماء يخاف من حره أو برده ‪(1) .‬‬
‫____________________‬
‫‪ -1‬الشرح ‪ :‬أما صحة الطهارة فمجمع عليه ‪ ،‬وقوله لن‬
‫المنع لخوف الضرر ‪ ،‬وذلك ل يمنع صحة الوضوء معناه أن‬
‫النهي ليس راجأعا إلى نفس المنهي عنه ‪ ،‬بل لمر خارج‬
‫وهو الضرر ‪ ،‬وإذا كان النهي لمر خارج ل يقتضي الفساد‬
‫على الصحيح المختار لهل الصول من أصحابنا وغيرهم ‪.‬‬
‫فإن قيل ل حاجأة إلى قوله ‪ :‬ل يمنع صحة الوضوء لن كراهة‬
‫التنزيه ل تمنع الصحة قلنا ‪ :‬هذا خطأ لن الكراهة نهي مانع‬
‫من الصحة سواء كان نهي تحري‬

‫) ‪(1/133‬‬

‫أو تنزيه إل أن يكون لمر خارج ‪ ،‬فلهذا علل المصنف بأنه‬
‫لمر خارج ‪ ،‬ومما حكم فيه بالفساد لنهي التنزيه الصلة في‬
‫وقت النهي فإنها كراهة تنزيه ول تنعقد على أصح الوجأهين‬
‫كما سنوضحه في موضعه إن شاء الله تعالى ‪ .‬وأما قوله ‪:‬‬
‫كما لو توضأ بماء يخاف حره أو برده فمعناه أنه يكره ويصح‬
‫الوضوء ‪ ،‬وهذان المران متفق عليهما عندنا ودليل الكراهة‬
‫أنه يتعرض للضرر ‪ ،‬ولنه ل يمكنه استيفاء الطهارة على‬
‫وجأهها ‪ .‬فرع ‪ :‬في قول المصنف ‪ :‬ول يكره من ذلك إل ما‬
‫قصد إلى تشميسه تصريح بما صرح به أصحابنا وهو أنه ل‬
‫تكره الطهارة بماء البحر ول بماء زمزم ول بالمتغير بطول‬
‫المكث ول بالمسخن ما لم يخف الضرر لشدة حرارته سواء‬
‫سخن بطاهر أو نجس ‪ ،‬وهذه المسائل كلها متفق عليها‬
‫عندنا وفي كلها خلف لبعض السلف ‪ ،‬فأما ماء البحر‬
‫فجمهور العلماء من الصحابة فمن بعدهم على أنه ل يكره‬
‫كمذهبنا ‪ ،‬وحكى الترمذي في جأامعه وابن المنذر في‬
‫الشراف وغيرهما عبد الله بن عمر ابن الخطاب وعبد الله‬
‫بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أنهما كرها الوضوء به ‪،‬‬
‫وحكاه أصحابنا أيضا عن سعيد بن المسيب ‪ .‬واحتج لهم‬
‫بحديث روى عن ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫تحت البحر نار وتحت النار بحر حتى ‪ ،‬عد سبعة وسبعة رواه‬

‫أبو داود في سننه ‪ ،‬واحتج أصحابنا بحديث ‪ :‬هو الطهور‬
‫____________________‬

‫) ‪(1/134‬‬

‫ماؤه وبحديث ‪ :‬الماء طهور ولنه لم يتغير عن أصل خلقته‬
‫فأشبه غيره ‪ ،‬وأما حديث تحت البحر نار فضعيف باتفاقا‬
‫المحدثين وممن بين ضعفه أبو عمر بن عبد البر ولو ثبت لم‬
‫يكن فيه دليل ول معارضة بينه وبين حديث هو الطهور ماؤه‬
‫‪ .‬وأما زمزم فمذهب الجمهور كمذهبنا أنه ل يكره الوضوء‬
‫والغسل به ‪ ،‬وعن أحمد رواية بكراهته لنه جأاء عن العباس‬
‫رضي الله عنه أنه قال وهو عند زمزم ‪ :‬ل أحله لمغتسل ‪،‬‬
‫وهو لشارب حل وبل ودليلنا النصوص الصحيحة الصريحة‬
‫المطلقة في المياه بل فرقا ‪ ،‬ولم يزل المسلمون على‬
‫الوضوء منه بل انكار ‪ ،‬ولم يصح ما ذكروه عن العباس ‪ ،‬بل‬
‫حكى عن أبيه عبد المطلب ولو ثبت عن يجز ترك النصوص به‬
‫‪ .‬وأجأاب أصحابنا بأنه محمول على أنه قال في وقت ضيق‬
‫الماء لكثرة الشاربين ‪ .‬وأما المتغير بالمكث فنقل ابن‬
‫المنذر التفاقا على أنه ل كراهة فيه إل ابن سيرين فكرهه ‪،‬‬
‫ودليلنا النصوص المطلقة ولنه ل يمكن الحتراز منه فأشبه‬
‫المتغير بما يتعذر صونه عنه ‪ .‬وأما المسخن فالجمهور أنه ل‬
‫كراهة فيه وحكى أصحابنا عن مجاهد‬
‫____________________‬

‫) ‪(1/135‬‬

‫كراهته ‪ ،‬وعن أحمد المسخن بنجاسة وليس لهم دليل فيه‬
‫روح ‪ ،‬ودليلنا النصوص المطلقة ولم يثبت نهى ‪ .‬فرع ‪ :‬ثبت‬
‫في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما ‪ :‬أن الناس‬
‫نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجر أرض‬
‫ثمود فاستقوا من آبارها وعجنوا به العجين فأمرهم رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم أن يهريقوا ما استقوا ويعلفوا‬
‫البل العجين ‪ ،‬وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت‬
‫تردها الناقة وفي رواية للبخاري أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم لما نزل الحجر في غزوة تبوك أمرهم أن ل يشربوا‬
‫من آبارها ‪ ،‬ول يستقوا منها ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬قد عجنا منها‬
‫واستقينا ‪ ،‬فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يطرحوا‬

‫ذلك العجين ويهريقوا ذلك الماء ‪ .‬قلت ‪ :‬فاستعمال ماء هذه‬
‫الباء المذكورة في طهارة وغيرها مكروه أو حرام إل‬
‫لضرورة لن هذه سنة صحيحة ل معارض لها ‪ ،‬وقد قال‬
‫الشافعي ‪ :‬إذا صح الحديث فهو مذهبي ‪ .‬فيمنع استعمال‬
‫آبار الحجر إل بئر الناقة ‪ ،‬ول يحكم بنجاستها لن الحديث لم‬
‫يتعرض للنجاسة ‪ ،‬والماء طهور بالصالة ‪ ،‬وهذه المسألة ترد‬
‫على‬
‫____________________‬

‫) ‪(1/136‬‬

‫قول المصنف ‪ :‬ل يكره من ذلك إل ما قصد إلى تشميسه ‪،‬‬
‫وكذلك يرد عليه ‪ :‬شديد الحرارة والبرودة والله أعلم ‪.‬‬
‫قال المصنف رحمه الله تعالى ‪ :‬وما سوى الماء المطلق من‬
‫المائعات كالخل وماء الورد والنبيذ وما اعتصر من الثمر أو‬
‫الشجر ل يجوز رفع الحدث ول إزالة النجس به لقوله تعالى ‪:‬‬
‫} فلم تجدوا ماء فتيمموا { فأوجأب التيمم على من لم يجد‬
‫الماء فدل على أنه ل يجوز الوضوء بغيره ‪ ،‬ولقوله صلى الله‬
‫عليه وسلم لسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما‬
‫في دم الحيض يصيب الثوب ‪ :‬حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه‬
‫بالماء فأوجأب الغسل بالماء فدل على أنه ل يجوز بغيره ‪) .‬‬
‫‪(1‬‬
‫____________________‬
‫‪ -1‬الشرح ‪ :‬أما حديث أسماء فرواه البخاري ومسلم بمعناه‬
‫لكن عن أسماء أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫عن ذلك فقال ‪ :‬تحته ثم تقرصه بالماء وفي رواية ‪:‬‬
‫فلتقرصه ثم لتنضحه بماء هذا لفظه في الصحيح وليس في‬
‫الصحيح أن أسماء هي السائلة ول في كتب الحديث‬
‫المعتمدة ‪ ،‬لكن رواه الشافعي في الم كذلك في رواية‬
‫ضعيفة بعد أن رواه عن أسماء أ‬

‫) ‪(1/137‬‬

‫امرأة سألت ‪ ،‬وقد أنكر جأماعة على المصنف روايته أن‬
‫أسماء هي السائلة وغلطوه فيه ‪ ،‬وليس هو بغلط ‪ ،‬بل رواه‬
‫الشافعي كما ذكرناه ‪ ،‬والمراد متن الحديث وهو صحيح ‪ ،‬ولو‬
‫اعتنى المصنف بتحقيق الحديث وأتى برواية الصحيحين‬

‫لكان أكمل له وأبرأ لدينه وعرضه ‪ .‬ومعنى حتيه حكيه‬
‫ومعنى اقرصيعه قطعيه واقلعيه بظفرك ‪ ،‬والدم مخفف‬
‫الميم على اللغة الفصيحة المشهورة ‪ ،‬وتشدد الميم في‬
‫لغية ‪ ،‬والستدلل من الية والحديث ليس بالمفهوم ‪ .‬بل‬
‫أمر بالتيمم والغسل بالماء فمن غسل بمائع فقد ترك‬
‫المأمور به ‪ .‬وأما حكم المسألة ‪ :‬وهو أن رفع الحدث وإزالة‬
‫النجس ل يصح إل بالماء المطلق فهو مذهبنا ل خلف فيه‬
‫عندنا ‪ ،‬وبه قال جأماهير السلف والخلف من الصحابة فمن‬
‫بعدهم ‪ ،‬وحكى أصحابنا عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي‬
‫ليلى وأبي بكر الصم أنه يجوز رفع الحدث وإزالة النجس‬
‫بكل مائع طاهر ‪ ،‬قال القاضي أبو الطيب ‪ :‬إل الدمع فإن‬
‫الصم يوافق على منع الوضوء به ‪ ،‬وقال أبو حنيفة يجوز‬
‫الوضوء بالنبيذ على شرط سأذكره في فرع مستقل ‪ ،‬وأذكر‬
‫إزالة