PUBLIKASI PENDIDIKAN: Kumpulan Kitab Islam Klasik ƒΘΩñΩφπ 001
http://www.shamela.ws
تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة
المجموع
النووي
سنة الولدة /سنة الوفاة
تحقيق
الناشر دار الفكر
سنة النشر 1997م
مكان النشر بيروت
عدد الجأزاء 1
المجموع للنووي
____________________
) (1/1
= كتاب الطهارة =
قال المصنف رحمه الله تعالى & :باب ما يجوز به الطهارة
من المياه وما ل يجوز & )(1
____________________
-1الشرح :أما الكتاب فسبق بيانه ،والباب هو الطريق إلى
الشيء والموصل إليه وباب المسجد والدار ما يدخل منه إليه
،وباب المياه ما يوصل به إلى أحكامها ،وقد يذكرون في
الباب أشياء لها تعلق بمقصود الباب وإن لم يكن مما ترجأم
له كإدخاله الختان وتقليم الظأفار وقص الشارب ونحوها
في باب السواك لكونها جأميعا من خصال الفطرة فيكون
التقدير باب السواك وما يتعلق به ويقاربه .وقوله :يجوز
الطهارة .لفظة يجوز يستعملونها تارة بمعنى يحل وتارة
بمعنى يصح وتارة تصلح للمرين ،وهذا الموضع مما يصلح
فيه للمرين .وأما الطهارة فهي في اللغة النظافة
والنزاهة عن الدناس ويقال طهر الشيء بفتح الهاء وطهر
بضمها والفتح أفصح يطهر بالضم والسم الطهر ،والطهور
بفتح الطاء اسم لما يتطهر به وبالضم فيهما طهارة اسم
للفعل هذه اللغة المشهورة التي عليها الكثرون من أهل
اللغة .واللغة الثانية بالفتح فيهما واقتصر عليها جأماعات
من كبار أهل اللغة ،وحكى صاحب مطالع النوار الضم
فيهما وهو غريب شاذ ضعيف ،وقد أوضحت هذا كله مفاضا
في تهذيب السماء واللغات .وأما الطهارة في اصطلح
الفقهاء فهي رفع حدث أو إزالة نجس أو ما في معناهما
وعلى صورتهما ،وقولنا في معناهما أردنا به التيمم
والغسال المسنونة كالجمعة وتجديد الوضوء والغسلة
الثانية والثالثة في الحدث والنجس أو مسح الذن
والمضمضة ونحوها من نوافل الطهارة ،وطهارة
المستحاضة وسلس البول ،فهذه كلها طهارات ول ترفع
حدثا ول نجسا وفي المستحاضة والسلس والمتيمم وجأه
ضعيف أنها ترفع .وأما المياه فجمع ماء وهو جأمع كثرة
وجأمعه في القلة أمواه وجأمع القل
) (1/119
عشرة فما دونها والكثرة فوقها وأصل ماء موه وهو أصل
مرفوض ،والهمزة في ماء بدل من الهاء إبدال لزم عند
بعض النحويين وقد ذكر صاحب المحكم لغة أخرى فيه أن
يقال ماه على الصل وهذا يبطل دعوى لزوم البدال .وإنما
قال المصنف مياه وأتي بجمع الكثرة لن أنواع الماء زائدة
على العشرة فإنه طاهر وطهور ونجس ،والطهور ينقسم
إلى ماء السماء وماء الرض وماء السماء ينقسم إلى مطر
وذوب ثلج وبرد ،وماء الرض إلى ماء أنهار وبحار وآبار
ومشمس ومسخن ومتغير بالمكث وبما ل يمكن صونه منه
وبالتراب وغير ذلك من أنواعه ،وينقسم الطاهر والنجس
أقساما معروفة .وبدأ المصنف بكتاب الطهارة ثم باب
المياه وكذا فعله الشافعي والصحاب وكثيرون من العلماء
لمناسبة حسنة ذكرها صاحب التتمة وهو أبو سعيد بن عبد
الرحمن بن المأمون المتولى قال :بدأنا بذلك لحديث ابن
عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال :بني السلم على خمس شهادة أن ل إله إل الله وإقام
الصلة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان وفي رواية :
وصوم رمضان والحج رواه البخاري ومسلم فبدأ صلى الله
عليه وسلم بعد اليمان بالصلة والعرب تبدأ بالهم فكان
تقديم الصلة أهم .وأما التوحيد فله كتب مستقلة وهو علم
الكلم وقدموا الصوم على الحج لنه جأاء في إحدى
الروايتين ولنه أعم وجأوبا من الحج فإنه يجب على كثيرين
ممن ل حج عليه ،ويجب أيضا على الفور ويتكرر وإذا ثبت
تقديم الصلة فينبغي تقديم مقدماتها ومنها الطهارة ثم
من الطهارة أعمها والصل فيها وهو الماء وبالله التوفيق .
قال المصنف رحمه الله تعالى :يجوز رفع الحدث وإزالة
النجس بالماء المطلق وهو ما نزل من السماء أو نبع من
الرض فما نزل من السماء ماء المطر وذوب الثلج والبرد ،
والصل فيه قوله عز وجأل } :وينزل عليكم من السماء ماء
ليطهركم به { (1) .
____________________
-1الشرح :قوله عز وجأل } :وينزل { قرىء بالتشديد
والتخفيف قراءتان في السبع
) (1/120
والنجس بفتح الجيم هو عين النجاسة كالبول ونحوه ،وأما
الماء المطلق فالصحيح في حده أنه العاري عن الضافة
اللزمة وإن شئت قلت هو ما كفى في تعريفه اسم ماء
وهذا الحد نص عليه الشافعي رحمه الله في البويطي ،
وقيل هو الباقي على وصف خلقته وغلطوا قائله لنه يخرج
عنه المتغير بما يتعذر صونه عنه أو بمكث أو تراب ونحو ذلك
.واختلفوا في المستعمل هل هو مطلق أم ل على وجأهين
أصحهما وبه قطع المصنف في باب ما يفسد الماء من
الستعمال وآخرون من محققي أصحابنا أنه ليس بمطلق ،
والثاني أنه مطلق وبه قطع ابن القاص في التلخيص
والقفال في شرحه وقال صاحب التقريب ابن القفال
الشاشي :الصحيح أنه مطلق منع استعماله تعبدا .قال
القفال :وكونه مستعمل ل يخرجأه عن الطلقا لن
الستعمال نعت كالحرارة والبرودة وإنما يخرجأه عن الطلقا
ما يضاف إليه كماء الزعفران وسمي المطلق مطلقا لنه إذا
أطلق الماء انصرف إليه .وأما قوله نزل من السماء أو نبع
من الرض فكذا قاله غيره واعترض عليه بأن الكل من
السماء قال الله تعالى } :أنزل من السماء ماء فسلكه
ينابيع في الرض { والجواب من وجأهين :أحدهما :المراد
بنبع ما نشاهده ينبع .ولهذا فسره به فقال وما نبع من
الرض ماء البحار إلى آخره ،والثاني ليس في الية أن كل
الماء نزل من السماء لنه نكرة في الثبات ومعلوم أنها ل
تعم ،ويقال نبع ينبع بفتح الباء في المضارع وضمها
وكسرها والمصدر نبوع أي خرج .وذوب الثلج ذائبه وهو
مصدر يقال ذاب ذوبا وذوبانا وأذبته وذوبته وإنما ذكر
المصنف ذوب الثلج والبرد لن في استعمالهما على حالهما
تفصيل سنذكره في فرع قريبا إن شاء الله تعالى ،ووجأه
الدللة من الية لما استدل به المصنف هنا وهو جأواز
الطهارة بماء السماء ظأاهر وهذا الحكم مجمع عليه ،
واعترض بعض الغالطين على الفقهاء باستدللهم بها وقال
ماء نكرة ول عموم لها في الثبات .والجواب أن هذا خيال
فاسد وإنما ذكر الله تعالى هذا امتنانا علينا فلو لم نحمله
على العموم لفات المطلوب ،وإذا دل دليل على إرادة
العموم بالنكرة في الثبات أفادته ووجأب حملها عليها والله
أعلم .فرع :قال أصحابنا :إذا استعمل الثلج والبرد قبل
إذابتهما فإن كان بسيل على العضو لشدة حر وحرارة
الجسم ورخاوة الثلج صح الوضوء على الصحيح ،وبه قطع
الجمهور لحصول جأريان الماء على العضو ،وقيل ل يصح
لنه ل يسمى غسل ،حكاه جأماعة منهم
____________________
) (1/121
أقضى القضاة أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي
البصري صاحب الحاوي وأبو الفرج محمد بن عبد الواحد بن
محمد الدارمي صاحب الستذكار وهما من كبار أئمتنا
العراقيين ،وعزاه الدارمي إلى أبي سعيد الصطخري ،وإن
كان ل يسيل لم يصح الغسل بل خلف .ويصح مسح
الممسوح وهو الرأس والخف والجبيرة هذا مذهبنا وحكى
أصحابنا عن الوزاعي جأواز الوضوء به وإن لم يسل ،ويجزيه
في المغسول والممسوح وهذا ضعيف أو باطل إن صح عنه
لنه ل يسمى غسل ول في معناه ،قال الدارمي ولو كان
معه ثلج أو برد ل يذوب ول يجد ما يسخنه به صلى بالتيمم ،
وفي العادة أوجأه ثالثها يعيد الحاضر دون المسافر بناء
على التيمم لشدة البرد ،ووجأه العادة ندور هذا الحال قلت
:أصحها الثالث .فرع :استدلوا لجواز الطهارة بماء الثلج
والبرد بما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسكت بين تكبيرة
الحرام والقراءة سكتة يقول فيها أشياء منها اللهم اغسل
خطاياي بالماء والثلج والبرد وفي رواية بماء الثلج والبرد .
قال المصنف رحمه الله تعالى :وما نبع من الرض ماء
البحار وماء النهار وماء البار ،
____________________
) (1/122
والصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم في البحر هو
الطهور ماؤه الحل ميتته وروى أن النبي صلى الله عليه
وسلم توضأ من بئر بضاعة .
____________________
) (1/123
)(1
____________________
-1الشرح :هذان الحديثان صحيحان وهما بعضان من
حديثين ،أما الول فروى أبو هريرة قال سأل سائل رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال :يا رسول الله إنا نركب
البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا ،
أفنتوضأ بماء البحر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
هو الطهور ماؤه الحل ميتته حديث صحيح رواه مالك في
الموطأ والشافعي وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم .
قال البخاري في صحيحه هو حديث صحيح وقال الترمذي
حديث حسن صحيح وروى الحل ميتته وروى الحلل وهما
بمعنى ،والطهور بفتح الطاء وميتته بفتح الميم .واسم
السائل عن ماء البحر عبيد وقيل عبد .وأما قول السمعاني
في النساب اسمه العركي ففيه إيهام أن العركي اسم علم
له وليس كذلك بل العركي وصف له وهو ملح السفينة .
وأما الثاني فروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال قيل
يا رسول الله أتتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها
الحيض ،ولحم الكلب والنتن فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم :إن الماء طهور ل ينجسه شيء حديث صحيح
رواه الئمة الذين نقلنا عنهم رواية الول ،قال الترمذي
حديث حسن صحيح .وقوله :أتتوضأ بتائين مثناتين من فوقا
خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم معناه تتوضأ أنت يا
رسول الله من هذه البئر وتستعمل ماءها في وضوئك مع أن
حالها ما ذكرناه ،وإنما ضبطت كونه بالتاء لئل يصحف
فيقال أنتوضأ بالنون ،وقد رأيت من صفحه واستبعد كون
النبي صلى الله عليه وسلم توضأ منها .وهذا غلط فاحش ،
وقد جأاء التصريح بوضوء النبي صلى الله عليه وسلم منها
في هذا الحديث من طرقا كثيرة ذكرها البيهقي في السنن
الكبير ورواها آخرون غيره .وفي رواية لبي داود قال
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له إنه
يستقى لك من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها لحوم الكلب
،وهذا في معنى روايات البيهقي وغيره المصرحة بأنه
صلى الله عليه وسلم توضأ منها ،ولهذا قال المصنف وروى
أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ من بئر بضاعة .وفي
رواي
) (1/124
الشافعي في مختصر المزني قيل يا رسول الله إنك تتوضأ
من بئر بضاعة ،وذكر تمام الحديث ،وروى النسائي عن أبي
سعيد الخدري قال :مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو
يتوضأ من بئر بضاعة فقلت أتتوضأ منها وهي يطرح فيها ما
يكره من النتن فقال :الماء ل ينجسه شيء فهذه الرواية
تقطع كل شك ونزاع .وبضاعة بضم الباء الموحدة ويقال
بكسرها لغتان مشهورتان حكاهما ابن فارس والجوهري
وآخرون والضم أشهر ولم يذكر جأماعة غيره ،ثم قيل هو
اسم لصاحب البئر وقيل اسم لموضعها .وقوله :يلقى فيها
الحيض بكسر الحاء وفتح الياء وفي رواية المحايض ومعناه
الخرقا التي يمسح بها دم الحيض قاله الزهري وغيره ،قال
المام أبو سليمان أحمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب
الخطابي :لم يكن القاء الحيض فيها تعمدا من آدمي بل
كانت البئر في حدود والسيول تكسح القذار من الفنية
وتلقيها فيها ول يؤثر في الماء لكثرته وكذا ذكر نحو هذا
المعنى آخرون ،وقيل :كانت الريح تلقى الحيض فيها حكاه
صاحب الحاوي وغيره ،ويجوز أن يكون السيل والريح
يلقيان قال صاحب الشامل :ويجوز أن المنافقين كانوا
يلقون ذلك .فرع :الحكم الذي ذكره وهو جأواز الطهارة بما
نبع من الرض مجمع عليه إل ما سأذكره إن شاء الله تعالى
في البحر وماء زمزم .فرع :ينكر على المصنف قوله في
الحديث الثاني :وروى بصيغة تمريض مع أنه حديث صحيح
كما سبق ،وقد سبق في الفصول في مقدمة الكتاب أنه ل
يقال في حديث صحيح روى بل يقال بصيغ الجزم فيقال هنا
:وتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم من بئر بضاعة .وأما
قوله في الحديث الول :لقوله صلى الله عليه وسلم
فعبارة صحيحة لنها جأزم في حديث صحيح ،وهذان
الحديثان بعضان ،وقد سبق في المقدمة بيان جأواز اختصار
الحديث .
____________________
) (1/125
فرع :في فوائد الحديث الول إحداها :أنه أصل عظيم من
أصول الطهارة ذكر صاحب الحاوي عن الحميدي شيخ
البخاري وصاحب الشافعي قال قال الشافعي :هذا الحديث
نصف علم الطهارة الثانية :أن الطهور هو المطهر وسأفرد
له فرعا إن شاء الله تعالى الثالثة :جأواز الطهارة بماء البحر
الرابعة :أن الماء بما يتعذر صونه عنه طهور الخامسة :
جأواز ركوب البحر ما لم يهج وسيأتي بسط المسألة في
كتاب الحج إن شاء الله تعالى حيث ذكرها المصنف
والصحاب السادسة :أن ميتات البحر كلها حلل إل ما خص
منها وهو الضفدع والسرطان ،وهذا هو الصحيح ،وفيه
خلف في باب الصيد والذبائح السابعة :أن الطافي من
حيوان البحر حلل وهو ما مات حتف أنفه وهذا مذهبنا
الثامنة :فيه أنه يستحب للعالم والمفتي إذا سئل عن شيء
وعلم أن بالسائل حاجأة إلى أمر آخر متعلق بالمسؤول عنه
لم يذكره السائل أن يذكره له ويعلمه إياه لنه سأل عن ماء
البحر فأجأيب بمائه وحكم ميتته لنهم يحتاجأون إلى الطعام
كالماء .قال الخطابي :وسبب هذا أن علم طهارة الماء
مستفيض عند الخاصة والعامة ،وعلم حل ميتة البحر تخفى
،فلما رآهم جأهلوا أظأهر المرين كان أخفاهما أولى .
ونظيره حديث المسيىء صلته فإنه سأل النبي صلى الله
عليه وسلم أن يعلمه الصلة فابتدأ بتعليمه الطهارة ثم
الصلة لن الصلة تفعل ظأاهرا والوضوء في خفاء غالبا
فلما جأهل الظأهر كان الخفى أولى والله أعلم .فرع :
الطهور عندنا هو المطهر وبه قال أحمد بن حنبل وحكاه
بعض أصحابنا عن مالك ،وحكوا عن الحسن البصري
وسفيان وأبي بكر الصم وابن داوود وبعض أصحاب أبي
حنيفة وبعض أهل اللغة أن الطهور هو الطاهر واحتج لهم
بقوله تعالى } :وسقاهم ربهم شرابا طهورا { النسان :
12ومعلوم أن أهل الجنة ل يحتاجأون إلى التطهير من حدث
ول نجس ،
____________________
) (1/126
فعلم أن المراد بالطهور الطاهر ،وقال جأرير في وصف
النساء :عذاب الثنايا ريقهن طهور والريق ل يتطهر به
وإنما أراد طاهر ،واحتج أصحابنا بأن لفظة طهور حيث
جأاءت في الشرع المراد بها التطهير ،من ذلك قوله تعالى :
} وأنزلنا من السماء ماء طهورا { الفرقان } 84 :وينزل
عليكم من السماء ماء ليطهركم به { النفال 11 :فهذه
مفسرة للمراد بالولى ،وقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم في الحديث الصحيح المذكور في الفصل :هو
الطهور ماؤه ومعلوم أنهم سألوا عن تطهير ماء البحر ل عن
طهارته ولول أنهم يفهمون من الطهور المطهر لم يحصل
الجواب وقوله صلى الله عليه وسلم :طهور إناء أحدكم إذا
ولغ فيه الكلب أن يغسله سبعا رواه مسلم من رواية أبي
____________________
) (1/127
هريرة ،أي مطهرة .وقوله صلى الله عليه وسلم جأعلت لي
الرض مسجدا وطهورا واه مسلم وغيره .من رواية حذيفة
والمراد مطهرة وبكونها مطهرة اختصت هذه المة ل بكونها
طاهرة .فإن قيل :يرد عليكم حديث :الماء طهور قلنا ل
نسلم كونه مخالفا وأجأاب أصحابنا عن قوله تعالى } :شرابا
طهورا { بأنه تعالى وصفه بأعلى الصفات وهي التطهير ،
وكذا قول جأرير حجة لنا لنه قصد تفضيلهن على سائر
النساء فوصف ريقهن بأنه مطهر يتطهر به لكمالهن وطيب
ريقهن وامتيازه على غيره ،ول يصح حمله على ظأاهره ،
فإنه ل مزية لهن في ذلك ،فإن كل النساء ريقهن طاهر ،
بل البقر والغنم وكل حيوان غير الكلب والخنزير ،وفرع
أحدهما ريقه طاهر والله أعلم .فرع :قال أصحابنا :حديث
بئر بضاعة ل يخالف حديث القلتين لن ماءها كان كثيرا ل
يغيره وقوع هذه الشياء فيه ،قال أبو داوود السجستاني
في سننه سمعت قتيبة بن سعيد يقول :سألت قيم بئر
بضاعة عن عمقها قال :أكثر ما يكون الماء فيها إلى العانة
قلت :فإذا نقص قال دون العورة قال أبو داود :قدرت بئر
بضاعة بردائي مددته عليها ثم ذرعته فإذا عرضها ست أذرع
وقال لي الذي فتح لي الباب ،يعني باب البستان الذي هي
فيه لم يغير بناؤها عما كانت عليه ،قال :ورأيت فيها ماء
متغير اللون .قوله :متغير اللون يعني بطول المكث وبأصل
المنبع ل بشيء أجأنبي وهذه صفتها في زمن أبي داود ،ل
يلزم أن يكون كانت هكذا في زمن النبي صلى الله عليه
وسلم .واعلم أن حديث بئر بضاعة عام مخصوص خص منه
المتغير بنجاسة فإنه نجس للجأماع ،وخص منه أيضا ما دون
قلتين إذا لقته نجاسة كما سنوضحه
____________________
) (1/128
في موضعه إن شاء الله تعالى ،فالمراد الماء الكثير الذي لم
تغيره نجاسة ل ينجسه شيء ،وهذه كانت صفة بئر بضاعة
والله أعلم .فرع :قوله :ماء البئار وهو بإسكان الباء
وبعدها همزة ومن العرب من يقول :آبار بهمزة ممدودة
في أوله وفتح الباء ول همزة بعدها .وهو جأمع بئر جأمع قلة
،ويجمع أيضا في القلة أبؤر بإسكان الباء وبعدها همزة
مضمومة وفي الكثرة بئار بكسر الباء وبعدها همزة والبئر
مؤنثة مهموزة يجوز تخفيفها بقلب الهمزة ياء .فرع :قال
المزني في المختصر :قال الشافعي :فكل ماء من بحر
عذب أو مالح أو بئر أو سماء أو ثلج أو برد مسخن وغير
مسخن فسواء والتطهر به جأائز ،واعترض عليه وقالوا :
مالح خطأ وصوابه ملح قال الله تعالى } .وهذا ملح أجأاج {
الفرقان 35 :والجواب أن هذا العتراض جأهالة من قائله
بل فيه أربع لغات ماء ملح ومالح ومليح وملح بضم الميم
وتخفيف اللم ،حكاهن الخطابي وآخرون من الئمة وقد
جأمعت ذلك بدلئله وأقوال الئمة فيه وإنشاد العرب فيه في
تهذيب السماء واللغات ،فمن البيات قول عمر بن أبي
ربيعة ) :ولو تفلت في البحر والبحر مالح %لصبح ماء
البحر من ريقها عذبا ( وقول محمد بن حازم ) :تلونت ألوانا
على كثيره %وخالط عذبا من إخائك مالح ( فهذا هو الجواب
الذي نختاره ونعتقده ،وذكر أصحابنا جأوابين أحدهما هذا ،
والثاني أن هذه العبارة ليست للشافعي بل للمزني ،
وعبارة الشافعي في الم عذب أو أجأاج وهذا الجواب ضعيف
جأدا لوجأهين :أحدهما أن المزني ثقة وقد نقله عن
الشافعي ول يلزم من كونه ذكر في الم .عبارة أن ل يذكر
غيرها في موضع آخر ول أن ل يسمعها المزني شفاها ،
والثاني :أن هذا الجواب يتضمن تغليظ المزني في النقل
ونسبته إلى اللحن ،ول ضرورة بنا
____________________
) (1/129
إلى واحد منهما ،ثم وجأدت في رسالة للبيهقي إلى الشيخ
أبي محمد الجويني أن أكثر أصحابنا ينسبون المزني في هذا
إلى الغلط ويزعمون أن هذه اللفظة لم توجأد للشافعي .
قال البيهقي :وقد سمى الشافعي البحر مالحا في كتابين
أحدهما في أمالي الحج في مسألة كون صيد البحر حلل
للمحرم ،والثاني في المناسك الكبير وبالله التوفيق .
قال المصنف رحمه الله تعالى :ول يكره من ذلك إل ما قصد
إلى تشميسه فإنه يكره الوضوء به ،ومن أصحابنا من قال :
ل يكره كما ل يكره بماء تشمس في البرك والنهار ،
والمذهب الول ،والدليل عليه ما روى أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال لعائشة وقد سخنت ماء بالشمس :يا
حميراء ل تفعلي هذا فإنه يورث البرص (1) .
____________________
-1الشرح :هذا الحديث المذكور ضعيف باتفاقا المحدثين ،
وقد رواه البيهقي من طرقا وبين ضعفها كلها ،ومنهم من
يجعله موضوعا ،وقد روى الشافعي في الم بإسناده عن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يكره الغتسال
بالماء المشمس وقال :إنه يورث البرص
) (1/130
وهذا ضعيف أيضا باتفاقا المحدثين فإنه من رواية إبراهيم
بن محمد بن أبي يحيى وقد اتفقوا على تضعيفه وجأرحوه .
وبينوا أسباب الجرح إل الشافعي رحمه الله فإنه وثقه ،
فحصل من هذا أن المشمس ل أصل لكراهته .ولم يثبت عن
الطباء فيه شيء ،فالصواب الجزم بأنه ل كراهة فيه .وهذا
هو الوجأه الذي حكاه المصنف وضعفه ،وكذا ضعفه غيره
وليس بضعيف ،بل هو الصواب الموافق للدليل ولنص
الشافعي فإنه قال في الم ل أكره المشمس إل أن يكوه
من جأهة الطب ،كذا رأيته في الم ،وكذا نقله البيهقي
بإسناده في كتابه معرفة السنن والثار عن الشافعي ،وأما
قوله في مختصر المزني :إل من جأهة الطب لكراهة عمر
لذلك وقوله :أنه يورث البرص فليس صريحا في مخالفة
نصه في الم ،بل يمكن حمله عليه ،فيكون معناه ل أكرهه
إل من جأهة الطب أن قال أهل الطب :أنه يورث البرص
فهذا ما نعتقده في المسألة وما هو كلم الشافعي .
ومذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد وداود والجمهور أنه ل
كراهة كما هو المختار .وأما الصحاب فمجموع ما ذكروا
فيه سبعة أوجأه أحدها ل يكره مطلقا كما سبق والثاني يكره
في كل الواني والبلد بشرط القصد إلى تشميسه وهو
الشهر عند العراقيين وزعم صاحب البيان أنه المنصوص
وبه قطع المنصف في التنبيه والقاضي أبو علي الحسن بن
عمر البندنيجي من كبار العراقيين في كتاب الجامع .
والثالث :يكره مطلقا ول يشترط القصد وهو المختار عند
صاحب الحاوي قال :ومن اعتبر القصد فقد غلط والرابع :
يكره في البلد الحارة في الواني المنطبعة وهي المطرقة
،ول يشترط القصد ول تغطية رأس الناء وهذا هو الشهر
عند الخراسانيين وغلط إمام الحرمين العراقيين في
اشتراط القصد ،وعلى هذا فالمراد بالمنطبعة أوجأه أحدها :
جأميع ما يطرقا وهو قول الشيخ أبي محمد الجويني .
والثاني :أنها النحاس خاصة وهو قول الصيدلني والثالث :
كل ما يطرقا إل الذهب والفضة لصفائهما واختاره إمام
الحرمين .الخامس :يكره في المنطبعة بشرط تغطية رأس
الناء حكاه البغوي وجأزم به شيخه القاضي حسين وصاحب
التتمة والسادس :إن قال طبيبان يورث البرص كره وإل فل
،
____________________
) (1/131
حكاه صاحب البيان وغيره وضعفوه وزعموا أن الحديث لم
يفرقا فيه ولم يقيد بسؤال الطباء .وهذا التضعيف غلط بل
هذا الوجأه هو الصواب إن لم يجزم بعدم الكراهة وهو موافق
لنصه في الم ،لكن اشتراط طبيبين ضعيف بل يكفي واحد
فإنه من باب الخبار والسابع :يكره في البدن دون الثوب ،
حكاه صاحب البيان وهو ضعيف أو غلط فإنه يوهم أن الوجأه
السابقة عامة للبدن والثوب وليس كذلك بل الصواب ما قاله
صاحب الحاوي أن الكراهة تختص باستعماله في البدن في
طهارة حدث أو نجس أو تبرد أو تنظف أو شرب ،قال :
وسواء لقى البدن في عبادة أم غيرها قال :ول كراهة في
استعماله فيما ل يلقي البدن من غسل ثوب وإناء وأرض
لن الكراهة للبرص ،وهذا مختص بالجسد ،قال :فإن
استعمله في طعام وأراد أكله فإن كان مائعا كالمرقا كره
وإن لم يبق مائعا كالخبز والرز المطبوخ به لم يكره ،هذا
كلم صاحب الحاوي وذكر مثله صاحب البحر وهو المام أبو
المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني .وإذا قلنا
بالكراهة فتبرد ،ففي زوالها أوجأه حكاها الروياني وغيره
ثالثها إن قال طبيبان :يورث البرص كره وإل فل .وحيث
أثبتنا الكراهة فهي كراهة تنزيه وهل هي شرعية يتعلق
الثواب بتركها وإن لم يعاقب على فعلها أم إرشادية
لمصلحة دنيوية ل ثواب ول عقاب في فعلها ول بتركها فيه
وجأهان ذكرهما الشيخ أبو عمرو بن الصلح ،قال :واختار
الغزالي الرشادية وصرح الغزالي به في درسه قال :وهو
ظأاهر نص الشافعي قال :والظأهر واختيار صاحبي الحاوي
والمهذب وغيرهما الشرعية .قلت :هذا الثاني هو
المشهور عن الصحاب والله أعلم .فرع :قوله :روى أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها .
هذه عبارة جأيدة لنه حديث ضعيف ،فيقال فيه روى بصيغة
التمريض ،
____________________
) (1/132
وعائشة رضي الله عنها تكنى أم عبد الله كنيت بابن أختها
أسماء عبد الله بن الزبير ،وهي عائشة بنت أبي بكر عبد الله
بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن
مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشية التيمية تلتقي مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب ،وسبق
باقي نسبها في نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم أول
الكتاب ،ومناقب عائشة كثيرة مشهورة ذكرت منها جأملة
صالحة في تهذيب السماء .توفيت سنة ثمان وقيل :تسع
وقيل :سبع وخمسين بالمدينة ،ولم يتزوج النبي صلى الله
عليه وسلم بكرا غيرها ،وأقامت عنده تسع سنين وتوفي
وهي بنت ثمان عشرة .وقول المصنف :قصد إلى تشميسه
صحيح وزعم بعض الغالطين أنه ل يقال قصد إلى كذا بل
قصد كذا ،وهذا خطأ بل يقال :قصدته وقصدت إليه
وقصدت له ،ثلث لغات حكاهن ابن القطاع وغيره .ومن
أظأرف الشياء أن اللغات الثلث اجأتمعت متوالية في حديث
واحد في صحيح مسلم في نحو سطر ،عن جأندب البجلي
رضي الله عنه :أن رجأل من المشركين كان إذا شاء أن
يقصد إلى رجأل من المسلمين قصد له فقتله .وأن رجأل من
المسلمين قصد غفلته وهذا نصه بحروفه والله أعلم ،وأما
قوله :كما ل يكره ماء تشمس في البرك والنهار متفق
عليه لعدم إمكان الصيانة وتأثير الشمس .
قال المصنف رحمه الله تعالى :فإن تطهر منه صحت
طهارته ،لن المنع لخوف الضرر وذلك ل يمنع صحة الوضوء
كما لو توضأ بماء يخاف من حره أو برده (1) .
____________________
-1الشرح :أما صحة الطهارة فمجمع عليه ،وقوله لن
المنع لخوف الضرر ،وذلك ل يمنع صحة الوضوء معناه أن
النهي ليس راجأعا إلى نفس المنهي عنه ،بل لمر خارج
وهو الضرر ،وإذا كان النهي لمر خارج ل يقتضي الفساد
على الصحيح المختار لهل الصول من أصحابنا وغيرهم .
فإن قيل ل حاجأة إلى قوله :ل يمنع صحة الوضوء لن كراهة
التنزيه ل تمنع الصحة قلنا :هذا خطأ لن الكراهة نهي مانع
من الصحة سواء كان نهي تحري
) (1/133
أو تنزيه إل أن يكون لمر خارج ،فلهذا علل المصنف بأنه
لمر خارج ،ومما حكم فيه بالفساد لنهي التنزيه الصلة في
وقت النهي فإنها كراهة تنزيه ول تنعقد على أصح الوجأهين
كما سنوضحه في موضعه إن شاء الله تعالى .وأما قوله :
كما لو توضأ بماء يخاف حره أو برده فمعناه أنه يكره ويصح
الوضوء ،وهذان المران متفق عليهما عندنا ودليل الكراهة
أنه يتعرض للضرر ،ولنه ل يمكنه استيفاء الطهارة على
وجأهها .فرع :في قول المصنف :ول يكره من ذلك إل ما
قصد إلى تشميسه تصريح بما صرح به أصحابنا وهو أنه ل
تكره الطهارة بماء البحر ول بماء زمزم ول بالمتغير بطول
المكث ول بالمسخن ما لم يخف الضرر لشدة حرارته سواء
سخن بطاهر أو نجس ،وهذه المسائل كلها متفق عليها
عندنا وفي كلها خلف لبعض السلف ،فأما ماء البحر
فجمهور العلماء من الصحابة فمن بعدهم على أنه ل يكره
كمذهبنا ،وحكى الترمذي في جأامعه وابن المنذر في
الشراف وغيرهما عبد الله بن عمر ابن الخطاب وعبد الله
بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أنهما كرها الوضوء به ،
وحكاه أصحابنا أيضا عن سعيد بن المسيب .واحتج لهم
بحديث روى عن ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم :
تحت البحر نار وتحت النار بحر حتى ،عد سبعة وسبعة رواه
أبو داود في سننه ،واحتج أصحابنا بحديث :هو الطهور
____________________
) (1/134
ماؤه وبحديث :الماء طهور ولنه لم يتغير عن أصل خلقته
فأشبه غيره ،وأما حديث تحت البحر نار فضعيف باتفاقا
المحدثين وممن بين ضعفه أبو عمر بن عبد البر ولو ثبت لم
يكن فيه دليل ول معارضة بينه وبين حديث هو الطهور ماؤه
.وأما زمزم فمذهب الجمهور كمذهبنا أنه ل يكره الوضوء
والغسل به ،وعن أحمد رواية بكراهته لنه جأاء عن العباس
رضي الله عنه أنه قال وهو عند زمزم :ل أحله لمغتسل ،
وهو لشارب حل وبل ودليلنا النصوص الصحيحة الصريحة
المطلقة في المياه بل فرقا ،ولم يزل المسلمون على
الوضوء منه بل انكار ،ولم يصح ما ذكروه عن العباس ،بل
حكى عن أبيه عبد المطلب ولو ثبت عن يجز ترك النصوص به
.وأجأاب أصحابنا بأنه محمول على أنه قال في وقت ضيق
الماء لكثرة الشاربين .وأما المتغير بالمكث فنقل ابن
المنذر التفاقا على أنه ل كراهة فيه إل ابن سيرين فكرهه ،
ودليلنا النصوص المطلقة ولنه ل يمكن الحتراز منه فأشبه
المتغير بما يتعذر صونه عنه .وأما المسخن فالجمهور أنه ل
كراهة فيه وحكى أصحابنا عن مجاهد
____________________
) (1/135
كراهته ،وعن أحمد المسخن بنجاسة وليس لهم دليل فيه
روح ،ودليلنا النصوص المطلقة ولم يثبت نهى .فرع :ثبت
في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما :أن الناس
نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجر أرض
ثمود فاستقوا من آبارها وعجنوا به العجين فأمرهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن يهريقوا ما استقوا ويعلفوا
البل العجين ،وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت
تردها الناقة وفي رواية للبخاري أن النبي صلى الله عليه
وسلم لما نزل الحجر في غزوة تبوك أمرهم أن ل يشربوا
من آبارها ،ول يستقوا منها ،فقالوا :قد عجنا منها
واستقينا ،فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يطرحوا
ذلك العجين ويهريقوا ذلك الماء .قلت :فاستعمال ماء هذه
الباء المذكورة في طهارة وغيرها مكروه أو حرام إل
لضرورة لن هذه سنة صحيحة ل معارض لها ،وقد قال
الشافعي :إذا صح الحديث فهو مذهبي .فيمنع استعمال
آبار الحجر إل بئر الناقة ،ول يحكم بنجاستها لن الحديث لم
يتعرض للنجاسة ،والماء طهور بالصالة ،وهذه المسألة ترد
على
____________________
) (1/136
قول المصنف :ل يكره من ذلك إل ما قصد إلى تشميسه ،
وكذلك يرد عليه :شديد الحرارة والبرودة والله أعلم .
قال المصنف رحمه الله تعالى :وما سوى الماء المطلق من
المائعات كالخل وماء الورد والنبيذ وما اعتصر من الثمر أو
الشجر ل يجوز رفع الحدث ول إزالة النجس به لقوله تعالى :
} فلم تجدوا ماء فتيمموا { فأوجأب التيمم على من لم يجد
الماء فدل على أنه ل يجوز الوضوء بغيره ،ولقوله صلى الله
عليه وسلم لسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما
في دم الحيض يصيب الثوب :حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه
بالماء فأوجأب الغسل بالماء فدل على أنه ل يجوز بغيره ) .
(1
____________________
-1الشرح :أما حديث أسماء فرواه البخاري ومسلم بمعناه
لكن عن أسماء أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم
عن ذلك فقال :تحته ثم تقرصه بالماء وفي رواية :
فلتقرصه ثم لتنضحه بماء هذا لفظه في الصحيح وليس في
الصحيح أن أسماء هي السائلة ول في كتب الحديث
المعتمدة ،لكن رواه الشافعي في الم كذلك في رواية
ضعيفة بعد أن رواه عن أسماء أ
) (1/137
امرأة سألت ،وقد أنكر جأماعة على المصنف روايته أن
أسماء هي السائلة وغلطوه فيه ،وليس هو بغلط ،بل رواه
الشافعي كما ذكرناه ،والمراد متن الحديث وهو صحيح ،ولو
اعتنى المصنف بتحقيق الحديث وأتى برواية الصحيحين
لكان أكمل له وأبرأ لدينه وعرضه .ومعنى حتيه حكيه
ومعنى اقرصيعه قطعيه واقلعيه بظفرك ،والدم مخفف
الميم على اللغة الفصيحة المشهورة ،وتشدد الميم في
لغية ،والستدلل من الية والحديث ليس بالمفهوم .بل
أمر بالتيمم والغسل بالماء فمن غسل بمائع فقد ترك
المأمور به .وأما حكم المسألة :وهو أن رفع الحدث وإزالة
النجس ل يصح إل بالماء المطلق فهو مذهبنا ل خلف فيه
عندنا ،وبه قال جأماهير السلف والخلف من الصحابة فمن
بعدهم ،وحكى أصحابنا عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي
ليلى وأبي بكر الصم أنه يجوز رفع الحدث وإزالة النجس
بكل مائع طاهر ،قال القاضي أبو الطيب :إل الدمع فإن
الصم يوافق على منع الوضوء به ،وقال أبو حنيفة يجوز
الوضوء بالنبيذ على شرط سأذكره في فرع مستقل ،وأذكر
إزالة
تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة
المجموع
النووي
سنة الولدة /سنة الوفاة
تحقيق
الناشر دار الفكر
سنة النشر 1997م
مكان النشر بيروت
عدد الجأزاء 1
المجموع للنووي
____________________
) (1/1
= كتاب الطهارة =
قال المصنف رحمه الله تعالى & :باب ما يجوز به الطهارة
من المياه وما ل يجوز & )(1
____________________
-1الشرح :أما الكتاب فسبق بيانه ،والباب هو الطريق إلى
الشيء والموصل إليه وباب المسجد والدار ما يدخل منه إليه
،وباب المياه ما يوصل به إلى أحكامها ،وقد يذكرون في
الباب أشياء لها تعلق بمقصود الباب وإن لم يكن مما ترجأم
له كإدخاله الختان وتقليم الظأفار وقص الشارب ونحوها
في باب السواك لكونها جأميعا من خصال الفطرة فيكون
التقدير باب السواك وما يتعلق به ويقاربه .وقوله :يجوز
الطهارة .لفظة يجوز يستعملونها تارة بمعنى يحل وتارة
بمعنى يصح وتارة تصلح للمرين ،وهذا الموضع مما يصلح
فيه للمرين .وأما الطهارة فهي في اللغة النظافة
والنزاهة عن الدناس ويقال طهر الشيء بفتح الهاء وطهر
بضمها والفتح أفصح يطهر بالضم والسم الطهر ،والطهور
بفتح الطاء اسم لما يتطهر به وبالضم فيهما طهارة اسم
للفعل هذه اللغة المشهورة التي عليها الكثرون من أهل
اللغة .واللغة الثانية بالفتح فيهما واقتصر عليها جأماعات
من كبار أهل اللغة ،وحكى صاحب مطالع النوار الضم
فيهما وهو غريب شاذ ضعيف ،وقد أوضحت هذا كله مفاضا
في تهذيب السماء واللغات .وأما الطهارة في اصطلح
الفقهاء فهي رفع حدث أو إزالة نجس أو ما في معناهما
وعلى صورتهما ،وقولنا في معناهما أردنا به التيمم
والغسال المسنونة كالجمعة وتجديد الوضوء والغسلة
الثانية والثالثة في الحدث والنجس أو مسح الذن
والمضمضة ونحوها من نوافل الطهارة ،وطهارة
المستحاضة وسلس البول ،فهذه كلها طهارات ول ترفع
حدثا ول نجسا وفي المستحاضة والسلس والمتيمم وجأه
ضعيف أنها ترفع .وأما المياه فجمع ماء وهو جأمع كثرة
وجأمعه في القلة أمواه وجأمع القل
) (1/119
عشرة فما دونها والكثرة فوقها وأصل ماء موه وهو أصل
مرفوض ،والهمزة في ماء بدل من الهاء إبدال لزم عند
بعض النحويين وقد ذكر صاحب المحكم لغة أخرى فيه أن
يقال ماه على الصل وهذا يبطل دعوى لزوم البدال .وإنما
قال المصنف مياه وأتي بجمع الكثرة لن أنواع الماء زائدة
على العشرة فإنه طاهر وطهور ونجس ،والطهور ينقسم
إلى ماء السماء وماء الرض وماء السماء ينقسم إلى مطر
وذوب ثلج وبرد ،وماء الرض إلى ماء أنهار وبحار وآبار
ومشمس ومسخن ومتغير بالمكث وبما ل يمكن صونه منه
وبالتراب وغير ذلك من أنواعه ،وينقسم الطاهر والنجس
أقساما معروفة .وبدأ المصنف بكتاب الطهارة ثم باب
المياه وكذا فعله الشافعي والصحاب وكثيرون من العلماء
لمناسبة حسنة ذكرها صاحب التتمة وهو أبو سعيد بن عبد
الرحمن بن المأمون المتولى قال :بدأنا بذلك لحديث ابن
عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال :بني السلم على خمس شهادة أن ل إله إل الله وإقام
الصلة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان وفي رواية :
وصوم رمضان والحج رواه البخاري ومسلم فبدأ صلى الله
عليه وسلم بعد اليمان بالصلة والعرب تبدأ بالهم فكان
تقديم الصلة أهم .وأما التوحيد فله كتب مستقلة وهو علم
الكلم وقدموا الصوم على الحج لنه جأاء في إحدى
الروايتين ولنه أعم وجأوبا من الحج فإنه يجب على كثيرين
ممن ل حج عليه ،ويجب أيضا على الفور ويتكرر وإذا ثبت
تقديم الصلة فينبغي تقديم مقدماتها ومنها الطهارة ثم
من الطهارة أعمها والصل فيها وهو الماء وبالله التوفيق .
قال المصنف رحمه الله تعالى :يجوز رفع الحدث وإزالة
النجس بالماء المطلق وهو ما نزل من السماء أو نبع من
الرض فما نزل من السماء ماء المطر وذوب الثلج والبرد ،
والصل فيه قوله عز وجأل } :وينزل عليكم من السماء ماء
ليطهركم به { (1) .
____________________
-1الشرح :قوله عز وجأل } :وينزل { قرىء بالتشديد
والتخفيف قراءتان في السبع
) (1/120
والنجس بفتح الجيم هو عين النجاسة كالبول ونحوه ،وأما
الماء المطلق فالصحيح في حده أنه العاري عن الضافة
اللزمة وإن شئت قلت هو ما كفى في تعريفه اسم ماء
وهذا الحد نص عليه الشافعي رحمه الله في البويطي ،
وقيل هو الباقي على وصف خلقته وغلطوا قائله لنه يخرج
عنه المتغير بما يتعذر صونه عنه أو بمكث أو تراب ونحو ذلك
.واختلفوا في المستعمل هل هو مطلق أم ل على وجأهين
أصحهما وبه قطع المصنف في باب ما يفسد الماء من
الستعمال وآخرون من محققي أصحابنا أنه ليس بمطلق ،
والثاني أنه مطلق وبه قطع ابن القاص في التلخيص
والقفال في شرحه وقال صاحب التقريب ابن القفال
الشاشي :الصحيح أنه مطلق منع استعماله تعبدا .قال
القفال :وكونه مستعمل ل يخرجأه عن الطلقا لن
الستعمال نعت كالحرارة والبرودة وإنما يخرجأه عن الطلقا
ما يضاف إليه كماء الزعفران وسمي المطلق مطلقا لنه إذا
أطلق الماء انصرف إليه .وأما قوله نزل من السماء أو نبع
من الرض فكذا قاله غيره واعترض عليه بأن الكل من
السماء قال الله تعالى } :أنزل من السماء ماء فسلكه
ينابيع في الرض { والجواب من وجأهين :أحدهما :المراد
بنبع ما نشاهده ينبع .ولهذا فسره به فقال وما نبع من
الرض ماء البحار إلى آخره ،والثاني ليس في الية أن كل
الماء نزل من السماء لنه نكرة في الثبات ومعلوم أنها ل
تعم ،ويقال نبع ينبع بفتح الباء في المضارع وضمها
وكسرها والمصدر نبوع أي خرج .وذوب الثلج ذائبه وهو
مصدر يقال ذاب ذوبا وذوبانا وأذبته وذوبته وإنما ذكر
المصنف ذوب الثلج والبرد لن في استعمالهما على حالهما
تفصيل سنذكره في فرع قريبا إن شاء الله تعالى ،ووجأه
الدللة من الية لما استدل به المصنف هنا وهو جأواز
الطهارة بماء السماء ظأاهر وهذا الحكم مجمع عليه ،
واعترض بعض الغالطين على الفقهاء باستدللهم بها وقال
ماء نكرة ول عموم لها في الثبات .والجواب أن هذا خيال
فاسد وإنما ذكر الله تعالى هذا امتنانا علينا فلو لم نحمله
على العموم لفات المطلوب ،وإذا دل دليل على إرادة
العموم بالنكرة في الثبات أفادته ووجأب حملها عليها والله
أعلم .فرع :قال أصحابنا :إذا استعمل الثلج والبرد قبل
إذابتهما فإن كان بسيل على العضو لشدة حر وحرارة
الجسم ورخاوة الثلج صح الوضوء على الصحيح ،وبه قطع
الجمهور لحصول جأريان الماء على العضو ،وقيل ل يصح
لنه ل يسمى غسل ،حكاه جأماعة منهم
____________________
) (1/121
أقضى القضاة أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي
البصري صاحب الحاوي وأبو الفرج محمد بن عبد الواحد بن
محمد الدارمي صاحب الستذكار وهما من كبار أئمتنا
العراقيين ،وعزاه الدارمي إلى أبي سعيد الصطخري ،وإن
كان ل يسيل لم يصح الغسل بل خلف .ويصح مسح
الممسوح وهو الرأس والخف والجبيرة هذا مذهبنا وحكى
أصحابنا عن الوزاعي جأواز الوضوء به وإن لم يسل ،ويجزيه
في المغسول والممسوح وهذا ضعيف أو باطل إن صح عنه
لنه ل يسمى غسل ول في معناه ،قال الدارمي ولو كان
معه ثلج أو برد ل يذوب ول يجد ما يسخنه به صلى بالتيمم ،
وفي العادة أوجأه ثالثها يعيد الحاضر دون المسافر بناء
على التيمم لشدة البرد ،ووجأه العادة ندور هذا الحال قلت
:أصحها الثالث .فرع :استدلوا لجواز الطهارة بماء الثلج
والبرد بما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسكت بين تكبيرة
الحرام والقراءة سكتة يقول فيها أشياء منها اللهم اغسل
خطاياي بالماء والثلج والبرد وفي رواية بماء الثلج والبرد .
قال المصنف رحمه الله تعالى :وما نبع من الرض ماء
البحار وماء النهار وماء البار ،
____________________
) (1/122
والصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم في البحر هو
الطهور ماؤه الحل ميتته وروى أن النبي صلى الله عليه
وسلم توضأ من بئر بضاعة .
____________________
) (1/123
)(1
____________________
-1الشرح :هذان الحديثان صحيحان وهما بعضان من
حديثين ،أما الول فروى أبو هريرة قال سأل سائل رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال :يا رسول الله إنا نركب
البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا ،
أفنتوضأ بماء البحر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
هو الطهور ماؤه الحل ميتته حديث صحيح رواه مالك في
الموطأ والشافعي وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم .
قال البخاري في صحيحه هو حديث صحيح وقال الترمذي
حديث حسن صحيح وروى الحل ميتته وروى الحلل وهما
بمعنى ،والطهور بفتح الطاء وميتته بفتح الميم .واسم
السائل عن ماء البحر عبيد وقيل عبد .وأما قول السمعاني
في النساب اسمه العركي ففيه إيهام أن العركي اسم علم
له وليس كذلك بل العركي وصف له وهو ملح السفينة .
وأما الثاني فروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال قيل
يا رسول الله أتتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها
الحيض ،ولحم الكلب والنتن فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم :إن الماء طهور ل ينجسه شيء حديث صحيح
رواه الئمة الذين نقلنا عنهم رواية الول ،قال الترمذي
حديث حسن صحيح .وقوله :أتتوضأ بتائين مثناتين من فوقا
خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم معناه تتوضأ أنت يا
رسول الله من هذه البئر وتستعمل ماءها في وضوئك مع أن
حالها ما ذكرناه ،وإنما ضبطت كونه بالتاء لئل يصحف
فيقال أنتوضأ بالنون ،وقد رأيت من صفحه واستبعد كون
النبي صلى الله عليه وسلم توضأ منها .وهذا غلط فاحش ،
وقد جأاء التصريح بوضوء النبي صلى الله عليه وسلم منها
في هذا الحديث من طرقا كثيرة ذكرها البيهقي في السنن
الكبير ورواها آخرون غيره .وفي رواية لبي داود قال
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له إنه
يستقى لك من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها لحوم الكلب
،وهذا في معنى روايات البيهقي وغيره المصرحة بأنه
صلى الله عليه وسلم توضأ منها ،ولهذا قال المصنف وروى
أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ من بئر بضاعة .وفي
رواي
) (1/124
الشافعي في مختصر المزني قيل يا رسول الله إنك تتوضأ
من بئر بضاعة ،وذكر تمام الحديث ،وروى النسائي عن أبي
سعيد الخدري قال :مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو
يتوضأ من بئر بضاعة فقلت أتتوضأ منها وهي يطرح فيها ما
يكره من النتن فقال :الماء ل ينجسه شيء فهذه الرواية
تقطع كل شك ونزاع .وبضاعة بضم الباء الموحدة ويقال
بكسرها لغتان مشهورتان حكاهما ابن فارس والجوهري
وآخرون والضم أشهر ولم يذكر جأماعة غيره ،ثم قيل هو
اسم لصاحب البئر وقيل اسم لموضعها .وقوله :يلقى فيها
الحيض بكسر الحاء وفتح الياء وفي رواية المحايض ومعناه
الخرقا التي يمسح بها دم الحيض قاله الزهري وغيره ،قال
المام أبو سليمان أحمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب
الخطابي :لم يكن القاء الحيض فيها تعمدا من آدمي بل
كانت البئر في حدود والسيول تكسح القذار من الفنية
وتلقيها فيها ول يؤثر في الماء لكثرته وكذا ذكر نحو هذا
المعنى آخرون ،وقيل :كانت الريح تلقى الحيض فيها حكاه
صاحب الحاوي وغيره ،ويجوز أن يكون السيل والريح
يلقيان قال صاحب الشامل :ويجوز أن المنافقين كانوا
يلقون ذلك .فرع :الحكم الذي ذكره وهو جأواز الطهارة بما
نبع من الرض مجمع عليه إل ما سأذكره إن شاء الله تعالى
في البحر وماء زمزم .فرع :ينكر على المصنف قوله في
الحديث الثاني :وروى بصيغة تمريض مع أنه حديث صحيح
كما سبق ،وقد سبق في الفصول في مقدمة الكتاب أنه ل
يقال في حديث صحيح روى بل يقال بصيغ الجزم فيقال هنا
:وتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم من بئر بضاعة .وأما
قوله في الحديث الول :لقوله صلى الله عليه وسلم
فعبارة صحيحة لنها جأزم في حديث صحيح ،وهذان
الحديثان بعضان ،وقد سبق في المقدمة بيان جأواز اختصار
الحديث .
____________________
) (1/125
فرع :في فوائد الحديث الول إحداها :أنه أصل عظيم من
أصول الطهارة ذكر صاحب الحاوي عن الحميدي شيخ
البخاري وصاحب الشافعي قال قال الشافعي :هذا الحديث
نصف علم الطهارة الثانية :أن الطهور هو المطهر وسأفرد
له فرعا إن شاء الله تعالى الثالثة :جأواز الطهارة بماء البحر
الرابعة :أن الماء بما يتعذر صونه عنه طهور الخامسة :
جأواز ركوب البحر ما لم يهج وسيأتي بسط المسألة في
كتاب الحج إن شاء الله تعالى حيث ذكرها المصنف
والصحاب السادسة :أن ميتات البحر كلها حلل إل ما خص
منها وهو الضفدع والسرطان ،وهذا هو الصحيح ،وفيه
خلف في باب الصيد والذبائح السابعة :أن الطافي من
حيوان البحر حلل وهو ما مات حتف أنفه وهذا مذهبنا
الثامنة :فيه أنه يستحب للعالم والمفتي إذا سئل عن شيء
وعلم أن بالسائل حاجأة إلى أمر آخر متعلق بالمسؤول عنه
لم يذكره السائل أن يذكره له ويعلمه إياه لنه سأل عن ماء
البحر فأجأيب بمائه وحكم ميتته لنهم يحتاجأون إلى الطعام
كالماء .قال الخطابي :وسبب هذا أن علم طهارة الماء
مستفيض عند الخاصة والعامة ،وعلم حل ميتة البحر تخفى
،فلما رآهم جأهلوا أظأهر المرين كان أخفاهما أولى .
ونظيره حديث المسيىء صلته فإنه سأل النبي صلى الله
عليه وسلم أن يعلمه الصلة فابتدأ بتعليمه الطهارة ثم
الصلة لن الصلة تفعل ظأاهرا والوضوء في خفاء غالبا
فلما جأهل الظأهر كان الخفى أولى والله أعلم .فرع :
الطهور عندنا هو المطهر وبه قال أحمد بن حنبل وحكاه
بعض أصحابنا عن مالك ،وحكوا عن الحسن البصري
وسفيان وأبي بكر الصم وابن داوود وبعض أصحاب أبي
حنيفة وبعض أهل اللغة أن الطهور هو الطاهر واحتج لهم
بقوله تعالى } :وسقاهم ربهم شرابا طهورا { النسان :
12ومعلوم أن أهل الجنة ل يحتاجأون إلى التطهير من حدث
ول نجس ،
____________________
) (1/126
فعلم أن المراد بالطهور الطاهر ،وقال جأرير في وصف
النساء :عذاب الثنايا ريقهن طهور والريق ل يتطهر به
وإنما أراد طاهر ،واحتج أصحابنا بأن لفظة طهور حيث
جأاءت في الشرع المراد بها التطهير ،من ذلك قوله تعالى :
} وأنزلنا من السماء ماء طهورا { الفرقان } 84 :وينزل
عليكم من السماء ماء ليطهركم به { النفال 11 :فهذه
مفسرة للمراد بالولى ،وقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم في الحديث الصحيح المذكور في الفصل :هو
الطهور ماؤه ومعلوم أنهم سألوا عن تطهير ماء البحر ل عن
طهارته ولول أنهم يفهمون من الطهور المطهر لم يحصل
الجواب وقوله صلى الله عليه وسلم :طهور إناء أحدكم إذا
ولغ فيه الكلب أن يغسله سبعا رواه مسلم من رواية أبي
____________________
) (1/127
هريرة ،أي مطهرة .وقوله صلى الله عليه وسلم جأعلت لي
الرض مسجدا وطهورا واه مسلم وغيره .من رواية حذيفة
والمراد مطهرة وبكونها مطهرة اختصت هذه المة ل بكونها
طاهرة .فإن قيل :يرد عليكم حديث :الماء طهور قلنا ل
نسلم كونه مخالفا وأجأاب أصحابنا عن قوله تعالى } :شرابا
طهورا { بأنه تعالى وصفه بأعلى الصفات وهي التطهير ،
وكذا قول جأرير حجة لنا لنه قصد تفضيلهن على سائر
النساء فوصف ريقهن بأنه مطهر يتطهر به لكمالهن وطيب
ريقهن وامتيازه على غيره ،ول يصح حمله على ظأاهره ،
فإنه ل مزية لهن في ذلك ،فإن كل النساء ريقهن طاهر ،
بل البقر والغنم وكل حيوان غير الكلب والخنزير ،وفرع
أحدهما ريقه طاهر والله أعلم .فرع :قال أصحابنا :حديث
بئر بضاعة ل يخالف حديث القلتين لن ماءها كان كثيرا ل
يغيره وقوع هذه الشياء فيه ،قال أبو داوود السجستاني
في سننه سمعت قتيبة بن سعيد يقول :سألت قيم بئر
بضاعة عن عمقها قال :أكثر ما يكون الماء فيها إلى العانة
قلت :فإذا نقص قال دون العورة قال أبو داود :قدرت بئر
بضاعة بردائي مددته عليها ثم ذرعته فإذا عرضها ست أذرع
وقال لي الذي فتح لي الباب ،يعني باب البستان الذي هي
فيه لم يغير بناؤها عما كانت عليه ،قال :ورأيت فيها ماء
متغير اللون .قوله :متغير اللون يعني بطول المكث وبأصل
المنبع ل بشيء أجأنبي وهذه صفتها في زمن أبي داود ،ل
يلزم أن يكون كانت هكذا في زمن النبي صلى الله عليه
وسلم .واعلم أن حديث بئر بضاعة عام مخصوص خص منه
المتغير بنجاسة فإنه نجس للجأماع ،وخص منه أيضا ما دون
قلتين إذا لقته نجاسة كما سنوضحه
____________________
) (1/128
في موضعه إن شاء الله تعالى ،فالمراد الماء الكثير الذي لم
تغيره نجاسة ل ينجسه شيء ،وهذه كانت صفة بئر بضاعة
والله أعلم .فرع :قوله :ماء البئار وهو بإسكان الباء
وبعدها همزة ومن العرب من يقول :آبار بهمزة ممدودة
في أوله وفتح الباء ول همزة بعدها .وهو جأمع بئر جأمع قلة
،ويجمع أيضا في القلة أبؤر بإسكان الباء وبعدها همزة
مضمومة وفي الكثرة بئار بكسر الباء وبعدها همزة والبئر
مؤنثة مهموزة يجوز تخفيفها بقلب الهمزة ياء .فرع :قال
المزني في المختصر :قال الشافعي :فكل ماء من بحر
عذب أو مالح أو بئر أو سماء أو ثلج أو برد مسخن وغير
مسخن فسواء والتطهر به جأائز ،واعترض عليه وقالوا :
مالح خطأ وصوابه ملح قال الله تعالى } .وهذا ملح أجأاج {
الفرقان 35 :والجواب أن هذا العتراض جأهالة من قائله
بل فيه أربع لغات ماء ملح ومالح ومليح وملح بضم الميم
وتخفيف اللم ،حكاهن الخطابي وآخرون من الئمة وقد
جأمعت ذلك بدلئله وأقوال الئمة فيه وإنشاد العرب فيه في
تهذيب السماء واللغات ،فمن البيات قول عمر بن أبي
ربيعة ) :ولو تفلت في البحر والبحر مالح %لصبح ماء
البحر من ريقها عذبا ( وقول محمد بن حازم ) :تلونت ألوانا
على كثيره %وخالط عذبا من إخائك مالح ( فهذا هو الجواب
الذي نختاره ونعتقده ،وذكر أصحابنا جأوابين أحدهما هذا ،
والثاني أن هذه العبارة ليست للشافعي بل للمزني ،
وعبارة الشافعي في الم عذب أو أجأاج وهذا الجواب ضعيف
جأدا لوجأهين :أحدهما أن المزني ثقة وقد نقله عن
الشافعي ول يلزم من كونه ذكر في الم .عبارة أن ل يذكر
غيرها في موضع آخر ول أن ل يسمعها المزني شفاها ،
والثاني :أن هذا الجواب يتضمن تغليظ المزني في النقل
ونسبته إلى اللحن ،ول ضرورة بنا
____________________
) (1/129
إلى واحد منهما ،ثم وجأدت في رسالة للبيهقي إلى الشيخ
أبي محمد الجويني أن أكثر أصحابنا ينسبون المزني في هذا
إلى الغلط ويزعمون أن هذه اللفظة لم توجأد للشافعي .
قال البيهقي :وقد سمى الشافعي البحر مالحا في كتابين
أحدهما في أمالي الحج في مسألة كون صيد البحر حلل
للمحرم ،والثاني في المناسك الكبير وبالله التوفيق .
قال المصنف رحمه الله تعالى :ول يكره من ذلك إل ما قصد
إلى تشميسه فإنه يكره الوضوء به ،ومن أصحابنا من قال :
ل يكره كما ل يكره بماء تشمس في البرك والنهار ،
والمذهب الول ،والدليل عليه ما روى أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال لعائشة وقد سخنت ماء بالشمس :يا
حميراء ل تفعلي هذا فإنه يورث البرص (1) .
____________________
-1الشرح :هذا الحديث المذكور ضعيف باتفاقا المحدثين ،
وقد رواه البيهقي من طرقا وبين ضعفها كلها ،ومنهم من
يجعله موضوعا ،وقد روى الشافعي في الم بإسناده عن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يكره الغتسال
بالماء المشمس وقال :إنه يورث البرص
) (1/130
وهذا ضعيف أيضا باتفاقا المحدثين فإنه من رواية إبراهيم
بن محمد بن أبي يحيى وقد اتفقوا على تضعيفه وجأرحوه .
وبينوا أسباب الجرح إل الشافعي رحمه الله فإنه وثقه ،
فحصل من هذا أن المشمس ل أصل لكراهته .ولم يثبت عن
الطباء فيه شيء ،فالصواب الجزم بأنه ل كراهة فيه .وهذا
هو الوجأه الذي حكاه المصنف وضعفه ،وكذا ضعفه غيره
وليس بضعيف ،بل هو الصواب الموافق للدليل ولنص
الشافعي فإنه قال في الم ل أكره المشمس إل أن يكوه
من جأهة الطب ،كذا رأيته في الم ،وكذا نقله البيهقي
بإسناده في كتابه معرفة السنن والثار عن الشافعي ،وأما
قوله في مختصر المزني :إل من جأهة الطب لكراهة عمر
لذلك وقوله :أنه يورث البرص فليس صريحا في مخالفة
نصه في الم ،بل يمكن حمله عليه ،فيكون معناه ل أكرهه
إل من جأهة الطب أن قال أهل الطب :أنه يورث البرص
فهذا ما نعتقده في المسألة وما هو كلم الشافعي .
ومذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد وداود والجمهور أنه ل
كراهة كما هو المختار .وأما الصحاب فمجموع ما ذكروا
فيه سبعة أوجأه أحدها ل يكره مطلقا كما سبق والثاني يكره
في كل الواني والبلد بشرط القصد إلى تشميسه وهو
الشهر عند العراقيين وزعم صاحب البيان أنه المنصوص
وبه قطع المنصف في التنبيه والقاضي أبو علي الحسن بن
عمر البندنيجي من كبار العراقيين في كتاب الجامع .
والثالث :يكره مطلقا ول يشترط القصد وهو المختار عند
صاحب الحاوي قال :ومن اعتبر القصد فقد غلط والرابع :
يكره في البلد الحارة في الواني المنطبعة وهي المطرقة
،ول يشترط القصد ول تغطية رأس الناء وهذا هو الشهر
عند الخراسانيين وغلط إمام الحرمين العراقيين في
اشتراط القصد ،وعلى هذا فالمراد بالمنطبعة أوجأه أحدها :
جأميع ما يطرقا وهو قول الشيخ أبي محمد الجويني .
والثاني :أنها النحاس خاصة وهو قول الصيدلني والثالث :
كل ما يطرقا إل الذهب والفضة لصفائهما واختاره إمام
الحرمين .الخامس :يكره في المنطبعة بشرط تغطية رأس
الناء حكاه البغوي وجأزم به شيخه القاضي حسين وصاحب
التتمة والسادس :إن قال طبيبان يورث البرص كره وإل فل
،
____________________
) (1/131
حكاه صاحب البيان وغيره وضعفوه وزعموا أن الحديث لم
يفرقا فيه ولم يقيد بسؤال الطباء .وهذا التضعيف غلط بل
هذا الوجأه هو الصواب إن لم يجزم بعدم الكراهة وهو موافق
لنصه في الم ،لكن اشتراط طبيبين ضعيف بل يكفي واحد
فإنه من باب الخبار والسابع :يكره في البدن دون الثوب ،
حكاه صاحب البيان وهو ضعيف أو غلط فإنه يوهم أن الوجأه
السابقة عامة للبدن والثوب وليس كذلك بل الصواب ما قاله
صاحب الحاوي أن الكراهة تختص باستعماله في البدن في
طهارة حدث أو نجس أو تبرد أو تنظف أو شرب ،قال :
وسواء لقى البدن في عبادة أم غيرها قال :ول كراهة في
استعماله فيما ل يلقي البدن من غسل ثوب وإناء وأرض
لن الكراهة للبرص ،وهذا مختص بالجسد ،قال :فإن
استعمله في طعام وأراد أكله فإن كان مائعا كالمرقا كره
وإن لم يبق مائعا كالخبز والرز المطبوخ به لم يكره ،هذا
كلم صاحب الحاوي وذكر مثله صاحب البحر وهو المام أبو
المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني .وإذا قلنا
بالكراهة فتبرد ،ففي زوالها أوجأه حكاها الروياني وغيره
ثالثها إن قال طبيبان :يورث البرص كره وإل فل .وحيث
أثبتنا الكراهة فهي كراهة تنزيه وهل هي شرعية يتعلق
الثواب بتركها وإن لم يعاقب على فعلها أم إرشادية
لمصلحة دنيوية ل ثواب ول عقاب في فعلها ول بتركها فيه
وجأهان ذكرهما الشيخ أبو عمرو بن الصلح ،قال :واختار
الغزالي الرشادية وصرح الغزالي به في درسه قال :وهو
ظأاهر نص الشافعي قال :والظأهر واختيار صاحبي الحاوي
والمهذب وغيرهما الشرعية .قلت :هذا الثاني هو
المشهور عن الصحاب والله أعلم .فرع :قوله :روى أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها .
هذه عبارة جأيدة لنه حديث ضعيف ،فيقال فيه روى بصيغة
التمريض ،
____________________
) (1/132
وعائشة رضي الله عنها تكنى أم عبد الله كنيت بابن أختها
أسماء عبد الله بن الزبير ،وهي عائشة بنت أبي بكر عبد الله
بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن
مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشية التيمية تلتقي مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب ،وسبق
باقي نسبها في نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم أول
الكتاب ،ومناقب عائشة كثيرة مشهورة ذكرت منها جأملة
صالحة في تهذيب السماء .توفيت سنة ثمان وقيل :تسع
وقيل :سبع وخمسين بالمدينة ،ولم يتزوج النبي صلى الله
عليه وسلم بكرا غيرها ،وأقامت عنده تسع سنين وتوفي
وهي بنت ثمان عشرة .وقول المصنف :قصد إلى تشميسه
صحيح وزعم بعض الغالطين أنه ل يقال قصد إلى كذا بل
قصد كذا ،وهذا خطأ بل يقال :قصدته وقصدت إليه
وقصدت له ،ثلث لغات حكاهن ابن القطاع وغيره .ومن
أظأرف الشياء أن اللغات الثلث اجأتمعت متوالية في حديث
واحد في صحيح مسلم في نحو سطر ،عن جأندب البجلي
رضي الله عنه :أن رجأل من المشركين كان إذا شاء أن
يقصد إلى رجأل من المسلمين قصد له فقتله .وأن رجأل من
المسلمين قصد غفلته وهذا نصه بحروفه والله أعلم ،وأما
قوله :كما ل يكره ماء تشمس في البرك والنهار متفق
عليه لعدم إمكان الصيانة وتأثير الشمس .
قال المصنف رحمه الله تعالى :فإن تطهر منه صحت
طهارته ،لن المنع لخوف الضرر وذلك ل يمنع صحة الوضوء
كما لو توضأ بماء يخاف من حره أو برده (1) .
____________________
-1الشرح :أما صحة الطهارة فمجمع عليه ،وقوله لن
المنع لخوف الضرر ،وذلك ل يمنع صحة الوضوء معناه أن
النهي ليس راجأعا إلى نفس المنهي عنه ،بل لمر خارج
وهو الضرر ،وإذا كان النهي لمر خارج ل يقتضي الفساد
على الصحيح المختار لهل الصول من أصحابنا وغيرهم .
فإن قيل ل حاجأة إلى قوله :ل يمنع صحة الوضوء لن كراهة
التنزيه ل تمنع الصحة قلنا :هذا خطأ لن الكراهة نهي مانع
من الصحة سواء كان نهي تحري
) (1/133
أو تنزيه إل أن يكون لمر خارج ،فلهذا علل المصنف بأنه
لمر خارج ،ومما حكم فيه بالفساد لنهي التنزيه الصلة في
وقت النهي فإنها كراهة تنزيه ول تنعقد على أصح الوجأهين
كما سنوضحه في موضعه إن شاء الله تعالى .وأما قوله :
كما لو توضأ بماء يخاف حره أو برده فمعناه أنه يكره ويصح
الوضوء ،وهذان المران متفق عليهما عندنا ودليل الكراهة
أنه يتعرض للضرر ،ولنه ل يمكنه استيفاء الطهارة على
وجأهها .فرع :في قول المصنف :ول يكره من ذلك إل ما
قصد إلى تشميسه تصريح بما صرح به أصحابنا وهو أنه ل
تكره الطهارة بماء البحر ول بماء زمزم ول بالمتغير بطول
المكث ول بالمسخن ما لم يخف الضرر لشدة حرارته سواء
سخن بطاهر أو نجس ،وهذه المسائل كلها متفق عليها
عندنا وفي كلها خلف لبعض السلف ،فأما ماء البحر
فجمهور العلماء من الصحابة فمن بعدهم على أنه ل يكره
كمذهبنا ،وحكى الترمذي في جأامعه وابن المنذر في
الشراف وغيرهما عبد الله بن عمر ابن الخطاب وعبد الله
بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أنهما كرها الوضوء به ،
وحكاه أصحابنا أيضا عن سعيد بن المسيب .واحتج لهم
بحديث روى عن ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم :
تحت البحر نار وتحت النار بحر حتى ،عد سبعة وسبعة رواه
أبو داود في سننه ،واحتج أصحابنا بحديث :هو الطهور
____________________
) (1/134
ماؤه وبحديث :الماء طهور ولنه لم يتغير عن أصل خلقته
فأشبه غيره ،وأما حديث تحت البحر نار فضعيف باتفاقا
المحدثين وممن بين ضعفه أبو عمر بن عبد البر ولو ثبت لم
يكن فيه دليل ول معارضة بينه وبين حديث هو الطهور ماؤه
.وأما زمزم فمذهب الجمهور كمذهبنا أنه ل يكره الوضوء
والغسل به ،وعن أحمد رواية بكراهته لنه جأاء عن العباس
رضي الله عنه أنه قال وهو عند زمزم :ل أحله لمغتسل ،
وهو لشارب حل وبل ودليلنا النصوص الصحيحة الصريحة
المطلقة في المياه بل فرقا ،ولم يزل المسلمون على
الوضوء منه بل انكار ،ولم يصح ما ذكروه عن العباس ،بل
حكى عن أبيه عبد المطلب ولو ثبت عن يجز ترك النصوص به
.وأجأاب أصحابنا بأنه محمول على أنه قال في وقت ضيق
الماء لكثرة الشاربين .وأما المتغير بالمكث فنقل ابن
المنذر التفاقا على أنه ل كراهة فيه إل ابن سيرين فكرهه ،
ودليلنا النصوص المطلقة ولنه ل يمكن الحتراز منه فأشبه
المتغير بما يتعذر صونه عنه .وأما المسخن فالجمهور أنه ل
كراهة فيه وحكى أصحابنا عن مجاهد
____________________
) (1/135
كراهته ،وعن أحمد المسخن بنجاسة وليس لهم دليل فيه
روح ،ودليلنا النصوص المطلقة ولم يثبت نهى .فرع :ثبت
في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما :أن الناس
نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجر أرض
ثمود فاستقوا من آبارها وعجنوا به العجين فأمرهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن يهريقوا ما استقوا ويعلفوا
البل العجين ،وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت
تردها الناقة وفي رواية للبخاري أن النبي صلى الله عليه
وسلم لما نزل الحجر في غزوة تبوك أمرهم أن ل يشربوا
من آبارها ،ول يستقوا منها ،فقالوا :قد عجنا منها
واستقينا ،فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يطرحوا
ذلك العجين ويهريقوا ذلك الماء .قلت :فاستعمال ماء هذه
الباء المذكورة في طهارة وغيرها مكروه أو حرام إل
لضرورة لن هذه سنة صحيحة ل معارض لها ،وقد قال
الشافعي :إذا صح الحديث فهو مذهبي .فيمنع استعمال
آبار الحجر إل بئر الناقة ،ول يحكم بنجاستها لن الحديث لم
يتعرض للنجاسة ،والماء طهور بالصالة ،وهذه المسألة ترد
على
____________________
) (1/136
قول المصنف :ل يكره من ذلك إل ما قصد إلى تشميسه ،
وكذلك يرد عليه :شديد الحرارة والبرودة والله أعلم .
قال المصنف رحمه الله تعالى :وما سوى الماء المطلق من
المائعات كالخل وماء الورد والنبيذ وما اعتصر من الثمر أو
الشجر ل يجوز رفع الحدث ول إزالة النجس به لقوله تعالى :
} فلم تجدوا ماء فتيمموا { فأوجأب التيمم على من لم يجد
الماء فدل على أنه ل يجوز الوضوء بغيره ،ولقوله صلى الله
عليه وسلم لسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما
في دم الحيض يصيب الثوب :حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه
بالماء فأوجأب الغسل بالماء فدل على أنه ل يجوز بغيره ) .
(1
____________________
-1الشرح :أما حديث أسماء فرواه البخاري ومسلم بمعناه
لكن عن أسماء أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم
عن ذلك فقال :تحته ثم تقرصه بالماء وفي رواية :
فلتقرصه ثم لتنضحه بماء هذا لفظه في الصحيح وليس في
الصحيح أن أسماء هي السائلة ول في كتب الحديث
المعتمدة ،لكن رواه الشافعي في الم كذلك في رواية
ضعيفة بعد أن رواه عن أسماء أ
) (1/137
امرأة سألت ،وقد أنكر جأماعة على المصنف روايته أن
أسماء هي السائلة وغلطوه فيه ،وليس هو بغلط ،بل رواه
الشافعي كما ذكرناه ،والمراد متن الحديث وهو صحيح ،ولو
اعتنى المصنف بتحقيق الحديث وأتى برواية الصحيحين
لكان أكمل له وأبرأ لدينه وعرضه .ومعنى حتيه حكيه
ومعنى اقرصيعه قطعيه واقلعيه بظفرك ،والدم مخفف
الميم على اللغة الفصيحة المشهورة ،وتشدد الميم في
لغية ،والستدلل من الية والحديث ليس بالمفهوم .بل
أمر بالتيمم والغسل بالماء فمن غسل بمائع فقد ترك
المأمور به .وأما حكم المسألة :وهو أن رفع الحدث وإزالة
النجس ل يصح إل بالماء المطلق فهو مذهبنا ل خلف فيه
عندنا ،وبه قال جأماهير السلف والخلف من الصحابة فمن
بعدهم ،وحكى أصحابنا عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي
ليلى وأبي بكر الصم أنه يجوز رفع الحدث وإزالة النجس
بكل مائع طاهر ،قال القاضي أبو الطيب :إل الدمع فإن
الصم يوافق على منع الوضوء به ،وقال أبو حنيفة يجوز
الوضوء بالنبيذ على شرط سأذكره في فرع مستقل ،وأذكر
إزالة